المحتويات:
1- المُقدِّمة
2- خَلقْ الانسان
3- قابيل وهابيل
4- نوح وقصَّة الطوفان
5- ابراهيم والإله الواحد
6- يوسف وتفسير الأحلام
7- هل كانَ موسى يهوديا ام مصريا؟
8- سُليمان والهُدهد
9- عيسى أبن مريم ومُعجزاته
10- نُزول الوحي في الجبل
11- الجنَّة والجحيم
12- هل كان محمُّد عربيا ام عبرانيا
13- اسباب نزول الآيات القرآنية
14- الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم
15- عدالة السماء وتناسُخ الارواح
16- الوحي والايحاء في الأديان السماوية
17- الحج
18- هل إبليس معضلة أَمْ حل؟
19- الرائيلية ومحاولة التزاوج بين الدين والعلم
20- حوار مع رائيلي
21- عذاب القبر والملكان مُنكَر ونَكير
22- الملائكة كَتَبة الاعمال
23- السِحِر والملكان هاروت وماروت
24- لماذا لَمْ يختر اللّه انبياء ورسلا من النساء
25- هل هناك حاجة لتنقيح وتجديد الاديان الابراهيمية؟
26- الخالق والانسان
1- المقدمة:
ترددتُ كثيرا في نشر هذه الدراسة، حتّى لا أُخلِق تأثيرا على ايمان احد من البشر لانَّ الايمان يُعطي الانسان الجاهل او الغير الواعي الطمأنينة وراحة البال ومتانة للوقوف منتصبا أمام عاديات الزمن، كما انّ شريحة الجهلاء لا يمكن انْ تستقيم حالها بدون الايمان بوجود الثواب والعقاب في حياة اخرى بعد الموت.
ولكن الايمان بالاديان له سلبيات عديدة فهو سبب رئيسي للحروب وويلاتها،حروب بين الاديان المختلفة كحروب الفتح الاسلامي والحروب الصليبية والحروب بين اليهود والمسلمين في فلسطين والحروب الداخلية بين المذاهب المختلفة للدين الواحد كالحروب بين البروتستانت والكاثوليك في الماضي وبين الشيعة والسنّة في الحاضر وفي العراق بالذات وقد تقع حرب المذاهب بين الدول السنيّة والشيعية.
ولا ننسى العمليات الانتحارية الّتي يقوم بها المتطرفون الاسلاميون والّتي حصدت وتحصد وستحصد المئات من الارواح البريئة للاطفال والنساء والرجال اضافة الى الخسائر الماديّة، وكذلك المجازر الّتي نفذها المتطرفون الاسلاميون في الجزائر.
كانت الاديان سببا في ترسيخ الرق والسبي باشكالها واحتقار المرأة وهدر الاموال الطائلة والوقت في الطقوس الدينية كالصلاة وبناء الجوامع والكنائس والمعابد والاضرحة والحج والعمرة، فلو صُرِفت هذه الاموال لتخفيف معاناة الانسان، فكم يتيم سترجع البسمة الى شفاهه وكم مريض سينسى الآمه وكم من العجزة سيجد مأوى يرتاح فيها من غدرالزمن والاحبّة والقائمة تطول، فحسب المنطق والاديان فإنَّ الله موجود في كلّ مكان ( اقرب اليكم من حبل الوريد…. الآية القرآنية ) و (أينما تُولّوا وجوهكم فثمّة وجه الله…. الآية القرانية )، فالمؤمِن يستطيع انْ يتعبّد الله في ايِّ مكان مِن كرتنا الارضية، فما الحاجة الى هذا البذخ في بناء دور العبادة؟
لكن سلواي في نشر هذا الكتاب هو كون معظم المؤمنين بالاديان السماوية هم من شريحة الّذين لا يقرأون مثل هذه الدراسات، امّا شريحة المؤمنين المثقّفين فلديهم مناعة مكتسبة ضدّ مثل هذه الكتابات لان عملية الايحاء في ترسيخ الاديان في عقول البشر يُلبِس هؤلاء درعا واقيا ضدّ مثيري الشكوك من امثالي بشأن حقيقة الاديان السماوية.
لقد قررت نشر هذه الدراسة باسم مستعار لانّي لا اريد ان ينالني وينال عائلتي اذى الجاهلين.
بِدءاً اودّ انْ اشير الى انّ هذا الكون الفسيح وما فيه من الكائنات لا يمكن انْ يوجد بهذا النظام الرائع بدون وجود خالق له. انّ كل ذرّة في هذا الكون العجيب تنطق ولسان حالها تقول هذا من إبداع خالق، ولكنّ التساؤل الّذي يرد على عقل الانسان هو: إذا كان خالق كرتنا الارضية والكون مُبدِع وقادر على كلِّ شيء، فلِمَ خَََلَقََ الكوارث الطبيعية كالبراكين والاعاصير والتسونامي والزلازل، ولِمََ خَلَُقَ ذوي العاهات؟ ولِمََ يموت الاطفال الرُضّع والصبيان والصبايا بعمر الزهور؟ ولِمَ خلق الله الجراثيم والفيروسات ومرض السرطان؟ هل هناك خطأ في التصميم؟ امْ ماذا؟
المؤمن سيجيبك على هذه التساؤلات بعبارة: (لحكمة يعلمها الله)، او ببعض عبارات التسلّي: (كلّما اشتّدَ مُعاناة المريض قلّت ذنوبه). او (الله يبتلينا ليمتحن ايماننا) ولكن لِمَ يمتحننا إذا كانت كلُّ الامور تجري حسب مشيئته، وإذا كان كلّ شيء مكتوبا مِن البداية في لوح محفوظ؟.
انّ جسم الانسان باجزهزته العصبية والتنفسية والهضمية، وكلّ شيء فيه الى ادق التفاصيل لا يُمكن انْ يوجد صدفة او نتيجة تطوّر اعمى، واِنْ كان قد تطوّر من خلية اوليّة كما تقول نظرية النشوء والارتقاء للعالِم تشارلس داروين فقد تطوّر بأمر من خالق مُبدِع قادر على كلّ شيء.
نستطيع انْ نذكر ملايين من الأمثلة من عالم الجماد والنبات والحيوان على الإبداع والاعجاز الموجود في عملية الخَلْق.
فمن الدلائل العقلية على وجود خالق للكون والمخلوقات الحيّة :
-المقطع الذهبي:
لاحظ الباحثون انّ نسبة الطول الكلّي لجسم الانسان مقسومة على بعض اجزاءه يكون دائما مساوية الى 1.618 فمثلا عند قسمة طول رِجِل الانسان على الجزء من اسفل القدم حتّى موضع الركبة فالنسبة الناتجة تكون 1.618 وهذا ينطبق على ذراع الانسان و كذلك فإنّ نسبة الطول الكلّي للانسان مقسومة على ارتفاع السُرّة تكون 1.618، في عالم الحيوان نلاحظ ظهور المقطع الذهبي ايضا، ففي قشرة الحلزون لو قسّمنا طول محيط احدى الدوائر على طول محيط الدائرة التالية الاصغر منها فسنحصل على النسبة الذهبية او المقطع الذهبي وهذه القاعدة تنطبق على عالم النبات كذلك.
المقطع الذهبي او النسبة المقدّسة تظهر في الاشكال الهندسية ايضا، فالنجمة الخماسية هي نجمة رُسمت بخطوط متساوية الطول تتقاطع في خمس نقاط في الوسط كما أنّ النسبة بين اجزاء من خطوطها مقسومة على الطول الكلّي للخط تساوي النسبة المقدسة (فاي) (Phi ) = 1.618 وهي نسبة إلاهية.
نستنتج من هذا أنّ الكون واحيائه لم توجد نتيجة للصدفة لأنّ الصدفة لا يُمكن انْ تُراعي النسب الجمالية للمخلوقات وهذا ينطبق على اللوحات الفنيّة الّتي نشاهدها في مخلوقات كرتنا الارضيّة كالوان الفراشات والطيور كالطاووس والحيوانات البحرية كالاسماك.
في الهندسة المعمارية المقطع الذهبي يلعب دورا مهمّا في التصميم المعماري، فعند تصميم قاعة مستطيلة الشكل لاحظ المهندسون المعماريون بأنّ أفضل وأجمل نسبة بين ضلعي المستطيل هي 1.618 / 1.
الفنان العبقري ليوناردو دافنشي صاحب اغلى لوحة فنيّة في العالم ( موناليزا ) اكتشف سِحِر المقطع الذهبي واستخدمه في مُعظم لوحاته الفنية كما استخدمه المهندس المعماري الفرنسي ليكوربوزيه في تصاميمه المعمارية.
-التناظر في المخلوقات الحيّة:
الانسان وجميع الحيوانات مخلوقة بشكل متناظر، ومن المستحيل على الصدفة مراعاة التناظر.
-السلّم الموسيقي:
يتكوّن السلّم الموسيقي من سبع طبقات، دو، ري، مي، فا، صول، لا، سي. ومضاعفاتها او جواباتها، ويُمكن تأليف ايّة قطعة موسيقية بأستعمال هذه النوتات السبع وجواباتها أو باستعمال اجزاء هذه النوتات كالبيمول والدييز، ويتميّز الموسيقى الشرقية بأستعمال النوتات الكاملة وانصافها وارباعها بينما الموسيقى الغربية تستعمل النوتات الكاملة وانصافها فقط.
-الوان الطيف الشمسي:
الوان الطيف الشمسي ايضا تتكوّن من سبع الوان تبدأ باللون الاحمر وتنتهي باللون البنفسجي وعند الانتقال الى اسفل اللون الاحمر نحصل على ما يُدعى بالاشعّة تحت الحمراء، واذا انتقلنا الى اعلى اللون البنفسجي نحصل على الاشعّة الفوق البنفسجية. عند امرار الضوء الابيض من خلال موشور زجاجي نحصل على الوان السبع الموجودة في الطيف الشمسي. والتساؤل المنطقي في هذا الصدد، إذا كانت الصدفة هي الّتي رتّبت نظام الكون وكرتنا الارضية، فلم جعلت الوان الطيف الشمسي والسلّم الموسيقي سبع الوان ولم تجعله مختلفا في العدد؟
-نظام الكون: إنَّ الذرّات (الكترونات سالبة تدور حول نواة تحتوي على البروتونات الموجبة والنيوترونات المتعادلة الشحنة الكهربائية) والكواكب والمجرات تتبع نفس النظام وتدلّ الوحدة في التصميم هذه على وحدة المُصمِم.
-الجاذبية بين الكتل دليل على وجود التوازن في التصميم، والتوازن دليل على الموازِن.
-عقل الانسان وقواه الميتافيزيقية كالباراسايكولوجي والتليباثي تصميم مُعقّد لا بُمكن انْ توجد بالصدفة.
-القوانين البايلوجية والفيزيائية والكيميائية وقوانين الرياضيات هي دلائل على وجود نظام في الكون، والنظام بحاجة الى مُنَظِّم.
-معظم مخترعات الانسان تقليد للمخلوقات الموجودة في كرتنا الارضية، فالرادار تقليد للخفّاش ( الوطواط ) وآلة التصوير تقليد للعين والحاسبة الالكترونية تقليد لدماغ الانسان واسس الابنية تقليد لجذور النباتات والطائرة تقليد للطيور والطائرة السمتية تقليد لحشرة طائرة تشبه الطائرة السمتية (ANISOPTERA)، وهذا يدلُّ على انّ الانسان يُقلّد مخلوقات الخالق ويكتشف قوانينه في اختراعاته.
استنادا على هذه الدلائل المنطقية فانّ احتمال وجود خالق للمادّة والكون ارجح من احتمال ازلية المادة والكون، ولكن يبقى في عقل الانسان تساؤلٌ يبحث عن اجابة، هل حقا ارسل الخالق انبياء ورسلا لهداية البشر؟
لا يخفى علينا بانّ هناك تشابها كبيرا بين الاديان الابراهيمية الثلاث، اليهودية والمسيحية والاسلام مع اختلاف في بعض التفاصيل والتشريعات، وهنا يتبادر الى الذهن سؤال، هل مصدر هذا التشابه هو كون هذه الاديان وحيا من اللّه، ام انّ هذه الاديان سلسلة من المؤلّفات البشرية اعتمد الخلف في تأليفها على السلف والسلف اعتمد على سلف آخر؟
وبعبارة اخرى هل الاديان سلسلة بدأت بالطوطمية والوثنية وانتهت بالاسلام مرورا بالزرداشتية والهندوسية والبوذية واليهودية والمسيحية؟
اسعى واتمنى انْ اصبح مؤمنا بدين سماوي كما كنت سابقا واطرح شكوكي جانبا لانّ الإيمان يمنح الانسان يقينا بوجود حياة اخرى بعد الموت وإحساسا بالخلود.
يذكرالكاتب د. مصطفى محمود في مؤلفه الاحلام ما يلي:
((انّ كل نتاج الفكر البشري من ادب وفن ودين ناشيء عن هذا اللغز المحيّر ….. لغز الموت، فالانسان منذ الخليقة بحث عن وسيلة للخلود، ولكن هيهات، فالّذين سيتذكرونه هم انفسهم فانون.
إنّ الطبيعة صامتة صمتا ابديا ولا تُبالي بنا، وهذا الصمت واللامبالاة اللانهائية هو الّذي يُفزعنا ويجعل اغانينا حزينة، وبسبب جحود وصمت هذا الكون لجأ الانسان الى المعابد والكنائس والمساجد منذ القدم، لأنّ الانسان لا يحتمل العيش منسيا يذكره منسيون مثله، وبسبب هذا الصمت والسكون السرمدي نلوذ بالفن ونبحث عن اللّه والحق والعدل والجمال.
إنّ الإنسان في الحياة كالمدعو إلى وليمة دسمة ولكنّ الطعام الّذي يتناوله في هذه الوليمة كلّه مسموم، ومع هذا يأكله ويستمر في الاكل حتّى النهاية)).
في الاجزاء القادمة من هذا الكتاب ساتناول الاسئلة والشكوك الّتي دارت وتدور في ذهني حول حقيقة الاديان الابراهيمية( السماوية ) الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام وكذلك ساحاول تعريف القاريء بنبذة مختصرة من بعض اهم الاديان الاخرى كالزرداشتية والهندوسية والبوذية والرائيلية.
أتمنّى انْ تكون هذه الدراسة وسيلة للوصول الى اليقين وكشف الغشاوة عن العقل بإماطة اللثام عن الحقائق وتفريق السُحُب الّتي تحجب شمس الحقيقة.
إنّ انجع وسيلة للوصول الى اليقين هو الشكّ.
في مقالة للكاتب د. كامل النجّار تحت عنوان ( من لا يشكّ ليس انسان ) يذكر مايلي:
(( الشكّ هو خلاف اليقين، وهو كذلك صُديع أو كسر صغير في العظم، والعرب تقول شكّه بالرمح تعني ثبّته بالرمح. والشكشكة هي السلاح الحاد (القاموس المحيط للفيروزآبادي). فنرى من هذا التعريف أنّ الشكّ هو السلاح الحاد الّذي يستعمله العقل ليصل إلى اليقين، وهو الصدع أو الكسر في حائط الإيمان، كالكسر في العظم. ولذا يقول الفلاسفة إنّ الشكّ يقود إلى الإيمان الصحيح. وكل الكائنات الأخرى الحيّة من حيوان ونبات وميكروبات وطيور وغيرها لا تشكّ ولا تؤمن وإنّما تتصرف بالفطرة الّتي تُمليها عليها جيناتها بما اكتسبته من سلسلة التطوّر. فإلإنسان الّذي لا يشكّ لا ينتمي للجنس البشري وإنما لفصيلة الحيوان أو النبات. والشكّ لم ينشأ مع الإنسان منذ البداية لأنّ دماغ الإنسان البدائي كان تقريباً نصف حجم دماغنا الآن ولم يكن يتّسع للشكّ. ولمّا اخترع الإنسان البدائي الأديان أصبح مطمئن البال بالتفسيرات الغيبية والسِحِر وما إلى ذلك ولم يتطرق الشكّ إليه. وعندما ازداد الدماغ حجماً وبدأ الإنسان يفكر ويتأمّل واستقرَّ في مجتمعات كبيرة وتعلّم التفكير، ظهرت الأديان الّتي تزعم أنّ الآلهة تعيش في السماء، وظهرت معها الأساطير الدينية الّتي اخترعها الناس وصدّقوها. حاولت هذه الأساطير تفسير الخير والشر فعزت الخير للآلهة الخيّرين والشر للآلهة الشريرين الّذين في أغلب الميثولوجيات تقتلهم آلهة الخير. وبنهاية آلهة الشر كان لابدَّ للشر أنْ يستمر في العالم فاخترع الإنسان الشيطان ليحل محل الآلهة الشريرين. وبما أنّ كل الأديان منذ القدم وحتى مجيء الإسلام اعتمدت الأسطورة الميثولوجية كأساس لتفسير العلاقة بين الخير والشر، استمرَّ الشيطان في احتلال مركزه المُهِم في دفع الناس إلى ارتكاب الشر.
2- خلق الانسان:
قصّة خلق الانسان وردت بصيغة متشابهة في القران والتوراة مع اختلاف في التفاصيل.
تذكر القصة بان اللّه خلق آدم من تراب وخلق حوّاء من ضلع آدم، ثم طلب من الملائكة ان يسجدوا لآدم.
سجدت الملائكة الاّ ابليس ابى واستكبر وقال بانّه رفض السجود لانّ ادم خُلِق من تراب بينما هو خُلِق من نار، وادّعى بانه افضل من آدم لهذا السبب.
انّ حكاية السجود اثارت في عقلي دوما شكوكا، فهل يُعقل انْ يطلب اللّه من الملائكة السجود لآدم وهو مخلوق مثلهم؟ اليس هذا شرك باللّه؟ ايجوز في الدين الاسلامي انْ يسجد البشر لغير اللّه؟ لقد كان محمّد يرفض انْ يسجد له احد رفضا باتّا. انّ الشيطان كان محقّا في رفضه السجود لآدم، لانّ ذلك يعني وضع آدم موضع الربّ، فاذا كانت حكاية السجود صحيحة فهذا يعني انّ اللّه قد جسّد نفسه في جسم آدم وهذه الفكرة مماثلة للمعتقدات المسيحية، حيث يعتقد المسيحيون بانّ اللّه تجسّد على شكل الابن في جسد عيسى ابن مريم.
امّا ادعّاء الشيطان بانّه افضل من آدم لكونه مخلوق من نار وآدم مخلوق من تراب فهو ادعّاء باطل، دحضه العلم بنظرية العالم اينشتاين حيث يمكن تحويل المادة الى طاقة والقنابل الذريّة افضل مثل على ذلك، وبعبارة اخرى فالنّار والتراب وجهان لعملة واحدة، وهذا يثير سؤال اخر في العقل لو كان مؤلّف هذه القصة يعلم انّ النّار والتراب وجهان لعملة واحدة، هل كان سيذكر بانّ الشيطان قال بانّه افضل من آدم لكونه خُلق من نار بينما خُلق آدم من تراب؟
بعد ان اطّلعت على نظرية النشوء والارتقاء لتشارلس داروين الّتي تقول ان الانسان تطوّر من خلية ومرّ بمراحل عديدة قبل ملايين السنين قبل انْ يأخذ شكل الانسان الحالي تزعزع ايماني بصحة قصة خلق آدم كما وردت في الكتب السماوية.
يتناول الكاتب د. مصطفى محمود في كتابه ( محاولة عصرية لفهم القران ) هذا الموضوع بالتفصيل ويورد آيات من القرآن لإثبات وجهة نظره بانّ اللّه لَمْ يخلق الانسان مباشرة بالصورة الحالية، ويذكر بانّ الانسان مرّ بالمراحل الّتي ذكرها داروين في نظريته وانّ اللّه نفخ في الانسان الروح بعد تطوّره الى مخلوق شبيه بالانسان.
انّ مصطفى محمود طبيب وقد درس علم التشريح والاجنّة ولاحظ انّ الجنين في بطن الأم يمر بنفس المراحل الّتي ذكرها دارون في نظريته قبل أنْ ياخذ شكل الانسان، اي أنّ الجنين بعد اندماج الحيمن والبويضة يأخذ شكل السمكة ثمّ الزواحف واخيرا شكل القرد ويكون جسمه في هذه المرحلة من النمو مغطّى بالشَعر ، لهذا نشا صراع في عقل الكاتب بين تعاليم الدين والعلم الحديث فأراد التوفيق بينهما فأورد آيات من القرآن لدعم فكرته.
3- قابيل وهابيل:
تَذكُر القصّة وكما وردت في القرآن والتوراة بأنّ أحد ابناء آدم ( قابيل) قَتلَ اخاه ( هابيل ) بسبب الحسد، وهنا نلاحظ وجود عدّة روايات فالقرآن يذكر بأنّ سبب الجريمة هو قبول الله لقربان المقتول وعدم قبوله لقربان القاتل امّا الرواية الثانية فتَذكُر بانّ سبب القتل هو نتيجة للصراع بين الاخوين لرغبة كليهما الزواج من اجمل اختيهما.
وهناك رواية ثالثة تدمج سببي القتل فبعد رفض قابيل تزويج اخته التوأم من هابيل وإبداء نيّته بالزواج منها مخالفا بذلك مشيئة والده آدم، يقترح آدم عليهما تقديم القرابين لمعرفة مشيئة الله حول الخلاف الناشب بينهما.
بعد تقديم القرابين يُرسل الله نارا فيُحرق قربان هابيل الحيواني، والحرق في علم الاساطير هو كناية لرفع القربان الى السماء اي قبوله.
بعد تنفيذ الجريمة وحسب القصّة الاسلامية يحتار القاتل بما يفعله بالجُثَّة، فيرسل الله غرابا يحفر الارض ويدفن جثّة غراب ميّت فيقلّده القاتل ويدفن اثار جريمته.
يرد الى الذهن تساؤل حول هذه القصّة وهو: هل انّ الله الّذي علَّمَ آدم الاسماء كلّها وجهلها الملائكة لم يُعلِّمْ آدم كيفية دفن الجثث وبالتالي ألَمْ يُعلِّمْ آدم وهو نبي ابناءه بهذا العِلمِ؟
إنّ الانسان منذ القدم لجأ الى دفن جثث موتاه للتخلّص من الرائحة الكريهة المنبعثة من الجثّة ولانّ منظر الميّت كان يُذكّره بنهايته المحتومة لذا يحاول التخلّص من الجثّة بأسرع مايُمكن امّا بالدفن او الحرق وهاتان الطريقتان شائعتان بين البشر اكثر من الطرق الاخرى كتركه للكلاب او الجوارح.
عند وفاة عزيز لنا او حتّى عند مشاهدتنا موت انسان لا نعرفه فانّ العيون تدمع ويلفنّا الحزن وهذا بسبب تذكّرنا النهاية وأننا سنلاقي نفس مصير هذا الميّت يوما ما.
امّا بالنسبة للقرابين وكون قربان هابيل من النوع الحيواني الّذي تقبّله الله ولم يتقبّل قربان قابيل النباتي (علما بان القرآن لم يتطرق الى نوعيّة القرابين وإنّما ذُكِر في التوراة) ففيه اشارة ميثولوجية الى كيفيّة تطوّر عقل الانسان القديم نتيجة لتغيّر غذائه، فالانسان البدائي كان نباتيا في بداية مرحلة تطوّره وقد تطوّر عقل الانسان البدائي بعد أنْ بدأ يقتات على نخاع عظام الحيوانات المُفتَرََسة من قبل حيوان آخر ومن ثمّ بدأ يأكل لحوم الحيوانات الّتي أصطادها بعد وصول عقله في سلّم التطوّر الى مرحلة مكّنته من ممارسة الصيد بعكس القرود الذين بقوا يقتاتون على النباتات وفاكهتها.
4- نوح وقصة الطوفان:
هذه القصة اثارت دوما في عقلي تساؤلات عديدة، ملخّص القصّة أنّ النبي نوح الّذي عاش دهرا طويلا، حوالي 950 عاما وذلك حسب المأثورات الدينية، دعا قومه الى الايمان باللّه ولكن لَمْ يُؤمِن به الّا نفر قليل منهم، فدعا نوح ربّه وطلب معاقبتهم لعصيانهم.
قرر الربّ انْ يُعاقبهم باغراق الكرة الارضية بالماء وإفناء جميع مََن فيها مِن نبات وحيوان وانسان ماعدا نوح والنفر القليل الذين آمنوا بدعوته.
نظرا لان الطوفان سيعم جميع أرجاء الارض، فقد أمر أللّه نوحا ببناء سفينة ضخمة بحيث تستوعب كلّ المؤمنين به ونماذج من جميع ألأحياء ألموجودة في ألكرة الارضيّة من نبات وحيوان.
بعد أنْ اكمل نوح بناء سفينته العتيدة ركِبَ فيها جميع أهله والمؤمنين بدعوته وحمَلَ فيها زوجين من جميع أنواع النباتات والحيوانات ألموجودة حينذاك في الارض.
لنورد ألأن ألتساؤلات حول هذه القصّة المليئة باللامعقول، نعلم بأنّ في الكرة الارضيّة ملايين من أنواع النباتات والحشرات والحيوانات الاخرى بعضها في مكان إقامة نوح والأرجاء القريبة منه، وقسم كبير في الأرجاء البعيدة من منطقة اقامته كالقطب الشمالي وافريقيا واستراليا وامريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا، فكيف جمع نوح هذا الحشد الهائل؟
ولو فرضنا بأنّ أللّه بقدرته قد عاونه على جمع هذه الحشود، فهل يُعقَل أنَّ سفينة مهما بلغت مِن الضخامة تستطيع أنْ تستوعب هذا الجمع مع مستلزمات عيشهم من الغذاء والماء؟
ثم ماالحكمة من لجوء اللّه القادر على كلِّ شىء إلى هذا الأسلوب المعقَّّد من العقاب؟
إنَّ أللّه يستطيع أنْ يُهلِك ما في الارض جميعا بلمح البصر ويَخلق بدلا منهم ما يشاء مِن المخلوقات بلمح البصر أيضا وبدون اللجوء إلى هذا السيناريو ألمُعقّد المتكوِّن مِن الدعوة إلى الإيمان لمئات السنين، ثمّ بناء سفينة لامعقولة في الكبر، ثمّ جمع حشود هائلة مِن المخلوقات وتحميلهم فيها، ثمّ الطوفان، ثمّ عملية إنهاء الطوفان، ثمّ عملية تكاثر النباتات والحيوانات والبشر من جديد.
لتكون هذه القصة منطقية يمكن أنْ نكتب السيناريو بالشكل التالي:
لَمْ يكن نوح يعلم بأنّ الكرة الارضية واسعة بالشكل ألّذي نعرفه اليوم رغم كونه نبيّا وأعتقدَ بإنَّ كلّ المخلوقات الموجودة في الارض هي المخلوقات الموجودة في محيطه وذلك لقصر نظره أو بسبب عدم تطور علم الجغرافيا في عصره هذا التطور الهائل ألّذي آلَ إليه في العصر الحديث، لذلك بنى نوح سفينة كبيرة لتسع المؤمنين بدعوته ألّذين لَمْ يتعدَّ عددهم عدد أصابع أليدين وحَمَل فيها حيوانته الاليفة.
إنَّ الفيضان قد يكون قد حدث في بقعة محدودة من الارض، قد يكون في العراق بسبب فيضان النهرين دجلة والفرات أو أيّ مكان من الارض بسبب انصهار الجليد بعد العصر الجليدي، وهنا لابد من الأشارة بانَّ قصّة الطوفان قد ذُكِرَتْ في ملحمة كلكامش قبل ذكرها في التوراة ومن ثمّ في القران ومن المرجّح أنَّ اليهود نقلوا هذه ألأسطورة من الحضارات العراقيّة القديمة اثناء السبي البابلي.
هناك تساؤل منطقي آخر، لِمَ أهلكََ أللّه جميع النباتات والحيوانات؟
إنَّ هذه المخلوقات لََمْ تعصِِ أوامر أللّه وجميعها تتصرف حتّى الآن بالصيغة ألّتي أرادها أللّه منهم.
تساؤل أخير حول قصّة نوح، إذا كان نوح نبيّا فما هي التعاليم والتشريعات الّتي نزلت عليه؟ ولِمَ لََمْ يرِد ايّ ذكر لها في التوراة والإنجيل والقرآن، وهذا التساؤل ينطبق على جميع الأنبياء والرُسل ألّذين جاء ذكرهم في الكتب السماوية الثلاث والّذين لا نجد ايّ ذكر للتشريعات الّتي جاؤا بها من السماء كالنبي شيت ويونس وايّوب ويوسف وسليمان وبقية الانبياء والرسل الّذين يعدّون بالمئات ومعظمهم من نسل إبراهيم اي مِن بني إسرائيل وهنا العجب العُجاب.
5- إبراهيم والإله الواحد:
الحضارات القديمة الّتي نشأت في العراق كالسومرية والاكدية والكلدانية والبابلية والآشورية لَمْ تكن تُؤمن بوجود حياة أخرى بعد الموت، بدليل أنّ الزقورات الّتي بُنيت في وادي الرافدين لَمْ تكن قبورا بل معابدا للتقرّب مِن الإله وعبادته، امّا الاهرامات المصرية فكانت قبورا للفراعنة وكانت تحوي مومياء وكنوز الفرعون الميّت كالذهب والفضّة ومقتنياته الاخرى لإنّ المصريين القدامى كانوا يؤمنون بوجود حياة اخرى بعد الموت او أنّ الروح ستعود الى الجسد في حالة المحافظة على جسد الميّت بتحنيطها.
إنّ ملحمة كَلكَامش دليل آخر على عدم إيمان العراقيين القدامى بوجود حياة اخرى بعد الموت، فكلكامش ساحَ في الارض بحثا عن اكسير الخلود وكما ورد في الملحمة.
إبراهيم أبو الانبياء عاش في العراق في مدينة أور وهناك رواية اخرى تقول بأنّه عاش في مدينة اورفة التركية في منطقة حران ويعتقد بعض الاتراك بأنّ مكان بحيرة الاسماك المقدّسة الموجودة في مدينة اورفة هو المكان الّذي حاول الملك نمرود إحراق إبراهيم فيه فحولّ الرب النّار الى بحيرة ماء ( يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم)…..الآية القرآنية، كما يوجد في تركيا جبل يُسمّى بجبل نمرود، وهنالك رأي آخر حول قصّة ابراهيم تقول بأنّ ابراهيم شخصيّة اسطورية من تأليف اليهود وبأعتقادي فإنّ الرواية ألأخيرة أقرب إلى ألصحّة من ألرواية ألأولى وألثانية لانّه ولحد ألآن لَمْ يَعثِّر علماء ألآثار على أيّ كتابة أثرية في وادي الرافدين أو في مصر يُستدّل منها على وجود هذه ألشخصية ألأسطورية.
حسب القصّة القرآنية فانّ قوم إبراهيم كانوا يعبدون آلهة عديدة وكان لكلّ إله تمثال وتذكر القصّة بأنّ إبراهيم لَمْ يَعقِلْ بأنْ يكون ربّه هذه التماثيل وبدأ عقله بالبحث عن الإله الحقيقي واوّل ما فكّرَ به هو أنَّ الإله هو نجوم السماء ثمّ استبعد هذه الفكرة من مُخيّلته لإفول النجوم في النهار ثمّ فكّرَ بانَّ الشمس هو الإله لأنّه اكبر من النجوم والجدير بالذكر بأنّ بعض النجوم في كوننا الشاسع هي اكبر من شمسنا ولكنّ علم الفلك لَمْ يكن متقدما في عصر إبراهيم لكي يُدرك هذه الحقيقة ألفلكية بالرغم مِن كونه نبيّا وغاب عن محمّد هذه الحقيقة الفلكية ايضا. بعد أنْ شاهد إبراهيم مغيب الشمس استبعد هذه الفكرة ايضا لأنّ الله لايمكن أنْ يغيب عند قدوم الليل.
بعد هذا البحث الدؤوب عن الإله ونتيجة للتفكير العميق توصّلَ إبراهيم ( أبرام حسب تسمية التوراة ) الى نتيجة مفادها أنَّ الله هو خالق كلَّ شيء ويتوجب أنْ يكون احدا وأنْ يكون المعبود الوحيد. بعد استقرار هذا الاعتقاد في مخيّلة إبراهيم خاطب الربّ وطلب منه الهداية واليقين. بعد التكلّم مع الرب لَمْ تُمحى جميع الشكوك مِن عقله وخاصة موضوع إحياء الموتى في يوم القيامة مِن قبل الربّ، فطلب مِن الربّ دليلا على قدرته فاجابه الربّ ( اوَ لَمْ تُؤمِنْ قال بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي )….. الآية القرآنية.
طلب الربّ من إبراهيم أنْ يُقطِّع عددا مِن الطيور إلى اشلاء وينشرها على قمم عدة جبال ففعل، ثمّ أعاد الرب الطيور الى الحالة السابقة وبأمرمنه طارت إلى مكان وجود ابراهيم.
هذه هي مُلخّص قصّة ظهور اّول ديانة توحيدية في تاريخ الانسانية حسب التوراة والقرآن مع بعض الأختلاف في تفاصيل القصّة.
العالم النفساني وموجِد علم التحليل النفسي ونظرية العقل الباطن( اللاشعور ) سيجموند فرويد له رأي آخر في هذه المسألة، ففرويد أدعّى وحسب ما ورد في إحدى مؤلفاته الفكرية (موسى والتوحيد) بأنّ اوّل ديانة توحيدية ظهرت في الارض ظهرت في مصر في عهد الفراعنة وأنّ أول مَن أدعّى بوحدانية الإله وجمع الآلهة في إله واحد هو الفرعون الثائر أخناتون.
بعد اعلان أخناتون توحيد ألآلهة دعى قومه الى الايمان بذلك ولكنّ كهنة الإله امون حاربوا الفكرة الجديدة ومؤلِّفِها فقرر اخناتون بناء عاصمة جديدة تضم معبد الإله الواحد أتون واستقرَّ فيها مع جميع مَن اتّبعَ دعوته الجديدة وبذلك ابتعد عن مشاكسة ومعارضة كهنة آمون.
يذكر فرويد ايضا بأنّ كهنة آمون بعد موت أخناتون حوّلوا عاصمته الى خرائب واحرقوا كلّ أثر يرمز إلى الاله الواحد وعادوا إلى عبادة آمون وآلهة متعددة أخرى، ويدعّي فرويد بأنَّ علماء الاثار اكتشفوا بعض الأدلّة ألأثارية ألّتي تُثبِتْ اطروحته.
إبراهيم وزوجته سارة (ساراي) لَمْ يهبهم الله ذرية لأنّ سارة كانت عاقرة وكان إبراهيم مكتئبا لهذا السبب فاقترحت سارة عليه أنْ يتزوج مِن جاريتها السمراء هاجر عسى أن تنجب له خلفا. بعد فترة مِن زواجه بهاجر انجبت له ولدا سمّاه اسماعيل. ولكن الاحداث تطورت بصورة دراماتيكية فالزوجة الاولى سارة حَملِتْ بعد تدَخُّل إله ابراهيم وبعد انْ ارسل الربّ ملكين بشكل إنسان بشّراه بقدوم الوليد وجاء الوليد الموعود وسمّياه إسحاقا.
القصة اليهودية تذكر بأنّ عُمْرَ ابراهيم عند ولادة اسحاق كان مائة عاما امّا عمر سارة فكان ثمانين عاما.
بدأت الغيرة تنهش عقل سارة فأمرت زوجها أنْ ياخذ هاجر وابنها اسماعيل إلى مكان بعيد عن انظارها.
انصاع ابراهيم لأمر سارة وسافر مع هاجر واسماعيل الى مكّة وتركهم هناك وحيديْن في الصحراء والجدير بالذكر بأنّه لا يوجد أيّ دليل على هذا عدا التراث الديني.
حسب الرواية التوراتية فانّ ابراهيم رأى في منامه أنّه يذبح ابنه أسحاقا امّا الرواية الاسلامية فتذكر بأنّ القربان هو اسماعيل. والسؤال هنا لِمَ هذا الاختلاف في الروايتين؟ إنّ السبب الّذي يخطر في البال لاوّل وهلة هو أنّ اليهود ارادوا الصاق هذا الشرف بجّدهم اسحاق بينما اراد محمّد الصاق هذا الشرف بجدّه اسماعيل.
سؤال آخر يخطر على البال: لِمَ يأمر الله نبيّا بذبح ابنه قربانا له؟ يقول المدافعون عن هذه القصّة بأنّ الله اراد انْ يمتحن ايمان ابراهيم، ولكن الا يعلم الله العليم البصير مدى عمق ايمان نبيّه الّذي ارسله لهداية البشر؟ لايمكن الاجابة على هذا السؤال بالنفي لانه يتناقض مع علم الله.
إنّ مؤلف هذه القصّة الدرامية اراد وبايعاز من عقله الباطن أنْ ينتقم الربّ مِن إبراهيم في الحُلم لأنّ إبراهيم شكَّ في قدرة الله على إحياء الموتى وكما ورد في بداية القصّة.
اذا استعنّا باسلوب فرويد في التحليل النفسي سنتوصل إلى حل آخر لهذه المعضلة. إنّ ابراهيم بعد أنْ انصاع للاوامر الديكتاتورية لزوجته سارة وترك هاجر والطفل المسكين في عمق الصحراء طعاما للحيوانات المفترسة وبدون ماء كافٍ، احسّ بالذنب جراء تصرفه فانتقم لاشعوره منه برؤية هذا الحلم الرهيب.
امّا فداء الابن ( اسحاق او اسماعيل ) بكبش فهو تلفيق اخر من تلفيقات اليهود وكتابهم المقدّس مليئ بمثل هذه التلفيقات والخزعبلات وحكاية الفداء متأثّرة بالطقوس البدائية للانسان حيث كانت القبائل البدائية تُقدِّم قربانا من البشر للإله لإرضائه او لإتّقاء غضبته، ثم أُستبدِلَ هذا القربان البشري بقربان حيواني بعد تطوّر العقل الانساني، ولا يزال المسلمون يذبحون ألقرابين الى يومنا هذا في العيد ألأضحى أرضاء لله، وألله لا يحتاج ألى قرابينهم وألأمر هو جزء مِن أساليب ألأيحاء ألّتي يلجأ اليها ألأديان لترسيخ تشريعاته في لاشعور اتباعه.
الطريف في ألأمر أنّ أحد أساتذة كليّة ألشريعة في تركيا ( زكريا بياض ) وجوابا على سؤال من مُقدِّم احدى البرامج ألدينية ألّتي تكثّر في رمضان والعيد ألأضحى أفتى بإمكان ذبح ألديك في ألعيد ألأضحى بدلا مِن ألشاة أو ألثور أو ألجمل في حالة عدم تمكّن المسلم ماديّا على شراء هذه الحيوانات، وبعد أنْ طرقَ ألفتوى أسماع ملك السعودية عاتب رئيس الجمهورية التركية لسماح حكومته على أذاعة هذا ألفتوى ونسي الملك بأنَّ ألديموقراطية في تركيا تسمح بإبداء مثل هذه ألآراء وأنّ إسلام ألأتراك ومعظم ألشعوب ألّتي لا تجيد ألعربية مختلف عن ألمذهب ألوهابي ألمتطرّف للسعوديين.
6- يوسف وتفسير الاحلام:
ملخّص هذ القصة كما وردت في التوراة والقرآن هو انَّ النّبي يعقوب كان له اثنا عشر ولدا. يوسف احب ابنائه الى نفسه يرى في منامه بانَّ احدى عشر كوكبا والشمس والقمر يسجدون له، فيروي هذا الحلم لابيه وينصحه الاب بعدم اخبار اشقائه بمحتوى الحلم لانهم سيكيدون له.
احساس اشقّاء يوسف بظلم والدهم لتفضيله يوسف عليهم يدفعهم الى تدبير مكيدة للتخلص منه فبعد اقناعهم الاب يصطحبون يوسف معهم الى المرعى ويرمونه في بئر ويدعّون امام والدهم بانَّ ذئبا قد اكله ولتوكيد التلفيق يُلطّخون قميص شقيقهم بدم شاة.
تمر قافلة بالقرب من البئر وينتبهون الى وجود غلام فيه وياخذونه الى مصر ويبيعونه الى عزيز مصر.
زوجة الحاكم المصري الحسناء زليخا تقع في حب الشاب العبراني الوسيم وتحاول اغرائه واجباره على ممارسة الجنس معها لكّن يوسف يرفض عرضها ونتيجة لمكيدتها يُسجَن يوسف في احدى سجون مصر.
في السجن يقوم يوسف بتفسير حلمين لرفيقين له في الزنزانة ويتحقق كلا الحلمين بعد فترة من الزمن.
فرعون مصر ايضا يحلم حلما عجيبا، فيرى في منامه بانّ سبع بقرات عجاف ياكلن سبع بقرات سمان وسبع سنبلات يابسات ياكلن سبع سنبلات خضر. لم يتمكن جميع كهنة ذلك العصر من تفسير هذا الحلم الغريب مما يُقلق بال الفرعون، وفي تلك الاثناء يتدخل ساقي الفرعون ويخبر الفرعون بانه تَعرَّفَ في السجن على شاب عبراني قادر على تفسير الاحلام.
لا يكذّب الفرعون الخبر ويامر باستدعاء يوسف ويطلب منه تفسير الحلم المُقلِق. يوسف يفسّر الحلم بحل الرموز التي وردت في الحلم ويقول بانه سيمر على مصر سبع سنوات خير ذو مطر غزير وانتاج زراعي وافر ثمّ تعقبه سبع سنوات قحط ويقترح على الفرعون خزن قسم من محصول سنوات الخير للاستفادة منه في سنوات القحط ويطلب من الفرعون تعيينه وزيرا للزراعة والماليّة.
في هذه الاثناء تظهر براءة يوسف حول علاقته بزليخا ويُنَفّذ يوسف اقتراحه بمساندة الفرعون.
اخوة يوسف وقومه يمرون بايام عصيبة نتيجة للقحط في المنطقة لذا يقررون بعد مشاورة ابيهم النّبي يعقوب السفر الى مصر لجلب القوت من هناك. في نهاية القصّة يكشف يوسف عن شخصيته لاخوته ويطلب منهم جلب والديه وقومه الى مصر ليعيشوا معا.
بعد هجرة بنوا اسرائيل ( وهذا هو الاسم الاخر للنّبي يعقوب ) الى مصر واثناء اللقاء الدراماتيكي يسجد النّبي يعقوب وزوجته واخوته امام يوسف وهكذا يتحقق الحلم الذي راه يوسف في بداية القصّة.
لنحاول الان تحليل هذه القصّة التي خُصِصَ لها سورة كاملة في القران ( سورة يوسف ).
في القصّة اربع احلام، حلم يوسف وحلم السجين الاول وهو ساقي الفرعون سابقا ولاحقا وحلم السجين الثاني واخيرا حلم الفرعون. حلم يوسف تحقق في القصّة والرموز في الحلم واضحة فرؤية احدى عشر كوكبا ترمز الى اخوة يوسف والشمس والقمر ترمزان الى يعقوب وزوجته، امّا السجود الجماعي للعائلة امام يوسف فيرمز الى تسليم يعقوب راية النبوّة الى يوسف وبالاصح تطلّع يوسف لاخذ زمام قيادة بني اسرائيل لكونه مؤلّف الحلم كما سنبينه لاحقا.
هنالك ثغرة في هذه القصّة، فهل يعقل ان يسجد النّبي يعقوب لابنه الصغير وهو ابوه واغزر منه علما وقدما في النبوّة؟ وهل يجوز في الاديان السماوية ان يسجد احد من البشر لغير الله؟ ان لم يكن هذا شرك فما هو؟
لنحلل حلم السجين الاول وهو ساقي فرعون مصر، يحلم الساقي بانّه يعصر خمرا، وفسّر يوسف هذا الحلم بانّ السجين سيطلق سراحه وسيعود الى عمله السابق في قصر فرعون كساقي لسيده.
الرموز في الحلم بينّة فالساقي دخل السجن بدون ذنب اقترفه نتيجة لوشاية كيديّه او ماشابه وكان في قرارة نفسه مؤمنا ببرائته وكان يتمنّى انْ يُثبت برائته ويعود الى خدمة الفرعون مرّة اخرى، لهذا الّف عقله الباطن هذا السيناريو الرمزي باستخدام خزين المعلومات المخزونة في ارشيف عقله.
وهنا يرد الى الذهن تساؤل: كيف فسّر يوسف هذا الحلم؟ والجواب يكمن في تفاصيل القصّة فيوسف كان شخصا ذكيّا او عبقريّا وكان مُلمّا بتفاصيل حياة الساقي ومأساته، فمن المؤكّد ان الساقي قد حدثّه بقصته الدراميّة اثناء تواجدهم ايام طويلة معا في السجن.
هنالك رأي اخر حول موضوع تفسير الاحلام ذكره الدكتور علي الوردي في مؤلفه ( خوارق اللاشعور ) واشار فيه الى تجارب وابحاث العلماء النفسانيين حول هذا الموضوع، وملخصه ان عقل الانسان يبعث ويستلم موجات كهربائية عديدة ويُمكن عن طريق هذه الموجات قراءة افكار الاخرين او الاطلاع على ما سيحدث في المستقبل لان المستقبل موجود وثابت في لوح محفوظ والزمن لا يسير وانما واقف في مكانه ونحن الّذين نسير في الواقع نحو المستقبل، ويشير الدكتور علي الوردي في هذا الصدد الى نظرية العالم اينشتاين التي تقول انّ الزمان هو بعد رابع للزمكان الّذي هو مؤلّف من اتصال الزمان والمكان اتصالا كليّا لا يقبل الانفصال. يشبّه الدكتور علي الوردي هذه العملية براكب قطار سريع حيث يتصوّر الراكب احيانا حين ينظر من النافذة انّ ما حوله يتحرّك وهو واقف. على هذا المنوال يتصوّر الانسان الزمان متحركا بينما هو في الحقيقة ساكن. انّ المستقبل لا يأتي الينا انّما نحن نذهب اليه.
انَّ انشغال العقل الواعي للانسان بالامور الحياتية يُضعِف من قابلية اللاشعور لاستلام الموجات المحيطة به وبثّها لذا فالانسان البدائي او الفطري له قابليّة اكثر لتقبّل وبث هذه الموجات.
اضافة الى ذلك فانَّ البشر يختلفون في قابلية الاستلام وبث هذه الامواج، فالانبياء والمتصوفة والقدّيسين والسحرة والكهّان والعباقرة والمخترعين وهبهم الله موهبة اكثر من بقية البشر او انّ نفوسهم اصفى من بقية البشر لمجاهدتهم عن طريق الاعتكاف والتأمّل اوالعبادة.
يروى عن النّبي محمّد انّه قال: ( الرؤيا الصادقة جزء من ستّة واربعين من النبوّة )، ولقد ثَبُتَ من التحريات التي اجرتها جمعية المباحث النفسية في بريطانيا ( حيث تلقّت اجوبة 17 الف شخص ممن وجّهت اليهم الاسئلة في هذا الموضوع ) انّ الاحلام تَصْدُقْ بنسبة ( 1 من 47 ) اي انّ كل حلم يراه النائم يصدق منها حلم واحد، يتّضح من ذلك انّ قدرة الحلم على التنبؤ اعلى جدا من قدرة الصدفة. ومن الجدير بالذكر انّ النسبة التي ذكرها النّبي محمّد مقاربة جدا الى النسبة التي توصل اليها علماء النفس.
يذهب اخوان الصفا والغزالي وابن خلدون وغيرهم الى انّه لا يوجد فارق جوهري بين المعجزة الّتي يأتي بها الانبياء والاعجوبة التي يقوم بها الساحر. كلا الامرين في نظر هؤلاء المفكّرين مصدره النفس البشريّة، فاذا كانت النفس فاضلة محبّة للخير كان صاحبها نبيّا او وليّا واذا كانت شريرة كان صاحبها كاهنا او ساحرا.
في حلم السجين الثاني، يرى صاحبنا في منامه بانّه يحمل على رأسه خبزا تأكل الطير منه. فسّر يوسف هذا الحلم وقال بانّ الحالم سيُصلب فتأكل الطير من لحم راسه.
الرموز في الحلم واضحة وضوح الشّمس في نهار صاف، فالسجين الثاني دخل السجن لجريمة ارتكبها وهو في قرارة نفسه كان يعلم بانّه مذنب وسيعاقب على فعلته، لذلك الّف عقله الباطن هذا السيناريو ورأى في منامه هذا المشهد المُرعِب.
الحلم الرابع هو حلم الفرعون، انَّ الحاكم يكون دائما مشغول البال بمصير شعبه ومملكته واهم ما يشغل باله هو الوضع الاقتصادي لمملكته، لذلك ولتواتر الخير والجدب في مصر عبر تاريخ تلك الفترة فانّ العقل الباطن للفرعون الّف هذا السيناريو الرمزي الذي نتج عنه هذا الحلم العجيب.
انّ الرموز في الحلم جليّة، فالبقرة ترمز الى الثروة الحيوانيّة والسنبلة ترمز الى الثروة الزراعية وكانتا من اهم مصادر عيش الشعب المصري حينذاك.
يتبادر الى الذهن سؤال مهم، هل كان يوسف حقّا نبيّا ووهبه الله موهبة تفسير الاحلام؟
يقول فقهاء المسلمين انّ احلام الانبياء هي وحي من الله ولهذا تحقق حلم السجدة في القصّة، والسؤال هنا اذا كان هذا الادعّاء صحيحا فانّ صاحبي يوسف في السجن وفرعون مصر هم ايضا مَنْ تحقّق احلامهم، فهل يصح ان نقول بانهم كانوا انبياء ايضا لتحقّق احلامهم؟
الكاتب المصري الدكتور مصطفى محمود يتناول في مؤلفه ( الاحلام ) بالتفصيل آليّة تكوّن الاحلام، كما انَّ العديد من علماء النفس كيونغ وبرجسون وسيجموند فرويد لهم باع طويل في موضوع تفسير الاحلام بالرغم من انَّ فرويد يغلب عليه عامل الجنس في تفسيراته للاحلام وهذه هي احدى مثالب نظريته.
خلاصة القول انّ الحلم يتكوّن في العقل الباطن ( اللاشعور ) للانسان النائم باستخدام ارشيف المعلومات والذكريات الموجودة في دماغ الحالم وذلك بتاليف سيناريو مُبهم وباستعمال رموز بدل الاحداث والشخصيّات الحقيقية.
انّ المؤثرات في تكوين الاحلام عديدة، فمثلا حدوث حادثة او اجراء حديث او مشاهدة فلم قبل النوم بفترة وجيزة او قبل عدّة ايام وكذلك رغبات الانسان المكبوتة كالرغبات الاقتصادية والجنسية والبيولوجية الاخرى، يضاف الى ذلك تاثيرات البيئة المحيطة بالنائم كسماع الاصوات والضوء الساقط على عين النائم والروائح الّتي يتنشقها مع الهواء.
انّ افضل من يفسّر الحلم هو الحالم نفسه، لانه المؤلّف وكاتب السيناريو والمخرج والممثل في انٍ واحد.
لتوضيح آلية تكوّن الاحلام وتفسيرها ساذكر مثالا لحلم فسّرته لصديق.
كنت اعمل في احدى الدوائر الهندسية في بغداد وكان لي صديق في نفس القسم الذي كنت اشتغل فيه، هذا الصديق كان يحب زميلة لنا ولكن الحبّ كان من طرف واحد، وعندما كاشف صاحبي زميلتنا بحبه ردّته بلطف وتمنّت له السعادة.
جاءني صديقي صباح احدى الايام وروى لي حلمه وهو يبتسم وعلامات الانشراح بادية في اساريره، قال صديقي بانّه حَلُمَ الليلة الماضية بانّه كان في المصعد مع زميلتنا وفجأة توقّف المصعد لانقطاع التيّار الكهربائي، مضت فترة طويلة ونحن محبوسان في المصعد، ولكنّي لم اشعر بالقلق او الخوف او الملل بل بالعكس كنت اشعر بالسعادة اثناء الحدث.
نتيجة لمطالعاتي حول موضوع الاحلام استطعت من تفسير حلم زميلي العاشق، وقد اصابه العجب عندما استمع الى التفسير وبدت على وجهه امارات التأييد.
انّ رؤية صديقي لهذا الحلم كانت نتيجة للرغبة الكامنة في نفسه من الزواج بزميلتنا الّتي كان يعشقها، فالمصعد المغلق عليهما يرمز الى عش الزوجية ( القفص الذهبي ) وشعوره بالسعادة اثناء الحدث ناجم عن احساسه بانَّ عش الزوجية ضمَّت كليهما بين جدرانه، ونظرا لشعوره باستحالة تحقق امانيه في الواقع فانَّ رغباته المكبوتة انطلقت من اسارها في هذا الحلم الممتع.
7- هل كان موسى يهوديا ام مصريا؟:
لطالما اثارت قصّة موسى في عقلي تساؤلات عديدة، فهذا النبي الّذي اسّس الدين اليهودي هو اوّل صاحب كتاب سماوي وأحَد الانبياء الّذين كلّموا الله مباشرة دون وساطة الملائكة حسب ما ورد في التوراة والقرآن.
ملّخص هذه القصّة كما وردت في الكتب السماويّة:
بعد استقرار ابناء اسرائيل(ابناء النبي يعقوب) في مصر تحت حماية النبي يوسف، تكاثروا هناك وعاشوا عيشة راضية، ولكن بعد وفاة الفرعون حامي النبي يوسف، جاء من بعده فرعون آخر لم يكن كسلفه متعاطفا مع العبرانيين.
بعد وفاة النبي يوسف بدأت معاناة ابناء اسرائيل في وطنهم الجديد مصر حيث اصبحوا يُعاملَون معاملة العبيد.
حَلُمَ الفرعون حُلما عجيبا، فراى في منامه نارا تخرج من بني اسرائيل فتحرقه وتحرق مُلكَه، فاستيقظ مرعوبا واستدعى كهنته لتفسير هذا الحلم.
فسّر احد الكهنة هذا الحلم وقال بانّ صبيّا من بني اسرائيل سيولد وسيغتصِب مُلك الفرعون.
صَدَّقَ الفرعون النبؤة وامر بقتل جميع مواليد العبرانيين، لذلك انتشرَ جنود الفرعون في ارجاء مصر وارتكبوا مجزرة بشعة بحق اطفال بني اسرائيل.
عندما طرقت هذه الاخبار اسماع والدة موسى وضعت وليدها في صندوق خشبي وتركته تحت رحمة تيار نهر النيل، بعد فترة وصل الصندوق بحمله الى الشاطىء المحاذي لقصر الفرعون فالتقطته زوجة الفرعون وقررت تبنّي موسى.
ترعرع موسى في القصر الفرعوني واصبح شابا يافعا وقويا.
في احدى الايام وبينما كان موسى يتنزّه في السوق استنجد به احد العبرانيين الذي كان في خضم شجار مع احد المصريين فلبّى موسى النداء وشمّر عن ساعديه لنجدة العبراني وضرب خصمه المصري ضربة قاضية ومات الرجل على التوّ.
انتشر خبر الجريمة ووصل الى اسماع الفرعون فامر بالقبض على موسى لينال جزاءه العادل.
للنجاة من العقوبة هرب موسى الى خارج مصر ووصلَ بعد سفرة شاقّة الى مَدْيَن وقام هناك بمساعدة اختين كانتا تسقيان اغنامهنَّ فاقترحت احدى الاختين على ابيها النّبي شعيب انْ يستخدم موسى للعمل عندهم لانّه قوي وامين. رحّب شعيب باقتراح بنته وطلب من موسى العمل لحسابه والزواج من احدى البنتين واشترط مقابل ذلك على موسى ان يقوم بالخدمة لديه سبع سنوات كاملة.
في احدى الليالي الشتوية الظلماء كان موسى مع اهله مُعسكراً في الخلاء وراى نارا على مبعدة، فطلب من اهله المكوث في موضعهم واتجه نحو مصدر النار لجلب قبس منه او للاستفسار عن الطريق لانّهم ضلّوا طريقهم في الظلام الدامس، وعند اقترابه من موضع النار سمع صوتا يكلّمه فملأه الخوف من هذا الأمر الغريب. ثمَّ خاطب الله موسى قائلا (( وما تلكَ بيمينكَ يا موسى* قالَ هيَ عصايَ أتوكأُ عليها وأهشُّ بِها على غَنَمي ولي فيها مأرب أخرى* ))…..سورة طه الايات 17 و 18.
بعد ذلك طلب الرّب من موسى ان يرمي عصاه الى الارض فانقلبت الى حيّة تسعى، ثمّ طلب الرّب منه انْ يُضمم يده الى جناحيه فخرجت بيضاء من غير سوء.
بعد هذه السلسلة من المعجزات طلب الربّ من موسى التوجّه لمقابلة الفرعون لانّه طغى وامره كذلك بمخاطبة الفرعون باللين والطلب منه بالامتناع عن تعذّيب بني اسرائيل والسماح لهم بالهجرة الى خارج حدود مملكته ولكنَّ موسى اعترض على التكليف وقال بانّ الفرعون جبّار عنيد ولن يستطيع اقناعه بالدعوة الجديدة كما تحجَّج موسى بوجود علّة في لسانه.
بعد رؤية موسى هذه المعجزات واخبار الربّ له بانّه عيّنَ اخاه هارون معاونا له عند قيامه بمهمّته العسيرة، توجّه موسى نحو مصر.
في مصر ذهب موسى مع اخيه هارون لمقابلة الفرعون ودعاه الى عبادة اله واحد بدلا من الهتهم العديدة كما ابلغه بانّه نبيّ مُرسَل من قبل الرّب وطلب منه تحرير رقاب العبرانيين والسماح لهم بالهجرة معه الى خارج مملكة الفرعون. لم يصدّق فرعون ادّعاء موسى وطلب من حرّاسه رميه في السجن، في تلك الاثناء رمى موسى عصاه الى الارض فانقلبت الى حيّة هائلة فاصيب جميع مَن في القصر بالهلع وتركوا موسى يذهب الى سبيله.
ادّعى فرعون بانَّ موسى ساحر وطلب من جميع السحرة في مملكته اجراء مبارزة سحرية مع موسى في يوم محدد. في الموعد المحدد حضر جميع السحرة وموسى الى محل المبارزة وبحضور الفرعون رمى السحرة باشيائهم على الارض فتحولت الى افاعي تسعى، ثمّ رمى موسى بعصاه العتيدة فتحولت الى حيّة عملاقة التهمت جميع افاعي السحرة. نتيجة لهذه الهزيمة النكراء اعترف السحَرة بنبوّة موسى وسجدوا لله صاغرين.
استمرَّ الفرعون في تسخير العبرانيين ومعاملتهم كعبيد، لذلك طلب موسى منه مرّة اخرى اعتاقهم والسماح لهم بالهجرة الى خارج مصر.
بعد رفض الفرعون هذا الطلب عاقب الله فرعون والمصريين بشتّى المصائب والويلات بعد انْ دعى موسى ربّه وطلب منه ذلك، من هذه المصائب تحوّل نهر النيل الى دماء وغزو الضفادع والجراد وموت ماشية واطفال المصريين.
لايقاف هذه السلسلة من الآفات وافقَ الفرعون مُرغَماً على اطلاق سراح ابناء اسرائيل فاتّجهت قافلتهم بقيادة مُنقذِهم موسى نحو الارض الموعودة فلسطين.
تراجع الفرعون عن قراره وقرر تَعقُّب القافلة بجيشه ناويا ابادتهم عن بكرة ابيهم، وعندما وصلت قافلة العبرانيين الى سواحل البحر الاحمر، ظهرت للعيان طلائع جيش الفرعون في الافق، فقام موسى وبضربة من عصاه بشق ماء البحر الى شقّين وتكوّنَ ممر برّي عَبَرَ منه العبرانيون الى الضفة المقابلة.
تعقّبَ الفرعون بجيشه المهاجرين واثناء دخوله الى الممر انطبق مياه البحر عليهم فغرقوا جميعا.
بعد العبور بدأت الرحلة الشاقّة لابناء اسرائيل بقيادة موسى نحو ارض الميعاد. وفي طريقهم تاهوا في الصحراء القاحلة اربعون سنة وانقذهم موسى من الموت جوعا وعطشا عدّة مرّات بمعجزاته. بعد ذبح معظم جِمالَهم واكل لحومها، حرّمَ عليهم الرّب على لسان موسى اكل لحم الجمال للاستفادة من حليب البقيّة الباقية من الجمال، كما ارسل الرّب لهم المَنَّ والسلوى لانقاذهم من الجوع. حدثت مشاكل عديدة في هذا المجتمع التائه في اعماق الصحراء من قتل وسرقة وزنا وعمّت الفوضى بين صفوفه، فادرك بموسى ببصيرته الثاقبة بأنَّ هذا المجتمع لا يمكن انْ يتعايش بسلام وينتظم حاله بدون وجود تشريع الهي ينضّم العلاقات الاجتماعية فيما بينهم، لذلك قرر موسى السفر الى طور سيناء من اجل لقاء الرّب وطلب المدد منه. بعد وصوله الى جبل سيناء وتكليمه الرّب رجع موسى الى قومه بعد مرور اربعين يوما حاملا عدد من الواح الحجرية منقوشة عليها الوصايا العشر (( لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ…… الى اخر الوصايا العشر )).
صعق موسى عند عودته عندما رأى قومه يعبدون عجلا من الذهب، فغضب غضبا شديدا ورمى الالواح الحجرية الى الارض فتفتت قطعا وطلب من قومه العودة الى عبادة ربّه الواحد الاحد.
لم يتمكن موسى من تحقيق الوعد والدخول الى ارض الميعاد ( فلسطين ) وتوفي على اعتابه.
هذه هي ملخّص قصّة موسى الّتي تروي جزء من تأريخ نسل أبراهيم في مصر ومغامراتهم في جوف الصحراء وقصّة ظهور اوّل كتاب سماوي ( التوراة ) يدعو الى وحدانية الله .
في فصل سابق من هذا الكتاب تحت عنوان( ابراهيم والاله الواحد ) ذكرنا أنَّ العالم النفساني اليهودي الاصل وموجد علم التحليل النفسي سيجموند فرويد له رأي اخر في مسألة ظهور اوّل ديانة توحيدية في تاريخ البشرية، ففرويد يدعّي في مؤلفه ( موسى والتوحيد ) بأنَّ اوّل من دعا الى التوحيد هو الفرعون اخناتون.
اخناتون او امنوحتب الرابع هو عاشر فراعنة الاسرة الثامنة عشر، حكم مع زوجته الرئيسية نفرتيتي لمدة 17 سنة منذ عام 1369 ق.م.( توفي في 1336 قبل الميلاد او 1334 قبل الميلاد ). كلمة اخناتون معناها الجميل مع قرص الشمس او ( روح اتون ). حاول اخناتون توحيد الهة مصر القديمة بما فيها الاله امون رع في شكل الاله الواحد اتون رغم أنَّ هناك شكوكا في مدى نجاحه في هذا، ونقل العاصمة طيبة الى عاصمته الجديدة اخت اتون بالمنيا وفيها ظهر الفن الواقعي ولاسيما في النحت والرسم وظهر ادب جديد يتميز بالاناشيد للاله الجديد اتون، او ما يُعرف اليوم بنظام تلُّ العمارنة. انشغل الملك اخناتون باصلاحاته الدينية وانصرف عن السياسة الخارجية وادارة الامبراطورية الممتدة حتى اعالي الفرات والنوبة جنوبا، فانفصل الجزء الاسيوي منها، ولمّا مات خلفه سمنخ كارع ثمّ اخوه توت عنخ امون الّذي ارتدَّ عن عقيدة اتون وترك العاصمة طيبة واعلن عودة عقيدة امون معلنا انّه توت عنخ امون وهدمَ كهنة طيبة اثار اخناتون ومدينته ومحو اسمه من عليها.
الاهم من ادعّاء فرويد بانَّ اوّل موّحِد في التاريخ هو الفرعون اخناتون هو ادعّاءه بانَّ موسى لم يكن عبرانيا بل كان مصريا، ويورد فرويد عدد من الادلّة والبراهين لاثبات اطروحته هذه.
يقول فرويد بانّ موسى كان احد قوّاد اخناتون او واحدا من الكهنة الّذين امنوا بالدين الجديد، فبعد موت اخناتون ومحاربة المؤمنين بالدين الجديد الّذي كان يدعو الى وحدانية الله من قِبَل خَلَف اخناتون وكهنة الدين القديم امون، قرر موسى قيادة هذا الرعيل الاوّل من المؤمنين ومعظمهم من بني اسرائيل والهجرة بهم من مصر لتخليصهم من بطش وظلم الفرعون الجديد توت عنخ امون. من جملة الادلّة الّتي ذكرها فرويد لاثبات كون موسى مصريا هي عملية الختان، فالمصريون كانوا اول الاقوام المعروفة في التاريخ الّذين كانوا يجرون عملية الختان للذكور وهذا مثبت تاريخيا نتيجة لفحص المومياءات المكتشفة.
يقول فرويد من المنطقي انْ يفرض موسى المصري على رعيته من اليهود عملية الختان وليس من المنطقي انْ يفرض موسى اليهودي ذلك عليهم لانّ هذا سيكون تشبّها باعدائهم المصريين الّذين ساموهم انواع العذاب والمهانة.
هنالك ثغرة في ادّعاء فرويد بانَّ موسى هو من اصل مصري يُمكن صياغته على شكل تساؤل: لو كان موسى مصريا كيف قَبِلَ اليهود بزعامته؟ فمن المعروف عن اليهود تعصبهم المفرط لقوميتهم.
اضافة الى ادّعاء فرويد بانّ موسى كان مصريا، فانّه يَذكُر بانّ قصّة اللقاء بين موسى وشعيب لفّقها اليهود لتكون القصّة محبوكة بصورة جيّدة.
لنستعرض الان الشكوك والتساؤلات التى جالت في عقلي حول هذه القصّة:
-انَّ قصّة الطفل المتروك بداخل الصندوق في نهر هي اسطورة قديمة رويت قبل ذكرها في التوراة ومن قبل عدة اقوام، واحدى هذه الاساطير كان بطلها سرجون الاكدي، والجدير بالذكر انّ فرويد يذكر في كتابه بانّ هذه القصّة ملفقّة من قبل اليهود.
-التساؤل الاوّل: هل يُمكن انْ يختار الله قاتلا كنبي؟ لنحاول تحليل ظروف الجريمة، القاتل( موسى ) عبراني، المقتول مصري، سبب القتل تعصّب قومي او نجدة احد افراد الجماعة المظلومة او المُسترَّقة، ولكن هل هذا سبب كافي للقتل فالمصري لم يَقتُل العبراني؟ وحسب ما ورد في القرآن، فأنَّ مَنْ َقتٌلَ نفسا من غير ذَنبٍ او فساد في الارض كمن قتل الناس جميعا، لذلك يمكن طرح التساؤل بصيغة اخرى: هل من المنطقي انْ يختار الله رجلا قتل الناس جميعا كنبي؟ لاشك انّه كان في عصر موسى الآف من البشر يحملون صفات قيادية وعبقرية ويؤمنون بالخير ويعملون لصالح الانسانية ولم يرتكبوا ايّة جريمة بحق الانسان، فلِمَ اختار الرّب قاتلا ليكون نبيّا؟ رُبَّ معترض سيجيب بانّ الله اراد انْ يبيّن بانَّ مغفرته لا حدود لها وتشمل حتّى القاتل الّذي يتوب ويعود الى رحاب الله ويُمكن انْ يختاره الله نبيا، والجدير بالذكر انّ ابن خلدون في مقدمته لا يوافق على قانون الذاتية الّذي يقول بانّ الشيء اذا كان حسنا او سيئا فانّه يبقى على ماكان للابد، انّ الشيء في رأي ابن خلدون قد يكون حسنا ثمّ ينقلب سيئا، وليس هناك شيء يبقى على حاله الاوّل امدا طويلا.
اضافة الى ماسبق هناك تساؤل اخر وهو ما الحكمة من اختيار شخص فيه علّة في لسانه لمهمّة اقناع الفرعون ومن ثمّ تعيين هارون ناطقا رسميا بلسان موسى بعد تحجج الاخير امام الله بعلّته.
-التساؤل الثاني: الا يَعلمْ الله وهو العليم الخبير ما بيد موسى حتّى يسأله ما تلك بيمينك ياموسى؟
يقول بعض المفسّرين انّ السؤال من قبل الله هو سؤال اقرار وليس سؤال استفسار اي انّ الله اراد انْ يُقر موسى بانّ الشيء الّذي كان في يده اليمنى هي عصا من الخشب حتّى يكون هذا الاقرار حجّة عليه بعد تحويلها الى حيّة تسعى بقدرة الله. انَّ هذا التفسير غير مُقنِع لأنّ موسى كان يعلم علم اليقين انّ عصاه مصنوعة من الخشب وانّه طوال استخدامه لهذه العصا لم يلاحظ عليها اشياء خارجة عن المالوف بدليل اصابته بالعجب عندما تحوّلت الى حيّة تسعى.
-التساؤل الثالث: هل يمكن اعتبار انتصار موسى في المبارزة السِحرية معجزة نبويّة ام عملا من اعمال السِحر؟ اِنَّ موسى فعل ما فعله سحرة فرعون وكون افعى موسى اكبر والتهامه للافاعي الاخرى ليس دليلا على نبوّته حسب المنطق العقلي.
الامام الغزالي يعتقد انّ الانبياء ليسوا وحدهم الّذين يظهر على ايديهم اعمال خارقة للعادة، بل يشاركهم فيها الاولياء والسحرة، فهي اذا ظهرت على يد نبيّ سُميّت معجزة، واذا ظهرت على يد ولي سُميّت كرامة، واذا ظهرت على يد ساحر سُميّت سحرا. انّما هي جميعا من نوع واحد، اذ هي تحدث خلافا لمبدأ السببية.
والغزالي يُفرِّق بين النبيّ والولي، فالنبيّ يتحدّى الناس بعمله الخارق بينما الولي لا يتحدّاهم به، امّا الفرق بين النبيّ والولي وبين الساحر فهو صلاح السيرة. فاذا كان صاحب العمل الخارق متحليا بالسيرة الفاضلة ومحامد الاخلاق فهو نبيّ او ولي، امّا اذا كان فاسدا يستعمل عمله الخارق في الشر فهو الساحر الخبيث.
انّ كيفية عبور بني اسرائيل الممر البري بعد انشقاق البحر الى شقين معضلة اخرى، فنحن نعلم اليوم أنَّ عمق البحر الاحمر هو مئات الامتار، فكيف تمكّن المهاجرون من النزول الى هذه الاعماق؟ هل استعملوا سلالم حبلية؟ واذا استعملت فانّ هذا يتطلّب معرفة مسبقة بالمعجزة حتّى يحتاطوا للامر ويجلبوا معهم هذه السلالم. قد يعترض احدهم على هذ التساؤل ويجيب بانّ موسى الّذي شقّ البحر يستطيع حل هذا الاشكال البسيط بمعجزة اخرى، ومهما يكن الامر فانَّ الروايات الدينية لم تتطرق الى حل لهذه المعضلة.
– تساؤل اخر يرد الى الذهن: نحن نعلم انَّ الله موجود في كل مكان (( اقرب اليكم من حبل الوريد…الآية ))، فَلِمَ ذهبَ موسى الى الجبل ( طور سيناء ) للقاء الرّب؟ بعض المشككين يدّعون بانّ سبب ذهاب موسى الى الجبل كان لغرض الانفراد بنفسه ليتمكّن من التفكير والتأمّل من اجل تأليف وكتابة الوصايا العشر ونقشها على الحجر، وهنالك مثل انجليزي يقول: اذا لم يستطع الجبل المجيء الى موسى فأنّ موسى يضطران يذهب الى الجبل.
لنحاول الان كتابة سيناريو اخر للقصّة اعلاه تكون اقرب للمنطق وبالاعتماد على بعض نقاط الضوء في القصّة:
بعد تعيين يوسف وزيرا للاقتصاد والزراعة والمالية انقذَ بفطنته مصر من مجاعة وكسب تقدير الفرعون، تطبيقا لمبدأ الاقربون اولى بالمعروف عيّن يوسف العديد من اخوته واقربائه في مفاصل الحكم والاقتصاد واصبح للعبرانيين شأن كبير في مصر. بعد وفاة يوسف ووفاة الفرعون الّذي كان متعاطفا مع العبرانيين استلم الحكم فرعون اخر الّذي لم تكن نظرته الى العبرانيين كسلفه. الفرعون الجديد قرر طرد العبرانيين من مصر للتخلّص منهم لاسباب عديدة منها انّهم بدأوا بالتكاثر بنسبة اكبر من تكاثر المصريين ( وردت في الاخبار أنّ الالمان سنّوا قانونا يشجّع على الانجاب لخشيتهم من تكاثر الاتراك المهاجرين في المانيا، حيث تشير الاحصائيات أنّ تعداد نفوس الاتراك في المانيا سيكون في عام 2050 اكثر من نفوس الالمان )، ونظرا لاحتلال ابناء اسرائيل مناصب ومواقع مهمّة في مصر فانّهم بدأوا بمنافسة المصريين في جميع الاعمال، كما انّهم بدأوا بنشر عقائدهم الدينية المخالفة لعقائد المصريين بين ابناء الشعب المصري مما ادّى الى قرع ناقوس الخطر في عقل الفرعون وبتاثير هذه العوامل حَلُمَ الفرعون بانّ نارا تخرج من بني اسرائيل فتحرقه وتحرق مُلكَه، فاستيقظ مرعوبا واستدعى كهنته لتفسير ذلك الحلم، وبعبارة اخرى فانّ هذا الحلم لم يكن حلما تنبؤيا وانّما نتيجة لمعطيات واقعية مُترَسِخة في لاشعور الفرعون طفت على السطح بشكل رمزي في حلمه. ومن البديهي أنَّ الكاهن الذي فسّر الحلم استند على نفس المعطيات الاجتماعيّة الواقعية في تفسيره.
لو القينا نظرة متمعنة على تاريخ اليهود وسلوكهم في هذا العصر نلاحظ انهّم يحاولون السيطرة على اهم مفاصل الاقتصاد في البلدان الّتي تأويهم وهذا ما حدث في المانيا قبل الحرب العالمية الاولى مما حدا بهتلر وحزبه النازي التخلص منهم بشتّى الوسائل، انّ الولايات المتّحدة الامريكية تَمُرُ اليوم بحالة مشابهة لحالة المانيا، فمعظم شرايين الاقتصاد الامريكي يستحوذ عليها اليهود ويستعملون هذه الميزة لتوجيه السياسة الامريكية بما يحقق مصالحهم ومصالح دولتهم اسرائيل.
امّا قصّة العبور وشقّ اليمّ الى شقّين فيمكن الاستعاضة عنها بسيناريو اخر وكما يلي:
في عصر موسى لم تكن لقناة السويس وجود ( حفرت قناة السويس في سنة 1868 م ) وبعبارة اخرى فانّ البحر الاحمر لم يكن متصلا بالبحر الابيض المتوسط فكان من الممكن وصول بني اسرائيل الى ارض الميعاد عن طريق البر من المنطقة المحصورة بين البحرين اي من موقع محافظة الاسماعيلية باتجاه شمال سيناء او العريش حسب التسمية الحديثة. انّ هذا الاحتمال يُفسّر تيههم في الصحراء، واذا اضفنا الى هذا عملية طردهم من قبل الفرعون وعدم اضطرارهم لسلوك طريق مختصر لعدم وجود تهديد الملاحقة من قبل جنود الفرعون فانّ هذا الاحتمال يكون اقرب الى المنطق.
تذكر المصادر بانّ الشكل النهائي لنص التوراة يعود تاليفها الى مابعد فترة السبي البابلي ففي اثناء السبي تعرّف اليهود على عبادات وتقاليد وقوانين والتراث الفكري للبابليين، لذلك يمكن القول انّ مؤلفي التوراة تاثروا بنصوص حضارات العراق القديم في تأليفهم.
إنَّ التوراة لها محاسن ومساويء فهي سِجِلٌ لقصص الانبياء ومواعظهم، وهي في الوقت ذاته سِجِلٌ خرافات واوهام ما انزل الله بها من سلطان.
إنّ اليهود في نسختهم لقصّة موسى حاولوا اظهار انفسهم مظلومين ومضطهدين وهذا ديدنهم حتّى اليوم، وارادوا الايحاء في القصّة بانّ الله متحيّزٌ لهم لانّهم شعب الله المختار والله بريء من ادّعاءاتهم الباطلة.
اِنَّ الادهى من ذلك أنَّ التراث الاسلامي قد تمَّ تطعيمه عبر التاريخ بالعديد من هذه الخرافات والقصص الملّفقة من قبل يهود اسلموا او اظهروا اسلامهم، اِنَّ الالاف من الاحاديث النبوية الملفّقة التي سُميّت بالاسرائيليات القت بغشاوتها على التراث الديني الاسلامي فاختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين والخيال بالحقيقة.
8- سليمان والهدهد:
قصّة النبي سليمان من اكثر قصص الانبياء اثارة وغرابة وهي مليئة بالاحداث والشخصيات الميتافيزقية (ما وراء الطبيعة) ومعظم ابطالها من الجن والعفاريت والشياطين والحيوانات والحشرات. اصبحت هذه القصّة فيما بعد مصدر الهام للعديد من قصص الف ليلة وليلة كقصّة علاءالدين والمصباح السحري وبساط الريح السحري. ملّخص هذه القصّة كما وردت في الكتب السماويّة:
سليمان احد انبيّاء بني اسرائيل وملك من ملوكها، يَذكُر جلال الدين السيوطي في كتابه ( لباب النقول في اسباب النزول ) عند ذكر سبب نزول الآية القرانية ((وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) ….. سورة البقرة، الاية 102، انَّها نزلت كردٍّ على اليهود الّذين قالوا: انظروا الى محمّد يخلط الحق بالباطل، يذكر سليمان مع الانبياء، اما كان ساحرا يركب الريح؟
ورد في تفسير الجلالين حول تفسير الاية ((وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ…)) مايلي:
“وَاتَّبَعُوا” عُطِفَ عَلَى نَبَذَ “مَا تَتْلُو” أَيْ تَلَتْ “الشَّيَاطِين عَلَى” عَهْد “مُلْك سُلَيْمَان” مِنْ السِّحْر وَكَانَتْ دَفَنَتْهُ تَحْت كُرْسِيّه لَمَّا نُزِعَ مُلْكه أَوْ كَانَتْ تَسْتَرِق السَّمْع وَتَضُمّ إلَيْهِ أَكَاذِيب وَتُلْقِيه إلَى الْكَهَنَة فَيُدَوِّنُونَهُ وَفَشَا ذَلِكَ وَشَاعَ أَنَّ الْجِنّ تَعْلَم الْغَيْب فَجَمَعَ سُلَيْمَان الْكُتُب وَدَفَنَهَا فَلَمَا مَاتَ دَلَّتْ الشَّيَاطِين عَلَيْهَا النَّاس فَاسْتَخْرَجُوهَا فَوَجَدُوا فِيهَا السِّحْر فَقَالُوا إنَّمَا مَلَكَكُمْ بِهَذَا فَتَعْلَمُوهُ فَرَفَضُوا كُتُب أَنْبِيَائِهِمْ قَالَ تَعَالَى تَبْرِئَة لِسُلَيْمَان وَرَدًّا عَلَى الْيَهُود فِي قَوْلهمْ اُنْظُرُوا إلَى مُحَمَّد يَذْكُر سُلَيْمَان فِي الْأَنْبِيَاء وَمَا كَانَ إلَّا سَاحِرًا : “وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان” أَيْ لَمْ يَعْمَل السِّحْر لِأَنَّهُ كَفَرَ “وَلَكِنَّ” بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف “الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر” الْجُمْلَة حَال مِنْ ضَمِير كَفَرُوا…..انتهى.
الله مَنحَ سليمان ثروة هائلة من المال وسلطة وقدرات لم يمنحها لاي نبيّ وسخّرَ له العفاريت والجن والحيوانات، كلُّ هذه المخلوقات كانت تحت امرته ولا يعصون له امرا، كما وهبه موهبة معرفة لغة الحيوانات ((حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرونَ* فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ*))….سورة النمل الاية 18 و 19 ، فكان سليمان يُكلّم الحشرات والجن والعفاريت ويسخّرهم لتحقيق اغراضه كمعاونة الجن له في القتال واستخدام الهدهد كجاسوس يجمع اخبار الاقوام المجاورة لمملكته او يبحث له عن مصادر المياه في البراري اثناء تنقّلاته.
في احدى الايام تفقّد سليمان حاشيته من الطيور فلم يجد بينهم الهدهد ((وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ))….سورة النمل الاية 20، بعد فترة حضر الهدهد الى مجلس سليمان واخبر سليمان عن مشاهداته اثناء تحليقه فوق اليمن وقال: ((إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ))….سورة النمل الاية 23، يذكر ابن كثير في تفسير الاية ” إِنِّي وَجَدْت اِمْرَأَة تَمْلِكهُمْ ” مايلي:
قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَهِيَ بِلْقِيس بِنْت شَرَاحِيل مَلِكَة سَبَأ وَقَالَ قَتَادَة : كَانَتْ أُمّهَا جِنِّيَّة وَكَأَنَّ مُؤَخِّر قَدَمَيْهَا مِثْل حَافِر الدَّابَّة مِنْ بَيْت مَمْلَكَة وَقَالَ زُهَيْر بْن مُحَمَّد وَهِيَ بِلْقِيس بِنْت شَرَاحِيل بْن مَالِك بْن الرَّيَّان وَأُمّهَا فَارِغَة الْجِنِّيَّة وَقَالَ اِبْن جُرَيْج بِلْقِيس بِنْت ذِي شَرْخ وَأُمّهَا بَلْتَعَة…انتهى.
اخبر الهدهد سليمان بانّ قوم بلقيس يعبدون الشمس، لذلك قرر سليمان اخضاع بلقيس وقومها لسيطرته وفرض دينه عليهم، وقبل انْ يشن سليمان حملة عسكرية على مملكة سبأ طلب من الهدهد تسليم رسالة الى بلقيس وقومها يطلب فيها منهم انْ يُسلِموا ويستسلموا له، ثمّ ارادت بلقيس رشوة سليمان فارسلت له هديّة ولكن سليمان سَخِر منهم وقال انّ ما اتاه الله خير مما اتاهم وطلب من حاشيته انْ يجلبوا له عرش بلقيس، فانبرى عفريت من الجن متطوعا للمهمّة وقال: ((قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ))…سورة النمل، الاية 39، هنا تدّخل احد العلماء الجهابذة وقال: ((قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ))… سورة النمل، الاية 40، وفعلا تمكّن الّذي عنده علم من الكتاب من احضار العرش في لمح البصر ( يذكر ابن كثير في تفسيره أَنَّهُ آصَف بْن بَرْخِيَاء وَكَانَ صِدِّيقًا يَعْلَم الِاسْم الْأَعْظَم).
بعد هذه الاحداث استسلمت بلقيس وقومها وخضعوا لسليمان وحضرت بلقيس الى مملكة سليمان ودخلت الى قصر سليمان وعند دخولها كشفت عن ساقيها حتّى لا تبتل ملابسها لانّها حسبت انَّ ارضية القصر المعمولة من الزجاج الازرق لُجّةٌ ((قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))….سورة النمل، الاية 44.
هذه ملخّص قصّة النبيّ سليمان، ولنحاول الان تحليل ومناقشة هذه القصّة المثيرة:
اوّل سؤال يتبادر الى الذهن هو: لِمَ سخّرَ الله الجن والعفاريت والطير لخدمة الاغراض التوسعية لسليمان، الا يكفي ظلم البشر حتّى يُسلِّط الله على الشعوب العفاريت والجن والحيوانات؟ ولِمَ كان معظم الانبياء المعروفين فقراء ومعدمين بينما ثروة سليمان لا حدود لها؟
محمّد وموسى كانا فقيرين وكانا راعيين للغنم وعيسى كان نجّارا ومُعدَما. اِنَّ الانبياء عبر التاريخ أُرسلوا لتحقيق العدالة والمساواة ولمحاربة ظُلم الطغاة والاغنياء الّذين كانوا يهضمون حقوق الفقراء، وقد كان العبيد والفقراء يُشكّلون مُعظم طليعة المؤمنين بمحمّد في بداية دعوته.
يقول علي بن ابي طالب في خطبته المعروفة ب(القاصعة) مايلي:
اِنَّ الانبياء واتباع الانبياء مُستضعَفون يُعانون البلاء دوما، وأنَّ هذا هو دليل تمسكهم بالحق، ولو كان الانبياء ملوكا مترفين لاتّبعهم معظم الناس ولتساوى عند ذاك طالب الحق وطالب المنفعة.
وسؤال مُلِح اخر: كيف كانت الحيوانات والجن والعفاريت يتفاهمون مع قوّاد وجنود سليمان اثناء المعارك؟ هل كان هناك مُترجم ضليع بكل هذه اللغات؟
تساؤل اخير: كيف احضر الّذي عنده علم من الكتاب عرش بلقيس من اليمن الى فلسطين في ثانية واحدة او اقل منها؟ هل كانت العلوم والتكنولوجيا متطوّرة في عصر سليمان ونحن لاندري؟ نحن نعلم انّه حتّى في عصرنا هذا وبالرغم من التقدم الهائل في العلوم، فانّ العلماء لم يتمكنوا لحد الان من نقل الاشياء من مكان الى اخر بتحويل المادّة الى طاقة ثمّ اعادته الى سابق عهدها، قد يحدث هذا في المستقبل وكما تنبأ به بعض علماء المستقبل وكما شاهدناه في المسلسلة التلفزيونية رحلة النجوم (ستار تريك).
يدعّي بعض المٌفسرين الّذين يحاولون اثبات اعجاز القران بربط مثل هذه الآيات بالعلم انّ هذه الآية اشارة الى تكنولجيا نقل الاشياء من مكان اخر بلحظات وهناك ايات عديدة في القران يحاول هؤلاء تفسيرها تفسيرا علميا، يقول سيّد قطب في تفسيره (في ظلال القران) ما معناه: اِنّ محاولة بعض المفسرين المعاصرين لربط الآيات القرانية بالعلم الحديث له محاذير، فالعلم قد ينقض في المستقبل ما اثبته اليوم، ثمّ انَّ القرآن ليس كتابا علميا وانّما يدعوا الى عقيدة التوحيد وفيه تشريعات لتنظيم المجتمع.
قبل فترة صدر كتاب بعنوان(اسرار القران الكريم) للكاتب التركي عمر جل اكيل، يحاول الكاتب فيه انْ يُقنِع القاريء بانَّ القرآن قد تنبّأ بتواريخ بعض الاختراعات والمكتشفات الحديثة، وخلاصة طريقته في الاثبات هي انّه يقوم بجمع كلمات بعض السّور القرانية مع الرقم الّذي يدل على تسلسل السورة ورقم الآية التي وردت فيها اشارة الى الاختراع او الاكتشاف للحصول على تواريخ بعض المخترعات والاكتشافات العلمية، كتاريخ اختراع التلفون والطائرة، كما يذكر الكاتب بانّ العدد الذّري لعنصر الحديد مذكور في سورة الحديد كما انّ عدد كروموسومات النحل مذكور في سورة النحل وباتبّاع نفس الاسلوب الّذي ذكرناه.
يقول الدكتور علي الوردي في مؤلفه(مهزلة العقل البشري) مايلي:
اخذ المسلمون في عهودهم المتأخرة يفهمون القرآن على غير حقيقته، فهم اعتبروه سجلّا للعلوم والفنون على اختلاف انواعها. ففيه اسرار الذرّة والفلك، وفيه الادوية والعقاقير، وفيه الجغرافية وعلم طبقات الارض، وهم يُناشدون كلَّ عالِم انْ يقتبس علومه من القران، واذا عَجِزَ العالِم عن العثور عمّا يطلبه فيه كان ذلك دليلا على قصور ذهنه، فهو لو صَبرَ على البحث لوجد في القران كلَّ ما يروم.
قد يصح ان نقول أنَّ هذه افكار سلطانية نشرها بين المسلمين اولئك الكهّان الّذين عاشوا على فضلات موائد المترفين، اِذْ هي افكار تُخدّر عقول المسلمين وتجعلهم يرضخون لجور حكامهم ويهملون ما جاء به القران من مباديء الحركة والتدافع الاجتماعي، ولو فهم المسلمون مقاصد القران حقَّ فهمها لما استطاع السلاطين انْ يستغلّوها باسم الدين او يتلذذوا بامر الله.
يقول نيتشة ((الدين ثورة العبيد)) ويقول ماركس((الدين افيون الشعوب)). وفي الحقيقة أنَّ الدين ثورة وافيون في انٍٍ واحد، فهو عند المُترَفين افيون وعند الانبياء ثورة، وكلُّ دين يبدأ على يد النبي ثورة ثمَّ يَستحوِذ المُترَفون عليه بعد ذلك فيحوّلونه الى افيون وعندئذٍ يظهر نبيٌّ جديد فيعيدها شعواء مرة اخرى.
يٌريد المُترَفون انْ يرجعوا بالمجتمع الى الوراء، ويُريد الانبياء انْ يسيروا به الى الامام وبواسطة هذا التدافع الاجتماعي تنموا الحضارة من جهة ويتطوّر المجتمع من جهة اخرى….انتهى.
بعد استلام سليمان التقرير الاستخباراتي من الهدهد( نسي الكاتب عمر جل اكيل استخراج تاريخ اختراع طائرة التجسس اواكس وطائرات التجسس الّتي تطير بدون طيّار من سورة النمل)، شكَّ سليمان في مصداقية الهدهد ((قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)) فقرر ارساله في مهمّة اخرى للتأكد من صدقه، والسؤال هنا، هل الكذب من طبيعة الحيوانات؟ طبعا لا نستطيع الاجابة على هذا السؤال لانّنا لا نعرف لغة الحيوانات ولكن العقل والمنطق يقول بانّ الحيوانات لا تَكذِب.
واخيرا يَذكُر ابن كثير في تفسير الاية 44 من سورة النمل ((قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)) ما يلي:
( وَذَلِكَ أَنَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَمَرَ الشَّيَاطِين فَبَنَوْا لَهَا قَصْرًا عَظِيمًا مِنْ قَوَارِير أَيْ مِنْ زُجَاج وَأَجْرَى تَحْته الْمَاء فَاَلَّذِي لَا يَعْرِف أَمْره يَحْسِب أَنَّهُ مَاء وَلَكِنَّ الزُّجَاج يَحُول بَيْن الْمَاشِي وَبَيْنه وَاخْتَلَفُوا فِي السَّبَب الَّذِي دَعَا سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى اِتِّخَاذه فَقِيلَ إِنَّهُ عَزَمَ عَلَى تَزَوُّجهَا وَاصْطِفَائِهَا لِنَفْسِهِ ذُكِرَ لَهُ جَمَالهَا وَحُسْنهَا وَلَكِنْ فِي سَاقَيْهَا هُلْب عَظِيم وَمُؤَخِّر أَقْدَامهَا كَمُؤَخِّرِ الدَّابَّة فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَاِتَّخَذَ هَذَا لِيَعْلَمَ صِحَّته أَمْ لَا ؟ هَكَذَا قَوْل مُحَمَّد بْن كَعْب الْقَرَظِيّ وَغَيْره فَلَمَّا دَخَلَتْ وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا رَأَى أَحْسَن النَّاس سَاقًا وَأَحْسَنهمْ قَدَمًا لَكِنْ رَأَى عَلَى رِجْلَيْهَا شَعَرًا لِأَنَّهَا مَلِكَة لَيْسَ لَهَا زَوْج فَأَحَبَّ أَنْ يُذْهِب ذَلِكَ عَنْهَا فَقِيلَ لَهُ الْمُوسَى فَقَالَتْ لَا أَسْتَطِيع ذَلِكَ وَكَرِهَ سُلَيْمَان ذَلِكَ وَقَالَ لِلْجِنِّ اِصْنَعُوا شَيْئًا غَيْر الْمُوسَى يَذْهَب بِهِ هَذَا الشَّعَر فَصَنَعُوا لَهُ النَّوْرَة وَكَانَ أَوَّل مَنْ اُتُّخِذَتْ لَهُ النَّوْرَة قَالَهُ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَمُحَمَّد بْن كَعْب الْقَرَظِيّ وَالسُّدِّيّ وَابْن جُرَيْج وَغَيْرهمْ )…. انتهى.
هل يٌمكن انْ يصدّق هذه الخزعبلات عاقلٌ؟
المهندسون العماريون من الشياطين (خريجوا الدورة الاولى من قسم الهندسة العمارية، عام 13000 ق.م. / جامعة تل ابيب) يُصممون ويبنون قصرا من زجاج ويُجرون من تحته ماءاً( بعض المفسّرين يذكرون بأنَّ الاسماك والحيتان كانت تسبح في الماء)، والسبب الّذي دعا سليمان لبناء هذا القصر الفخم هو ليكتشف صحّة كون مؤخِّر اقدام بلقيس كمؤخِّر الدابّة لانّ امّها كانت جنيَّة، وبعد انكشاف الكذبة وملاحظته وجود شعر على رجليها لانها ملكة ليس لها زوج، اقترح احد العقلاء استعمال الموسى لإزالة الشعر ولكن بلقيس رفضت هذا الاقتراح لذلك امر سليمان الجن بصنع شيء اخر، فصنعوا له النَّورة لإزالة الشعر الموجود في سيقان بلقيس.
9- عيسى ابن مريم ومعجزاته:
في هذه ألقصّة نلتقي بنبّي مُختلِف عن باقي ألأنبياء، فعيسى يولَدُ مِنْ أمٍّ وبدون أب، ثمَّ نراه يتكلَّم في رَحْمِ أمِّه وفي ألمهد، وعندما يكبر عيسى يَخلُبُ ألألباب بمعجزاته فيُبريء ألأبرص وألأصم وألأعمى ويمشي على ألماء متحديّا قانون ألجاذبية ألأرضيّة ويُحوِّل عدد مِنْ أرغفة ألخبز إلى مضاعفاته بخلاف ألقوانين ألفيزيائية وألكيميائية وألبيولوجية ألّتي سنّها ألله للكون، وألأهم مِن كلِّ هذه هي قدرته على إحياء ألموتى.
أليهود وألرومان حاربوا ألنبي ألجديد ألّذي كان مِن أصل عبراني وصلبوه فمات مصلوبا بعد عذابات يشيب مِن هولها ألوِلْدان.
هذه مُلخّص قصّة عيسى أبن مريم وكما وردَت في ألأناجيل وألقرآن مع أختلاف في بعض ألتفاصيل ووجهات ألنظر.
((( الديانة المسيحية ظهرت مع بداية قيام يسوع (السيد المسيح) بنشر رسالته في عام 25 ميلادي تقريبا، حيث وُلِد السيد المسيح في السنة الخامسة قبل الميلاد، وبدأ خدمته الرسولية وهو في سن الثلاثين، ثم مات وقام من الأموات، وصعد إلى السماء وهو في سن الثالثة والثلاثين. من ألنقاط ألرئيسية في ألمذهب ألمسيحي:
-الثالوث : إله واحد يتمثل في 3 أقانيم أو كينونات في ذات الله العجيبة بحيث لا يعتبرونها مسألة جمع ك 1+1+1=3 كما في الرياضيات بل مسألة ضرب 1×1×1=1 إذا استعرنا مثال من الرياضيات، كذلك، الأب، الابن، والروح القدس.
-المسيحيون يعتبرون أنّ المسيح هو كلمة الله الموجود مع الأب منذ الأزل بل هو الله الذي ظهر في الجسد، تجسّد من مريم العذراء المباركة بشرًا فظهر عبدًا يأكل ويشرب وينام ويتألم ليقدر أنْ يموت عن الخطاة بجسده، فهو ليس ميخائيل وهو ليس بشرا فقط من نسل آدم، ولكنه الله المتجسد بشرًا، ولذلك أَطلق الكُتّاب عليه اسم ( ابن الله ) و( ابن الإنسان )، فهو الإله الكامل والإنسان الكامل))).
بعد أنتشار ألدين ألمسيحي وأعتناق الرومانيين هذا ألدين ألجديد تأثرت ألمسيحية بألديانة ألرومانية وألّتى كانت تؤمِن بتعدد ألآلهة ونتيجة لهذا التأثُر بدأ المسيحيون بألأيمان بفكرة ألثالوث ألمقدّس أيْ ألرّب وألأبن وروح ألقدس.
((( كان الرومان الأولون وثنيين كغيرهم من الشعوب القديمة، وعبدوا قوى الطبيعة وتصوّروا أنَّ لكلِّ مَظهَر مِن مظاهرها إلهًا يُدبِّر أمورها ثمَّ تطوَّرت بفعل احتكاكهم باليونان والفينيقيين والأيونيين. وصاروا يعتقدون بوجود آلهة تشبه البشر بشكلها وبصفاتها وبعواطفها. وأخذوا مفاهيم اليونانيين حول الألوهية واستوردوا آلهتهم وسموها بأسماء رومانية، ولم تكن أشكال الآلهة الرومانية لتختلف عن الأشكال البشرية و كذلك طبائعهم. فآلهتهم تحب كما يحب البشر وتكره وتغضب وتنتقم وعلاقة الآلهة لا تخضع لهواجس تقلق بالهم كالخوف من المستقبل ومن السقوط إلى هوة العدَم أي الموت، فالآلهة خالدة وتتمتع بشباب دائم، وجمالها لا يخفِت، وقدرتَها لا تضمحِل، وعواطفها لا تنضب ))).
في سورة مريم ألآيات 16-35 وردَت قصّة ولادة عيسى أبن مريم في آيات مسجوعة ومِن أروع ما قرأتُ مِن ألسجع : (( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ۖ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَٰلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ ۖ سُبْحَانَهُ ۚ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) )).
إنَّ هذه ألآيات واضحة وتعكس عقيدة ألإسلام في ولادة عيسى أبن مريم، وتخالِف هذه ألعقيدة ألعقيدة ألمسيحية فالقرآن يقول إنَّ عيسى أبن مريم ليس أبن ألله وإنّما هو عبده ونبيُّه وأنَّ خلق عيسى كمثل خلق آدم ولكنْ بأسلوب مُختلف (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))… سورة آل عمران، ألآية 59، فآدم خُلق مِن غير أب وأم ولكنّ عيسى خُلق بنفخ ألروح في جيب درع مريم بواسطة ألملَك جبريل (( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ )) سورة ألتحريم، ألآية 12 وألآية (( وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ ))… سورة ألأنبياء، ألآية 91.
عند قراءة هاتين ألآيتين ندخل في متاهة فآية سورة ألتحريم تذكر: (فنفخنا فيه) فالضمير يعود للذكّر، أمّا آية سورة ألأنبياء فتذكر: (فنفخنا فيها) فالضمير هنا يعود للمؤنّث ولم أكتشِف السبب في هذا ألفرق في التفاسير ألّتي نقّبتُها، وحسب اعتقادي فإنَّ سبب هذا ألأختلاف النحوي يعود الى أنَّ ألقرآن من مصدر انساني لأنَّ ألله لا يمكن انْ يوحي بآيتين وبنفس الكلمات من فاعل ومفعول به واسم وحروف جر وبنفس الترتيب فيذكر الضمير مرة (فيه) ومرة أخرى(فيها)، ثمّ لِمَن يعود الضمير فيه او فيها الى مريم أمْ الى فرجها أمْ إلى جيب درعها وتعني جيب ملابسها او شقّ في ملابسها ( كما ذكر ذلك بعض المفسِّرين ).
إنَّ هؤلاء المفسّرين حاولوا اخفاء الحقيقة المقصودة في ألآية بالرغم أنّ محمّدا قال: لا حياءَ في الدين. في بعض الاحيان اناقش بعض الاصدقاء المتدينين حول مصدر القرآن، اهو من مصدر إلاهي أمْ إنساني وهل حدث تحريف فيه فيردّون عليَّ بألآية (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))…سورة الحجر، الآية 9، فإذا كان ألله يحفظ القرآن من ألتحريف او الاضافة او الحذف فكيف أكتشَفْتُ فيه وبالصدفة هذا الاختلاف النحوي؟ وطبعا هذا غيض من فيض وقد اسهب د. كامل النجّار والسيدة نورا محمّد وأخرون في هذا الموضوع ولا ارى داعيا للتكرار. وعلى أيَّ حال ففي تفسير الجلالين للآية 91 من سورة ألأنبياء ورد مايلي: ( “وَ” اُذْكُرْ مَرْيَمَ “اَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجهَا” حَفِظَتْهُ مِنْ أَنْ يُنَال “فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحنَا” أَيْ جِبْرِيل حَيْثُ نَفَخَ فِي جَيْب دِرْعهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى “وَجَعَلْنَاهَا وَابْنهَا آيَة لِلْعَالَمِينَ” الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة حَيْثُ وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْر فَحْل )…أنتهى.
إنَّ الاناجيل ليست كلام ألله ايضا وإنما روايات عن حياة عيسى واقواله رواها الحواريون وهناك العشرات من الاناجيل ولكنها الغيت وأُحرِقت من قبل لجنة مشكلّة من رجال الدين المسيحي وقرروا الاعتراف باربع أناجيل فقط( إنجيل متى ومرقص ولوقا ويوحنّا)، والحكاية معروفة للجميع، ثمّ أنَّ المسيحيين أنفسهم يقولون بأنَّ ألأناجيل ليست بكلام ألله، وما دمنا تطرّقنا الى هذا الموضوع فلا نبخس حق التوراة، فعند قراءتي للتوراة ادركت انّه كلام بشر وهي مليئة بالخرافات والخزعبلات وقصص كقصص الف ليلة وليلة وكمثال: قصّة شمشون ودليلة هذا البطل الخارق القوّة ألّذي يفقد قوّته نتيجة لقصّ شعر رأسه بمؤامرة تدبرّها دليلة الحسناء، والانكى من ذلك أنَّ النبي العلماني رائيل ( كلود فوريلهون ) يدعّي في كتابه الرسالة أنَّ شمشون فقد قوّته بعد قصّ شعره لأنّه فقد ألأتصال بألألوهيم ( الكائنات التي هبطت من السماء وخلقت الجنس البشري ) مصدر قوته لأن شعره كان يقوم بوظيفة ألآنتين او ألأريَل كما نسمّيه في العراق(AERIAL, ANTENNA) .
أتسأل كثيرا: لِمَ أختار ألله نبيّا بدون أب لهداية ألبشرية؟ إنَّ جميع ألأنبياء ألّذين سمعنا وقرأنا عنهم لهم والد ووالدة، فمُحمَّد وموسى وبقية ألأنبياء لهم أباء وأمهات، فلِمَ هذا ألتمييز؟ إذا كانت ألحكمة مِن ذلك إسناد عيسى بمعجزة كهذه فالنتيجة في بعض أوجهها كانت عكسيّة، حيث أُتّهِمَت أمّه مريم بألزنا مِن قِبل بعض ألمعارضين للدين ألجديد، ثُمَ أنَّ عيسى دُعِمَ مِن قِبل ألرّب بمعجزات كثيرة تكفي لإقناع أكثر ألعقول عنادا. وكمثال للوساوس ألّتي أثارها ألمولِد ألمعجزة قصيدة للشاعر (فاروق نافذ) يتناول فيه ولادة عيسى أبن مريم ونبوَّتِهِ. يقول ألشاعر بما معناه : (إنّي أطأطأ رأسي إحتراما وتبجيلا …… للأم ألّتي جَعلَتْ مجهول ألأب رسولا)، أيْ أنَّه يقصد بأنَّ ألفضل في نبوّة عيسى يعود ألى توجيهات وإيحاءات والدته مريم ألعذراء.
هنالك تساؤل آخر طُرحَ مِنْ قِبل بعض ألمفكرين حول حياة عيسى وهو: هل تزوَّج عيسى؟ يعتقد ألبعض أنَّه تزوج مِنْ أمرأة أسمها مريم ألمجدلية ورُزق منها ببنت، إنَّ هذه الفكرة أصبحت ألعمود ألفقري لرواية شفرة دافنشي للكاتب ألأمريكي دان براون حيث يُلمِّح ألكاتب الى أنَّ أسطورة ألكاس ألمقدّس ألشهيرة هي كناية الى زواج عيسى مِن مريم ألمجدلانية ألّتي هربَتْ مع أبنتها إلى فرنسا بعد صلب عيسى وعاشت وماتت هنالك، وألجدير بألذكر أنَّ جماعة ظهرت في فرنسا أطلقوا على أنفسهم جمعية سيون ويدّعي كبيرهم بأنّه مِن احفاد عيسى ويطالب بعرش فرنسا لكونه مِن ألسلالة ألمُقدّسة.( في عام 1975 مـ اكتشفَتْ مكتبة باريس الوطنية مخطوطات عُرِفَت باسم الوثائق السرية، ذُكِرَت فيها أسماء أعضاء عدّة انتموا إلى جمعية سيون الدينية ومن ضمنهم اسحق نيوتن وساندرو بوتيشلي وفيكتور هوجو وليناردو دافينشي )، وألجدير بألذكر وجود أنجيل بأسم أنجيل مريم ( إنجيل مريم المجدلية أُكتِشِفَ عام 1896 في مخطوطة بردي تُعرف باسم مخطوطة برلين أو أخميم اشتراها في القاهرة الباحث الألماني كارل راينهاردت. بالرغم من شهرة هذا العمل تحت اسم إنجيل مريم، فإنَّ مُعظم العلماء لا يعدّه إنجيلا. يُرجَّح أنَّ تاريخ كتابته بين عامي 120 و180م ).
رُبَّ قائل سيقول إنَّ ما ورد في كتاب شفرة دافنشي هو مِن نسيج خيال أديب يروم ألشهرة، ولكن أليس كلُّ ما يُقال ويُكتَب مِن أفكار بشرية هي كذلك؟ إنَّ ألدين ألرائيلي ألّذي سنتحدّث عنه في فصل آخر من هذا الكتاب ظهر في فرنسا بعد رواية عربات ألآلهة للكاتب السويسري اريش فون دنيكن، وبأعتقادي فأنّ نبيّهم كلود فوريلهون مُتأثِّرٌ بهذه ألرواية ألّتي يدعّي فيها ألمؤلِّف بأنَّ كائنات مِن ألفضاء ألخارجي جاؤا إلى ألأرض بسفنهم ألفضائية وتزوّج قسم منهم مِن نساء ألكرة ألأرضية وبهذا شاركوا في تحسين نسل ألإنسان وزيادة ذكائه، وألأدهى مِن ذلك أدعّاء رائيل نبّي ألرائيليين أنَّ أحد ألألوهيم ( سكان ألفضاء ألّذين خلقونا عن طريق ألهندسة ألوراثية ) تزوّج مِن مريم بنت عمران فأنجبت عيسى نتيجة لهذا الزواج ألمقدّس وأنَّ ألمعجزات ألّتي حققها عيسى تحققت بمساعدة ألألوهيم ألّذين يسبقوننا في ألتقدّم ألعلمي بخمس وعشرين ألف سنة أرضيّة، ويدّعي رائيل أيضا بأنَّ ألألوهيم أبادوا سدوم وعمورة بألقاء قنبلة ذريّة عليهم لأنّهم كانوا نسلا ذكيا وتقدّموا علميا وتكنلوجيا نتيجة تلاقحهم مع ألألوهيم وقد حاولوا غزوا ألفضاء ألخارجي مما أدّى إلى خشية القادمين مِن ألفضاء ألخارجي على حضارتهم مِن هذا ألمخلوقات ألشريرة ألّتي يتوجب ألسيطرة عليها حتى لا تُدمِّر ألأرض وكوكب ألألوهيم.
حسب بعض ألأحاديث ألمنقولة عن محمّد يعتقد بعض ألمسلمين أنَّ ألمسيح سيعود ألى ألأرض قبل يوم ألقيامة وينشر ألعدل في أرجاء ألمعمورة ويحارب ألدجّال ألأعور ألّذي يمتلك قدرات خارقة يستخدمها لإفساد عقول ألبشر ويحاول إبعادهم عن ألإيمان بألله. كما يعتقد بعض ألطوائف مِن ألمسلمين أستنادا على أحاديث مرويّة عن محمّد أيضا أنَّ ألمهدي ألمنتظر ( ألأمام ألثاني عشر ) سيرجع الى ألأرض قبل قيام ألساعة لنفس ألمُهمَّة.
حسب ألتراث ألأسلامي فإنَّ ألله قد أرسل مائة وأربعة وعشرون ألف رسول ونبيّ مدعومين بمعجزات لهداية ألبشرية ولكنّنا نرى أليوم أنَّ مُعظم بنوا ألبشر تركوا ألأديان ألسماوية ألثلاث وراء ظهرانيهم ولم يبق إلّا أنْ ننتظر ظهور عيسى أو ألمهدي لأصلاح وهداية هذه ألمخلوقات ألمارقة الى طريق ألصواب، وكشف ألألغاز ألّتي تحيط بنا كأحاطة ألسوار بألمعصَم.
10- نزول الوحي في الجبل:
نلاحظ في قصّة موسى بأنَّ ألوحي نزلَ عليه في جبل سيناء وكلّم ألرّب هناك، كذلك فإنَّ أوّل نزول للوحي على محمّد كان في جبل ألنور وفي غار حرّاء، وفي ألأناجيل ورد مايلي: “ثم صعد إلى الجبل ودعا الذين أرادهم فحضروا إليه. فأقام منهم اثني عشر، يرافقونه فيرسلهم مبشّرين، ولهم سلطان يشفون به المرضى ويطردون الشياطين…” (مرقص 3، 13؛ أنظر متى 10، 1-4، لوقا 6، 12-16). وفي مكان ألوحي، على الجبل، قام يسوع، وفي بادرة تُظهر منتهى الإدراك والتصميم، باختيار الاثني عشر لكي يكونوا معه شهودًا ومبشّرين بمجيء ملكوت الله.
هنالك مثل أنكليزي ذي دلالة ( إذا لم يستطعْ ألجبل أنْ يذهب إلى موسى، فإنَّ موسى يضطر للذهاب إلى ألجبل ). وألسؤال هنا: إذا كان ألله في كلِّ مكان (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )) سورة ق، ألآية 16، فلِمَ تتَحقَّقَ أللقاءات وألوحي في أعالي ألجبال؟
أعتقدَ ألأنسان في ألقديم أنَّ ألآلهة تسكن في ألسماء، ولكون ألجبال أجزاء عالية جدا من ألأرض وقسم منها تناطح ألسحاب لذلك أعتقدوا بأنّ الصعود إلى ألأماكن المرتفعة تُقربّهم من مواضع ألآلهة، إنَّ ألزقورات ألّتي بناها ألعراقيون ألقدامى بنيت لنفس ألغرض وكان معبد ألآلهة في قمة ألزقورة، كما أنّ ألفرعون وحسب ما ورد في ألقرآن أراد أن يصل إلى مكان وجود إله موسى بتشييد بناء عالي جدا (( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ))…سورة ألقصص، ألآية 38.
إنَّ ألله إنْ أراد أنْ يوحي إلى بشر، يستطيع أنْ يوحي إليه في أيِّ مكان يتواجد به بدليل انّه أوحى إلى محمّد في أماكن أخرى غير ألجبل، فموسى لا يحتاج إلى تجشّم مشاق ألسفر إلى جبل سيناء وألأقامة هناك أربعين يوما ليكلّم ألله ثمَّ يرجع حاملا قطع مِنْ ألحجر منقوش عليها ألوصايا ألعشر، والجدير بألذكر أنَّ غياب موسى عن قومه لهذه ألمدّة ألطويلة أفرزَ نتائج سلبية، فبعد رجوعه وجد ألعبرانيين يعبدون ألعِجل ألّذي صنعه ألسامري، فلو كان موسى حاضرا بينهم لمنعهم من هذا ألأمر لأنّه كان مهيب ألجانب وعصبيا ويخشاه ألجميع.
والجدير بالذكر أنّ الّذي صنع العجل حسب التوراة هو هارون شقيق موسى وليس السامري ولكنّ محّمدا غيّره الى السامري لغرض في نفس يعقوب كما يقال في المثل، وهناك العديد من التعديلات الّتي اجراها محمّد في القرآن على القصص الّتي اقتبسها من التوراة كجعل المَلِك والساحر سليمان نبيّا وكذلك شروع ابراهيم بذبح اسماعيل بدلا من اسحاق المذكور في التوراة وذلك لتتناسب هذه القصص مع المعتقدات الجديدة الّتي جاء بها في القرآن، او للايحاء بأنَّ التوراة مُحرّف، او لنقص في المعلومات الّتي كانت متوفرة لديه عن التوراة والانجيل.
ألسبب ألمنطقي لعملية ألوحي في ألجبل هو أنَّ إلإنسان عندما يختلي بنفسه يبتعد عن ألمؤثرات ألّتي تحيط به ويتفرّغ عقله للتأمل، إنَّ ألأصوات وألمشاكل ألشخصية وألأجتماعية ألّتي تحيط بنا تمنع عقولنا مِنْ ألتأمّل وألتفكير بكفاءة، لذلك فإنَّ أقطاب ألصوفية وشعرائها كانوا يعتكفون بين فترة وأخرى في صوامعهم ولذلك أستطاعوا مِنْ تأليف أروع ألأبيات ألشعرية ألصوفية أثناء أعتكافهم وكمثال على ذلك ألمتصوّف مولانا جلال ألدين ألرومي ألّذي ترك لنا آلاف ألقصائد وألأبيات ألشعرية ألفلسفية ألّتي حازت على إعجاب ألناّس في جميع انحاء العالم وتُرجِمت الى العديد من اللغات.
أ. نور الدين عزات محاجنة، مدرس في الفقه والاصول- كلية غرناطة في مقالته (فلسفة مهبط ألوحي) يحاول إصباغ رموز تجريدية على عملية ألوحي في ألجبل حيث يقول:
( http://www.eqraa.com/html/modules.php?name=News&new_topic=6 فمهبط الوحي كان بين دائرتين، دائرة الثبوت والشموخ التي عبر عنها بالصعود المضني الى الجبل، ودائرة الاستقرار والملاذ الى الكهف فوق رأس الجبل. فالدائره الاولى هي اشبه ما تكون بدائرة السعي الحثيث فكراً وعملا للبلوغ الى الآفاق. والدائرة الثانية، هي دائرة الاستقرار النفسي، والملاذ الروحاني بعد سلسلة السفر الطويلة. وعليه يكون مهبط الوحي جامع لدائرتين، دائرة الفكر والمادة، المتمثلة بالعمل الحثيث والطلب بعد الجدّ والعناء ودائرة الروح والاستقرار بالولوج الى الكهف حيث السكينة والطمأنينة، بعيداً عن صخب الدنيا من متاعٍ وغرور ومال وجاه وعرضٍ قليل او كثير.هنالك قد آوى الله محمداً بعيداً عن القرشيين، وبعيداً عن مومسات المجتمع وزينة الحياة.. ليجد نفسه يأنس بقلبه، ويعيش بفكره في معية الله، حاله كحال اخوته من قبل اصحاب الكهف )…أنتهى.
وهنا أود أنْ أذكر تجربتي ألشخصية حول ألموضوع، بعد كتابتي لقصيدة أو مقالة، أُلاحظ بأنَّ افضلها هي ألّتي كتبتها في هزيع ألليل أو في ألفجر وعندما اكون في غرفتي وحيدا وألكون من حولي في سكون سرمدي.
عند ألنظر مِن قمة جبل أو برج عالي ألى ألأسفل ستشعر بضآلة قيمة ألدنيا بما فيها مِن تكالب وجري نحو ألشهوات وستشاهد ألنّاس ألّذين في ألأسفل كألنمل والسيارات ألفارهة كألصراصير تجري في جميع ألأتجاهات وبدون هدف، فألنظر مِنْ قمة ألجبل يسوق ألمرء إلى ألشعور بتفاهة وعبثية ألحياة كما يسوقه إلى ألتأمل في أسئلة ألوجود ألفلسفية… لماذا خُلِقنا؟ وكيفَ خُلِقنا؟ ومتى خُلِقنا؟ ومَنْ خَلَقنا؟
في ذكر وصف نزول الوحي على محمّد: ( أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان أخبرنا أحمد بن أبي بكر عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا يأتيني في مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فينفصم عني وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول، قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشاتي الشديد البرد فينفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا ).
كتبت إحدى ألقارئات وهي طبيبة تعليقا على مقالة نشرتها، ولعلاقتها بموضوع ألوحي في ألجبل أنقلها بألنّص، تقول ألقارئة في رسالتها:
( إنَّ العائلة الابراهيمية مُصابة بنوع مِن الفصام يُصاب به نسلها وتظهر عليهم اعراض النبوَّة حين تكون الحاجة ماسّة الى وجود حل لمشاكل بدو لا يعرفون سوى الإغارة على بعضهم، وقد وجِد في الدراسات النفسية عند اخضاع المصابين بالهلوسة الى أجهزة خاصة يُظهرون نشاطا في منطقة السمع في دماغ الانسان وكأنّهم يسمعون صوتا حقيقيا،وهناك حقيقة علمية اخرى تقول أنَّ ألهلوسة يُصاب بها مَنْ ينقطع عن الناس لفترة طويلة لدرجة انّ دماغه يقترح الاصوات كنوع من الدفاع عن آلية عمل الدماغ القائم على وجود الانسان كحيوان اجتماعي،وهذا ما حدث للرسول حين انقطاعه في الجبل ).
11- الجنّة والجحيم:
هنالك أسلوبان مختلفان للثواب وألعقاب في ألأديان ألأبراهيمية ( اليهودية والمسيحية وألإسلام )، ألأسلوب ألمباشر كأنْ يٌنزِل ألله صاعقة مِنْ ألسماء على ألعاصي أوألمُذنِب فيُحرقه بعد أقترافه ألمعصية في ألحياة ألدنيا وكما حدث لبعض أليهود عندما عصوا أو خالفوا موسى وربَّه (( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِنْ ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُبِينًا )) سورة ألنساء، ألآية 153، وقد عاقب ألله أيضا بعض ألأقوام ألبائدة بصورة مباشرة كقوم فرعون (( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ))…سورة ألأعراف، ألآية 133، وقوم عاد وثمود (( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ))…سورة فُصِّلت، ألآية 13، وقوم نوح (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ))…سورة ألعنكبوت، ألآية 14، فلمْ يُمهِل ألله هؤلاء حتّى يوم ألقيامة.
نلاحظ أنَّ ألله لَمْ يَستخدِم هذه ألأساليب ألمباشرة للعقاب في حقبة ألدعوة ألأسلامية بألرغم مِنْ طَلبْ ألمُشركين مِنْ ألله أنْ يُمطِرَ عليهم حجارة مِنْ ألسَّماء لكي يُصدّقوا بأنَّ محمّدا نبيُّ يوحى إليهِ (( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا ۙ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ *وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * )) سورة ألأنفال، ألآية 31- 33. في هذه القصّة نلاحظ أنّ محمّدا وعلى لسان الله رفض انْ يُريَ المشركين معجزة ليؤمنوا به وتحجج بقوله أنَّ الله لن يعذبهم وهو (اي محمّد) موجود بينهم وكذلك تحجج بأنَّ قسم من قومه يستغفرون الله، ولكنّ الله القادر كان يستطيع أنْ يُمطر الحجارة على مناطق فارغة امامهم بدون انْ يُصيب احدا بأذى، فلِمَ لَمْ يفعل ذلك؟
وكمثال على ألثواب ألمُباشِر فنلاحظ أنَّ ألربَّ كافأ أليهود لإطاعتهم موسى بألمنِّ وألسلوى وأنقذهم مِنْ فرعون وجنوده بشق أليَمِّ بواسطة عصا موسى ألسحرية.
أمّا ألاسلوب ألغير ألمباشر للثواب وألعقاب في ألأديان ألأبراهيمية فهو ألوعد بألجنّة كثواب وبالجحيم كعقاب. إنَّ ألثواب في ألدين ألأسلامي يكون مؤجلّا إلى يوم ألقيامة ويتحقق بإدخال ألمؤمنين إلى جنّات عدْنٍ تجري مِنْ تحتها ألأنهار خالدين فيها أبدا، وهنالك مُغريات أُخرى في ألجنّة كأنهار ألخمر وأللبَن وألعسل وقصور وظلال وحوريات جميلات يستطيع ألمؤمِن مُمارسة ألجنس معهنَّ أنّى يشاء، كما يوعَد ألمؤمِن بألخدمة مِنْ قِبل غلمان ذو حُسن وجمال فائق (( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ))…سورة ألإنسان، ألآية 19، يقول ألمُفسِّر أبن كثير في تفسير هذه ألآية ما يلي:
أَيْ يَطُوف عَلَى أَهْل الْجَنَّة لِلْخِدْمَةِ وِلْدَان مِنْ وِلْدَان الْجَنَّة ” مُخَلَّدُونَ ” أَيْ عَلَى حَالَة وَاحِدَة مُخَلَّدُونَ عَلَيْهَا لَا يَتَغَيَّرُونَ عَنْهَا لَا تَزِيد أَعْمَارهمْ عَنْ تِلْكَ السِّنّ وَمَنْ فَسَّرَهُمْ بِأَنَّهُمْ مُخَرَّصُونَ فِي آذَانهمْ الْأَقْرِطَة فَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْ الْمَعْنَى بِذَلِكَ لِأَنَّ الصَّغِير هُوَ الَّذِي يَلِيق لَهُ ذَلِكَ دُون الْكَبِير ” إِذَا رَأَيْتهمْ حَسِبْتهمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا ” أَيْ إِذَا رَأَيْتهمْ فِي اِنْتِشَارهمْ فِي قَضَاء حَوَائِج السَّادَة وَكَثْرَتهمْ وَصَبَاحَة وُجُوههمْ وَحُسْن أَلْوَانهمْ وَثِيَابهمْ وَحُلِيّهمْ حَسِبْتهمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا وَلَا يَكُون فِي التَّشْبِيه أَحْسَن مِنْ هَذَا وَلَا فِي الْمَنْظَر أَحْسَن مِنْ اللُّؤْلُؤ الْمَنْثُور عَلَى الْمَكَان الْحَسَن قَالَ قَتَاده عَنْ أَبِي أَيُّوب عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو : مَا مِنْ أَهْل الْجَنَّة مِنْ أَحَد إِلَّا يَسْعَى عَلَيْهِ أَلْف خَادِم كُلّ خَادِم عَلَى عَمَل مَا عَلَيْهِ صَاحِبه…. أنتهى.
لي صديق مُتَديِّن وحاج للبيت ألحرام قال لي يوما وهو يُحدّثني عن ألجنّة وعيناه تلمعان ببريق ألرغبة:
هل تدري أنَّ في ألجنّة نساء جميلات ذوات أثداء متناسقة؟ وأردفَ قائلا: أنَّه في شوق ولهفة للقائهنَّ بفارغ ألصبر، ثمَّ قرأ ألآية: ((إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا *حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا *وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا *وَكَأْسًا دِهَاقًا *لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا *جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا * ))… سورة ألنبأ، ألآيات 31-36 .
يقول أبن كثير في تفسير (( وكواعب أترابا )) مايلي: أَيْ وَحُورًا كَوَاعِب قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْر وَاحِد ” كَوَاعِب ” أَيْ نَوَاهِد يَعْنُونَ أَنَّ ثَدْيهنَّ نَوَاهِد لَمْ يَتَدَلَّيْنَ لِأَنَّهُنَّ أَبْكَار عُرْب أَتْرَاب أَيْ فِي سِنّ وَاحِد كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة الْوَاقِعَة قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن عَبْد الرَّحْمَن الدَّسْتَكِيّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي سُفْيَان عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن تَيْم حَدَّثَنَا عَطِيَّة بْن سُلَيْمَان أَبُو الْغَيْث عَنْ أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْقَاسِم بْن أَبِي الْقَاسِم الدِّمَشْقِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَة أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ ” إِنَّ قُمُص أَهْل الْجَنَّة لَتَبْدُو مِنْ رِضْوَان اللَّه وَإِنَّ السَّحَابَة لَتَمُرّ بِهِمْ فَتُنَادِيهِمْ يَا أَهْل الْجَنَّة مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أُمْطِركُمْ ؟ حَتَّى إِنَّهَا لَتُمْطِرهُمْ الْكَوَاعِب الْأَتْرَاب ” .
هل يُعقَل بأنَّ ألله ألمُنزَّه يعِدُنا بوعود كهذه وبهذه ألصيغة ألجنسية ألرخيصة؟ أليس ألسبب أنَّ طلائع ألمسلمين في ألجزيرة ألعربية ونتيجة لتناولهم غذائهم ألأساسي ألتمر بكثرة، كانوا بحاجة الى ممارسة هذه ألحاجة ألبيولوجية بكثرة بدليل أنَّهم كانوا لايكتفون بزوجة واحدة في مُعظَم ألحالات؟
وألوعد بأنهار مِن ألخمر، أليس ألسبب في تشريعها إدمان معظم المسلمين الاوائل عليها؟ وما هو ذنب إنسان ألقرن ألتاسع عشر أو ألعشرين لحرمانه مِن أشياء يُحبّها في ألحياة ألدنيا ولا يجدها في ألجنّة كتدخين ألسجائر وألإستماع إلى ألموسيقى وألغناء وحتّى مشاهدة مباراة لكرة ألقدم أو ممارستها؟ أليس مِن ألمنطقي أنْ يكون وعود ألجنّة شاملا لكل ما نُحِبه ونعشقه في الحياة الدنيا وليس ألطعام وألخمر وألجنس فقط. أنا شخصيا لا أرغب في أنْ أقضي عمري ألخالد في ألجنّة بألأكل وألسُكر وممارسة ألجنس لأنَّ ألإنسان يمِلُّ مِن تكرار هذه ألممارسات لفترة طويلة، فكيف إذا كان ذلك قدري إلى مالانهاية؟ ثمّ ما ذنب ألّنساء ألمؤمِنات؟ لِمَ لَمْ يَعِدٌهنَّ ألله برجال ذو أجسام متناسقة ووجوه جميلة كوجوه ممثلي هوليود؟ أليس ألسبب في حرمان النّساء مِن هذا ألثواب أنَّ ألمُشرِّع مُتحيّز نحو ألرجال وهل هذا يتلائم مع ألعدالة ألإلهية؟
هنالك وعود أخرى في ألجنّة تتكرر في ألقرآن وألأحاديث كألوعد بألظلال، أليس ألسبب ألمنطقي في ذلك تَميُّز مناخ الجزيرة ألعربية بألحر ألشديد وأنَّ سكّانها كانوا متعطشين للجلوس أو ألنوم في مكان ظليل؟ وما ذنب ألمؤمِن ألّذي يعيش في ألنرويج أو فنلندا وحتّى في ألقطب ألشمالي وألّذين هم بحسرة لرؤية شمس ساطعة؟ ألا يجب أنْ يكون ألتشريعات ألإلاهية شاملا لكل ألبشر ولكل ألأزمان؟
في سورة ألأعراف وردت ألآية ألتالية (( وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ )) ألآية 46 . ورد في تفسير ألجلالين حول هذه ألآية مايلي:
وَبَيْنهمَا” أَيْ أَصْحَاب الْجَنَّة وَالنَّار “حِجَاب” حَاجِز قِيلَ هُوَ سُور الْأَعْرَاف “وَعَلَى الْأَعْرَاف” وَهُوَ سُور الْجَنَّة “رِجَال” اسْتَوَتْ حَسَنَاتهمْ وَسَيِّئَاتهمْ كَمَا فِي الْحَدِيث “يُعْرَفُونَ كُلًّا” مِنْ أَهْل الْجَنَّة وَالنَّار “بِسِيمَاهُمْ” بِعَلَامَتِهِمْ وَهِيَ بَيَاض الْوُجُوه لِلْمُؤْمِنِينَ وَسَوَادهَا لِلْكَافِرِينَ لِرُؤْيَتِهِمْ لَهُمْ إذْ مَوْضِعهمْ عَالٍ “لَمْ يَدْخُلُوهَا” أَيْ أَصْحَاب الْأَعْرَاف الْجَنَّة “وَهُمْ يَطْمَعُونَ” فِي دُخُولهَا قَالَ الْحَسَن : لَمْ يُطْمِعهُمْ إلَّا لِكَرَامَةٍ يُرِيدهَا بِهِمْ وَرَوَى الْحَاكِم عَنْ حُذَيْفَة قَالَ بَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَبّك فَقَالَ قُومُوا اُدْخُلُوا الْجَنَّة فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ…..أنتهى.
نفهم مِن هذا ألتفسير أنَّ ألله يحشر في منطقة ألأعراف ألّذين تتساوى أعمالهم ألخيّرة وألشريرة في ألميزان وهذا حلٌّ لحالة خاصة، وينتظرهؤلاء حتّى يقرر ألله مصيرهم، ثمَّ يقرر ألله بعد ذلك أدخالهم ألى ألجنّة، وألتساؤل ألمطروح هنا هو: هل يحتاج ألله ألى فترة ليفكّر ويقرر مصير هؤلاء ألمساكين ألّذين سيعانون مِن سياط ألقلق ألنفسي خلال فترة ألأنتظار؟
امّا ألعقاب في ألجحيم فهو ألسبب ألرئيسي لتهافت ألنّاس على ألإيمان بالإسلام، لأنَّ ألعذاب وألرعب ألموصوف في ألقرآن لا يدانيه أفضل أفلام ألرعب ألأمريكية منذ أكتشاف ألسينما، أنظر إلى هذه ألآية (( أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ *إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ * ))…سورة ألصّافات ألآية 62- 68، فأصحاب ألجحيم يأكلون مِن شجرة أسمها ألزقّوم وفاكهة هذه ألشجرة تشبه رؤوس ألشياطين، ولا ندري هل تؤكَلُ نيئّة أم يُسمَح لهم بالطبخ في جهنّم لكون ألوقود متوفرا وبالمجان (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ))…سورة ألتحريم 16. وأخيرا وليس آخرا اقرأ هذه ألآية (( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ))…سورة ألنساء ألآية 56.
لا يُمكن أنْ أتصوّر أنَّ ألله ألرحمن ألرحيم ألّذي خلق هذا ألكون ألشاسع بنجومه ومجرّاته وبهذا ألنظام ألبديع يُعذّب ألنّاس، لأنه ليس مِن ألعدالة أنْ يدخل ألجنّة إنسان ولِد في ألمملكة ألعربية ألسعودية وتربّى على مباديْ ألدين ألإسلامي منذ نعومة أظفاره، ويعاقب إنسان ولِد في ألأسكيمو أو في مجاهل غابات ألأمازون وألّذي لَمْ يسمع طوال حياته عن شيء إسمه ألقرآن أو ألإسلام أو محمّد، صحيح أنّ ألقرآن يذكر بأنَّ ألله لا يُعذّب حتى يبعث رسولا، ولكن ما ذنب ملايين مِن ألبشر مِن ألهنود ألحمر والصينيين وألقبائل ألبدائية في مجاهل أفريقيا وألامازون وأستراليا في حاضر ألأيام وماضيها ومستقبلها كي يُحرَموا مِن نعمة ألإيمان وحلاوته، ألا يتناقض هذا مع ألعدالة ألإلهية؟
شاركت في ألثمانينات أثناء حكم صدّام حسين في لجنة شكّلتها وزارة ألثقافة وألاعلام ألعراقية للتحضير لمسابقة نصب تذكاري يُخلّد شهداء معركة الخليج ألأولى ( ألقادسية ألثانية ) وكان معي في أللجنة مثقفون عراقيون وأديب فلسطيني كان مقيما في العراق ( جبرا ابراهيم جبرا ) ودار نقاش بيننا حول سبب كون جميع ألأنبياء مِن ألشرق ألأوسط، فذكر أحد ألحاضرين بأنَّ سبب أختيار ألله للأنبياء مِن ألشرق ألاوسط حصرا لكون هذه ألمنطقة منبع ألحضارات في تلك ألحقبة مِن ألزمن.
قلتُ له معترضا ولكن في نفس تلك ألفترة ألزمنية مِن تاريخ ألإنسانية كانت هناك حضارات في أمريكا ألجنوبية كحضارة ألأزتيك وحضارة ألمايا؟ فسكت ألأخ ولم ينبس ببنت شفة، إنَّ ألسبب ألمنطقي هو أنَّ جميع ألأديان ألأرضية وألسماوية هو من تأليف ألبشر وقد أقتبس أللاحقون مِن ألسابقين مع أجراء بعض التعديلات ألّتي تناسب ألمجتمع ألّذي ظهر فيه ألدين ألجديد زمانيا ومكانيا، علما بأنَّ ألاديان فيها جوانب أيجابية وسلبية وساهمت بأيجابياتها في تطوّر بعض ألأفكار وألمعتقدات ألإنسانية وبسلبياتها في نشوب ألحروب وما تخلّفه مِن ألارامل وألأيتام ناهيك عن ألعبيد والسبايا مِنْ ألنساء ونهب ألأموال وهدم ألبنيان ونشر ألحقد وألضغينة بين بني ألإنسان وأضرار بالنبات والحيوان، فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذّبان.
12- هل كان محمّد عربيا ام عبرانيا:
إذا تفحّصنا السيرة النبويّة نجد أنّ محمدا كان من نسل إسماعيل إبن إبراهيم العبراني او الجد الاوّل للعبرانيين، فإسماعيل حسب التوراة وكتب التراث الاسلامي ولِد من اب عبراني وأم مصرية هي هاجر والتي كانت جارية لسارة زوجة ابراهيم، ذكر أبن أسحاق أنّ نفرا من أصحاب رسول الله قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك، قال نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، رأت أمّي حين حملت بي أنّه خرج منها نور أضاء ألشام، وأسترضعتُ في بني سعد بن بكر، فبينا انا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بُهما لنا إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوء ثلجا، فأخذاني وشقّا بطني وأستخرجا قلبي فشقّاه فأستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها، ثمّ غسلا قلبي وبطني بذلك ألثلج حتّى أنقياه، ثمّ قال أحدهما لصاحبه:
زنه بعشرة من امّته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثمّ قال زنه بمائة من أمّته ، فوزنني بهم فوزنتهم، ثمّ قال زنه بألف من أمّته، فوزنني بهم فوزنتهم، فقال: دعه عنك فوالله لو وزنته بامّته لوزنها.
حسب القصّة الدينية فإنّ أبراهيم ترك هاجر وابنها إسماعيل في مكّة تحت رحمة القدر او تحت رعاية قبيلة عربية بسبب حسد زوجته الاولى سارة وطلبِها من إبراهيم ابعاد هاجر وابنها إسماعيل إلى مكان قصي بعيدا عن ناظريها.
نظرا لكون الصبي إسماعيل قد تربّى في بيئة عربية فمن المنطقي انْ يتعلّم اللغة العربية منذ نعومة اظفاره ويجهل اللغة العبرانية، لغة والده ابراهيم جد العبرانيين، وبما أنَّ محمدا هو من نسل ابراهيم واسماعيل حسب كتب التراث الاسلامي فيجب انْ يكون عبرانيا وليس عربيا على اعتبار أنَّ قومية الاب والاجداد هي المعتبرة بين النّاس وبالاخص الاعراب منهم.
إنَّ الانسان عندما يشبّ عن الطوق يحاول أنْ يستقصي عن اصله وجذوره وبالاخص الاذكياء منهم فالعوائل والعشائر العربية معتادون على تقصّي جذورهم ومعظمهم يسجّلون شجرة العائلة او العشيرة او يحفظونها عن ظهر القلب ويفتخرون بها وهذه العادة شائعة في امم اخرى.
صدر في السنوات ألاخيرة كتاب للكاتب الأمريكي الزنجي أليكس هيلي باسم (( الجذور ))، والكتاب عبارة عن قصّة بحث المؤلّف عن جذوره الافريقية وما صاحبت سفرته الى مجاهل قارة افريقيا من أحداث بغية البحث عن اصل وجذور عائلته وقبيلته فبعد أن خدم اليكس هيلي في خفر السواحل عشرين عاماً، استقال والتحق بالزعيم الزنجي المسلم مالكوم إكس، معلناً عودته إلى دين الآباء والعائلة وبدأ يتتبع جذور عائلته، ويبحث عن كل الوثائق المحفوظة في مكاتب الحكومة الاتحادية ونقب في سجلات السفن البريطانية حتى توصل إلى السفينة التي حملت الصبي الأفريقي (جده) المختطف من نهر جامبيا إلى ميناء أنا بوليس يوم 29/ ايلول 1776م واسم السفينة لورد لونجييه، ومذكور وصولها في جريدة ميريلاند جازيت عدد اكتوبر 1776م وظل اثني عشرة سنة يتابع الوثائق والتاريخ، وسافر إلى بلد جده المخطوف بعد أنْ دلّه الحرص والإصرار فتوصل إلى عائلته المسلمة الّتي حكت جدّات جدّاته عما تناقلوه عن جدّاتهم في خطف جدّه الشاب الّذي كان لا يتجاوز السابعة عشرة من عمره وهم يعدّون أنفسهم ويعدّوه للزواج حينها، واستطاع أنْ يطابق بين ما كان يُروى له ولأبيه وجدّه من قبله عن قصة جدّهم الشاب وما مرّ به من مقاومة شديدة للعبودية عرضته للأذى الشديد وبتر أصابع رجليه حين حاول الهرب أكثر من مرة من المزارع الّتي كان يعمل فيها كعبد مملوك.
الكاتب أليكس هيلي بعد نشر مؤلّفه وتحولّه الى فلم سينمائي تعاطفت معه ألملايين من الأمريكيين مما ادّى الى تسريع سن قوانين الحقوق المدنية والتي ساوت جميع ألأمريكيين في الحقوق والواجبات.
محمّد بعد انْ كَبُرَ اصبح شابّا ذو ذكاء خارق وذواخلاق حميدة حيث كان قومه يلّقبونه بالامين وبدأً بالبحث عن جذوره وعلِم بأنّه من اصل عبراني وأنَّ جدّه الاكبر هو إبراهيم.
نتيجة لهذا الاكتشاف بدأ يسأل ويتقصي ويتعرّف على دين أجداده اي الدين اليهودي عن طريق دراسة التوراة على يد القس ورقة بن نوفل ومجموعة من الحنفاء بدليل أنَّ معظم القصص والتشريعات الموجودة في القرآن مقتبسة من التوراة مع بعض التعديلات الّتي اوجبتها عقائد الدين الجديد.
إنَّ اعتكاف محمّد لفترة طويلة في غار حرّاء قد يكون بسبب رغبته في استعادة وتمحيص وتعديل المعلومات الّتي استقاها من بعض رجال وعلماء الدين في ذلك العصر كورقة بن نوفل او ايّ راهب او حبر اخر وبما يتناسب مع دعوته الجديدة زمانيا ومكانيا لأنّ كلّ دين هو نتاج المكان والزمان وظروف الاقوام الّذين يعيشون في ذلك المكان والزمان.
حسب تحليل الشاعر العراقي معروف الرصافي في كتابه الشخصيّة المحمّدية فأنّ محمدا تعرّف على اسماء الملائكة كجبريل وميكائيل بعد اطّلاعه على ما ورد في التوراة والانجيل، والاهم من هذا وحسب رأي الرصافي أنّ محمّدا لم يكن كاذبا عندما ادّعى النبوّة لأنّه كان يتوهم بأنّه نبي، وصدّق هذا الوهم في قرارة نفسه لظروف نفسية خاصّة به لذلك نلاحظ في بعض السور والآيات يكون المتكلّم هو محمّد وليس الله كسورة الفاتحة ( الحمد لله ربّ العالمين* الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين*ايّاك نعبد* وايّاك نستعين* اهدنا الصراط المستقيم* صراط الّذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين* )، وللخروج من هذا المأزق ادّعى المفسّرون للقرآن بأنّ هناك كلمة قُل محذوفة في بداية كل آية، اي أنَّ المعنى هي ( قُل الحمد لله ربُّ العالمين ) وهذا ينطبق على كلّ آية يكون المتكلّم فيها هو محمّد.
ولكن التساؤل هنا: لِمَ لَمْ يحذف الله كلمة قُل في آيات أخرى مثل: ( قُل أعوذ بربّ الفلق* ) او ( قُل أعوذ بربّ النّاس* )؟ فهنا المتكلم هو الله.
13- اسباب نزول الايات القرانية :
يقول المفسّر جلال الدين ألسيوطي في كتابه لباب ألنقول في أسباب ألنزول مايلي:
لمعرفة أسباب ألنزول فوائد وأخطأ مَنْ قال لا فائدة له لجريانه مجرى ألتاريخ ومن فوائده ألوقوف على المعنى أو إزالة الإشكال. قال ألواحدي: لا يمكن معرفة تفسير ألآية دون ألوقوف على قصّتها وبيان سبب نزولها وقال أبن دقيق ألعيد: بيان سبب ألنزول طريق قوي في فهم معاني ألقرآن ويقول أبن تيمية: معرفة سبب ألنزول يساعد في فهم ألآية وإنّ عِلْم ألسبب يورث ألعِلَم بألمسائل، وقد أُشكلَ على جماعة مِنْ ألسلف معاني آيات حتّى وقفوا على أسباب نزولها فزالَ عنهم الإشكال، وقال ألحاكم في علوم ألحديث: إذا أخبَرَ ألصحابي ألّذي شهد ألوحي وألتنزيل عن آية من ألقرآن أنّها نزلت في كذا فإنّه حديث مُسنَد ومشى على هذه أبن ألصلاح وغيره ومثلّوه بما أخرجه مسلم عن جابر قال: كانت أليهود تقول: من أتى أمرأته مِن دبرها في قبلها، جاء ألولد أحوَل فأنزل ألله (( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ))…سورة ألبقرة،ألآية 223.
تنقسم ألآيات ألقرآنية إلى قسمين، ألقسم ألأول لا نجد له سبب للنزول كقصص ألأنبياء وكقوله تعالى ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ))…سورة ألنساء ألآية 125، أمّا ألقسم ألثاني فإنّ لكلِّ آية فيه سبب للنزول، ومن هذه ألأسباب أسئلة وجّهَت إلى محمّد مِن قِبل ألمسلمين أو ألمسيحيين أو أليهود أو ألمشركين. هنالك أسباب أخرى لنزول بعض ألآيات منها ألأحداث ألّتي وقعت في فترة بعثة محمّد كالحروب وأحداث متعلّقة بسيرة محمّد كزيجاته وكذلك أحداث متعلّقة بألمسلمين وألمنافقين وألمشركين، كما أنّ بعض ألآيات نزلت نتيجة لإعتراض أو أقتراح بعض ألصحابة، إنّ ألدارس للقرآن لا يتمكّن من فهم بعض ألآيات بدون معرفة سبب نزولها، يُقال في ألأمثال: إذا عُرِف ألسبب بَطُل ألعجب.
لنضرب بعض ألامثال لأسباب نزول بعض ألآيات ألقرآنية:
– روى ألبخاري وغيره عن عمر بن ألخطّاب قال: وافقت ربّي في ثلاث، قلت يارسول ألله لو أخذت من مقام إبراهيم مصلّى فنزلت ألآية (( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )) سورة ألبقرة، ألآية 125، وقلت يارسول ألله إنّ نساءك يدخل عليهنّ ألبر وألفاجر فلو أمرتهنّ أنْ يحتجبن فنزلت آية ألحجاب، وأجتمع على رسول ألله نساؤه في ألغيرة فقلت لهنّ عسى ربّه إنْ طلّقكنّ أنْ يُبدّله أزواجا خيرا منكنّ فنزلت كذلك.
لا نستطيع ألتحقق من صحّة هذه ألرواية بعد مرور أكثر من 1400 سنة عليها ولكن إذا كانت صحيحة فإنّ هذه تعني أنّ عمر بن ألخطّاب كان له تأثير مباشر في نزول بعض ألآيات ألقرآنية وأنّ بعض ألآيات ألقرآنية نزلت نتيجة أقتراح وتدخّل بعض ألصحابة، وهذا ألأمر يتعارض مع علم ألله وحكمته وألقول بأنّ ألقرآن كان مكتوبا في أللوح ألمحفوظ قبل وحيهِ إلى محمّد.
-مثال آخر، أعتراض ألشعراء على آيات محمّد: أخرج أبن جرير وأبن أبي حاتم من طريق ألعوفي عن أبن عبّاس قال: تهاجى رجلان على عهد رسول ألله(ص) أحدهما من ألأنصار وألآخر من قوم آخرين، وكان مع كلّ واحد منهما غواة من قومه وهم ألسفهاء فأنزل ألله : ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ))…سورة ألشعراء ألآية 224. وأخرج أبن أبي حاتم نحوه، وأخرج عن عروة قال: لمّا نزلت ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)) إلى قوله (( وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ))…سورة ألشعراء ألآية 226 قال عبدألله بن رواحة: قد عَلِم ألله أنّي مِنهم، فأنزل ألله (( إلّا ألّذين آمنوا…)) إلى آخر ألسورة.
وأخرج أبن جرير وألحاكم عن أبي حسن ألبراد قال: لمّا نزلت ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ))، جاء عبدألله بن رواحة وكعب بن مالك وحسّان أبن ثابت فقالوا: يا رسول ألله، وألله لقد أنزَلَ ألله هذه ألآية وهو يعلَم أنّا شعراء، هلَكْنا، فأنزلَ ألله (( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ۗ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )) ألآية 227، فدعاهم رسول ألله(ص) فتلاها عليهم. نستنتج من هذه ألرواية أنّ آية أستثناء ألشعراء ألمؤمنين مِن الّذين يتبعهم الغاوون والّذين في كلّ واد يهيمون نزلت بعد أعتراض مجموعة من الشعراء ألمؤمنين على ألآية.
-مثال على أعتراض ألنساء على آيات محمّد: أخرج عبدألرزاق وسعيد بن منصور والترمذي والحاكم وأبن أبي حاتم عن أم سلمة أنّها قالت: يارسول ألله لا أسمع ألله ذكر ألنساء في ألهجرة بشيء فأنزل الله (( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ )) سورة آل عمران ألآية 195.إذا كانت هذه الرواية غير ملفقّة فإنّ أم سلمة تُعتبر أول أمرأة تدافع عن حقوق بني جنسها في تاريخ ألإسلام.
-مثال على كون آيات محمّد صالحة لعصر مُعيَّن: أخرج ألواحدي من طريق عطاء أبن عبّاس قال: لمّا نزلنا ألحديبية ( عندما اراد محمّد والمسلمون ألحجّ قبل فتح مكّة فمنعهم قريش عن ذلك) جاء كعب بن ألهجرة تنثر هوام رأسه على وجهه فقال يارسول ألله هذا ألقمل أكلني فأنزلّ ألله في ذلك ألموقف (( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))… سورة ألبقرة، ألآية 196. ألتساؤل ألّذي يرد على ألبال، هل أنّ وجود ألقمل في رأس أحد ألمسلمين يستوجب نزول آية من قبل ألله؟ إنّ ألله وحسب ألمنطق لا يوحي الى نبّي لحالة خاصّة بأحد ألمسلمين، ثمّ أنّ وجود ألقمل في شعر كعب بن عجرة لا يستوجب آية من ألله لأنّ ألآيات ألقرآنية هي دستور لكل ألبشر ولجميع ألأزمان، إنّ ألطب وألعلم والصحّة ألوقائية في تقدّم مستمر بعد أختراع ألصابون والشامبو وألأدوية ألمختلفة فألقمل ألذي يعشعش في رؤوس ألبشر سينقرض في ألمستقبل، ثمّ أنّ وجود ألقمل في رأس هذا ألمسكين أليس ألسبب فيه شحّة ألماء في صحراء شبه ألجزيرة ألعربية حيث كان ألمسلمون يضطرّون للتيمم بدلا من أستعمال ألماء للوضوء؟
هنالك مئات من ألأمثلة كألّتي ذكرناها حول أسباب نزول ألآيات ألقرآنية وكلها تشير إالى أنّ بعض ألآيات نزلت لحالات خاصّة ولا تهمنّا أو تعني شيئا لنا نحن أناس ألقرن ألواحد وألعشرين فكيف بأناس ألقرن ألثاني وألعشرين أو ألثالث وألعشرين؟
إنّ نزول ألوحي أستنادا على روايات أسباب ألنزول شبيهة بكتابة دستور من قبل لجنة مشكلّة لهذا ألغرض فقسم يكتب مسوّدة وقسم آخر يقدّم أقتراحات لتعديل بعض ألمواد وقسم آخر يقترح أضافة بعض ألمواد وقسم آخر يقول بأستثناء بعض ألفئات من حكم بعض ألمواد وعقولنا في إجازة مما جرى ويجري بأسم ألله، وألله بريء مما يدّعون.
14- الناسخ والمنسوخ في القرآن ألكريم:
مِنْ أهم أسباب شكوكي حول كَوْن ألقرآن وحيا مِنْ ألله هو نَسخ بعض الايات القرآنية بآيات أُخرى نَزَلتْ بعد تلك الآيات، والنَسخ يعني ابطال شيء وأقامة آخر مكانه.
يقول المُفسِّر ابو عبدالله محمّد بن حزم في كتابه ( معرفة الناسخ والمنسوخ ) مايلي: أعلم أنّ هذا الفن مِن العلم مِن تتمات الاجتهاد،إذْ الركن الاعظم في باب الاجتهاد معرفة النقل. ومن فوائد النقل معرفة الناسخ والمنسوخ إذْ الخطب في ظواهر الاخبار يسيرٌ وتَحمُّل كُلفِها غير عسير، وإنّما الإشكال في كيفية إستنباط الأحكام مِن خفايا ألنصوص ومِن التحقيق فيها مَعرفة أوّل ألأمرين وآخرها إلى غير ذلك مِن المعاني، عن أبي عبدالرحمن قال: مرّ علي بن أبي طالب ( رض ) على قاض فقال له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال لا، قال : هلكْتَ وأهلَكْتَ.
ويذكر أبن حزم أيضا مايلي: أعلم أنَّ نزول المنسوخ بمكّة كثير، ونزول الناسخ في المدينة كثير وليس في أُم الكتاب ( سورة الفاتحة ) شيء منها، فأمّا سورة ألبقرة وهي مدنيّة ففيها ستّة وعشرون موضعا…. أنتهى ألأقتباس.
ورد في تفسير الجلالين للآية: (( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))…سورة ألبقرة، ألآية 106 مايلي:
وَلَمَّا طَعَنَ الْكُفَّار فِي النَّسْخ وَقَالُوا إنَّ مُحَمَّدًا يَأْمُر أَصْحَابه الْيَوْم بِأَمْرٍ وَيَنْهَى عَنْهُ غَدًا نَزَلَ : “مَا” شَرْطِيَّة : “نَنْسَخ مِنْ آيَة” أَيْ نُزِلَ حُكْمَها : إمَّا مَعَ لَفْظهَا أَوْ لَا وَفِي قِرَاءَة بِضَمِّ النُّون مِنْ أَنْسَخ : أَيْ نَأْمُرك أَوْ جِبْرِيل بِنَسْخِهَا “أَوْ نُنْسِهَا” نُؤَخِّرهَا فَلَا نُنْزِل حُكْمهَا وَنَرْفَع تِلَاوَتهَا أَوْ نُؤَخِّرهَا فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَفِي قِرَاءَة بِلَا هَمْز مِنْ النِّسْيَان : أَيْ نُنْسِكهَا أَيْ نُمْحيهَا مِنْ قَلْبك وَجَوَاب الشَّرْط “نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا” أَنْفَع لِلْعِبَادِ فِي السُّهُولَة أَوْ كَثْرَة الْأَجْر “أَوْ مِثْلهَا” فِي التَّكْلِيف وَالثَّوَاب “أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير” وَمِنْهُ النَّسْخ وَالتَّبْدِيل وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ…. أنتهى.
جوهر ألمشكلة يكمن في تساؤلَين: هل مِن المنطق أنْ يُغيِّر ألله رأيه ويُفنِّد ما قاله بألأمس ويأتي بحكم أو تشريع جديد؟ ألا يتناقض هذا الامر مع علم ألله وهو ألعلّام ألحكيم؟ ثمّ لِمَ يُنسى الله محمّدا بعض ألآيات؟
وألأدهى من ذلك ( وحسب قول بعض ألمُفَسِّرين ) أنَّ عملية تغيير ألرأي أو ألتشريع هذا يحدث في بعض الحالات نتيجة لأعتراض بعض ألصحابة أو نتيجة أقتراح منهم. إنَّ بعض أحكام وتشريعات ألقرآن تبدلّت نتيجة لتبدّل وضع الدعوة ألأسلامية أيضا، ولتوضيح ذلك لنضرب مثلا بآية ألسيف ((فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))..سورة ألتوبة، ألآية 5 ، فهذه ألآية نَسَخَتْ ألعديد من ألآيات ألقرآنية.
ففي بداية ألدعوة ألأسلامية وعندما كان المسلمون قلّة وضعفاء في مكّة نزلت آيات عديدة تأمر ألمسلمين بدعوة النّاس الى الايمان بالدين الجديد باللين والموعظة الحسنة ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )) سورة ألنحل ،ألآية 125.
وبعد أنْ اصبح ساعد المؤمنين قويا، نزلت آية السيف الّتي نَسخَت جميع ألآيات ألّتي نَزلتْ قبلها وألّتي كانت تأمر ألمسلمين بدعوة النّاس الى ألاسلام باللين والحكمة اي باتباع اسلوب الاقناع.
مثال آخر على الناسخ والمنسوخ في القرآن هو تحريم الخمر، فهناك عدّة آيات قرآنية نَزلت حول الخمر وبفترات زمنية مختلفة، يقول أبو عبدلله محمّد بن حزم في كتابه ما يلي:
((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ )) سورة البقرة، الآية 189. فلمّا نزلت هذه ألآية أمتنع قوم عن شربها وبقي قوم، ثمّ أنزل ألله تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ….)) سورة النساء، الآية 43. وكانوا يشربون بعد العشاء ألآخرة ثمّ يرقدون، ثمّ يقومون من غد وقد صحوا، ثمّ يشربونها بعد الفجر إنْ شاؤا فاذا جاء وقت الظهر لا يشربونها ألبتّة، ثمّ أنزل ألله تعالى (( فاجتنبوه ))، اي فاتركوه واختلف العلماء، هل التحريم هو هنا او في قوله تعالى (( هل انتم منتهون )) لانّ المعنى انتهوا، كما قال في سورة الفرقان (( اتصبرون )) والمعنى أصبروا.
السؤال المطروح هنا: لماذا غيّر ألله رأيه وبهذه الطريقة؟ ولم لمْ يحرّم الخمر بآية واحدة فقط؟
المدافعون عن هذا التسلسل في التحريم يدّعون بانّ المسلمين الاوائل كانوا مدمنين على الخمر الى درجة لا يمكنهم من ترك شربها بين ليلة وضحاها، لذلك أراد ألله أنْ يعينهم على تركها بالتدريج، وهذا يعني أنّ ألآيات ألقرآنية كانت تنزل لأناس عاشوا في تلك الحقبة من الزمن فقط، ولتوضيح هذا الامر لنفترض أنّ أحد المشركين او احد من اهل الكتاب أسلَمَ في عصرنا هذا وكان هذا الشخص مدمنا على الخمر كما كان المسلمون الاوائل، التساؤل الّذي يرد على الخاطر في هذه الحالة هو:
هل يجوز لهذا المسلم الجديد أنْ يشرب الخمر بعد الانتهاء من تأدية صلاة العشاء لفترة زمنية معينة ثمّ يترك الشرب تدريجيا بعد ذلك اسوة بالمؤمنين السابقين في بداية الرسالة المحمّدية وألّذين تركوا شرب الخمر بالتدريج؟
المفسّر جلال الدين السيوطي في كتابه ( لباب النقول في اسباب النزول ) يروي حكاية غريبة حول ألآية (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ….. )) سورة النساء، ألآية 43، حيث يذكر بأنّ المسلمين استمرّوا في شرب الخمر بعد نزول هذه ألآية بعد اكمالهم صلاة العشاء، وفي احدى ألليالي أجتمع حمزة بن عبدالمطلب ( رض ) مع جماعة من أصحابه في احدى بيوت الصحابة وشربوا الخمر حتّى سكروا وعندما جاعوا ولم يجدوا طعاما لديهم، خرج حمزة ( رض ) من البيت وجلب ناقة ابن عمّه علي بن ابي طالب ( رض ) وذبحها ثمّ اكلوها، في الصباح روى علي بن ابي طالب ( رض ) ما حدث للنّبي محمّد (ص ) ولذلك نزلت آية تحريم الخمر (( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ )) سورة المائدة، ألآية 91.
كما روى ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عمار . حدثنا عبد الرحمن بن عبدالله الدشتكي أبو جعفر . عن عطاء بن السائب , عن أبى عبد الرحمن السلمي , عن علي بن أبي طالب قال:”صنعَ لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما , فدعانا , وسقانا مِن الخمر , فأخذتْ الخمر منّا , وحضرَتْ الصلاة , فقدّموا فلانا قال: فقرأ: قل يا أيها الكافرون . ما أعبد ما تعبدون . ونحن نعبد ما تعبدون ! فأنزَل الله: يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون .
إنَّ هذه الروايات لا يمكن اليوم التحقق من صحتها لمرور اكثر من 1400 سنة على حدوثها. سُئِل احد المؤرخين المعاصرين عن الحقائق الموجودة في كتب التاريخ فقال: انّ التاريخ يكتبه الاقوياء وبما يتلائم مع مصلحتهم الدنيوية وانّ بعض احداث الماضي ينتقل الينا بصورة مشوّهة او مغايرة للحقيقة، وضرب مثالا على ذلك واستطرد قائلا:
حدثت جريمة قتل في احدى شوارع لندن عاصمة انكلترا، حيث اطلق الجاني عيارين ناريين على المجني عليه وحسبما اعترف الجاني بعد القاء القبض عليه، وقبل اعتراف الجاني بتفاصيل جريمته جمعت الشرطة عددا من الشهود كانوا في محل الجريمة اثناء حدوثها وأستجوبتهم، قال الشاهد الاول بانّ القاتل اطلق رصاصة واحدة، امّا الشاهد الثاني فقال انّ القاتل اطلق ثلاث عيارات نارية، أمّا الشاهد الثالث فقال: لقد سمعت صوت اربع اطلاقات والشهادة الوحيدة الصحيحة جاءت من الشاهد الرابع والّتي كانت مطابقة للحقيقة.
لقد ادلى الشهود بشهاداتهم بعد مرور عدّة ساعات على وقوع الحدث وكانت مليئة بالتناقضات، فكيف يمكن الوثوق برواة يروون احداث أو أحاديث وقعت قبل أكثر من ألف واربعمائة من السنين؟
هنالك امر آخر أثار دهشتي في موضوع الناسخ والمنسوخ حول ألآية (( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )) سورة البقرة، الآية 175 وسورة النحل، ألآية 115. يقول المُفسِّر ابو عبدالله محمّد بن حزم بأنّ محمّدا ( ص ) نَسخَ ألآية المذكورة بحديث حيث أستثنى من تحريم الميتة الحوت والجراد ومن تحريم الدّم الكبد والطحال ويذكر الحديث الآتي:
(روى أَبُو عَبْد اللَّه الشَّافِعِيّ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ : فَالْحُوت وَالْجَرَاد وَأَمَّا الدَّمَانِ : فَالْكَبِد وَالطُّحَال” . وَرَوَاهُ أَحْمَد وَابْن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَلَهُ شَوَاهِد رُوِيَ مَوْقُوفًا وَاَللَّه أَعْلَم .).
انّ تحريم الميتة والدّم وحسب منطوق ألآية تحريم شامل لكل حيوان ميّت ولجميع الدماء ولايستثني ايّ حيوان أو ايّ نوع مِن ألدماء من هذا التحريم، فهل من المنطق انّ ألله يغفل عن استثناء الحوت والجراد والكبد والطحال عن التحريم ثمّ يأمر محمّد ألمسلمين بجواز أكلهم؟
اذا قبلنا بصدق هذا الحديث فسنواجه مشكلة عويصة وهو أنّ الله لم يدرك أنَّ تحريم اكل الحوت الميّت للساكنين على البحار هو امر صعب التطبيق، وأنّ تحريم أكل الجراد الميّت للّذين يعيشون في اعماق الصحارى هو امر صعب التطبيق ايضا وهذا يتناقض مع قدرة ألله وعلمه الواسع.
أمّا اذا قلنا أنّ هذا الحديث مُلَفَّق فيجب علينا كمسلمين أنْ نمتنع عن اكل الحوت والجراد والكبد والطحال.
أمّا ألأحتمال ألأخر ألّذي يرد على البال في هذا الصدد فسيؤدّي بنا الى انكار نزول الوحي على النّبي محمّد وبعبارة اخرى أنّ القرآن الكريم هو من تأليف محمّد وقد تراجع عن تحريم الحوت والجراد والكبد والطحال لاكتشافه صعوبة تطبيق التحريم او نتيجة اعتراض بعض الصحابة على ذلك.
إنَّ النَسْخَ في القرآن ثلاثة انواع: نَسْخُ الخط والحُكم، عن أنس بن مالك (رض ) قال: كنّا نقرأ سورة تعدل سورة التوبة ما احفظ منها الّا هذه ألآية ( لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى اليهما ثالثا ولو أنّ له ثالثا لأبتغى اليه رابعا ولا يملأ جوف أبن آدم الّا ألتراب ويتوب ألله على من تاب ).
وألثاني: نسخ الخط دون ألحُكم. عن عمر ( رض ) قال: كنّا نقرأ ( لا ترغبوا الرغبة عنهما ) بمعنى الاعراض عن ابائكم، ومن ذلك أيضا ( الشيخ والشيخة اذا زنيا فأرجموهما ألبتّة نكالا من ألله وألله عزيز حكيم ) معناه المحصّن وألمحصّنة. ومعنى ذلك أنَّ بعض الآيات حُذِفَت من القرآن ولكنّ حُكمها ساري المفعول بعد الحذف.
وألثالث: نَسْخُ الحُكم دون الخط أوله أمر القبلة بأنّ المصلّي يتوجه حيث شاء لقوله عزّ وجل (( فأينما توّلوا وجوهكم فثمة وجه ألله )) فنُسِخَ ذلك بالتوجّه الى بيت المقدس، ثمّ نُسِخَ بقوله عزّ وجل (( فوّل وجهك شطر ألمسجد ألحرام ))، وهنا يدخل عقل الانسان في متاهة ويتسائل: لِمَ لَمْ يقرر ألله مِن البداية جعل الكعبة قبلة للمسلمين؟ أليس هذا انتقاص من علم وقدرة ألله ؟ ثمّ أنّ القرآن يذكر بأنّ ألله أقرب اليكم من حبل الوريد، فما الحكمة من التوجه نحو الكعبة؟ واذا تَقدّمَ العلم وسكنَ الانسان في ألقمر أو في كواكب اخرى او كان في محطة فضائية تدور حول الارض فكيف نتمكّن من تحقيق هذا الأمر؟
إنَّ السوَر الّتي لم يدخلها ناسخ ومنسوخ هي ثلاث واربعون سورة من مجموع سور ألقرآن البالغة مائة واربع عشر سورة. وانّ عدد السور ألّتي فيها ناسخ وليس فيها منسوخ هيّ ستّ سور، أمّا السور ألّتي دخلها منسوخ ولم يدخلها ناسخ فعددها أربعون سورة وأخيرا ألسور ألّتي دخلها ألناسخ وألمنسوخ فعددها خمسون وعشرون سورة أولها سورة ألبقرة.
وما ذكرناه غيض من فيض ففي ألقرآن العديد من الامثلة على الناسخ والمنسوخ وكلّها تثير الشكوك في عقل الانسان ولا نجد اجوبة شافية لها.
15- عدالة السماء وتناسخ الارواح:
هل توجد عدالة في الارض؟ سؤال حيّرَ عقل الانسان منذ القِدَم.
ألله خلق الناس متفاوتين في العقل والثراء والبيئة الاجتماعية الّتي يعيشون فيها، كما أنَّ بعض البشر يُخلقون بعاهات عقليّة او جسديّة، لذا يرِدُ على عقل الانسان تساؤل مُلِحٌّ: أين العدالة في هذا النظام؟
لحَل هذه المعضلة تَعِد الشريعة الاسلامية المؤمنين المظلومين في الحياة الدنيا كالفقراء والمصابين بالعاهات البدنية بالتعويض في الآخرة عن الظلم الّذي لحِقَ بهم ، ففي حديث روي عن النبّي محمد أنَّه وصف مشاهداته اثناء الاسراء والمعراج فقال بأنَّ غالبية اهل الجنّة من الفقراء، وقد ذكرَ الشيخ القرضاوي على محطة الجزيرة حديثا شريفا حول البلهاء: (البلهاء غالبية اهل الجنّة)، ومهما يكن صحّة هذه الاحاديث المنسوبة الى النبّي محمّد فإنَّ الشريعة الاسلامية تعد المظلومين بالتعويض في الآخرة.
بعض الشعوب توصَّلت الى حل لهذه المعضلة الفكرية بايجاد فكرة تناسخ الارواح فهم يؤمنون بأنَّ روح الانسان الميّت يعود الى الارض ويدخل في جسم أنسان آخر وتتكرر هذه العملية عدّة مرات ، وحسب هذا الاعتقاد فإنَّ روح إنسان مُعدَم قد يعود الى الحياة كإنسان ثري، وروح انسان اعمى قد يعود الى الحياة في جسم انسان ذو نظر ثاقب وهكذا. إنّ َفكره تناسخ الارواح بدأت فى الهند وخاصة فى العقيدة الهندوسية والبوذية اللتان تؤمنان بأن الروح تعود في اشكال اخرى او كمجرد روح بذاتها غير ظاهرة في جسد مرئي واذا حصرنا عدد هذه الفئات التى تضم الملايين من الهندوس ( يبلغ عدد أتباع الهندوسية في العالم ألف مليون أي مليار شخص ) ومن البوذيين ( يُقدّر عدد البوذيين في العالم بنحو 300 مليون ) فسندرك انّ هذه الافكار موجودة فى عالمنا بشكل لا يمكن تجاهله، وفكرة التناسخ مضمونها ان الروح بعد وفاة الجسد لا تنتهي وإنما تعود لتعيش في اجساد واماكن وازمنة مختلفة عن تلك التي عاشت فيها من قبل، لذا تشعر الروح فى حياتها الثانية بحنين جارف لمكان لم تره في حياتها من قبل او لاشخاص لم تلتق بهم البتّة.
قبل فترة من الزمن شاهدتُ في التلفاز خبرا عن زواج غريب، ففي الفلبين تزوج شاب من افعى عملاقة لاعتقاده بأنَّ هذه الافعى كانت زوجته قبل ستمائة عام.
بعض المفكرين المسلمين يعتقدون بأنَّ تناسخ الارواح مذكور في القرآن ولاثبات وجهة نظرهم هذه يوردون الآية 28 من سورة البقرة: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي أنّ الميّت يُحييه الله ثمّ يُميته مرة أخرى ثمّ مرة أخرى ثمّ يُرجِعه اليه.
اورد المفسرون العديد من التفسيرات لهذه الاية، فقيل: (كنتم امواتا) تعني كنتم ترابا، وقيل: انَّها تعني حين لم تكونوا شيئا، وقيل: يحييكم في القبر للمسألة ثمّ يُميتكم ثمَّ يُحييكم، وقيل: كنتم امواتا بالخمول فأحياكم بأنْ ذُكِّرتم وشٌرِّفتم بهذا الدين والنّبي الّذي جاءكم، ثمَّ يُميتكم فيموت ذكركم ثمّ يُحييكم للبعث.
أمّا المُفسِّر سيّد قطب فيذكر في (في ظلال القرآن)، ما يلي:
( كنتم أمواتا من هذا الموات الشائع من حولكم في الأرض فأنشا فيكم الحياة فأحياكم. فكيف يكفر بالله من تلقى منه الحياة ? )……. أنتهى.
إنَّ حقيقة خلق الانسان من الجماد مذكور في القرآن (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)….سورة الانبياء، الآية 30.
وكذلك الآية: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ)…. سورة الصّافات، الآية 11.
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: اللَّاصِق مِثْل اللَّازِب , عَنْ الْأَصْمَعِيّ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيّ . وَقَالَ السُّدِّيّ وَالْكَلْبِيّ فِي اللَّازِب : إِنَّهُ الْخَالِص . مُجَاهِد وَالضَّحَّاك : إِنَّهُ الْمُنْتِن……. انتهى.
وهذا التفسير لا يتعارض مع نظرية التطوّر التي تقول بأنّ اول خليّة حيّة خُلِقَت على الارض خُلِقَت في المستنقعات ( التراب+ الماء الآسن) والفرق بين النظرتين هي في اسلوب عملية الخلق فالاعتقاد الديني يذكر بانَّ ألله شكّلَ الطين على صورة انسان كما يفعل النّحات، علما بانَّ هذا التصوّر لَمْ يرِد في القرآن بل ورد في الاحاديث المنقولة عن النّبي محمّد وهذه الاحاديث لا يُمكن التحقق مِنْ صحتها بعد مرور أكثر مِنْ 1400 سنة على روايتها وقد تكون رويت بعد وفاة النّبي محمّد بتأثير اليهود ألّذين أسلموا ككعب الاحبار نقلا عن التوراة، إنَّ احتمال خلق ألله الانسان بالاسلوب الّذي ذكره العالم داروين لا يُمكن استبعاده مِنْ الفكر الانساني، وأنَّ المستقبل كفيل بحل هذا اللغز المُحيِّر.
إنَّ المخلوقات من بشر وحيوان ونبات حين تموت تتحلل أجسامها في التراب او الماء الى العناصر المكوِّنَة للطبيعة من فسفور ونايتروجين وكربون وأوكسجين وهيدروجين الى اخر العناصر المكونِة لجسم الاحياء، إنَّ هذه العناصر تعود بشكل او اخر فتكوِّن اجسادا اخرى للبشر والحيوانات والنباتات فكل هذه المخلوقات تقتات بعضها على البعض وهذه العملية تشكّل دورة الحياة على الارض.
صدر حديثا كتاب حول تناسخ الارواح لمؤلف تركي يورد المؤلف فيه فكرة جديدة مفادها أنَّ روح ألأنسان يعود إلى الحياة في الارض عدة مرات حتّى يتصفّى من الذنوب وذكرَ الكاتب بأنَّ الانبياء هم الواصلون الى اعلى درجات الصفاء، وشبّهَ الانبياء بالمدرّسين الّذين يعودون الى التدريس في مدارسهم الّتي كانوا طلبة فيها.
امّا طبقة الشودرا او طبقة الخدم وهم طائفة من بعض شعوب جنوب اسيا فإنَّهم يؤمنون بعقيدة تناسخ الارواح ويسمّونها بالكارما، وحسب هذه العقيدة فإنَّ الارواح لها دورة حياتية تتناسخ فيها وتنتقل من جسد الى اخر يُحدده عمل الروح في الجسد الّذي حَلَّت بهِ، فالخيِّر لا يرتقي، امّا الشرير فانّه ينتقل الى جسد في نفس المستوى إلى انْ يصل الى مرحلة الخلود حيث يتّحد مع ذاته وفي هذه المرحلة يُعطى فرصة تلو الاخرى لكي يتعرّف على ربّه في اكثر من دورة حياة.
إنَّ الشودرا لا يؤمنون بالبعث لذلك لا اهمية لفعل الخير والشر لديهم طالما قام بالواجب المشروط عليه وهو الزواج والانجاب.
والجدير بالذكر أنَّ بعض فرق المعتزلة كالخابطية ( اتباع احمد بن القدري ) والحمارية ( وهم قوم من معتزلة عسكر مكرم ) يؤمنون بعقيدة تناسخ الارواح.
لقد افترض الإنسان البدائي وجود إنسان بداخل إنسان, أي هناك قوة دافعة وهذا الشخص الخفي هو الذي يوجهنا نحو الخير أو الشر. والأديان نفسها اهتمت بهذا الجانب, أما رواد الفلسفة فلقد تفننوا في التصور النفسي ففيثاغورث تصوّرها وكأنها عنصر خالد مغاير للجسم مستقر في الدماغ وعند الموت تغادر الجسم ثم تعود إلى الأرض في جسم أحط أو أسمى من الّذي كانت فيه فالنفس واقعة في ذهاب و إياب إي وفق مبدأ تناسخ الأرواح (Réincarnation). أما أفلاطون فقد أدت نظريته إلى إقرار بأنَّ النفس أقدم من البدن و أنها أدركت المُثل التي لا تدركها الأبدان, فالنفس عنده قوة روحية فهي بذلك تتذكر المُثل بعدما عقلته في العالم الروحاني. أما ابن سينا فقد كان أكثر الفلاسفة المسلمين اعتناء بأمر النفس وفعلا هيأ لهذا الغرض العديد من الرسالات و المقالات من بينها: اختلاف الناس في أمر النفس, تعلّق النفس بالبدن, رسالة في معرفة النفس وأحوالها واستطاع إثبات وجود النفس بالبراهين النفسية وذلك أنَّ الإنسان يُدرك, يتصوّر ويُعاني مختلف الانفعالات فهو يقول { إن النفس جوهر روحاني وضعت على شاكلة الروح, والروح كمال والنفس صورة منها.
16- الوحي والايحاء وألأطار ألفكري للإنسان:
أعتمدَتْ ألأديان السماوية وألأديان والمعتقدات ألأخرى لترسيخ أفكارها ومعتقداتها على ألايحاء، فألأذان وألصلاة اللتان تتكرران لخمس مرّات في اليوم وألذِكْر والدعاء وألصوم وألحج من وسائل تثبيت العقائد والافكار في عقول ألبشر، إنَّ ألايحاء ُيحدِث تأثيره بواسطة ألبشر ايضا، فألانسان يستطيع نقل أو ترسيخ أفكاره في عقول ألاخرين بالكلام ألمباشر أو ألكتابة، وحسب المعتقدات ألاسلامية فإنَّ ألشياطين وألجِن لها قابلية ألتأثير على عقول ألنّاس فيسمّى ألايحاء حينئذ بألوسوسة (( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ* ))….. سورة ألنّاس، ونفهم مِنْ هذه السورة أنَّ ألوسوسة يُمكِن أنْ تَحدُث بواسطة ألإنسان أيضا وهنا يكون العامل الحاسم في تحديد ذلك هو نيَّة ألموسْوِس، فإذا كانت نيّته شريرة فعندئذ تسمّى بألوسوسة.
أمّا ألوحي فهو ألاتصال بين ألله وألأنبياء بطريقة مباشرة كتكلُّم ألله مع النبي موسى أو عن طريق وسيط كإنزال الوحي على ألنّبي محّمد بواسطة ألمَلَك جبريل. في أسباب نزول ألآيات(( قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ* مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ* ))….ألآيات 97 و 98 مِنْ سورة البقرة، ذَكَرَ بعض المُفسِّرين بأنَّ هذه ألآيات نزلَتْ ردّاً على ألْيَهُودِ الَّذِينَ قَالُوا : إنَّ جِبْرِيل عَدُوّنَا مِنْ الْمَلَائِكَة , وَمِيكَائِيلَ وَلِيّنَا مِنْهُمْ، وفي تفسيره ( في ظلال ألقرآن) يذكُر سيّد قطب في تفسير هذه ألآيات ما يلي:
“وفي قصة هذا التحدي نطلّع على سمة أخرى من سمات يهود . سمة عجيبة حقا . . لقد بلغ هؤلاء القوم مِن الحنق والغيظ مِنْ أنْ يُنزّل الله من فضله على من يشاء من عباده مبلغا يتجاوز كل حد , وقادهم هذا إلى تناقض لا يستقيم في عقل . . لقد سمعوا أنَّ جبريل يَنزِل بالوحي مِنْ عند الله على محمّد [ ص ] ولمَّا كان عداؤهم لمحمّد قد بلغ مرتبة الحقد والحُنق فقد لجَّ بهم الضغن أنْ يخترعوا قصَّة واهية وحجَّة فارغة , فيزعموا أنَّ جبريل عدوهم , لأنَّه يَنزِل بالهلاك والدمار والعذاب ; وأنَّ هذا هو الّذي يمنعهم مِنْ الإيمان بمحمّد من جراء صاحبه جبريل ! ولو كان الّذي يَنزِل إليه بالوحي هو ميكائيل لآمنوا , فميكائيل يتنزَّل بالرخاء والمطر والخصب !
إنّها الحماقة المضحكة , ولكن الغيظ والحقد يسوقان إلى كلِّ حماقة . وإلّا فما بالهم يعادون جبريل ? وجبريل لم يكن بشرا يعمل معهم أو ضدهم , ولم يكن يعمل بتصميم مِن عنده وتدبير ? إنَّما هو عبد الله يفعل ما يأمره ولا يعصى الله ما أمره !
(قل:من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله). .
فما كان له مِنْ هوى شخصي , ولا إرادة ذاتية , في أنْ ينزله على قلبك , إنَّما هو مُنفِّذ لإرادة الله وإذنه في تنزيل هذا القرآن على قلبك . . والقلب هو موضع التلقي , وهو الّذي يفقه بعدَ التلّقي , ويستقر هذا الكتاب فيه ويُحفَظ . . والقلب يُعبَّر به في القرآن عن قوَّة الإدراك جملة وليس هو هذه العضلة المعروفة بطبيعة الحال .”….أنتهى.
إنَّ وحي ألله غير مقتصر على ألإنسان فقط، فألله أوحى إلى ألحشرات أيضا ((وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ*))…..سورة ألنحل ألآية 68. يقول أبن كثير في تفسير هذه ألآية: “مُرَاد بِالْوَحْيِ هُنَا الْإِلْهَام وَالْهِدَايَة وَالْإِرْشَاد لِلنَّحْلِ أَنْ تَتَّخِذ مِنْ الْجِبَال بُيُوتًا تَأْوِي إِلَيْهَا وَمِنْ الشَّجَر وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ هِيَ مُحْكَمَة فِي غَايَة الْإِتْقَان فِي تَسْدِيسهَا وَرَصّهَا بِحَيْثُ لَا يَكُون فِي بَيْتهَا خَلَل” …. أنتهى.
إنَّ ألوحي للنحل في هذه ألآية يٌقصَد بها: أنَّ ألله أودع في فطرة هذه ألحشرة كيفية أتّخاذ الجبال والشجر ومما يبني ألانسان من العروش سكنا لها. كما أنَّ ألله يوحي الى الجماد أيضا(( أِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا* وَأَخْرَجَتِ الْأَرْض أَثْقَالَهَا* وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا* يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * ))….. ألآيات من 1 إلى 5 مِنْ سورة ألزلزلة. أي أطاعت ألارض ربّها وتحدّثت عن أخبارها ووصفت حالها وما جرى لها.
عند ذكر الملائكة يتبادر إلى ألذهن سؤال مُلِّح وهو: نحن نعلم أنَّ ألله قادر على كلِّ شيء وإذا أراد لشيءٍ أنْ يكون فيقول له كُنْ فسيكون، لذا هل يحتاج ألله لكي يَغرُس ألآيات القرآنية في قلب محمَّد إلى ساعي للبريد (جبريل) ؟
إنَّ ألله قادر على أنْ يوحي ما يشاء إلى ألأنبياء مباشرة، فما ألحكمة إذَنْ مِنْ أستخدام ألملائكة كحلقة للوصل؟
رُبَّ سائل يتسائل ما الحاجة لإرسال ألأنبياء إذا كان ألله في كلِّ مكان((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ))…. سورة ألنحل ألآية 40 ،وهو قادر على كلِّ شيء(( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ))… سورة ق ألآية 16، أي أنَّه يستطيع انْ يمسح مِنْ نفوسنا جميع الشكوك والعصيان والكفر ويغرز فيها ألايمان والطاعة كما نمسح حافظة الحاسبة ألألكترونية بعملية الفورمات ( FORMAT ) عندما تُصاب بالفيروسات ألألكترونية ؟
أمّا ألتساؤل ألأهم ألّذي يلي ألتساؤل ألسابق فهو: لِمَ خلق ألله ألأنسان؟ وألجواب ألوحيد نجده في ألقرآن ألكريم في سورة ألذاريات ألآيات 55 و 56 و57 (( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ* وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* )). ولكن ألتساؤال ألسابق وجوابه يُحيلنا إلى تساؤل آخر وهو: هل يحتاج ألله إلى عبادتنا له؟ ألجواب طبعا لا، إذنْ لِمَ خَلَقَنا ألله؟ هل شعر بالوحدة؟ أم اراد أنْ يخلق خليفة له في الارض وحسب ما جاء في القرآن؟ ولكن هل يحتاج الله الى خليفة في الارض؟ المنطق يقول كلّا لانّ الله لو كان محتاجا الى شيء فسيفقد خاصيّة الغنى ( الله غني عن العالمين…..حسب القرآن ) تساؤلات تتبعها تساؤلات ولا جواب ولا يملك الانسان إلّا أنْ يقول لا أدري.
إنَّ ألايحاء يُكوِّن إطارا فكريا للإنسان وبالتالي للمجتمع ولا يُمكن الفكاك من هذا الاطار بسهولة. أطلّعت في مرحلة الشباب على كتب عديدة مناقضة للافكار الدينية ككتاب اصل الانواع للعالم تشارلس داروين وألكتب ألفكرية للعالم ألنفساني سيجموند فرويد( موسى والتوحيد والمستقبل وهمٌ) ولكوني متدينا في تلك الفترة نشأ صراع دامي في عقلي وحاول عقلي ألتخلّص مِنْ ألمعتقدات ألدينية ألّتي ترسّخت فيه نتيجة عيشي في بيئة إسلامية منذ الطفولة وتراكم ايحاءاتها في عقلي ولكنَّ هذا ألأمر لَمْ يَكُنْ سهلا ألبتّة.
صديق لي لَمْ يَكُنْ يؤمن بالأديان، قال وهو يحاورني: أتدري لو أصبحَ موضوع يوم ألقيامة وجهنم حقيقة فإننا سنكون في خبر كانَ، لقد قصدَ بعبارته تلك بأننا سنُعذّب في جهنم عذابا شديدا، مُحدّثي قال هذه ألعبارة وهو يضحك، ولكن في قرارة نفسه كان يشعر بالخوف من المستقبل نتيجة لترّسب الافكار الدينية في عقله الباطن منذ طفولته.
ماذا لو كان صحيحا؟ تساؤل يخطر في ذهن المُلحد، وفي ذهن المؤمن بالدين عندما يحسّ بأبر الشكّ وهي تشُكّه.
الدكتور علي ألوردي في مؤلفه خوارق اللاشعور وفي فصل الاطار الفكري كتب ما يلي:
” إنَّ الانسان اعتاد أنْ ينظر إلى ألكون مِنْ خلال إطار فكري يُحدد مجال نظره، وأنَّه يستغرب أويُنكِر أيَّ شيء لا يراه مِنْ خلال ذلك ألإطار. فألإنسان بهذا ألمعنى يشابه ألحصان ألّذي يجر ألعربات، حيث قد وضع على عينيه إطارا لكي يتوجّه ببصره إلى ألأمام فلا يرتبك أو يتطوّح في سيره، وليس هناك فرق اساسي بين المتعلمين وغير المتعلمين في هذا الخصوص، فالفرق( إنْ وجِدَ ) إنّما هو فرقٌ بالدرجة لا بالنوع.
وهنا ينبغي ان نُميِّز بين المتعلِّم والمثقّف، فالمتعلِّم هو من تعلَّم امورا لم تخرج عن الاطار الفكري الّذي اعتاد عليه منذ صغره. فهو لم يزدد من العلم إلّا مازاد تعصّبه وضيّقَ من مجال نظره، هو قد آمنََ برأي من الاراء او مذهب من المذاهب فأخذ يسعى وراء معلومات الّتي تؤيده في رأيه وتحرّضه على الكفاح في سبيله.
أمّا المثقّف فهو يمتاز بمرونة رأيه وبأستعداده لتلّقي كلّ فكرة جديدة وللتأمّل فيها ولتملّي وجه الصواب منها”…..أنتهى.
إنَّ أيحاء ألأديان يُسبب نوعا من ألتنويم ألمغناطيسي ألجمعي لا تستطيع الجموع ألمؤمنة من الاستيقاظ والفكاك من أسْرِه بسهولة، وبعض أفراد هذه ألجموع ترعد وتزبد وتشارك في المظاهرات وتحطّم كلّ شيء تصادفه عندما يحدث ايّ مساس بالعقيدة المترسّخة في لاشعورها بالرغم من كون معظمهم غيرملتزم بنواهي الدين وطقوسه كالصوم والصلاة، وكما حدث عند نشر الكاريكاتيرات ألّتي تنتقد محمّد من قبل فنان دانماركي.
الأخطر من ذلك تكفير المذاهب الاسلامية المختلفة لبعضهم البعض نتيجة أيحاء علماء الدين وفقهاءها، ويزداد الطين بلّة عندما يستخدم السياسيون ألدين كوسيلة للوصول الى السلطة ولجمع المال، وما نراه في العراق اليوم افضل مثل لاستخدام الشعور الديني للجماهير المنوَّمَة مغناطيسيا لتحقيق مآرب السياسيين الدنيئة. لقد لاحظنا في الانتخابات السابقة أنّ معظم الناخبين الطائفيين من الشيعة والسنّة انتخبوا افراد طائفتهم بالرغم من علمهم بأنهم سرقوا اموال الشعب وارتشوا في فترة حكمهم السابق وأنهم مُسيّرون من قبل المُحتَل لبلادهم.
إنَّ ألاطار الفكري للإنسان يتغيّر بتغيّر بيئته ألأجتماعية ونتيجة اطّلاعه على مُعتقدات وثقافات وعلوم وحضارات المجتمعات ألأخرى، وهذا التغيّر يختلف في درجته بين المثقّف والمتعلّم والجاهل فالمثقّف يتأثّر أكثر مِنْ المُتعلِّم والجاهل.
مِنْ محاسن أغتراب ألعراقيين وخاصّة ألمثقفين مِنهم في البلدان ألغربية تغيُّر اطاراتهم الفكرية نتيجة إطّلاعهم على ثقافات وحضارات ألأمم ألأخرى، امّا معظم الّذين مكثوا في وطنهم فيلاقون صعوبة في التحرر من قوالبهم الفكرية الّتي تصلّبت من جرّاء الايحاء لسنين طويلة.
17- الحج :
كان اقتصاد المجتمع المكّي في الجاهلية يعتمد على التجارة بشكل اساسي مع اعتماد قليل على الزراعة وتربية الحيوانات ونظرا لشحّة الموارد الطبيعية في شبه الجزيرة العربية فانّ القبائل الساكنة فيها كانت تتصف بخاصية الغزو وما يصاحبها من نهب لاموال القبائل المغزوّة وقتل لافرادها وسبي لنسائها.
كانت في الكعبة اصنام عديدة قُدّرَت بحوالي ثلاثة مائة صنم، فلكل قبيلة صنم. افراد القبائل كانوا يحجّون الى الكعبة ويذبحون الذبائح تقرّبا لهذه الاصنام وتبدأ التجارة بالانتعاش في فترة الحج. عندما جاء محمّد بدين جديد خشي قادة قريش وتجّارها من انتشار هذا الدين لانّه سيُنزِل ضربة قاضية على تجارتهم الّتي كانت تعتمد على مواسم الحج اضافة للعمرة.
حسب الروايات الاسلامية فانّ زعيم قريش ابو سفيان بن حرب خاطب قومه بعد اعلان محمّد عن دعوته قائلا:
انّ محمّدا يدّعي بانّ الله في كلّ مكان في قرآنه، ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴿ق: ١٦﴾ )، ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) ﴿البقرة،١١٥﴾ لذلك لن تحضر افراد قبائل الجزيرة العربية الى الحج لزيارة اصنامها والتبرّك بها اذا نجح محمّد في دعوته.
لهذا السبب عارض قادة واغنياء قريش الدين الجديد وحاربوه، لكنّ محمّدا لم يلغ الحج وأدعّى بانّ اول بيت بُني لعبادة الله من قبل ابراهيم هو الكعبة وهذه رواية مشكوك في صحّتها ولا يوجد أيّ دليل عليها.
التساؤل الّذي يخطر في البال في هذا الصدد: اذا كان الله موجودا في كلّ مكان، لِمَ يتجشم الناس عناء السفر من ارجاء الكرة الارضية لزيارة مكّة ويصرفون ما جمعوه من اموال بشقّ الأنفس؟ والى اين تذهب الاموال الطائلة الّتي تصرف في الحج؟ ألا تذهب الى جيوب الحكّام السعوديين ليصرفوها في بناء القصور والعيش ببذخ كبذخ هارون الرشيد؟ وألا تصرف أموال هؤلاء ألجهلاء في تكوين جيل من ألأرهابيين والمتطرفين ألأسلاميين ألذين يرضعون من ثدي ألمذهب الوهابي ألّذي هو مذهب ألحكّام ألسعوديين؟
بعد اكتشاف النفط في شبه الجزيرة العربية اصبحت المملكة العربية السعودية حامية الكعبة من اكثر الدول ثراء وانتفت حاجتهم الى الاموال المكتسبة من عبادة الحج والتساؤل هنا: لو كان الدين الاسلامي قد ظهر بعد اكتشاف النفط هل كان محمّد سيصر على فرض عبادة الحج على المسلمين؟ وهل كان سيأمر بالغزو ونهب ثروات الشعوب الاخرى؟ وهل كان سيفرض الجزية على أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين؟
لنلقي نظرة على بعض مناسك الحج، انّ تقبيل الحجر الاسود عبادة وثنية فلم ابقاه محمّد؟ للاجابة على هذا السؤال، نقول انّ الحج عبادة وثنيّة بجميع مناسكه فلم ابقاه محمّد؟ والجواب بَيِّنٌ، وهي الفائدة الاقتصادية الّتي سيجنيها هو وقومه قريش من عائدات الحج.
انّ الحجر الاسود قد يكون قطعة من نيزك سقطت على الارض في غابر الايام، فهل سقوطه من السماء يُكسِبه قُدسية؟ آلاف من النيازك سقطت وستسقط على كرتنا الارضية فهل كلّها مقدّسة؟ ام أنَّه الجهل والغباء الّذي يلفُّ عقول البشر؟
حسب روايات التراث الاسلامي فإنَّ الخليفة عمر الخطّاب قال مخاطبا الحجر الاسود عندما طاف حول الكعبة:
أعْلَمُ أنّك حجر لاتنفع ولاتضر، فلولا أنّي رأيت رسول الله يُقبّلُك ما قبُّلتك، مامعنى هذا الكلام؟ عمر بن ألخطّاب أقرب ألنّاس الى محمّد وثاني خلفاء ألمسلمين لَمْ يكن مقتنعا بتقبيل ألحجر ألأسود لانّ منطقه دلّه على أنَّ تقبيل ألحجر ألأسود عبادة وثنية ويُعتبر شركا بألله.
إحدى مناسك الحج هي رمي الشيطان بالاحجار ويموت كلّ سنة عدد من البلهاء الّذين يتزاحمون على موقع معيّن في مكّة لرمي الاحجار، والتساؤل الّذي يتبادر الى الذهن هو:
هل الشيطان موجود في هذه البقعة من الكرة الارضية فقط (على فرض انّه ليس كائنا خرافيا)؟ واذا كان متواجدا في تلك البقعة فلم لا ينفذ بجلده ويتحمّل هذا الاذى؟
18- هل إبليس معضلة ام حل؟
هل أنّ وجود إبليس حقيقة؟ وهل أنّ وجود ألشياطين والجن حقيقة لا مراء فيها وكيف واين يعيشون؟ عشرات من الإسئلة خطرت وتخطر على بال الكثيرين.
في كتابه الرائع ( الشخصية المحمدية او حل اللغز المقدّس ) كتب الشاعر العراقي معروف الرصافي وفي فصل( محمّد والجن في نخلة )* ما يلي:
(( كان الناس من قديم الزمان يعتقدون بوجود ارواح غير مرئية، منها طيبة ويستنجدونها ويرجون خيرها، ومنها خبيثة يخافونها ويتّقون شرّها. وكذلك العرب كانوا في جاهليتهم يعتقدون بوجود هذه الارواح، ويسمّون الطيبة بالملائكة، ويسمّون الخبيثة منها بالجن والشياطين، وعقيدتهم هذه مشهورة لا تحتاج الى إقامة الدلائل ولا الى ايراد الشواهد، والقرآن اصدق شاهد بها، وقد تفرّع من اعتقادهم بالكهانة، فكان لهم كهّان، وكان الكاهن يخبرهم بالمغيّبات، وكانوا يعتقدون أنّ لكل كاهن تابعا من الجن يأتيه بالخبر من السماء.
فلمّا قام محمّد بدعوتهم الى الإسلام، وهو يريد أنْ يجمعهم على كلمة واحدة، وينهض بهم نهضة عالميّة كبرى، رأى من اللازم الضروري لنجاح الدعوة انْ يُبطِل الكهانة، ويجعل خبر السماء مقصورا على الوحي الّذي ياتيه به جبريل، لكيلا تقبل العرب إلّا منه ولا تسمع آلّا له.
ولاجل إبطال الكهانة اغلق محمّد ابواب السماء في وجوه الشياطين وملأها حرسا شديدا من الملائكة، وجعل هذه الشهب المتساقطة في الجو رجوما للشياطين تردّهم عن استراق السمع، واخذ الاخبار السماويّة كما هو مذكور في القرآن. )). انتهى.
بأعتقادي أنّ أسطورة إبليس وعصيانه لله هي رمز للشرور الموجودة في النفس الانسانية، فحكاية إبليس ورفضه السجود لآدم وطلبه من الله إمهاله الى يوم القيامة بعد القسم بعزة الله لكي يغوي البشر وقبول الله هذا الطلب الغريب بتعيين ابليس للقيام بهذه الوظيفة، ليست سوى حل لدرء التهمة عن الله بانّه هو الذي خلق الشر وزرعه في نفوسنا، لإنّ الانسان سيتسائل: إذا كان الله هو الّذي خلق الشر في نفوسنا فلِمَ يُحاسبنا ويُعاقبنا على ذنوبنا؟
إنّ اعجب ما في قصّة ابليس وآدم هو تمرّد ابليس على الله، إنّ هذا التمرّد هو اغرب حكاية جالت في عقل إنسان واحسن مثل لما جال ويجول في الفكر الانساني من تصوير المحال.
