واجهت عملية تأسيس النظام السياسي في العراق بعد عام 2003 مجموعة من التحديات البنيوية في عملية بناء مؤسساته بأطر تنموية فاعلة تقوم على تهيئة المستلزمات الاساسية في التأسيس لبيئة حزبية سليمة خاضعة لاطر قانونية تضبط السلوك السياسي للاحزاب باتجاه تنشئة المجتمع سياسياً واجتماعياً بثقافات داعمة لعملية بناء النظام السياسي الديمقراطي، والسلوك الانتخابي عبر اجراء منافسة نزيهة وشفافة لاحداث التداول السلمي للسلطة.
ان تلك التحديات البنيوية التي رافقة النظام افقدت الاحزاب السياسية عنصرين مهمين اولهما التفاعل والمقصود به الانغماس بين الاوساط الاجتماعية للوقوف على اهم المشاكل التي تواجهها والعمل على معالجتها من خلال صياغة برامجها كوسيلة لبناء قواعدها الاجتماعية وثانيهما الوساطة كونها حلقة الوصل بين المجتمع والنظام السياسي في ايصال الحاجات المجتمعية الى النظام السياسي عبر بوابة المدخلات ومعالجتها عبر بوابة المخرجات التي تكون في الغالب على شكل قانون الذي يتطلب ايصاله الى المجتمع عبر قنوات ايضاحية تقوم بها الاحزاب، كل ذلك جعل منها احزاب فوقية تنساق بإطر وتوجهات تتعارض مع عملية بناء النظام السياسي الديمقراطي من خلال تعظيم دور الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية المتمثلة بالاثنية والقومية واستمدت شرعيتها منهما مع غياب المنجز في مواقعها الرسمية وغير الرسمية في ظل انعدام دور النظام عن محاسبتها.
وجاء تعاملها في تقلد الوظائف الرسمية في اطار الا دولة كونها جعلت من مؤسسات النظام عبارة عن ممتلكات خاصة لها بعنوان المكون خلافاً لما معمول به في الانظمة الديمقراطية المتقدمة التي تجعل من القانون المحرك الاساسي في ادارة تلك المؤسسات لاحداث التنمية في القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة.
وحتى مع تشريع قانون الاحزاب رقم (36) لسنة2015 نتيجة الى الضغوط المحلية والدولية على تشريع قانون ينظم العمل الحزبي والذي مثلَ خطوة ايجابية في تنظيم عملها رغم تأخره، مع ذلك لم نجد التزاماً به بصورة كاملة من قبل الاحزاب سوى في عمليات التأسيس التي تمنحها الشرعية القانونية في ممارسة عملها السياسي ورغم ان القانون اشار الى استحداث دائرة الاحزاب والتنظيمات الحزبية لادارة ورقابة عمل الاحزاب الا انها واجهت مجموعة تحديات تمثلت في ضعف جهازها الاداري في تعامله مع الاحزاب السياسية، فضلاً عن تحديات تضمنها القانون في ضبط سلوك الاحزاب السياسية لاسيما فيما يخص متابعة وارداتها ونفقاتها.
ونتيجة الى تلك المعطيات كان من الطبيعي ان تظهر حالة عدم الرضا لدى افراد المجتمع العراقي لذلك النهج والاسلوب المتبع في عملية ادارة الدولة وعدم انضباطها حاول ان يعطي تحذيراً واضحاً عن ذلك من خلال عزوفة عن انتخابات 2018.
ورغم الامتعاض الذي ابداه المجتمع العراقي الا ان الاحزاب لم تأخذ على عاتقها تغيير النهج الذي تقوم به وعدم قدرة النظام على محاسبتها والسبب في ذلك يعود الى انها اضحت المتحكم على ادارته بكل مفاصله سبب مشكلة في عدم وجود المؤسسة القادرة على انفاذ القانون ومحاسبة ومعاقبة المخالف على ذلك.
ولد ذلك سخطاً شعبياً تبلور على شكل تظاهرات في 1/10/2019 عمت الكثير من محافظات العراق معلنتاً الرفض لذلك النهج الذي سار عليه النظام من سوء للخدمات وانعدام للامن نتج عنها استقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة وتشريع قانون جديد للمفوضية واعادة تشكيل هيكليتها الادارية وتشريع قانون جديد للانتخابات وتقرر اجراء انتخابات مبكرة والاهم من ذلك كله ايقضت الشعب العراقي من حالة السبات الذي كان فيها.
اذن المشكلة تكمن في عدم القدرة النظام على تطبيق القانون نتيجة لهذا التغلغل الكبير للاحزاب في مؤسساته التي جعلت منها هياكل بلا وظائف حقيقة تنسجم مع مهامها وصلاحياتها لاسيما المؤسسات المسؤولة عن رقابة ومحاسبة المخالفين للقانون، لذلك فان تصحيح المسار لعمل النظام السياسي يفترض في البداية القيام بألاتي:
تفعيل دور المؤسسات الرقابية المسؤولة عن متابعة حسن تطبيق القانون ولاسيما قانون الاحزاب السياسية.
تفعيل دور الجهات التي تقوم على التحقيق على ذلك الخرق الذي تم تشخيصه من قبل الجهات الرقابية.
تفعيل دور الجهات المسؤولة عن فرض العقوبات على المخالفين الذين اثبتت عملية التحقيق ذلك، وعلى ان تكون العقوبة مناسبة مع حجم الخرق المرتكب.
ومع كل ذلك لابد قبل كل شئ العمل على تحرير تلك المؤسسات من القيود المفروضة عليها لضمان استقلاليتها ومهنيتها في ممارسة عملها وكذلك التخفيف من وطأة الاجراءات البيروقراطية المعمول بها في مؤسسات الدولة واختيار الكوادر الكفوءة في ممارسة عملها، فان هذه الاجراءات ستكون البداية في مواجهة التحديات التي تواجه النظام والاتجاه نحو ممارسات سليمة تقوم على تأسيس بيئة حزبية سليمة داعمة لعمل النظام السياسي الديمقراطي.