18 ديسمبر، 2024 6:48 م

النظام العالمي: ازدواجية المعايير على قاعدة الكيل بمكيالين

النظام العالمي: ازدواجية المعايير على قاعدة الكيل بمكيالين

النظام العالمي، الذي تتحكم به، القوى العظمى والكبرى في المعمورة، وهي في هذا التحكم؛ تلوي اعناق الحقائق والوقائع على الارض بما يؤدي او يفضي في نهاية المطاف، الى ما يتلاءم ويتناسب مع ما تريد، بصرف النظر عن الحق والعدل، وايضا عن السلام والامن والاستقرار في العالم، الذي من المفترض بها ان تسعى إليه. لكن، كل الوقائع والحوادث والحروب والنزاعات، التي جرت في السابق وتجري الآن، وربما ستجري في المستقبل، لم يجر البحث فيها او عن حلول لها بما يستوجب العدل والحق، أو على قاعدة القانون الدولي، بل ان ما جرى ويجري، وربما سيجري، بل سيجري على قاعدة المعايير المزدوجة اي الكيل بمكيالين. ان هذه السياسة التي تتبعها القوى العظمى والكبرى في العالم، او القوى العظمى والكبرى، الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي؛ ساهمت او هي من ساعدت في اطالة امد الحروب والنزاعات في العالم الثالث، لتقاطع اهدافهم وإراداتهم مع بعضهم البعض، سواء في تأجيج هذه الحروب والنزاعات، أو في تخليقها وتوليدها، اي في ايجاد مسبباتها على ارض الواقع. عليه نلاحظ ان كل الحروب والنزاعات بأذرع الوكلاء، ماهي الا تلبية لأهدافهم ذات الابعاد الاستراتيجية، لتكون الشعوب هي الضحية وهي حطبها في الوقت نفسه، مع انها ليست حربها او نزاعاتها، وهنا ما قصده هو اغلب النزاعات والحروب وليس جميعها، فهناك حرب يشعلها المقاومون؛ لتحرير وطنهم من الاحتلال، او الاحتلال الاستيطاني كما هو حاصل للفلسطينيين. ان جميع عمليات الغزو والاحتلال للدول ذات السيادة، هو وفي كل الاحوال ومهما كانت التبريرات والمسوغات؛ عمل مدان ومرفوض، انما الكيل بمكيالين بين غزو واحتلال وغزو واحتلال اخر؛ هو ما مفترض، ان يكون مرفوضا، رفضا تماما، سواء من الاسرة الدولية، او من القانون الدولي؛ اي ان تصدر ادانة من مجلس الامن الدولي، أو من الامم المتحدة حين يتعذر اصداره من مجلس الامن الدولي، بسبب حق الفيتو للدولة الغازية. في القرن الحادي والعشرين؛ حدثت غزوات امريكية وروسية، في اقل من عقدين؛ من اهمها، هما، الغزو والاحتلال الامريكي للعراق، والغزو الروسي لأوكرانيا، والمستمر حتى كتابة هذه السطور، اللذان جرى التعامل معهما على طريقة المعايير المزدوجة، بطريقة واضحة جدا، بل صارخة الى ابعد الحدود. باختصار اورد المقارنات التالية، على كيفية التعامل الدولي مع الغزوتين، وايضا الفروقات بين مسبباتها، ونتائجها:
اولا؛ اوكرانيا تحادد الاتحاد الروسي، كما انها ترتبط مع الاتحاد الروسي بالتاريخ المشترك، منذ القرن التاسع حين تم اقامة الامبراطورية القيصرية الروسية، وكانت كييف عاصمتها. اما من الجانب الثاني، كما يسوغ الروس هذا الغزو؛ ان اوكرانيا لها القدرة وفي ظرف اسابيع وربما ايام على حيازة وامتلاك سلاح نووي، بفعل وجود القاعدة المادية لهذا، والتي امتلكتها من ايام الاتحاد السوفيتي. وقد صرح الرئيس الاوكراني، بانه يفكر في اعادة او العمل على صناعة السلاح النووي، مما جعل الامر او قلب الوضع راسا على عقب كما يقول المسؤولون الروس. بينما العراق يبعد اكثر من عشرة آلاف كم عن امريكا. أما من الجانب الثاني فالعراق كان قد تخلص من اسلحة الدمار الشامل، الامريكيون يعلمون بهذا علم اليقين. لكنهم استخدموا هذه الحجة وهي كذبة وهم يعرفون انهم يكذبون؛ لغزو واحتلال العراق.
ثانيا؛ ان اوكرانيا عملت او طلبت ان تكون عضوا في حلف الناتو، وهذا هو الذي دفع الاتحاد الروسي لغزوها، للقضاء على هذا الحلم اي حلم الانضمام الى الناتو. أما من جانب العراق فلم يكن جارا لأمريكا، ولا يشكل اي تهديد لها مهما كان حجم هذا التهديد. العراق كان قد خضع للحصار، على مدار ما يقارب 13عاما، الذي أتى على كل جميل فيه، وعلى البنية التحتية، وعلى قواته الدفاعية. كما ان الدول المحيطة به، والدول الاخرى المجاورة للدول المحيطة، جميعها دول من العالم الثالث، اي لم تكن لتشكل، حتى وان تحالفت مع العراق، افتراضا؛ اي تهديد لأمريكا من ارض العراق، مهما كان حجمه.
