كتب المثالب الأربعة
تعتبر كتب المثالب الأربعة للهيثم بن عدي الكوفي(المتوفي سنة 209 هـ) وهي كتاب (المثالب) و(كتاب المثالب الكبير)، و(كتاب المثالب الصغير)، و(مثالب ربيعة). من أشهر ما كتب في هذا الموضوع، علاوة على بقية كتب المثالب لأبي اليقظان بن سحيم بن حفص، وأبي عبيدة معمر بن المثنى والسائب الكلبي (المتوفي سنة 204 هـ). (للمزيد راجع فهرست بن النديم/99). وقد دأب الكثير من الكتاب الفرس والمستشرقين والشعوبيين في الطعن بالعرب والمسلمين بالاستفادة من كتب المثالب، إضافة الى ما جادت به الذاكرة التأريخية العربية من فن الهجاء، فاستثمروه شر استثمار، بطريقة مبيته للطعن في الإسلام والعرب. كما كتب المؤرخون العرب كتبا عن الطفيليين والبخلاء والعوران والحمقى كنوادر وملح طريفة لإمتاع القارئ، ولكن هذا النوع من الأدب أعتبره البعض نوعا من المثالب، مع انه يتضمن حكايات طريفة خاصة لا يصح أن يوصف بها القوم جميعا، لا يوجد شعب يخلوا من هذه الأصناف من الناس، ولكنهم لا يشكلون مثالبا على القوم كلهم. صحيح ان بعض الشعراء عمٌ بعض الظواهر على قوم ما لكن هذا لا يصح بالطبع، وكلام الشعراء في هذا المجال لا يؤخذ به لأن أسبابه معروفة، مثلا، قال أبو عبيدة: أرسل ابن لعجل بن لجيم فرسا له في حلبة فجاء سابقا، فقال لأبيه: يا أبت، بأيّ شيء أسمّيه؟ فقال: افقأ إحدى عينيه وسمّه الأعور. وقال الشاعر:
رمتني بنو عجل بداء أبيهــم وأيّ عباد الله أنوك مـــن عجل!
أليس أبوهم عار عين جواده فاضحت به الأمثال تضرب في الجهل
( عيون الأخبار2/51).
قال ابن قتيبة” ومن القبائل المشهور فيها الحمق الأزد. قال رجل منهم في المهلّب بن أبي صفرة:
نعم أمير الرّفقة المهلّب أبيض وضّاح كتيس الحلّب
ينقضّ بالقوم انقضاض الكوكب
فلما أنشده المهلّب قال: حسبك رحمك الله“.( عيون الأخبار2/52).
قال ابن قتيبة” وبنو أسد تعيّر بأكل الكلاب؛ قال الفرزدق:
إذا أسديّ جاع يوما ببلدة وكان سمينا كلبه فهو آكله (عيون الأخبار3/234)
وقال جرير:
والتغلبي إذا تنحنح للقرى حك استه، وتمثل الأمثالا
تلقاهم حلماء تلقهم عن أعدائهم وعلى الصديق تراهم جهالا (حلية المحاضرة/52)
وهذا يفسر لنا سبب خشية الأقوم من لسان الشعراء، لأنهم ألسنهم حادة كالسيف وتمثل مثلمة على القوم من الصعب محوها.نبغ في بني حزام شاعر، فهجا الفرزدق فأخذوه وكتّفوه وجاءوا به إلى الفرزدق فقالوا: إنَّ هذا قد هجاك فخذ منه حكمك ولا تطلق فينا لسانك فقد مكّناك منه، فأطلقه الفرزدق وخلاَّه، ثمَّ أنشأ يقول:
فمن يكن خائفاً لبنات شعري فقد أمن الهجاء بنو حزام
هم قادوا سفهيهم وخافوا قلائد مثل أطواق الحمام (حماسة الظرفاء/33).
وهناك الكثير من الشعراء الذين تخصصوا بالهجاء، وآخرين عزفوا عنه لعدة أسباب.
اولا. التعفف
كما قال ابو العباس السفاح أول ملوك بني العباس، من ظريف كلامه: التغافل عن ذنوب الناس وعيوبهم من أخلاق الكرام، والتهاون بفاضحتهم من أخلاق اللئام. (اللطف واللطائف/3).
ثانيا. جهل المقابل
مثلا عبد الرحمن صاحب أندلس، كتب إليه بسبة فوقع: أما بعد فإنك عرفتنا فسببتنا ولو عرفناك لأجبناك والسلام. . (اللطف واللطائف/5).
ثالثا. مخافة الظلم.
أي خشية من أن يترتب على القدح ظلم للآخر، قيل للعجّاج: إنك لا تحسن الهجاء، فقال: إن لنا أحلاما تمنعنا من أن نظلم،وأحسابا تمنعنا من أن نظلم، وهل رأيت بانيا لا يحسن أن يهدم“.( عيون الأخبار2/200).
رابعا. خشية من نتائجه.
وربما قد يترتب عليه نتائج وخيمة لم يقدرها المرء، قال الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرّجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه وعثرته بالرّجل تبرا على مهل
( عيون الأخبار2/196).
هيثم الكوفي
يعتبر هيثم بن عدي الكوفي من أبرز كتاب المثالب، قال عنه البخاري” ليس بثقة، كان يكذب”. وقال عنه المدائني” لا أرضاه في الحديث ولا في الأنساب ولا في شيء”. (الشذرات2/19). وقال عنه صالح بن أحمد العجلي عن أبيه” كذاب! وقد رأيته”. أما الجوزجاني فقد وصفه ” ساقط! كُشف قناعه”.
الأطرف من هذا كله أن جارية هيثم الكوفي تقول عن مولاها” كان يقوم عامة الليل يصلي، فإذا أصبح جلس يكذب”. (معجم الأدباء19/304). وقد تضمنت كتبه الكثير من الأخطاء والتدليس والدجل. جاء في كتاب المثالب عن رواية للهيثم بن عدي” كانت درة بنت أبي سفيان عند إبن زريا الأزدي”. (كتاب المثالب/173). ولا يعرف لأبي سفيان بنت بهذا الاسم، كما ان زوجها إبن زربا مجهول، ولا ذكر له في كتب الرجال! وقال عن (عثمان بن عمرو بن عثمان) كان ضعيفا وكان يلقب (خراء الزنج) (كتاب المثالب/177). مع انه لا يعرف لعمرو بن عثمان ابنا بهذا الاسم! بل وجاء في نسب القريش أن اللقب (خرز الزنج) وليس كما ورد في كتاب المثالب (راجع نسب قريش/112). قال جحظة ” كان ابن الكلبي الإخباري نهاية في التخلف والركاكة والنوك والبلادة؛ وكان عبيد الله بن يحيى بن خاقان يعنى به؛ فقلده الخبر بسر من رأى فكتب إلى المتوكل في بعض الأيام: اعلم، أمير المؤمنين، أطال الله بقاهأن امرأتي أم ولدي حسن – فديته – خرجت ومعها حبتها فلانة ابنة فلان إلى البستان الفلاني، وأن حبتها عربدت عليها، فضربت صدغها بقنينة نبيذ ففتحته فتحا عظيما. فصحف القارئ على المتوكل، فقال: صدعها (بالعين)، فضحك المتوكل، وقال: ما بقى هذا غاية في الفضيحة. ثم قال جحظة: ولما مات خلف ابنه “حسنا”، وكان يفضله في التخلف، ويوفى عليه في البلادة ويتقدمه في الحمارية”.(التحف والهدايا/22).
غالبا ما يستعين الرواة الشيعة بأحاديث الكوفي والكلبي في الطعن بالصحابة سيما أبا بكر وعمر، لكن الذي فاتهم ان الكوفي قد قدح أيضا في الشيعة!
هشام السائب الكلبي (الكلب السائب)
قال هشام السائب الكلبي في حديثه عن أبناء الحبشيات من قريش” نضلة بن هاشم بن عبد مناف لا عقب له، أمه صهاك نفيل بن عبد العزى ابن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، أمه صهاك. عمرو بن ربيعة ابن الحارث بن حبيب بن جذيمة من بني عامر بن لوى وأمهم صهاك حبشية، كانت لهاشم بن عبد مناف. والخطاب ابن نفيل أمه حية كانت لجابر ابن أبي حبيب الفهمي“. (كتاب المثالب/87). وأضاف ذكروا” ان ثابت بن قيش بن شياس الأنصاري عير عمر بن الخطاب فقال يا ابن السوداء، فأنزل الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم)).
