صفحات التاريخ هي أعظم وأهم شهود على الأحداث التي سجلت في قلبه وستترك للأجيال القادمة للحكم على القضايا السابقة، ومن أهم تلك القضايا في تاريخ إيران “قضية التفاوض” مع النظام الإيراني الحالي!
التفاوض هو أحد الطرق المنطقية لحل النزاع بين طرفين أو أكثر، وقد كان ولازال قائما على مر التاريخ ولكنه أيضا يتطلب شرطا ضروريا لشرعية ونجاح المفاوضات وهو الإيمان الراسخ لدى الطرفين بالمفاوضات، وخلاف ذلك لن يتم حل المشكلة فحسب بل ستتخذ شكلا أكثر تعقيدا، في إيران اليوم مفاوضات هذا النظام مع الآخرين باطلة فالتفاوض مع هذا النظام كلعبة تقام على أرض النظام الإيراني، لماذا؟
لأن ما أثبتته التجربة طيلة سلطة ولاية الفقيه هو أن النظام الحاكم في إيران سواء على المستوى المحلي أو العالمي لا يؤمن أساسا بـ “التفاوض” خاصة منذ زمن خميني مؤسس هذا النظام الذي أصدر فتواه الشخصية بالقتل ضد الشعب والمقاومة الإيرانيين! وتتعارض هذه الفتوى التي هي عبارة عن أوامر سياسية مع مبدأ التفاوض.
ويقودنا ذكر الأمثلة بهذا الصدد إلى حقيقة أن التفاوض مع هذا النظام يسير على خط إبقاء النظام واستسلام الطرف الآخر من المفاوضات.
على مستوى الداخل الإيراني: لقد أُغلِقت في وجه الشعب والأحزاب الشعبية والثورية والوطنية في إيران جميع الوسائل السلمية والسياسية عقب المجزرة التي راح ضحيتها 500 ألف شخص في طهران على يد حرس خميني في 20 يونيو 1981 بما في ذلك المفاوضات، ومنذ ذلك التاريخ حُسمت نقطة نهاية المفاوضات مع هذا النظام وفرض خميني على الشعب والأحزاب السياسية بالمجتمع خيار القمع والقوة والعنف والبهتان أي خيار العار والاستسلام ولا شيء غير ذلك!
وعليه ومنذ ذلك الحين فصاعدا أصبحت أي مفاوضات في مواجهة هذا النظام انتهاكا للحدود الحمراء الأساسية بين الشعب والديكتاتورية الدينية الحاكمة، وتأسس “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية” على هذه الحدود الحمراء التي لا يمكن انتهاكها ذلك لأن هذا النظام لا يؤمن بالمفاوضات ولا بالحوار ولا بالتعايش وتقبل المعارضة (وحتى النقاد)، وإن سجل هذا النظام البالغ 43 سنة لدليل على هذه الحقيقة، ويأتي تفسير اغتيال الأمين العامين للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني على يد فرق إرهابية أرسلها نظام الملالي إلى الدول الأوروبية في هذا السياق.
على المستوى الإقليمي: قال عبد الله المعلمي ممثل المملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة مؤخرا في مقابلة مع صحيفة (عرب نيوز) السعودية إنه “لم تتحقق نتائج مهمة في عملية التفاوض بين البلدين”، وقال مسؤول إيراني لرويترز بهذا الخصوص إن الاجتماع لم يكن رسميا ولم يحضر أي مسؤول إيراني هذا الاجتماع.
على المستوى العالمي: بعد عمليات الكشف التي قامت بها المقاومة الإيرانية حول المشاريع النووية للنظام الإرهابي المتحكم في إيران أصبح العالم على دراية بالمخططات شديدة الخطورة لدى هذا النظام.
كشف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية على الملأ عن قرارات النظام الأخيرة بشأن الأسلحة النووية في 9 مارس 2004، ليقرر المجلس الأعلى للأمن القومي بالنظام بعدها في اجتماع سري برئاسة خامنئي تنفيذ مشروع تخصيب اليورانيوم وببناء قنبلة ذرية بالسرية والتفاوض والتضحية والابتزاز، واستخدام منطق ولسان القوة لتهديد العالمين، وخاصة دول المنطقة.
أدى استمرار الكشف عن المزيد من المشاريع النووية للنظام الإيراني من قبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية إلى أن تأخذ حكومات العالم مخاطر وصول النظام الإرهابي في إيران إلى القدرات النووية على محمل الجد، وقد تم الاعتراف على أعلى المستويات الحكومية في الدول الكبرى مقرين بدور المقاومة الإيرانية في فضح المشاريع النووية للنظام.
لكن نتيجة نمطية المراضاة والتهدئة الغالبة على سياسات الحكومات الغربية فيما يتعلق بالنظام الإيراني ودخول هذه الدول بمفاوضات مع هذا النظام سيعرض مصير المجتمع الدولي للخطر بالخطوات القادمة،
وبالرغم من انسحاب أمريكا من المحادثات النووية مع إيران خلال رئاسة دونالد ترامب والتمكن من الابتعاد خطوة عن هذا الواقع المرير، إلا أن النظام الإيراني قد تمكن مع وجود الإدارة الأمريكية الجديدة في السلطة من البدء بقواعد “التفاوض” مجددا بشأن عملية الحصول على القنبلة الذرية!
واليوم تقول هذه الحكومات الأوروبية نفسها وأمريكا هما من يقولان أن النظام الإيراني غير قابل للتفاوض، ذلك لأن هذا النظام يبحث عن شراء “الوقت” الذي يمكنه من تجهيز قنبلته الذرية! والحقيقة هي أن النظام الإيراني بسوء استغلاله لقواعد “التفاوض” استطاع إطالة عمر نظامه، وأول المتضررين بالطبع هم الشعب والمقاومة الإيرانيين.
وبناءا عليه، وكما يتضح من خلال العديد من الأدلة الدامغة والشواهد والقرائن التاريخية التي لا يمكن انكارها يجب انهاء مسار المفاوضات مع هذا النظام الآن.
والأمر كما أعلنته المقاومة الإيرانية مرارا بإن السبيل الوحيد لحل القضية الإيرانية هو استخدام أقصى قواعد الحزم في مواجهة هذا النظام، فالآثار الضارة لاستمرار المفاوضات مع هذا النظام باتت واضحة الآن للجميع، وبات استمرارها الآن أخطر من أي وقت مضى.
نقطة أخيرة،
الآن ومع هذه الخبرات المكتسبة من سجل النظام الإيراني في مجال “التفاوض” وهو ما يعترف به الجميع فإن أي تفاوض مع هذا النظام في إيران والمنطقة والعالم لا يمكن تبريره والمستفيد الأول منها كما مضى كان النظام الديكتاتوري الإرهابي المتسلط على إيران، وهذا ما يتعارض بوضوح مع المطلب الرئيسي للشعب الإيراني الذي يريد إسقاط هذا النظام.
@m_abdorrahman
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني.