يجب أن تدرس التجربة السياسية العراقية، أو بالأحرى النظام السياسي العراقي الجديد الذي كان طارئا على المنطقة برمتها ليكون عبرة للدول التي تحاول ان تؤسس دستورا ونظاما سياسيا ومشهدا حزبيا على غرار التجربة العراقية الفاشلة، ولو ان التجربة اللبنانية هي قريبة نوعا ما، لكن الفرق بين النظامين أن التجربة اللبنانية مرت بحرب اهلية طاحنة اتعبت اهلها وبعدها فكر الساسة اللبنانيون انهم من الصعب خوض حرب مدمرة مرة اخرى لانهم مازالوا يعيشون وقع تلك المأساة المريرة، فقرروا عيش المناكفات بدلا من الحروب الداخلية، على الرغم من ان الساحة اللبنانية تشهد الى يومنا هذا اضطرابات وانقسامات لاعد ولا حصر لها لكنها أقل وطأة من الكارثة العراقية.
لكن الغريب في المشهد السياسي العراقي ذو النظام الفايروسي الوبائي أنه ومنذ بداية تأسيسه لم يستند الى التجارب السابقة للدول القريبة من تكوينه والتي نجحت نجاحا باهرا منقطع النظير وصارت انظمتها مثال يحتذى به في الرقي والديمقراطية والرفاهية، فكثيرة هي الدول التي تحتضن قوميات واثنيات متعددة بل وان بعضها اكثر تعقيدا من النسيج العراقي والمثال الحي هو سويسرا التي تضم في طيفها اربع قوميات وكل قومية تعود أصولها لثلاث دول عتية: الالمانية والفرنسية والايطالية بالتاكيد ما عدا القومية الرابعة وهي الرومانشية التي هي اقل الاقليات.
فلو كانت ما يسمى بالمعارضة العراقية انذاك تمتلك رؤيا وتصور حقيقي لعراق ما بعد 2003 أنذاك، لما حدث ما حدث ولما ألت الامور الى ما عليه الأن، لكن على ما يبدوا أن ما يسمى بالمعارضة كانت تحمل ارهاصات خطيرة والغاية من مؤتمراتهم وتحركاتهم لم تكن من اجل هم العراق وانقاذه اهله من حصار يشيب له الرضيع أو تخليصه كما يزعمون من الدكتاتورية، فبدلا من التسامح ولم شمل المجتمع العراقي، أسسوا على انقساماته، متعدمين ومصرين اشد الاصرار على وضع قوانين مبطنة أستهدفت شريحة كبيرة لطائفة بعينها واعتبروها طائفة ملغية من حسابات العملية السياسية الجديدة، مستهدفين العراق بدستور ولد اعراض جانبية ساعدت على انقسامه بمواد وفقرات خطيره، تنكروا هم فيما بعد لها متجاهلين أنهم هم من وضع تلك المواد والفقرات ذاتية الانفجار، ومما زاد الطين بلة أنهم ألغوا مؤسسات عسكرية وامنية عمرها أكثر من ثمانين عاما لتحل محلها مؤسسات ودوائر شكلية لا تعالج الخلل والعلل والمشاكل، حيث تواجد داخلها اناس عديمي الكفاءة والجدوى ليس همهم سوى الاستحواذ على المناصب والسمسرة والابتزاز.
فبدلا من تدارك أخطاء الماضي والنهوض بواقع البلد، جلبوا لنا شرور تفوق الشرور الماضية ونكات نكثت بالشعب العراقي أوصلته الى ان أصبح حلم كل عراقي ترك البلاد واللجوء الى الدول الاخرى بسبب الدمار والخراب والقتل على الهوية والانفجارات التي أصبحت اشبه بمقبلات يومية مجانية، والطامة الكبرى والتي هي مربط الفرس السياسيون الجدد الذين عاثوا في الارض فسادا واخذوا يتجارون بدماء الشعب العراقي من اجل زيادة ارصدتهم والحفاظ على غنائهم التي غنموها من العملية السياسية النتنة، وصلت خستهم أنهم يشتمون العراقيين على الفضائيات ويشبهونهم بالمتسولين ومن ثم لا يحاسبون ويتركون يسرحون ويمرحون.
النظام السياسي العراقي بكل فروعه من دستوره وبرلمانه ومجلس وزراءه وسلطته القضائية وقوانين الاجتثاث والمسائلة والعدالة وجميع هيئاته واحزابه ومليشياته، بات خطرا على العراق والعراقيين وبحاجة الى عملية قلع وتنظيف وتاسيس نظام جديد يضمن للعراقيين كرامتهم وامنهم ورفاهيتهم ووحدة البلاد وأمن العباد من خلال قوانين ومؤسسات جدية لا طائفية ومذهبية تاسس للعنف والدمار والتقسيم.