لاحظ ان الاسم الذي أورده الكلبي، ذكره محمد بن حبيب في المنمق (صهال) وليس (صهاك). (المنمق/503). في حين ان المصادر التأريخية أجمعت بأن نضلة بن هاشم ونفيل بن عبد العزى وعمرو بن ربيعة هي أميمة بنت أدٌ بن علي(نسب قريش/16). يمكن الرجوع الى كتابنا (اغتيال العقل الشيعي للمزيد). لكن ابن الكلبي ذكر أيضا أن من ابناء الحبشيات” محمد بن علي بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي وابناؤه موسى وعلي ومحمد عبد الله بن اسحق المهدي. وكذلك جعفر ابن اسماعيل بن موسى تبن جعفر بن محمد بن علي، وعبد الله بن حمزة بن موسى بن جعفر، ومحمد وجعفر ابنا إبراهيم بن حسن بن حسن، وسلمان بن حسن”. (كتاب المثالب/89). راجع أيضا للزيادة (المنمق/504. المحبر/308. جمهرة انساب العرب/61).
كما ورد في كتاب المثالب للهيثم بن عدي الكوفي” عن هشام عن أبيه من أشهر زناة العرب من العرب امرؤ القيس بن حجر الكندي وعامر بن الطفيل الجعفري، ومغيرة بن شعبة الثقفي”. (المثالب/47). وقد قال الحصري أن” سكينة هي ابنة الحسين، والرباب: أمّها، وهي بنت امرىء القيس الكلبية”. (زهر الآداب1/102).
هذا يعني أن جد سكينة وأبو الرباب من أشهر زناة العرب! ونفس الشيء يقال عن هشام بن السائب الكلبي نفسه، فقد ذكر” يقال ان عباس بن عبد المطلب كان أحد اللاطة”. (كتاب المثالب/36). وأضاف” كان ممن يلعب به ويتخنث ابو غليظ بن عتبة بن أبي لهب”. (كتاب المثالب/37). وكان عتبة زوج رقية بنت الرسول (ص). كما قال السائب الكلبي” عن ابن عباس كان ابو بكر بن ابي قحافة وعقيل بن ابي طالب أعلم الناس بقريش، فكان ابو بكر يعرف محاسنها، وكان عقيل يعرف مساويها، وكان عقيل ابغض الناس من بين القوم”. (كتاب المثالب/3). وقال أيضا” من كان يأكل منهم بالربا الوليد بن المغيرة والعباس بن عبد المطلب”. (المصدر السابق/28). وقد اعتبر ابن حنبل” أن رِبا ابن عباس موضوع كله”. (المسند5/73). وذكر الكلبي أن من أبناء السنديات (محمد بن علي بن أبي طالب و علي بن حسين بن علي، وزيد بن علي بن الحسين”. (كتاب المثالب/95). ومن أبناء النبطيات من قريش ” مسلم ابن عقيل بن أبي طالب وأمه يقال لها خلية”. (كتاب المثالب/96).
على الرغم من أن الكلبي كان أحيانا في كتبه يمدح العرب لكنه هذا المديح لا يقارن بذكره لمثالبهم، فقد ذكر ابن عبد ربه” قال الكلبي كانت في العرب خاصة عشر خصال لم تكن في أمة من الأمم: خمس منها في الرأس، وخمس في الجسد؛ فأما التي في الرأس: فالفرق، والسواك، والمضمضة، والاستنثار، وقص الشارب؛ وأما التي في الجسد: فتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء؛ وكان في العرب خاصة، القيافة؛ لم يكن في جميع الأمم أحد ينظر إلى رجلين أحدهما قصير والآخر طويل، أو أحدهما أسود والآخر أبيض، فيقول: هذا القصير ابن هذا الطويل، وهذا الأسود ابن هذا الأبيض، إلا في العرب”.(العقد الفريد3/278). لكن صاحب العقد غض النظر عن مثالب الكلبي لغاية في نفس يعقوب! ومن خزعبلات الكلبي، عن ابن دريد” ذكر ابْن الْكَلْبِيّ أَنه وجد بِالْيمن حفيراً فَدخل فِيهِ فَإِذا سَرِير من ذهب عَلَيْهِ امْرَأَة طولهَا عشرَة أذرُع وَعند رَأسهَا لوح من ذهب مَكْتُوب عَلَيْهِ: أَنا حُبَّى بنت تُبَّع متُّ فِي زمَان هَيْدٍ، وَمَا هَيْدٌ، مَاتَ فِيهِ اثْنَا عشر ألف قَيْل، ومتّ وَلَا أُشرك باللهّ شَيْئا”. (جمهرة اللغة2/1063). ولحد اليوم لم يكشف علماء الآثار والحفريات عن هيكل عظمي لامرأة او رجل بطول (14) ذراعا!
الغريب أن معظم ما أورده الكوفي والكلبي من أحداث وأحاديث كانت بلا سند. وإن وجِد سند فهو كاذب أو مجهول لا أصل له في كتب الرواة والرجال والأنساب مثلا قوله” حدثني غير واحد عن علي بن ابي طالب عليه السلام فقال أما سامة فحق وأما العقب فليس له”. (المثالب/14). وفي كتابه أخطاء كثيرة منها على سبيل المثال إنه اعتبر (الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي) من أبناء الروميات النصرانيات. مع أن ابن المغيرة المعروف هو أبو ربيعة الملقب بذي الرمحين ولم تك أمه نصرانية، فقد خلط بينه وبين الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وكانت امه سجى ابنة إبرهة وقد نكحها عبد الله وهي نصرانية، ولم تكن رومية (للمزيد راجع نسب قريش/318).
كما ذكر بأن معاوية بن أبي سفيان استمتع من معوية مولاة الحضرمي فولدت له أرنب”. وهذا كذب فلم يعرف لمعاوية بنت إسمها أرنب، وإنما بناته (هند، رملة، عائشة وعاتكة) كما ورد في جمهرة أنساب العرب (الجمهرة/112) وبقية كتب السير والتأريخ. ولا يوجد من يلقب الحضرمي في مكة سوى عبد الله بن عماد الحضرمي، وهو لا علاقة له بالأمر لا عن قريب ولا عن بعيد بما ذكره الكلبي.
وذكر أيضا “ان معاوية استمتع من ابنة زنبور عبد ثقيف فولدت له عبد الرحمن”. (المثالب/110). ولا يعرف لمعاوية ولد سوى يزيد، كما ورد في كتب الأنساب (نسب قريش/177). وقال الكلبي” ان خولة بنت منظور بن زيان بت سيار الفزاري كانت امها مليكة بنت خارجة بن سنان، أخوهم هرم بن سنان عند زيان بن سيار فهلك عنها زبان، فخلف عليها منظور بن زيان نكاح مقت بعد أبيه فولدت له هاشما وخولة، فزوج خولة محمد بن طلحة بن عبيد الله وهو السجاد، فقتل عنها يوم الجمل مع أبيه وهي حبلى بإبراهيم بن محمد ابن طلحة، وكان لإبراهيم قدر وكان أعرج، ثم خلف عليها حسن بن علي فولدت له الحسن بن الحسين”. (المثالب/123). في حين ذكر أبن