مر النظام الدولي بمحطات مهمة اثرت على خصائصه الرئيسة، تمثلت بالحربين العالميتين الاولى والثانية والتحول الذي مر به من الثنائية القطبية الى الاحادية في العام (1991)، وما نلاحظه في وقتنا الحاضر من متغيرات كثيرة تطرأ على واقع النظام اهمها الظروف الصحية التي يمر بها العالم جراء جائحة كورونا التي فرضت على السوق العالمي اسلوب جديداً في التعامل مع ذلك، تمثلت بالتعاملات الالكترونية، فنجد ان الشركات التي تعتمد على التسوق الالكتروني كشركة (امازون) ازدادت مواردها واسعار اسهمها بكثير بعد الجائحة، فضلاً عن شركات الالعاب الالكترونية وغيرها نتيجة زيادة الطلب عليها، وكانت العملات الرقمية هي الاخرى ازدادت قيمتها وارتفع الطلب عليها بعد جائحة كورنا، وذلك لمجوعة اسباب تتعلق في طريقة تعاملها المالي التي لا تحتاج الى اجراءات مادية ملموسة كلاعتمادات المصرفية او التعامل في العملات الورقية التي تسبب العدوى، ونتيجة الى ما حققته تلك العملات من ايجابيات تمثلت في سهولة التعامل بها وعدم خضوعها الى الاجراءات البيروقراطية، يمكن للعالم ان يعيد النظر في التعاملات المالية السابقة المتبعة، والاتجاه نحو تعزيز دور العملات الرقمية في السوق العالمي، فضلاً عن كونها لا تخضع الى العمولات والرسوم والضرائب في عمليات التحويل والتوفير كما كان معمول به في العملات السابقة.
اما بخصوص التغيرات التي ستطرأ على واقع النظام الدولي اذا ما تم اعتمادها فأنها ستعمل على احداث نقلة نوعية في موازين العالم عن طريق اضعاف سيطرت وهيمنة الدول من خلال قوانينها وضوابطها التي تفرضها، فضلاً عن المؤسسات المالية والاقتصادية العالمية التي تنظم حركة التبادل التجاري بين الدول والقفز على القوانين الدولية التي تحكم حركة التبادلات من الدول الى الافراد، كون هذه العملات ليس لها جنسية محددة تخضع من خلالها الى ضوابط وقوانين تلك الدول او المؤسسات، الامر الذي سيؤدي الى المزيد من الحرية في السوق العالمي الذي سيعتمد على طبيعة الاتفاق بين الطرفين، فان ذلك سيؤدي الى تغييرات كبيرة في نوعية وطبيعة الصراعات والتحالفات بين الدول وسيؤثر ذلك على حركة التجارة العالمية التي تقوم على منظومة معينة، وكذلك على طبيعة المعاهدات والاتفافيات المالية والاقتصادية في العالم.
ناهيك عن ان هذه العملات ستضعف حالة الهيمنة التي يفرضها الذهب على قيمة العملات التقليدية، كون ان قيمها لا يتم تحديدها عن طريق تغطيتها بالذهب، انما عن طريق حجم التعاملات بها وحجم الثقة والمقبولية لدى المتعاملين، وبذلك ستنشئ كيانات ومؤسسات اقتصادية جديدة في العالم مغايرة عن سابقاتها.
كما ان هذه العملات ستعمل على ايجاد اسلوب او طريقة جديدة في توفير فرص عمل للافراد بعد ان بدأ العالم يعاني من توفيرها نتيجة الى الزيادة الحاصلة باعداد السكان في العالم، اذ سيكون بمقدور تلك العملات على توفير تلك الوظائف ولكن بأسلوب يختلف عن سابقه، كونها لا تحتاج الى مؤسسة او وسيلة للنقل او ساعات عمل محددة انما يقتصر فقط على جهاز كمبيوتر ذو تقنيات عالية مع وجود الانترنت والخبرة الالكترونية والتفرغ لساعات من اليوم، وان تلك العملية تتم من داخل المنازل بعملية تسمى (التعدين) التي تقوم بالحصول على العملات الرقمية من العالم الافتراضي، فان هذه العملية ستتجاوز الكثير من المشاكل البيئية التي تسببها مخلفات الاعمال الروتينية ودخان السيارات والمصانع والمالية من احتياجات كالمبلابس ووسائل النقل وغيرها والمرورية المتمثلة في زحمة الشوارع جراء نقل الموظفين.
لكن مع كل ذلك فان تلك العملات سيكون لديها مردود سلبي كبير على النظام الدولي اذا ما تم الاخذ بها فأنها ستعمل على زيادة نشاط العمليات الخارجة عن القانون والمتمثلة بتجارة المخدات والاتجار بالاعضاء البشرية وتمويل العمليات الارهابية كونها لا تخضع الى الرقابة والضوابط القانونية، وستنشأ مشاكل مالية جديدة تتعلق بقيمتها الامر الذي يزيد من المضاربات المالية، لذلك نجد هناك الكثير من الدول منعت التعامل في تلك العملات نتيجة الى تلك الاسباب.
كما ان هذه العملات سيكون لها ايضاً مردود سلبي على قيمة وحجم التبادل بالدور الامر الذي دفع بوزيرة الخزانة الامريكية الى معالجة ذلك من خلال التصريح الى اصدار عملة دولار الكترونية وذلك للحد من تلك العملات.
لذلك على العلم ان يعي الى حجم التغيير الذي سيطراً على النظام الدولي جراء جائحة كورونا من بينها التعاملات المالية من خلال العملات الرقمية، ومدى التأثير الذي تقوم به في تغيير ديناميكية النظام الدولي.