ثالثا؛ اوكرانيا تقع على الخط الساخن والفاصل بين روسيا ودول الاتحاد الاوربي، اي دول حلف الناتو، فهي بهذا الموقع تشكل قاعدة ارتكاز للناتو في مواجهة روسيا. أما من جانب العراق فلم يكن او لم يقع في موقع او على الخط الساخن والفاصل بين القوى العظمى؛ حتى يشكل تهديدا استراتيجيا، على السياسة الامريكية في الحافات الملتهبة، او على الصراع الامريكي مع القوى العالمية التي تنافسها على الريادة في العالم. هذا لا يعني ان العراق لا يقع في الموقع الاستراتيجي بين القارات، بل ان العكس هو الصحيح، انما هناك فرق كبير بين الموقعين لناحية قواعد الاشتباك والصراع المباشر بين القوى العظمى.
رابعا؛ في اوكرانيا، اقليم الدونباس، يشكل الروس الغالبية او الناطقين بالروسية هم الاغلبية، والتي تقول عنهم روسيا من انهم يتعرضون للقتل على مدار ثماني سنوات، وهي( الاتحاد الروسي) قامت بغزو اوكرانيا لحماية هؤلاء من اضطهاد النازيين الجدد في اوكرانيا او القومين المتطرفين، كما يقول عنهم المسؤولون الروس، وعلى راسهم بوتين، قيصر روسيا. أما في العراق فلم يكن هناك فيه اي امريكي، ولم تكن هناك اي منطقة يقطنها الامريكيين، ويتعرضون لاضطهاد الحكومة العراقية؛ حتى تغزو العراق لنجدتهم وحمايتهم، أما قولهم من انهم قد غزو واحتلوا العراق لتحرير شعبه من نظام دكتاتوري، فهو قول فنده الواقع خلال ما يقارب العقدين، بل انهم على العكس من هذا فقد دمروا الوطن دولة وشعبا، وزرعوا فيه؛ الشقاق والنفاق. كما ان القول بتخليص الشعب من نظام دكتاتوري؛ قول كل ما فيه كذب وفرية وخدعة، وغطاء يشرعن الغزو والاحتلال، قائلها يستهين ويستخف بذكاء الناس.. وهنا لا ابري النظام من الخطايا والاخطاء، ولا اضعه في واقع ديمقراطي، غير ما كان عليه من واقع، ليس فيه ديمقراطية باي شكل كانت…
خلال ايام تحرك الاعلام الغربي، وعلى الرأس منه، الاعلام الامريكي، من لحظة اطلاق اول اطلاقة مدفع عند بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، حتى ضجت جميع وسائل الاعلام المسموع والمرئي والمقروء؛ بالحديث عن الغزو الروسي. ومن ثم او في اللحظة ذاتها؛ بدأ رؤساء دول الاتحاد الاوروبي، بتصريحات تشجب وتدين الغزو الروسي، وتتوعد روسيا بالويل والثبور وعواقب الامور، وبجهنم، التي تنتظرهم خلف الابواب. في اتساق متزامن تتابعت العقوبات الاوروبية والامريكية على روسيا وقد شملت جميع القطاعات بلا استثناء، وكذلك الكيانات والاشخاص، ولم يسلم منها، الرئيس الروسي ووزير الخارجية، ولا تزال عملية العقوبات مستمرة. اضافة الى امداد اوكرانيا بالمال والرجال والسلاح الفتاك. والمهم هنا هو شجب الامين العام لهيئة الامم المتحدة لهذا الغزو. اما من الجانب الثاني قد تم تحريك مجلس الامن الدولي، لعقد جلسة لمناقشة وادانة الغزو الروسي، وكان قرار الادانة سيصدر لولا الفيتو الروسي، وهذا الحق هو واحد من اهم دعائم دكتاتورية مجلس الامن الدولي وتحكمه بالكرة الارضية، اي تحكم القوى العظمى والكبرى في جميع اركان المعمورة. ان هذه السياسة ما هي الا سياسة القوي على الضعيف، والتي ليس فيها اي عدل او انصاف او قانون دولي يحكم على ضوء المعايير التي تم بموجبها ومن اجلها اقامة او تشكيل مجلس الامن الدولي. اثناء الغزو الامريكي للعراق، وعلى الرغم من المظاهرات التي ضجت بها عواصم الغرب بما فيها الولايات المتحدة الامريكية، لكن الامم المتحدة ولا مجلس الامن الدولي ولا القوى العظمى والكبرى بما فيها روسيا والصين وفرنسا، لم تحرك ساكنا. لقد بدى الامر او هذا الغزو كأن شيئا لم يحدث او لم يكن له وجود، في وقت كانت فيه القوات الامريكية؛ تدمر العراق، وتستخدم جميع ما في ترسانتها من اسلحة محرمة دوليا. لم تصدر حتى الآن، اي ادانة او شجب لما قامت به الولايات المتحدة ضد الشعب العراقي، وما اقصده