قتيبة غير ذألك” ان الحسن بن علي تزوج خولة ثم خلف عليها محمد بن عبيد الله بن طلحة”. (المعارف/112). جاء في نسب قريش بأن” الزبير إبن صفية بنت عبد المطلب تزوجها عوام بن خويلد بن أسد إبن عبد العزى فولدت له الزبير”. (نسب قريش/20). وذكر الكلبي في حديثه عن الفخر” قال عثمان أنا إبن البيضاء، وقال الزبير أنا إبن الصفية”. (كتاب المثالب/144). ويقصد عثمان بالبيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب. قال البلاذري” فقد تزوجها كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فولدت له أروى بنت كريز أم عثمان بن عفان”. (أنساب الأشراف/88). قال ابن الجوزي” أخبرنا هشام بن محمد الكلبي، عن أبي الغيّاض الخثعميّ قال: مرّ عبد اللَّه بن عبد المطلب بامرأة من خثعم يقال لها: فاطمة بنت مرة وكانت أجمل الناس وأعفّهموكانت قد قرأت الكتب، و كان شباب قريش يتحدثون إليها رأت نور النبوّة في وجه عبد اللَّه بن عبد المطلب، فقالت: يا فتى، من أنت؟ فأخبرها. فقالت: هل لك أن تقع عليّ و أعطيك مئة من الإبل؟
فنظر إليها وقال:
أمّا الحرام فالممات دونه والحلّ لا حلّ فأستبينه
فكيف بالأمر الّذي تبغينه يحمي الكريم عرضه و دينه
مّ مضى إلى امرأته آمنة بنت وهب، فكان معها، ثمّ ذكر الخثعميّةو جمالها و ما عرضت عليه، فأقبل عليها فلم ير منها من الاقبال عليه كما رآه منها أوّلا، فقال: هل لك فيما قلت لي فقالت: قد كان ذلك مرّة فاليوم لا، فذهبت مثلا. ثم قالت: أيّ شيء صنعت بعدي؟
قال: وقعت على زوجتي آمنة بنت وهب. فقالت: إنّي و اللَّه لست بصاحبة ريبة، و لكني رأيت نور النبوّة في وجهك، فأردت أن يكون ذلك فيّ، و أبى اللَّه إلّا إن يجعله حيث جعله.
وبلغ شباب قريش ما عرضت على عبد اللَّه بن عبد المطلب و تأبيه عليها
فذكروا ذلك لها، فأنشأت تقول:
إني رأيت مخيلة عرضت فتلألأت بحناتم القطر
فلمائها نور يضيء له ما حوله كإضاءة الفجر
و رأيته شرفا أبوء به ما كلّ قادح زيح زنده يوري
للَّه ما زهريّة سلبت ثوبيك ما استلبت و ما تدري
وقالت أيضا:
بني هاشم قد غادرت من أخيكم أمينة إذ للباه يعتلجان
كما غادر المصباح بعد خبوّه فتائل قد ميثت له بدهان
و ما كلّ ما يحوي الفتى من تلاده بحزم و لا ما فاته لتوان
فأجمل إذا طالبت أمرا فإنّه سيكفيكه جدّان يصطرعان
سيكفيكه إمّا يد مقفعلّة وإمّا يد مبسوطة ببنان
ولمّا قضت منه أمينة ما قضت نبا بصري عنه و كلّ لساني
1. الشعر ركيك ويبدو ان صادر من شاعر مبتدأ او ليس بشاعر أصلا. ذكرها الطبري وابن هشام وقالوا يزعمون فسندها ضعيف، راجع (تأريخ الطبري1/243).(السيرة النبوية1/155). (الروض الآنف1/104).
2. الحكاية تتعارض مع قول النبي (ص): إن اللَّه عز وجل اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم”. فليس من المنطق رجوع عبد الله بن عبد المطلب بعد جماعه آمنة بنت وهب، فيطلب منها الجماع وسبق أن رفضه.
3. اختلاف الروايات حول شخصية هذه المرأة المزعومة. قيل هي فاطمة بنت مر الخثعمية، وقيل بل هي ليلى العلوية، وقيل بل هي أم قتال أخت ورقة بن نوفل، وقيل هي كاهنة من أهل تبالة. راجع “. (المنتظم2/171) . (طبقات ابن سعد1/95). (دلائل النبوة للبهقي1/102). (سيرة ابن هشام1/156).
ابو عبيدة
أبو عبيدة (110 ـ 209 هـ) هو معمر بن المثنى التيمي بالولاء، ومن المعروف ان بني تميم له من بقايا من المجوس، وليس من المستبعد أن يبغضهم أبو عبيدة. قال عنه ابو هلال العسكري” أول من صنف فى غريب القرآن أبو عبيدة معمر بن المثنى صنف كتاب المجاز، وأخذ ذلك من ابن عباس حين سأله نافع بن الازرق عن أشياء من غريب القرآن، ففسرها له واستشهد عليها بأبيات من شعر العرب، وهو أول ما روى فى ذلك، وهو خبر معروف. وكان من عدم معرفته وتقدمه فى العربية ربما لم يتم البيت من الشعر حتى يكسره، ويخطىء اذا قرأ فى المصحف، وكان يبغض العرب ويؤلف فى مثالبها الكتب، ويرى رأى الخوارج، ويرمى باللواط، فبعث به أبو نواس فقال:
صلّى الإله على لوط وشيعته أبى عبيدة قل بالله آمينا (الأوائل/381).
قال ابن حمدون” قال رجل مطعون النسب لأبي عبيدة لما عمل كتاب المثالب: سببت العرب جميعا. قال: وما يضرّك أنت من ذلك؟”. (التذكرة الحمدونية9/393).
لا يحسن التّعريض إلّا ثلبا
نود الإشارة بأن هناك الكثير من أدباء العرب ممن كانوا يتعففون عن ذكر المثالب، قال زيد بن رفاعة” أي إنّه سفيه يصرّح بالسّبّ ولا يعرّض. الثّلب:الطّعن في الأنساب، ومنه المثالب”. (الأمثال للهاشمي/275). (أمثال أبي عبيد/79). (المستقصى2/2687). (جمهرة الأمثال2/379). (مجمع الأمثال2/235). وقال ابو الضلع السندي:
لنْ ترىَ بيتَ هِجاءٍ أبــــــداً يأتيكَ منىِّ
الهجاء أكبرُ مِمــن قدورُه يَصْغُرُ عنيِّ (الورقة/23)
قال ابو الفرج عن البحتري ونسبه” هو الوليد بن عبيد الله بن يحيى بن عبيد بن شملال بن جابر بن سلمة بن مسهر بن الحارث بن خيثم بن أبي حارثة بن جدي بن تدول بن بحتر بن عتود بن عثمة بن سلامان بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن جلهمة وهو طيءبن أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، هجاؤه جيد على ندرته ، ويكنى أبا عبادة شاعر فاضل فصيح حسن المذهب نقي الكلام مطبوع كان مشايخنا رحمة الله عليهم يختمون به الشعراء وله تصرف حسن فاضل نقي في ضروب الشعر سوى الهجاء فإن بضاعته فيه نزرة وجيده منه قليل وكان ابنه أبو الغوث يزعم أن السبب في قلة بضاعته في هذا الفن أنه لما حضره الموت دعا به وقال له اجمع كل شيء قلته في الهجاء ، ففعل فأمره بإحراقه ثم قال له يا بني هذا شيء قلته في وقت فشفيت به غيظي وكافئت به قبيحا فعل بي وقد انقضى أربي في ذلك وإن بقي روي وللناس أعقاب يورثونهم العداء والمودةوأخشى أن يعود عليك من هذا شيء في نفسك أو معاشك لا فائدة لك ولي فيه قال فعلمت أنه قد نصحني وأشفق علي فأحرقته“. (الاغاني10/43). (الاغاني21/42).
قال ابو حيان التوحيدي” قلت لأبي سليمان شيخنا ببغداد، وكان يُتهادى كلامه، ويُتشاحُّ على ما يُسمع منه: لم صار السبّ والهجاء وذكر كل عورة وفحشاء أخفّ على من حُرم مأموله، ومُنع مُلتمسه، من الوصف الحسن والثّناء الجميل، والمدح الأغرّ المحجّل،والتّقريظ البليغ المتقبّل على من صدقه ظنّه، وتحقّق رجاؤه، وحضرته أُمنيته؟ فقال: لأن الذي يمدح يعلم من نفسه ما عندها كالعتيد، والذي يثلب يأخذ لنفسه ما ليس عندها كالمستقبِل؛ فالفصل بينهما كالفصل بين الغارم وما يملكه، وبين الغانم ما يطلبه” .( أخلاق الوزيرين/530).