بالإدانة؛ هو تحميل الولايات المتحدة ما حل بالعراق من دمار وخراب وقتل وتشريد، اي ادانة ببيان رسمي سواء من مجلس الامن الدولي، او من الهيئة الاممية، ولا اقصد ما يقوله شرفاء العالم من ادانة لهذا الغزو والاحتلال، حتى بعد مضي ما يقارب العقدين عليه، او ما يكتبه هؤلاء الشرفاء، سواء من الامريكيين او من مختلف بقاع الارض في المعمورة. لقد مر هذا الغزو ومن ثم بعد ذلك الاحتلال والى الآن مر مرور الكرام. ان الكيل بمكيالين لهو اعتى انواع الظلم والوحشية؛ ان التفرقة بين هذا الشعب وذاك الشعب، الا يعد من اقوى واعمق انواع التفرقة العنصرية، نعم هو يعتبر وفي جميع الشرائع الارضية والسماوية؛ من ابشع انواع الظلم والتفرقة بين البشر. صحيح ان النظام العراقي كان قد ارتكب خطيئة كبيرة بغزو واحتلال الكويت، لكنه كان ايضا قد اعتذر عن هذا الغزو. كما انه قد اعترف بجميع قرارات مجلس الامن الدولي، ولو على مضض، والتي هي في اغلبها، قرارات مجحفة جدا، وتجاوزت صلاحيات مجلس الامن الدولي المنصوص عليها في لائحة اقامته، كما انها قد تجاوزت رأي العراق، كون الامر يعنيه، وبالذات ترسيم الحدود والتعويضات، والاخيرة كانت مجحفة جدا. ما اريد ان اصل إليه؛ هو ان العالم لا يحكم بالعدل، ولا يحكم بما يفرضه القانون الدولي، ولا من اجل السلم الدولي، ولا من اجل الاستقرار والتنمية ونشر الديمقراطية، بل ان ما يحكم العالم هو مصالح القوى العظمى والكبرى فيه، وليس المصالح المشروعة ابدا، فهذه المصالح يتم كسرها واعادة صياغتها بالكذب والتزوير بما يجعلها او تبدوا وكأنها مصالح مشروعة او الغاية منها هو تأسيس للقواعد والمعايير التي تضمن الاستقرار والسلام في العالم، بينما حقائق الامور والاوضاع، هي على العكس تماما، واكبر الدلالة على هذا التوجه؛ هو ما خرجت به علينا، ثورات الربيع العربي، بعد ازاحتها من على طريق الثورة، الى طريق اخر، طريق الثورة المضادة؛ التي تم بها اعادة انتاج الدكتاتوريات بثياب الديمقراطية الممزقة كما الغربال. اذا ما نظرنا الى الحرب الدائرة الان في اوكرانيا او الصحيح الغزو الروسي لأوكرانيا، فهو صراع مصالح استراتيجية. الاتحاد الروسي يريد من هذا الغزو فك الطوق من حول رقبته؛ للمحافظة على وجوده كدولة عظمى لها قوتها في لعب الدور الوازن في العلاقات الدولية، بينما امريكا تريد ان تحكم هذا الطوق حول رقبة الدب الروسي؛ لتقليص دوره في اللعبة الدولية. ان الحفاظ على الدور الفاعل في الموازنة الدولية؛ يفتح المجال واسعا في توسعة المصالح في الكرة الارضية لهذه الدولة العظمى او لتلك الدولة العظمى، اي توسعة المجال الحيوي على حساب مصالح شعوب العالم الثالث. عليه فان حروب او غزوات الدول العظمى والكبرى لدول العالم الثالث، او العالم الثاني في البعض من الاحيان او المرات وهي محدودة بالقياس الى غزواتهم لدول العالم الثالث؛ ماهي الا للحصول على المغانم وتثبيتها على قاعدة من الانظمة الموالية، وليس للشعوب اي مصلحة في هذه الغزوات.. في الختام اقول ان العالم، يعيش الآن مرحلة انتقالية من عالم الى عالم اخر سيكون مختلف كليا عن هذا العالم الذي نعيشه، اي من عالم احادي القطب الى عالم متعدد الاقطاب، ربما اربعة اقطاب سوف تتحكم في مصير العالم، روسيا والصين وامريكا والاتحاد الاوروبي، والمقصود بالأخيرة؛ ألمانيا وفرنسا، وبالذات المانيا. انها دورة مقيته، مع انها اي العالم ذات التعددية القطبية؛ يوفر مساحات واسعة للمرونة امام دول العالم الثالث، انما تظل كفة الميزان لصالح الاقوياء. عليه فان هذه الدورات التاريخية المقيتة، لابد ذات يوم، ان تكسرها، إرادة الشعوب الحرة، بما فيها شعوب الدول العظمى والكبرى، على مسارات تطور العقل البشري، وبالتالي تعميق حس البشر بالظلم وانعدام العدالة في عالم تتحكم في مصيره، القوى العظمى.