هل يَعقِل عاقل أنّ الله يُمهِل الّذي يتمرد عليه الى يوم القيامة ولا يفنيه والأدهى من ذلك يقوم بتعيينه في وظيفة اغواء خليفته في الارض والّذي نفخ فيه من روحه؟
لتكون الحكاية محبوكة بصورة تامّة ظهرت حاجة الى كبش فداء، وكبش الفداء في هذه الحكاية هو الشيطان او إبليس، فوجود الشيطان في العقيدة الدينية ما هو إلّا لدرء التهمة عن الله بانّه خالق الشر في نفوس البشر.
لنفترض أنّ الشيطان غير موجود في العقيدة الدينية، فماذا سيحدث؟
كل البشر سيكونون اسوياء ومؤمنين وصالحين وسينتفي الحاجة الى وجود جهنّم وسعيرها وعذابها في يوم القيامة والى الجنّة بحورياتها وخمرها ولبنها وعسلها.
هنا قد يرد تساؤل: ما معنى الشيطان في عقل محمّد؟ الجواب سنجده في هذا الحديث المنقول عنه، يقول محمّد في حديث: ((لا تشربوا من ثلمة الإناء فإنّها مركب الشيطان)).
وقد وافقه على هذا القول علماء الصحّة في هذا العصر حيث اوصوا في كتبهم بترك استعمال الاناء المكسور او المثلوم لانّ موضع الكسر او الثلمة منه يكون عشّا للجراثيم المُضرّة.
نستنتج من هذا الحديث انّ محمدا كان يعتقد بأنّ الشيطان هو السبب في اصابة الإنسان بالمرض وليست الجراثيم، ولم يجد الله داعيا لاخباره بأنّه خلق الجراثيم والفيروسات الّتي تسبب المرض.
أستغربُ من إدّعاءات بعض الاسلاميين الّذين يُحاولون إصباغ الاعجاز العلمي على بعض الآيات القرآنية بلوي ذراع هذه الايات وتأويلها وتحميلها اكثر مما تحتمل. عشرات الرسائل الالكترونية تصلني يوميا الى بريدي الالكتروني تحوي آيات يدّعي مُرسلوها بأنّها آيات تُثبت الاعجاز العلمي الموجود في القرآن والادهى من ذلك ارفاق صوّر الّتي التقطها كفّار ناسا وتلسكوب هابل لتعزيز ادّعاءتهم الهزيلة. لو اراد الله انْ يُثبت لانسان القرن الواحد والعشرين انّ القرآن وحي منزّل من عنده بآية علمية تناسب تقدّمنا العلمي في القرن الواحد والعشرين فيكفي انْ يكون قد ذكر بجملة مسجوعة أنَّ هنالك كائنات متناهية في الصغر خلقها لنقل الامراض وكفى الله المؤمنين شر القتال.
وخلاصة القول هو أنّ الحكاية كلّها حبكة لبيب ذو خيال واسع، فلا ملائكة سجدت، ولا شيطان رفض السجود.
*نخلة – موقع بين الطائف ومكّة.
19- الرائيلية ومحاولة التزاوج بين الدين والعلم:
ظهر في الاونة الاخيرة دين جديد سُمّي بالرائيلية، النّبي المزعوم لهذا الدين فرنسي أسمه كلود فوريلهون. سنلقي نظرة على معتقدات هذا الدين وحسب ما ورد في موقعهم الالكتروني قبل مناقشة وتحليل هذا الفكر الّذي يحاول المزاوجة بين الاديان السماوية والعلم، فتحت عنوان الرسالة وردت في الموقع المعلومات التالية:
“علماء من كوكب آخر خلقوا الحياة على الأرض بإستخدام الحمض النووي”
“آثار ملحمة الخلق الرائعة هذه يمكن ان تجده في جميع الكتابات الدينية. وقد اشار اليهم موسى والمسيح وبوذا ومحمّد، لقد حان الوقت الان للترحيب بهم.
ماذا حصلَ؟ في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني عام 1973 م، تم الإتصال برائيل وهو صحفي فرنسي من قبل زائر من كوكب آخر وطلب منه بناء سفارة للترحيب بعودتهم الى الارض.
كان طول الزائر القادم من الفضاء اكثر من اربع اقدام بقليل، ذو شعرأسود طويل، و عيناه مشدودة الأطراف شيئا ما، وكان جلده أبيض يميل شيئا ما إلى الإِخْضرار ، وكان وجهه يشع البِشْر والسرور وقد وصفه رائيل مؤخرا بوصف بسيط، لو كان يمشي في شوارع اليابان فلن يلحظه احد، بمعنى اخر بأنّهم يشبهوننا ونحن نشبههم فبالحقيقة فقد خلقونا على صورتهم، كما وصف الكتاب المقدّس.
قال لرائيل :
“نحن مَنْ خلقَ الحياة على الارض”
“اتخذتمونا آلهتكم”
“نحن اصل كلّ الديانات”
“الان وقد تقدّمتكم بما فيه الكفاية لفهم هذا، نود العودة رسميا عن طريق سفارة”
الرسالة:
توضّح الرسالة الّتي أُمليت على رائيل أنّ الحياة على الأرض، ليست نتيجة للتطور او وليد الصدفة، و لا عمل رائع لإله خارق وإنَّما هو خلق اختياري مُتعمَد من طرف وباستخدام الحمض النووي D.N.A ومن قِبل شعب متطوّر علميا الّذين خلقوا الإنسان تماما على صورتهم، ويمكن تسميته بـالخليقة العلمية.
تُوجد عدّة مراجع لهؤلاء العلماء، ولعملهم الرائع في الكتب القديمة للعديد من الثقافات. على سبيل المثال ، في التكوين وهو الوصف التوراتي للخلق، كلمة إلوهيم قد تُرجِمت خطأ بالكلمة المفردة إلوها المعروفة بكلمة الله، بينما هي في الاصل جمع و تعني هؤلاء الّذين أتوا من السماء .
رغم أنّ الإلوهيم لم يتدخلوا في تطور الإنسانية، ولكنّهم بقوا على اتصال معنا بواسطة الأنبياء بوذا، المسيح، محمد والّذين أُختيروا وتتلمذوا خصيصا مِنْ طرف الإلوهيم. دور هؤلاء الأنبياء كان هو تربية الإنسانية تدريجيا من خلال الرسالات الّتي أتوا بها. في كلّ مرّة كانت هذه الرسالات تلائم الثقافة و مستوى الإدراك لتلك الفترة. كما كان من بين أهدافهم كذلك أنْ يتركوا لنا آثارا للإلوهيم لكي نتمكّن أنْ نتعرّف عليهم كخالقينا وإخوة لنا في هذا الكون وذلك عندما نصل إلى مستوى علمى كافي من الفهم والادراك. المسيح يُعَد ابن احد هؤلاء الخالقين وقد كانت مهمته انْ ينشر رسالته حول العالم تحضيرا لهذا الزمن الّذي نتشرّف بانْ نعيشه (الزمن المُتنَبأ به في سفر الرؤيا)” ….. انتهى.
نبذة عن حياة النبي المزعوم رائيل:
-ولِدَ كلود فوريلهون الّذي اتّخذ اسم رائيل بعد ادعّاءه بالنبوّة في 30 من ايلول عام 1946 م في فيجي/ فرنسا. كان مغرما بسباقات السيارات منذ التاسعة من عمره، وعندما اصبح شابّا مارس الشعر وتخصص في كتابة كلمات الاغاني وسجّل عدّة اغنيات بصوته.
بعد ذلك اصبح صحفيا معنيا بسباقات السيارات واصدر مجلّة تُعنى بالسباقات، ثمّ ولجَ عالم سباقات السيارات كسائق محترف.
-في كانون الاوّل من عام 1973 م تغيّرت حياته بعدما التقى(حسب زعمه) بزائر قادم من الفضاء الخارجي في منطقة فولكانوبارك / فرنسا الّذي قدّم نفسه اليه كواحد من خالقي الجنس البشري وكلّفه بالنبوّة للدين الرائيلي. بعد ستِّ لقاءات مع الزائر القادم من الفضاء في نفس الموقع، قََبِلَ رائيل التكليف وبدأ بدعوة النّاس الى الدين الجديد والاستعداد لاستقبال خالقي الجنس البشري الّذين سمّاهم بالإلوهيم.
-بعد اللقاءات المذكورة أصدر رائيل كتابه الاوّل حول الدين الجديد وتحت عنوان(الرسالة الاولى التي أُعطيت من قبل سكّان الفضاء/ اخيرا العِلِم يحلُّ محل الدين) ودعا النّاس الى مؤتمر سيعقده في ايلول من عام 1974 م، فحضر المؤتمر 2000 شخص، وبعد فترة قصيرة اسس مؤسسة مادج(MADECH) الّتي انضمّ اليها عدد من النّاس لمعاونته في دعوته الّتي اصبحت فيما بعد الحركة الرائيلية، وفي عام 1974 بلغ عدد اعضاء المؤسسة 170 شخصا، وحسب ما ورد في موقع الحركة فإنَّ عدد اعضاء الحركة يبلغ اليوم 70000 شخصا موزّعين على 97 بلدا.
-في السابع من تشرين الاوّل من عام 1975 م(حسب زعم رائيل) تمّ لقاء آخر مع المخلوق القادم من الفضاء الخارجي، وفي اللقاء اعطوه تعليمات جديدة حول الدين الجديد وسجّل هذه التعليمات في كتاب ثاني وتحت عنوان( الخلق البديع)، منذ ذلك الحين يقوم رائيل بجولات في بلدان العالم لكسب المؤيدين الّذين يشاركونه في افكاره ويرغبون في استقبال والترحيب بخالقي الجنس البشري ويرمي من وراء حملته هذه جمع التبرعات لأنشاء سفارة لسكّان الفضاء في القدس، كما اصدر كتابا بعنوان “نعم لأستنساخ البشر”.
في موقع الرائيليين الالكتروني حقل مخصص للاسئلة المتكررة حول الرائيلية، اجابة على السؤال: مَنْ خلقَ الإلوهيم (سكّان الفضاء الّذين خلقوا الانسان على صورهم) وردت الاجابة التالية:
إذا كنّا نؤمِن بالله، قد يسأل سائل مَنْ خلق الله؟ وإذا كنّا نؤمِن بنظرية التطوّر ونظرية الانفجار الكبير(BIG BAN ) قد يسأل سائل مِن اين اتت هذه الطاقة الّتي احدثت الانفجار الكبير؟ فبالنسبة للإلوهيم فالمسألة مماثلة، لقد خُلِقوا مِنْ قِبل مخلوقات اتوا مِنْ السماء( مِنْ كوكب اخر).
إنَّها حلقة لانهائية متّصلة للحياة، وفي يوم ما في المستقبل فإنَّ العلماء مِنْ الارض سيسافرون الى كوكب آخر وسيسكنونه وقد يخلقون بشرا هناك باستخدام علم الجينات الّذي سيصل الى مرحلة متقدمة.
في مقالة له حول الرائيلية يقول الدكتور محمّد الحجّار ما يلي:
(( وعندما نشرح عقيدة الرائيلية وطقوسها وأفكارها وفلسفتها فإنّنا سنجد إلى أيّ حد تتحدى الخالق وتعلل وجود البشر على هذه الأرض بأنّه من صنع جينات جاء بها بشر من كواكب أخرى شاهدها رائيل المختل عقلياً وأودعته سر وجود البشر على كوكبنا. وبفعل تحدّي العقل الوثني المادّي للخالق انضم أمثاله من المجانين إلى ملّته الّتي تعيش في كندا اليوم. ولعلّ ما يشجّع في عالمنا اليوم على بروز مثل هذه البدعات موجات التطرّف الديني من كل الديانات السماوية الإسلامية واليهودية واليمين المسيحي الذي يحكم أمريكا حيث أنّ العالم اليوم هو ضحية هذه التطرفات الدينية المتصارعة على الساحة الدولية على المستوى السياسي العقائدي.
الموقف العالمي من ادّعاء الرائيليين ( شركة كلونيد ) واستنساخ أوّل طفلة: اعلنت شركة كلونيد
عن استنساخ أول طفلة في العالم بطريقة غير جنسية أسمتها(إيف – حوّاء باللغة العربية) وذلك منذ عدّة سنوات. إلّا أن هذه العملية الاستنساخية الّتي منعتها كافة دول العالم وحتّى الأمم المتحدة بعد أنْ تعالت كثير من الأصوات عن إمكانية إجراء عمليات الاستنساخ على البشر بعد نجاحه على الحيوانات (النعجة دولّي) لأغراض إنتاج قطع تبديلية بشرية تعويضاً عن بعض أعضاء البشر الّتي تمّ استئصالها لأسباب مرضيّة، وأقدمت هذه الشركة على عملية الاستنساخ المشكوك بصحّته على البشر فأنتجت الطفلة (إيف) ولاقى هذا الإعلان استنكاراً دولياً من جميع المنظمات الإسلامية والمسيحية والعلمية الطبية على السواء لأنّه خرْقٌ فاضح للإجماع العالمي على تحريم الاستنساخ البشري. ومن جملة من استنكروا ذلك قادة الدول وفي طليعتهم الرئيس بوش والرئيس شيراك. إنّ عملية الاستنساخ على مستوى التقانية الطبيّة هي نزع النواة من بويضة غير مُلّقحَة من إمرأة (أي إزالة الحمض الريبي النووي DNA) الّذي تَكُمن فيه الكروموزمات الناقلة للصفات الإرثية والموجودة فيها الشفرة الوراثية للنوع البشري، وأخْذُ خليّة من جسم يُراد استنساخ شخص آخر يماثله في الخَلْق بيولوجياً ومورفولوجياً وجميع صفاته الوراثية وتلقيح هذه الخليّة بالبويضة الأنثوية مجهرياً ومِنْ ثمّ زرع هذه البويضة الملقّحة الّتي تمّ تلقيحها عن طريق غير التلقيح الجنسي الّذي يتمُّ عادة بين بويضة ونطفة ذكرية بالاتصال الجنسي، نقول زرع هذه البويضة في رحم المرأة الّتي أُنتزِعَت منها البويضة حيث تتحول بعد ذلك إلى جنين عادي ومن ثم ولادة الطفل المحدد الّذي يحمل نفس شكل وصفات خلية الرجل الّذي أُخِذَت منه هذه الخلية. إنَّ عملية الإستنساخ على مستوى الحيوانات والبشر ليست سهلة ومؤكّدة بالصورة الّتي يظنّها الفرد.
بل إنّ نجاح الاستنساخ هو ضئيل جداً على المستوى الإحصائي. أحياناً تتم عمليات تخصيب البويضات بمئات من المرّات حتّى تنجح حالة تخصيب واحدة ينتج عنها الاستنساخ. وهكذا نجد أنّ الاستنساخ ليس خلقاً جديداً ولكنه إستخدام ما خلقه الله وتغيير طريقة التلقيح فقط.
فالطريقة العادية التناسلية هي تلقيح البويضة بخلية منويّة (الحيوان المنوي)، أمّا الاستنساخ، كما رأينا، فهو نزع نواة البويضة الّتي تحمل السمات الوراثية، ويوضع بدلاً عنها الخليّة المأخوذة من جسم رجل أو امرأة يُراد إستنساخ إمّا ذكر أو أنثى فإذا أردنا ذكراً انتزعنا نواة البويضة وإذا أردنا أنثى انتزعنا نواة الخلية المغروسة. وتلك هي التقنية الطبية الإنجابية بأبسط صورها. إنّ الاستنساخ البشري عملياً فيه أخطار مرضية طبية كثيرة، من أهمها… أنّ الفرد المُستنسَخ تكون عنده نسب التشوهات الخُلقية عالية، ومعدلات كبيرة من الشيخوخة والموت المبكرين، إضافة إلى استخدام أرحام النساء معامل تجارب والاتجّار بهذه الأرحام وفي ذلك خروج عن الأخلاق ومكانة المرأة في المجتمع وضياع وتهديم النسل المُستنسَخ حيث تفقد قدسية الإنجاب بين الزوجين وفقدان هوية الانتماء الأسري عند هذا النسل، وتُعرَض النسوة في السوق التجارية الطبية لأهداف الربح وهذه أكبر كارثة تحل بالأخلاق البشرية.
تأسيس الرائيليين لشركة كلود إيد للأبحاث:
في 9 شباط عام 1997م أسس الرائيليون شركة (فاليانت فينشر ليمتد) لخدمة الاستنساخ. ومن مشاريع هذه الشركة، إتاحة الفرصة للشاذين جنسياً وللأزواج المصابين بالعقم استنساخ أطفال من الحمض النووي لأحد الزوجين أو الشخصين دون ارتباط زوجي. تترأس العالمة الفرنسية بريجيت بواس بواسيليه هذه الشركة وأعلنت عن استنساخ الطفلة (اسمها إيف). وتتخذ شركتها مركزا لها في جزر البهاما كمقر، وهناك من يعاونونها في ميدان أبحاثها الجينية. والشركة ليست تجارية بل لها رسالة علمية وتم تأسيسها وفق الإطار العقائدي الديني العلمي للرائيليين وشرَعَتْ الدكتورة المذكورة في تأسيس شركة جديدة ضمن إطار سري مجهولة الاسم والتوقيع لأسباب أمنية وذلك لمتابعة الاستنساخ.
تتزايد نسبة الأعضاء المنتسبين لهذه الطائفة وتلاقي أصداء واسعة، وتكتسب مزيداً من القوة الاقتصادية والسياسية، ويتوقع أنْ يكون لها نفوذ قوي. لاقى كتاب رائيل “نعم للاستنساخ البشري” رواجاً كبيراً وطُبعَ وتُرجِم لأكثر من 20 لغة وبيع منه أكثر من مليون نسخة في العالم. ومن تطلعات رائيل أن الخطوة التالية هي نقل محتوى الذاكرة والصفات الدالة على الشخصية إلى دماغ المُستَنسَخ حديثاً وبذلك سيتاح للبشر الخلود. إنَّ موقع الرائيلية على الإنترنت نشط جداً ويروج كتباً أخرى منها كتاب الرسالة الّتي استلمها من مخلوقات فضائية، كما ذكرنا. وسعر الكتاب 9.95 دولارويتم إرسالهبا بالبريد الإلكتروني. وقد ظهرت الرائيلية الدكتورة الفرنسية بريجيت بواسيليه أمام وسائل الإعلام وهي ترتدي نجمة داوود( النجمة السداسية)* وميدالية الرائيليين في مؤتمر صحفي عندما أعلنت عن استنساخ الطفلة (ايف- حواء).
ونلاحظ التشابه بين تعبير الرائيليين والاسرائيليين، وأنَّ رموزهما قريبة بل متطابقة مع الاسرائيليين. وهناك علماء يهود يؤيدون استنساخ البشر على نقيض المسلمين والنصارى أمّا أبرز أعضائها فهم: كلود فوريلهون (رائيل) المؤسس، والدكتور بانوس زافوس طبيب قبرصي الأصل وأستاذ حالياً في جامعة كنتاكي الأميركية، د. بريجيت بواسيليه وهي عالمة فرنسية والرئيس التنفيذي لشركة كلونيد التي تغطي الأبحاث الوراثية. وهذه الشركة تمَّ إنشاؤها عام 1997م بعد استنساخ النعجة دولّي. ويزعم الرائيليون أن لديهم قائمة تضم 2000 شخص على استعداد لدفع 200 ألف دولار لاستنساخ أنفسهم. وفي حزيران عام 2001 م اكتشف مفتشون فيدراليون أمريكيون في نيويورك وجود مَخبَر سرّي لمشاريع استنساخ بشر يعود إلى الرائيليين، وتستغل الشركة الفقراء الأفارقة في إجراء تجاربهم. وأكّد رائيل أنَّ طائفة منهم تنشط في الدول الفقيرة مِنْ أفريقيا لتجري تجاربها على الاستنساخ خلسة.
أمّا بشأن الطفلة (إيف) الّتي أعلنت الدكتورة بريجيت عن تصنيعها بالاستنساخ فإنَّ العلماء يشككون بصحّة هذا الخبر، ومن جملتهم رئيس تحرير مجلة “العلم والحياة” ماتيو فيلييه من باريس الّذي قال بأنَّ الخبر لم يتأكد حتّى الآن.، وشدد على أهمية بحث خريطة الأب والأم والطفل الجينية ومقارنتها للتأكّد من هذا الخبر الاستنساخي الجديد وأنّه قد تمَّ فعلا، وأكّد هذا العالم الفرنسي أنّ عمليات الاستنساخ للقردة والإنسان لَمْ تنجح حتّى الآن، داعيا الرائيليين إلى نشر بحثهم بإسهاب علمي حيال ادّعاءاتهم باستنساخ الطفلة حواء))…. انتهى.
قبل عدّة اعوام عقد الرائيليون اجتماعا في احدى فنادق مدينة اسطنبول الفخمة حضره ممثلوهم من جميع انحاء العالم، تمكّن مُراسل إحدى القنوات التلفزيونية التركية من اختراق هذا الاجتماع وتمكّن من تسجيل وقائع الاجتماع والطقوس الّتي مارسها الرائيليون وتمّ عرض الفلم في برنامج تلفزيوني تحت عنوان(DE SHIFRE) اي كشف السر. بعد انتهاء الاجتماع قام مدير الاخبار في القناة وهو في نفس الوقت مُقدِّم البرنامج بأجراء مقابلة تلفزيونية مع ممثل الدين الرائيلي في تركيا.
في المقابلة ادّعى الممثل بأنَّ بنوا البشر خُلقوا من قبل سكّان الفضاء وأدّعى بانَّهم جلبوا معهم الى الارض قبل 25000 سنة علمائهم المتخصصين في علم الجينات وباستخدام هذه العلوم خلقوا البشر على الارض. كما ادعّى الممثل بانَّ سكان الفضاء اجروا عدّة اتصالات في الماضي مع سكان الارض واختاروا موسى وعيسى ومحمّد كانبياء، والادهى من ذلك ادّعى هذا الافّاق بانّ الالوهيم اخذوا محمّدا الى كوكبهم في الاسراء والمعراج بمركباتهم الفضائية( لاحظ أنهم يستخدمون الاحداث الدينية المقتبسة من الدين الاسلامي لاقناع السُذّج).
جوابا على سؤال طرحه مدير الاخبار حول اعتقادهم بوجود الشيطان مِنْ عَدَمِهِ قال ممثل الطائفة: إنَّ الشيطان موجود في عقيدتنا وهو رئيس الحزب الّذي عارض خلق الانسان في اجتماع البرلمان الّذي عقد في الكوكب( اقتباس آخر من القرآن الكريم، امتناع ابليس عن السجود لآدم ).
في البرنامج التلفزيوني تمّ عرض قسم من طقوس إنتساب شاب مُغرر به الى الدين الرائيلي، في بداية الطقوس قام رجل وأمرأة بأداء رقصات مليئة بالتعابير الجنسية، ثمّ قام رئيس الجلسة وسكب قطرات من الماء من قدح على رأس المُرَشَّح( لاحظ انَّ هذا مقتبس من طقوس التعميد المسيحية) ثمّ رفع يديه الى الاعلى وقال: الآن ارسلتُ شيفرتك الجينية الى كوكب الالوهيم وهناك سيتم تسجيله في الحاسبات الالكترونية، وعند قيام الساعة سيموت جميع النّاس وسيقوم علماء الجينات في الكوكب بإعادة خلق منتسبوا الدين الرائيلي فقط باستعمال شيفرتهم الجينية( لاحظ الاقتباس من الاديان السماوية لفكرة يوم القيامة والبعث).
نستنتج مما سبق أنَّ الرائيليين اقتبسوا بعض الافكار والشعائر من الاديان السماوية الثلاث لأنَّ كلّ عقيدة جديدة تُطَّعِم نفسها بافكار ومعتقدات وطقوس سبقتها في الوجود وذلك لتسهيل تقبّل المتحولين من عقيدة سابقة الى المعتقد الجديد، والجدير بالذكِر أنَّ فكرة قدوم سكان الفضاء الخارجي الى ارضنا وردت في كتاب تحت عنوان(عربات الآلهة) نشره الكاتب والباحث في علم الآثار السويسري (اريش فون دنيكن)، كما وردت في كتاب(الّذين هبطوا من السماء) للكاتب (انيس منصور)، ولكنّ كلا الكاتبين لم يدّعيا بانَّ هذه المخلوقات قد خَلقوا جنسا بشريا على الارض وانّما تركوا بعض الآثار الّتي تدل على قدومهم وساعدوا على نشر بعض العلوم بين الحضارات القديمة كالحضارة السومرية والحضارة المصرية القديمة في عهد الفراعنة اضافة الى حضارة المايا والأزتيك في امريكا الجنوبية.
*نجمة داوود
وتسمى أيضا بخاتم سليمان وتسمى بالعبرية (ماجين داويد) بمعنى “درع داوود” وتعتبر من أهم رموز هوية الشعب اليهودي.
هناك الكثير من الجدل حول قِدم هذا الرمز فهناك تيار مقتنع بأنّ اتخاذ هذا الشعار كرمز لليهود يعود إلى زمن النبي داوود، ولكن هناك بعض الأدلّة التأريخية التي تشير إلى أنّ هذا الرمز أُستخدم قَبلَ اليهود كرمز للعلوم الخفيَِّة التي كانت تشمل السِحْر والشعوذة، وهناك أدلَّة أيضا على أنَّ هذا الرمز تمَّ استعماله من قِبَل الهندوس مِنْ ضمن الأشكال الهندسية التي استعملوها للتعبير عن الكون والميتافيزيقيا وكانوا يطلقون على هذه الرموز تسمية ماندالا Mandala وهناك البعض ممَنْ يعتقد أنَّ نجمة داوود أصبحت رمزا للشعب اليهودي في القرون الوسطى، وإنَّ هذا الرمز حديث مقارنة بالشمعدان السُباعي الّذي يُعتبر مِنْ أقدم رموز بني إسرائيل. في عام 1948 م ومع إنشاء دولة إسرائيل تم اختيار نجمة داوود لتكون الشعار الأساسي على العَلَم الإسرائيلي.
20- حوار مع رائيلي:
بعد نشر مقالتي ( ألرائيلية ومحاولة ألتزاوج بين ألدين والعلم ) تلقّيت رسالتين ألكترونيتين مِن مساعد الشرق الاوسط للحركة الرائيلية أنشرها مع ردودي على الرسالتين وذلك لتكملة الموضوع.
ألرسالة ألأولى:
صديقي العزيز كامل علي:
أنا جيليس، رائيلي من فرنسا. السبب في تواصلي معك هو أنّك قد قمت بإنزال كتب رائيل من موقع www.rael.org ولقد كنت أتساءل عن رأيك فيهم؟ سوف أكون مقدّرا لسماع قصّتك و كيف سمعت عن الرائيليين وبالطبع تستطيع التحدث عن الفلسفة الرائيلية إنْ أردت. أنا بطبعي فضولي جدا، يمكنك أنْ تأخذ حريتك في مشاركتي كلّ أفكارك. ربّما تعرف إنّنا حركة عالمية تضم أكثر من 65000 عضو في جميع القارات. و نحن ندعم التطوير العلمي و التكنولوجي و حقوق الإنسان و حرية التعبير و اللاعنف و جميع الأقليات بلا تمييز عرقي أو تمييز من خلال التوجهات العرقية أو الدينية.
في 13 ديسمبر عام 1973 تلقى كلاود فوريلهون Claude Vorilhonالصحفي بإحدى مجلات السيارات أمرا عن طريق التخاطر العقلي بالتوجه إلى مركز بركان قديم في فرنسا حيث تقابل مع أحد الكائنات الفضائية. و لقد أوحى هذا الكائن الفضائي له بأنّه منذ آلاف السنين قد جاء قومه إلى كوكب الأرض حيث خلقوا الحياة عليها عن طريق الهندسة الوراثية للـ دي انْ أيْ DNA . و كانت النتيجة هي خلقنا على شاكلتهم و صورتهم كما هو مذكور في العديد من الكتابات الدينية القديمة. لقد أرسلوا لنا جميع الأنبياء لكل الأديان و من بينهم أكثر الأنبياء أهمية موسى و بوذا و يسوع و محمد.
تلك الكائنات الفضائية تسمى الإلوهيم ELOHIM و هي إسم جمع و معناها في العبرية القديمة ” هؤلاء الذين جاءوا من السماء” و المفرد من كلمة الإلوهيم هو إلوها ELOHA ( الله عند المسلمين و ألوها ALOHA عند أهل هاواي …الخ) و دعنا لا ننسى أنّه قبل كتابة القرآن كان إسم الله هو إللاها ELLAHA و هي كلمة قريبة جدا من إلوها ELOHA.
لقد أعاد الإلوهيم تسمية كلاود فوريلهون Claude Vorilhon إلى رائيل RAEL و حددوا له هدفين هامين:
1- نشر تلك الرسالة عالميا.
2- إنشاء سفارة لهم و يُفضَّل أنْ تكون قريبة من أورشليم أو في دولة قريبة حيث سيعودون مرّة أخرى مع جميع الأنبياء العظام القدماء لملاقاتنا و منحنا معلوماتهم العلمية الهائلة تدريجيا و الّتي تمّ تجميعها على مدار 25000 عام.
كما تستطيع أنْ ترى فإنَّ الحركة الرائيلية لديها مشروعات نبيلة تجاه الإنسانية … حيث نتطلع إلى ذلك اليوم العظيم عندما يتم الترحيب الرسمي بهم في السفارة، لقد أعطونا بالفعل تعاليمهم الفلسفية الّتي نستطيع تنفيذها. تلك التعاليم التي تتوافق مع مبادئ حقوق الإنسان الّتي نعرفها اليوم و منحونا أيضا التوجيه العلمي نحو تقدم الإنسانية، و كثمرة لهذا فإنّهم كليّا بلا روحانية دينية أو ما شابه. إذا أردْتَ المزيد فإنّ كلّ الكتب الّتي تحتوي على الرسالة التي تلقاها رائيل RAEL من خالقينا الإلوهيم ELOHIM مُتاحة بدون مقابل باللغة التي تختارها على موقعنا www.rael.org.
-التصميم الذكي INTELLIGENT DESIGN
-التأمّل الحسي SENSUAL MEDITATION
– نعم لاستنساخ الإنسان YES TO HUMAN CLONING
إذا كان لديك أيّة إستفسارات بعد قراءة تلك الكتب أو إذا أردت أنْ تصبح عضوا في منظمتنا فلا تتردد في التواصل معي مباشرة على بريدي الإلكتروني [email protected]
أتطلع إلى ردّك قريبا ، جيليس GIL – مساعد منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا.
ألرد على ألرسالة ألأولى للرائيلي جيليس:
عزيزي جيليس
تحية عطرة.
اشكرك على رسالتك الرقيقة واودّ انْ ابيّن لك انّي لَمْ استطعْ تحميل الكتب مِن موقعكم سابقا وساحاول مرّة ثانية، ولكنّي جمعت معلومات عن الحركة الرائيلية من مواقعكم ومن الشبكة العنكبوتية وكتبت مقالة بهذا الخصوص نُشرت في المواقع الالكترونية وستجد نسخة من المقالة المنوَّه عنها مُرفقة مع هذه الرسالة ألألكترونية.
أودُّ أنْ أبيّن لك بانّي باحث في الاديان والمعتقدات الانسانية ولقد الّفت كتابا تحت عنوان( ثورة الشّك) ومقالتي حول الرائيلية هي جزء من هذا الكتاب الّذي لم يُنشر بعد ولكنّي نشرت بعض الاجزاء منه في الشبكة العنكبوتية. انا احترم جميع المعتقدات الانسانية والرائيلية بضمنها على انْ لا تستغِل الانسان ماديّا وجنسيا وأنْ لا تكون وسيلة للوصول الى السلطة لأستغلال ألبسطاء مِن ألناس وأنْ تسعى لتحقيق السعادة والحريّة والعدالة ألأجتماعية والمساواة بين البشر.
انا اعتقد حاليا بانّ هناك خالق قادر وفنَان ومهندس مُبدِع لهذا الكون لأنّي أرى أثار هذا ألإبداع في نفسي وفي نظام الكون، ولكنّي اشكُّ بانَّه أرسَلَ أنبياء لهداية البشرية لأنّ الخالق الّذي أؤمن به لايحتاج الى سعاة للبريد كالملائكة او الانبياء او الإلوهيم للاتصال بنا إنْ شاء ذلك.
بأعتقادي إنَّ جميع الاديان والمعتقدات الّتي يؤمن بها البشر حاليا ومن ضمنِها الرائيلية هي من تأليف الإنسان.
وتقبّل تحياتي واحتراماتي.
كامل علي
الرسالة الثانية من السيد جيليس:
عزيزي كامل علي:
لسوء الحظ أنا لا اعرف اللغة العربية ولكن شركائي ترجموا لي رسالتك ومقالتك الّتي نشرتها في الشبكة العنكبوتية والّتي ارسلتها لي، وأود أنْ أشكرك كثيرا لردّك الرقيق ونشرك مقالة حول ألرائيلية.
بالطبع لمعرفة جميع الحقائق عنّا يتوجّب عليك قراءة كتب رائيل ويُفضَّل قراءتها باللغة الانكليزية إنْ أمكن ذلك لأنَّها أفضل ترجمة للكتب الاصلية المكتوبة باللغة الفرنسية.
أتطلّع لقراءة المزيد مِنْ كتاباتك.
جيل مساعد الشرق الاوسط
(( دعنا نبني معا سفارة للترحيب رسميا بخالقينا ألألوهيم ))
ألرد على ألرسالة ألثانية للرائيلي جيليس:
عزيزي جيليس
تحية عطرة.
لقد استطعت من تحميل كتابين من موقعكم وهما: الرسالة – الجزء الاوّل والخلق البديع، وبعد دراستهما ترسخت قناعتي السابقة حول الدين الرائيلي والّتي ذكرتها لكم في الرسالة الاولى، وهو انّ الدين الرائيلي خرافة كخرافات الاديان الابراهيمية والادهى من ذلك أنّها تعتمد على تأويل آيات التوراة وألانجيل لتتلائم مع معتقدكم بانّنا خُلِقنا من قبل ألالوهيم( الكائنات القادمة من الفضاء) وباستخدام الهندسة الوراثية للدي انْ أيْ (DNA).
بخصوص دعوتكم لي للانتماء الى الدين الرائيلي فانا شاكر لكم على هذه الدعوة، ولكن الدين الرائيلي لا يتناسب مع منطقي كبقية الاديان الابراهيمية الّتي اقتبستم منها بعض الافكار وحاولتم تأويلها لتتلائم مع عقيدتكم بأضافة مسحة علميّة على هذه الافكار.
ختاما أود أن أسألك بعض ألأسئلة التي دارت في مخيّلتي:
– لماذا فضّلَ ألإلوهيم انْ يكون موقع السفارة بالقرب من مدينة اورشليم او في دولة قريبة منها؟
– هل هناك علاقة تربطكم بالحركة الماسونية، واذا كانت هذه العلاقة موجودة، فما هو نوع هذه العلاقة؟
– ماهي مصادر تمويلكم المالي؟
مع تمنياتي لكم بالصحة والسعادة
كامل علي
الثامن من شهر تشرين الاول سنة 2009
21- عذاب القبر والملكان مُنكر ونَكير
حضرتُ العديد من مراسيم الدفن لأقاربي وافراد عائلتي واصدقائي خلال سنين حياتي. اثناء مراسيم الدفن كنت الاحظ انّ الشيخ او رجل الدين يقرأ ويتمتم ببعض العبارات ويلقِّن المتوفي بعد سد القبر وانهيال التراب عليه بعبارات واسئلة واجاباتها ويبدأ تلقينه قائلا:
اعلم أنّه بعد قليل سيأتيك ملكان وسيسئلونك بلسان عربي فصيح من ربّك؟ فقل الله سبحانه وتعالى. وما دينك؟ فقل الاسلام. ومن نبيّك؟ فقل محمّد (ص). وما كتابك؟ فقل القرآن. ثمّ يتم الشيخ المراسيم بقراءة سورة ياسين.
حسب المعتقدات الاسلامية فإنّ الميّت اذا كان كافرا او مسلما ولم يطبّق تعاليم القرآن فسيعذّبه الله في القبر بواسطة الملكين مُنكَر ونَكير.
عن ابن عبّاس في خبر الاسراء : أنّ النبي صلى الله عليه وسلم : قال يا جبريل وما ذاك ؟ قال : مُنكر ونَكير يأتيان كلّ إنسان من البشر حين يوضع في قبره وحيدا، فقلت: يا جبريل، صفهما لي، قال: نعم من غير انْ اذكر لك طولهما وعرضهما, ذِكرُ ذلك منهما افظع من ذلك, غير أنّ اصواتهما كالرعد القاصف واعينهما كالبرق الخاطف وانيابهما كالصياصي، لهب النّار في افواههما ومناخرهما ومسامعهما، ويكسحان الأرض باشعارهما ويحفران الأرض باظفارهما، مع كل واحد منهما عمود من حديد، لو اجتمع عليه من في الأرض ماحركوه، يأتيان الإنسان اذا وضِع في قبره وتُرِك وحيدا يسلكان روحه في جسده باذن الله تعالى….. الى آخر الحديث.
وعن النبي (ص): إن العبد الكفّار إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه معهم المسوح حتى يجلسون منه مدّ البصر، ثم يجيء مَلَك الموت حتّى يجلس عند رأسه، فيقول: يا أيّتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط الله وغضبه. قال: فتفرّق في جسده، فتخرج فينقطع معها العروق والعصب كما تُنزَع السفود من الصوف المبلول فيأخذوها. فإذا أخذوها لمْ يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في تلك المسوح فيخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلاّ قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون، فلان بن فلان بأقبح أسمائه الّتي كان يُسمّى بها في الدنيا حتّى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون فلا يُفتح له. ثمّ قرأ رسول الله (لا تُفتَح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتّى يلج الجمل في سُمُّ الخياط) (سورة الأعراف….. الآية 40). قال: فيقول الله عزّ وجل: اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى، وأعيدوه إلى الأرض، فإنّي منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أُخرِجهم تارة أخرى. قال: فتطرح روحه طرحاً، ثم قرأ رسول الله ((ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطّفه الطير أو تهوي به الرياح في مكان سحيق)). قال: فتُعاد روحه في جسده ويأتيه الملكان فيجلسانه ويقولان له: من ربّك؟ فيقول: هاها لا أدري. فيقولان له: وما دينك؟ فيقول: هاها لا أدري. قال: فينادي منادٍ من السماء: افرشوا له من النّار وألبسوه من النّار وافتحوا له باباً إلى النّار. قال: فيأتيه من حرِّها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتّى تختلف عليه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه وقبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بالّذي يسوءك، هذا يومك الّذي كنت توعد. فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر. فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: ربّي لا تقم الساعة، ربّي لا تقم الساعة)). (أورده البخاري ومسلم، رواه الإمام أحمد في مسنده).
ياله من تصوير مرعب لما سيحدث للمُشرِك لا يُدانيه افضل افلام الرعب الّتي انتجتها ستوديهات هوليود حتى يومنا هذا، عندما كنت اقرأ او اسمع هذه الاحاديث في طفولة عقلي كنت ارتجف فرقا من الخوف من هول ما سيحدث بعد الموت.
بعد قراءة هذه الاحاديث يرد على عقل الانسان بعض التساؤلات:
عبارة (ويضيق عليه قبره حتى تختلف عليه أضلاعه ). كيف سيضيق القبر على مَن مات غرقا في البحر او المحيط واصبح طعاما للاسماك وكلاب البحر او مَن مات حرقا واصبح جسمه رمادا؟
ولِمَ لَمْ يلاحظ علماء الآثار اي تكسّر في عظام مومياءات الفراعنة؟ هل كانوا من عباد الله الصالحين؟
عبارة (مع كل واحد منهما عمود من حديد، لو اجتمع عليه من في الأرض ماحرّكوه). ما هذه المبالغة في تصوير ثقل العمود الحديدي، وكم يكون حجم عمود بهذا الوزن؟ وكيف سيُدخِل المَلَكان العمودين في القبر الّذي لا يتجاوز مساحته متران مربّعان؟ وهل سيستخدم الملكان مُنكر ونَكير هذين العمودين كأداة لتعذيب الميّت؟ ياللهول.
نفهم من الحديث انّ روح الانسان الكافر يُقلََع من جسده من قِبَل مَلَك الموت في القبر قلعا ( فتخرج فينقطع معها العروق والعصب كما تُنزَع السفود من الصوف المبلول). وحسب الحديث فانّ الروح لا تفارق الجسد بعد الموت مباشرة ولكن عملية المفارقة تحدث في القبر، ولكنّ هذا الادّعاء يناقض العلم لانّ العلم اثبت انّ الانسان الّذي يموت يتحوّل الى جثّة هامدة لا حياة فيها. فمن المعروف جيداً وعند كافة الأديان والعقائد أنّ روح الميت تفارقه عند وفاته. فالروح تخرج من جسد الميّت بعد موته ، لكننا نفهم من هذا الحديث وغيره من الاحاديث أنّ الروح يُخرَج من قبل ملك الموت من الجسد في القبر ثمّ يُعاد إلى الجسد بعد رحلة الى السماء، وتبقى في الجسد حتّى قيام الساعة وخلال فترة الانتظار هذه والّتي تسمّى بالبرزخ يتم تعذيب الكافر بانواع العذاب كما يتم توفير وسائل الراحة للمؤمن كتوسيع قبره وفتح نافذة لقبره على مناظر الجنّة مع توفير مساحات خضراء في القبر ومنع الهوام والحشرات من الاقتراب من جسد الميّت.
ما الحاجة الى هذا السيناريو الطويل والعريض لعملية الموت وخروج الروح ثمّ عودته وعذابات القبر والانتظار الطويل في القبر الى قيام الساعة وحشد الممثلين من مَلَك الموت والمَلَكان مُنكر ونَكير والرجل قبيح الوجه، وقبيح الثياب منتن الريح ؟ وهل يحتاج الله القادر على كلّ شيء الّذي يقول للشيء كن فيكون الى حشد هذا الجمع من الممثلين لاخراج هذاالفلم المرعب عن الموت وعذاب القبر؟
ياله من خيال خصب لمؤلف هذا السيناريو نبيّا كان او مؤلّفا لاحاديثه.
انّ الإيمان بعذاب القبر من اساسيات الإسلام، فلا يُقبَل إسلام أي إنسان لا يؤمن بعذاب القبر، يقول حجّة الإسلام الامام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين ما يلي: ( واعلَم أنَّ كلّ مَن أنكرَ عذاب القبر فهو مُبتدِع محجوب عن نور الله تعالى، وعن نور القرآن وعن نور الإيمان. بل الصحيح عند ذوي الأبصار ما صحّت به الأخبار: وهو أنّ القبر إما حفرة من حُفَر النّار، أو روضة من رياض الجنة، وأنّه قد يُفتَح إلى قبر المُعذُّب سبعون باباً من الجحيم، كما وردت به الأخبار، فلا تفارقه روحه إلّا وقد نزل به البلاء إنْ كان شقيا بسوء الخاتمة ).
حسب صيغة التلقين على الميّت من قِبل رجل الدين بعد الدفن فانّ الملكان مُنكر ونَكير يسألان الميّت الاسئلة الامتحانية بلسان عربي فصيح، والتساؤل هنا:
كيف سيجاوب الفرنسي او الكردي او ايّ انسان آخر على هذه الاسئلة اذا كان يجهل اللغة العربية؟ هل هناك مَلَك ضليع بكلّ لغات العالم يقوم بترجمة الاسئلة الامتحانية أَمْ ماذا؟
أَمْ أنَّ الحكاية كلّها تأليف في تأليف.
لمعرفة مصدر فكرة عذاب القبر اليكم هذا الحديث:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَتَا لي إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ في قُبُورِهِمْ ، فَكَذَّبْتُهُمَا، وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا ، فَخَرَجَتَا وَدَخَلَت عَلَىَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ وَذَكَرْتُ لَهُ ما قالتا، فَقَالَ « صَدَقَتَا ، إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا » . فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ في صَلاَةٍ إِلاَّ تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
نفهم من هذا الحديث إنْ كان صحيحا أنّ محمّدا بعد أنْ عَلِم أنّ اليهود يؤمنون بعذاب القبر بعد سماعه من عائشة قول العجوزين من عُجُز اليهود بدأ بالتعوّذ من عذاب القبر في كلّ صلاة بعد ذلك اليوم، ثمّ بدأ يستخدم خياله الخصب لتصوير عذاب القبر واهواله بحشر الملكين مُنكر ونَكير وملك الموت والرجل القبيح الّذي يمثّل دور العمل الخبيث للميّت في السيناريو.
22- الملائكة كتبة الاعمال:
في نهاية الصلاة يقوم المُصلّي المُسلِم بتوجيه رأسه نحو كتفه الايمن ثمّ الايسر لإعتقاده بوجود مَلَك في كتفه الايمن يُسجّل اعماله الخيّرة ومَلَك في كتفه الايسر يُسجّل اعماله الشريرة وقد لايدرك بعض المصلّين السبب من قيامه بهذه العملية ويجريها لانّه وجد آباءه وأجداده يقومون بها.
الغاية مِن هذا الاجراء هي تلقين المُسلِم والايحاء إليه وتذكيره بوجود شُرطيّان في كتفيه يُراقبان كلّ صغيرة وكبيرة وكلّ شاردة وواردة من اعماله ويقومان بتسجيلها، وفي يوم الحساب بعد قيام الساعة تُوزَن هذه الاعمال بميزان الكتروني دقيق فمن يعمل مثقال حبّة خردل خيرا يره ومن يعمل مثقال حبّة خردل شرّا يره، وحسب ما ورد في القرآن فإنّ كلّ انسان سيحمل كتاب اعماله بيده، فمن سيحمل كتابه بيمينه فهو في عيشة راضية وسيذهب الى الجنّة وسيعيش في نعيم الى ابد الابدين ومن سيحمل كتابه بيساره فامّه هاوية وسيذهب الى الجحيم وبئس المصير.
التساؤل حول مُجمَل العملية هو: هل الله القادر على كلّ شيء وهو العليم الخبير الّذي لا يَخفى عليه شيء في السماوات والارض بحاجة الى موظفين من الملائكة لتسجيل وتوثيق اعمالنا؟ المنطق يقول كلّا لانّ استعانة الله بالملائكة يدلّ على محدودية قدرته وعلمه وهذا ينطبق على ادعاء محمّد في القرآن بانّ الملائكة حاربوا كفّار قريش جنبا الى جنب مع المسلمين في معركة بدر الكبرى الّتي كانت خسائر قريش فيها سبعون قتيلا فقط، اليس هذا دليل على ضعف قابلية الملائكة في القتال؟
المنطق يقول بانّ الملائكة المسوّمين المدعومين بقدرة الله قادرون على ابادة جمع الكفّار عن بَكرة ابيهم فلِمَ لَمْ يفعلوا؟
في عصرنا اخترع الانسان الحاسبة الالكترونية وبواسطته يتمكّن المستعمل من تسجيل ملايين المعلومات والكلمات في ذاكرة الحاسبة الالكترونيّة او في حافظة قرص مُدمَج صغير او حافظة الكترونية تستطيع من حملها في جيب البنطال او تربطها مع سلسلة مفاتيحك.
لتسجيل اعمال انسان يعيش لسبعين او ثمانين من السنين يحتاج الملائكة الى عشرات بل مئات من المجلدات وتجنيد الله لمليارات من الملائكة كتبة الاعمال لتنفيذ هذه العملية منذ ظهور الانسان على الكرة الارضيّة قبل مليون سنة، لذا فمن الافضل للملائكة استعمال الحاسبة الالكترونية لتسجيل اعمالنا الخيّرة والشريرة على اقراص الكترونية مُدمَجة ويُمكن انْ يقوم بهذا الواجب مَلَك واحد لكل انسان وباستعمال حاسبة واحدة فقط وبهذا نقتصد في عدد كادر الملائكة وفي الاموال المصروفة على شراء الحاسبات الالكترونية الى النصف وفي الطاقة المصروفة اثناء السلام على الكتف الايمن والايسر في الصلاة.
23- السِحِر والملكان هاروت وماروت:
ذُكِرَ السِحِر في القرآن في الآية 102 من سورة البقرة (( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )).
ورد في تفسير الجلالين حول تفسير الاية ((وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ…)) مايلي:
( وَاتَّبَعُوا” عُطِفَ عَلَى نَبَذَ “مَا تَتْلُو” أَيْ تَلَتْ “الشَّيَاطِين عَلَى” عَهْد “مُلْك سُلَيْمَان” مِنْ السِّحْر وَكَانَتْ دَفَنَتْهُ تَحْت كُرْسِيّه لَمَّا نُزِعَ مُلْكه أَوْ كَانَتْ تَسْتَرِق السَّمْع وَتَضُمّ إلَيْهِ أَكَاذِيب وَتُلْقِيه إلَى الْكَهَنَة فَيُدَوِّنُونَهُ وَفَشَا ذَلِكَ وَشَاعَ أَنَّ الْجِنّ تَعْلَم الْغَيْب فَجَمَعَ سُلَيْمَان الْكُتُب وَدَفَنَهَا فَلَمَا مَاتَ دَلَّتْ الشَّيَاطِين عَلَيْهَا النَّاس فَاسْتَخْرَجُوهَا فَوَجَدُوا فِيهَا السِّحْر فَقَالُوا إنَّمَا مَلَكَكُمْ بِهَذَا فَتَعْلَمُوهُ فَرَفَضُوا كُتُب أَنْبِيَائِهِمْ قَالَ تَعَالَى تَبْرِئَة لِسُلَيْمَان وَرَدًّا عَلَى الْيَهُود فِي قَوْلهمْ اُنْظُرُوا إلَى مُحَمَّد يَذْكُر سُلَيْمَان فِي الْأَنْبِيَاء وَمَا كَانَ إلَّا سَاحِرًا : “وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان” أَيْ لَمْ يَعْمَل السِّحْر لِأَنَّهُ كَفَرَ “وَلَكِنَّ” بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف “الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر” الْجُمْلَة حَال مِنْ ضَمِير كَفَرُوا )…..انتهى.
وفي تفسير الآية 4 من سورة الفلق يذكُر المُفسِّر ابن كثير ما يلي:
( وَقَوْله تَعَالَى ” وَمِنْ شَرّ النَّفَّاثَات فِي الْعُقَد ” قَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك : يَعْنِي السَّوَاحِر قَالَ مُجَاهِد إِذَا رَقَيْنَ وَنَفَثْنَ فِي الْعُقَد . وَقَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنَا اِبْن عَبْد الْأَعْلَى حَدَّثَنَا اِبْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر عَنْ اِبْن طَاوُس عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا مِنْ شَيْء أَقْرَب إِلَى الشِّرْك مِنْ رُقْيَة الْحَيَّة وَالْمَجَانِين . وَفِي الْحَدِيث الْآخَر أَنَّ جِبْرِيل جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اِشْتَكَيْت يَا مُحَمَّد ؟ فَقَالَ ” نَعَمْ ” فَقَالَ بِسْمِ اللَّه أَرْقِيك مِنْ كُلّ دَاء يُؤْذِيك وَمِنْ شَرّ كُلّ حَاسِد وَعَيْن اللَّه يَشْفِيك وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ مِنْ شَكْوَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين سُحِرَ ثُمَّ عَافَاهُ اللَّه تَعَالَى وَشَفَاهُ وَرَدَّ كَيْد السَّحَرَة الْحُسَّاد مِنْ الْيَهُود فِي رُءُوسهمْ وَجَعَلَ تَدْمِيرهمْ فِي تَدْبِيرهمْ وَفَضَحَهُمْ وَلَكِنْ مَعَ هَذَا لَمْ يُعَاتِبهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا مِنْ الدَّهْر بَلْ كَفَى اللَّه وَشَفَى وَعَافَى . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَة حَدَّثَنَا الْأَعْمَش عَنْ يَزِيد بْن حِبَّان عَنْ زَيْد بْن أَرْقَم قَالَ سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُود فَاشْتَكَى لِذَلِكَ أَيَّامًا قَالَ فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُود سَحَرَك وَعَقَدَ لَك عُقَدًا فِي بِئْر كَذَا وَكَذَا فَأَرْسِلْ إِلَيْهَا مَنْ يَجِيء بِهَا فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَخْرَجَهَا فَجَاءَهُ بِهَا فَحَلَّلَهَا قَالَ فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَال فَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلْيَهُودِيِّ وَلَا رَآهُ فِي وَجْهه حَتَّى مَاتَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ هَنَّاد عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بْن حَازِم الضَّرِير . وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِي كِتَاب الطِّبّ مِنْ صَحِيحه : حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد قَالَ سَمِعْت سُفْيَان بْن عُيَيْنَة يَقُول أَوَّل مَنْ حَدَّثَنَا بِهِ اِبْن جُرَيْج يَقُول حَدَّثَنِي آلُ عُرْوَة عَنْ عُرْوَة فَسَأَلْت هِشَامًا عَنْهُ فَحَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاء وَلَا يَأْتِيهِنَّ قَالَ سُفْيَان وَهَذَا أَشَدّ مَا يَكُون مِنْ السِّحْر إِذَا كَانَ كَذَا فَقَالَ ” يَا عَائِشَة أَعَلِمْت أَنَّ اللَّه قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اِسْتَفْتَيْته فِيهِ ؟ أَتَانِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدهمَا عِنْد رَأْسِي وَالْآخَر عِنْد رِجْلِي فَقَالَ الَّذِي عِنْد رَأْسِي لِلْآخَرِ مَا بَال الرَّجُل ؟ قَالَ مَطْبُوب . قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ ؟ قَالَ لَبِيد بْن أَعْصَم رَجُل مِنْ بَنِي زُرَيْق حَلِيف الْيَهُود كَانَ مُنَافِقًا وَقَالَ وَفِيمَ ؟ قَالَ فِي مُشْط وَمُشَاطَة . وَقَالَ وَأَيْنَ ؟ قَالَ فِي جُفّ طَلْعَة ذَكَر تَحْت رَاعُوفَة فِي بِئْر ذَرْوَان ” قَالَتْ فَأَتَى الْبِئْر حَتَّى اِسْتَخْرَجَهُ فَقَالَ” هَذِهِ الْبِئْر الَّتِي أُرِيتهَا وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَة الْحِنَّاء وَكَأَنَّ نَخْلهَا رُءُوس الشَّيَاطِين ” قَالَ فَاسْتُخْرِجَ فَقُلْت أَفَلَا تَنَشَّرْتَ ؟ فَقَالَ ” أَمَّا اللَّه فَقَدْ شَفَانِي وَأَكْرَه أَنْ أُثِير عَلَى أَحَد مِنْ النَّاس شَرًّا “.
قصص الحضارة الانسانية مليئة بحكايات السِحِر والسَحرة والكُهّان والانبياء، وهؤلاء كان لهم سلطان كبير على النّاس في طفولة العقل البشري وكان تأثير الساحر على افراد القبيلة كبيرا ويأتي في المرتبة الثانية بعد رئيس القبيلة واحيانا في المرتبة الاولى في التأثير.
(( عندما تصوّرَ البشر أنّ القوى الخارقة للطبيعة لها أثرها في حياة الإنسان عند كلّ منعطف في الطريق، أصبحت قوة رجال الدين مساوية لقوة الدولة؛ واصبح الكاهن أو القسيس او النّبي منذ أقدم العصور إلى أحدثها ينافس الجندي المقاتل في سيادة الناس والإمساك بزمامهم، حتى لقد راح الفريقان يتناوبان ذلك، وحسبنا في التمثيل لذلك أنْ نسوق مصر، ودولة اليهود وأوروبا في العصور الوسطى أمثلة. إنّ الكاهن او القسيس او النّبي لم يخلق الدين خلقاً، لكنّه أستخدمه لأغراضه فقط، كما يستخدم السياسي ما للإنسان من دوافع فطرية وعادات؛ فلم تنشأ العقيدة الدينية عن تلفيقات أو ألاعيب كهنوتية، إنّما نشأت عن فطرة الإنسان بما فيها من تساؤل لا ينقطع وخوف من الموت وقلق وأمل وشعور بالعُزلة؛ نعم إنّ الكاهن او القسيس او النّبي قد أضرّ الناس بإبقائه على الخرافة وباحتكاره لضروب معينة من المعرفة، لكنه مع ذلك عمل على حصر الخرافة في نطاق ضيق، وكثيراً ما كان يحمل الناس على إهمال شأنها، وهو الّذي لقّن النّاس بداية التعليم والتهذيب، وكان بمثابة المستودع وأداة التوصيل بالنسبة للتراث الثقافي الإنساني المتزايد؛ وكان عزاء للضعيف في استغلال القوي له استغلالاً لم يكن منه محيص؛ كما أصبح الفعل الفعّال الّذي أعان الدين على تغذية الفنون، وتدعيم بناء الأخلاق الإنسانية المترنّح وبدعم من القوى العليا؛ فلو لم يجد الناس بينهم كاهناً او قسيسا او نبيّا لخلقوه لأنفسهم خلقاً )).
السِحِر نوعان: سحر ابيض وسِحِر اسود، فألأول يُستعمَل للاعمال الخيّرة والثاني يُستعمل للاعمال الشريرة ويُسمّى ايضا بالشعوذة ويُمارَس باستخدام الارواح الشريرة.
السحرَة استغلّوا قدراتهم عبر تاريخ البشرية في تحقيق المكاسب الماديّة والجنسية كما استغلّوها لتوسيع سلطانهم.
في العصر الحديث ظهر العديد من السحرة كالساحر الامريكي الجنسية دافيد كوبرفيلد الّذي ابهرَ النّاس بالعابه السحرية وهو خبير في فن الوهم، ومن اعماله السحرية اخفاء تمثال الحريّة والعبور من خلال سور الصين وفي احدى عروضه طار في الهواء متحديا قانون الجاذبية الارضية وقد علّق احد المشاهدين محاولا تفسير الحدث قائلا: انّه مربوط الى الاعلى بسلك غير مرئي، فاجابه احد اصدقائه الخبثاء ساخرا: لو كان حقّا قادرا على الطيران لأعلن نبوّته.
دماغ الانسان ولا شعوره يمتلك قدرات خارقة يحاول علماء النفس اماطة اللثام عن اسرارها، فبعض الافراد يمتلكون موهبة التنويم المغناطيسي وقراءة الافكار وهناك فئة من المسلمين من اصحاب الطرق والدراويش يقومون بادخال الشيش والسيوف في اجسادهم ويمشون على جمرات النّار ويعتبرون هذه الاعمال معجزات دينية ويدّعون بأنّهم يمارسونها لهداية النّاس ومنهم في العراق الطريقة الرُفاعيّة ألّذين يدّعون أنَّهم من نسل محمّد ويُسمّون أنفُسَهم بالسادة.
إنّ مماراسات هذه الفئة من الدراويش نوع من انواع التنويم المغناطيسي حيث يصل الدرويش الى حالة التخشّب الجسمي بتأثير الذكر واصوات النقّارات والدفوف وهذه الحالة هي اعلى درجات التنويم المغناطيسي ولا علاقة لها بالدين الاسلامي بدليل أنّ فقراء الهندوس والبوذيين يتمكنون من ممارستها.
(( انّ العقل الباطن والظاهر متعاكسان في الطبيعة او هما بعبارة اخرى على طرفي نقيض. فاذا اشتدّت فعالية احدهما، خفّت فعالية الاخرى. ولعل هذا السبب الّذي جعل خوارق العقل الباطن تظهر باوضح صورها في التنويم المغناطيسي. فالنائم نوما مغناطيسيا يكون عقله الظاهر مخدّرا ولذا فهو لا يعي الّا ما يأمر به المنوِّم. إنّ مخّه عند ذاك يصبح صفحة بيضاء ويكون مستعدّا لاستقبال ذبذبات معيّنة من الخارج )).
لقد حرّم الدين الاسلامي السِحِر والشعوذة واعتبر الساحر ومن يأتيه كافرا، امّا المعتقدات السابقة للاديان التوحيدية فكانت تؤمن بتأثير السِحِر على الطبيعة وما وراء الطبيعة وخاصة في المعتقدات الزرداشتيّة. إنّ الوسيلة الوحيدة لتحقيق السِحِر في المعتقدات الدينية هي التعويذة وهي عبارة عن كتابات او كلمات مخلوطة بمواد غريبة او خاصة يقوم رجل الدين بتحضيرها في جو من الغموض والطقوس الخاصّة ويكون الهدف من التعويذة التأثير على المستقبل او السيطرة على احد الاشخاص ويزعم الساحر بانّه يستخدم قوى إلاهية في تحضير التعويذة.
إنّ السِحِر يعشعش في المجتمعات الجاهلة وقدماء السحرة والكُهاّن كانوا يتكتمون على معرفتهم لبعض العلوم الكيميائية والفيزيائية ويستخدمونها للقيام ببعض الاعمال السحرية والّتي تبدوا خارقة للقوانين الطبيعية بنظر الجهلاء.
السؤال الّذي يطرح نفسه حول موضوع السِحِر هو:
لماذا خلق الله السِحِر وارسلَ الملكان هاروت وماروت الى بابل لتعليم النّاس السِحِر وحسب ما ورد في الآية 102 من سورة البقرة ؟ وما الحكمة من ذلك؟
حسب الآية 102 من سورة البقرة فانّ الغرض من إرسال الملكان هاروت وماروت لتعليم النّاس السحر هو فتنة النّاس، وهنا يتبادر الى العقل سؤال: الا يكفي إغواء إبليس للبشر حتّى يُرسل الله الملكان الخبيران في السِحِر لفتنتهم؟
باعتقادي أنّ الله لا دخل له في الامر والحكاية عبارة عن محاولة لتفسير بعض الظواهر الّتي لَمْ يتمكّن الانسان من تفسيرها في فترة طفولة العقل البشري وأنّ العلم الحديث سيتمكن من اماطة اللثام عن هذه الاسرار الّتي تحيط بالقدرات الخارقة لدماغ الانسان.
24- لماذا لَمْ يختر اللّه أنبياء ورُسُلا مِن النساء؟:
لماذا لَمْ يختر اللّه أنبياء ورُسُلا مِن النساء؟ وهل عقلُ المرأة اقلّ كفاءة من الرجل؟ سؤالان يلحّان على عقل الانسان والاجوبة تأتي متناقضة حسب المعتقدات المختلفة للانسان.
المؤمنون بالاديان السماوية ( اليهودية والمسيحية والاسلام) يعتقدون بأنّ عقل المرأة اقلّ كفاءة من عقل الرجل. السبب الرئيسي لهذا الاعتقاد هو التشريعات الّتي جاءت بها هذه الاديان. فالدين اليهودي استند على خرافة خلق اوّل أمرأة (حوّاء) من ضلع اول رجل (آدم)، لذا فالجزء يكون اقلّ شأنا من الكل، والمسلمون تبنّوا هذه الخرافة في عقيدتهم.
انّ التشريعات الّتي جاءت في القرآن حول حقوق المرأة وواجباتها ثبّتت في لاوعي المسلمين الاعتقاد بانّ عقل المرأة اقلّ كفاءة من عقل الرجل، وأرسخت الاحاديث المنقولة عن محمّد هذا الاعتقاد واليكم بعض هذه التشريعات والاحاديث:
– للذكر مثل حظ الانثيين ( تشريع الميراث)…. حسب القرآن.
– شهادة امرأتان تعادل شهادة رجل واحد ( تشريع الشهادة في القضاء)…. حسب القرآن.
– الرجال قوّامون على النساء اي لهم السيطرة وحق القيادة في البيت والمجتمع…. حسب القرآن.
– النساء ناقصات عقل ودين…. حديث نبوي.
– معظم اهل النّار من النساء…. حديث نبوي يصف محمّد فيه مشاهداته اثناء الاسراء والمعراج.
– اذا جاءكم غائط او لامستم النساء فتيمموا صعيدا طيبا( اي انّ النساء والغائط في كفّة واحدة)…. حسب القرآن
نكتفي بهذا القدر لأنّ القائمة تطول.
يقول المدافعون عن تشريع الشهادة في المحكمة بأنّ المرأة عاطفية اكثر من الرجل لهذا تكون شهادتها متأثرة بعاطفتها لكنّ البحوث النفسية اثبتت بأنّ العقل العاطفي ارجح في الاحكام من العقل الغير العاطفي.
امّا المدافعون عن قوّامة الرجال وكون حقّه في الميراث ضعف حق المرأة فأنهم يقولون بأنّ الرجل هو الّذي كان يعمل من اجل توفير القوت للعائلة في المجتمع الجاهلي والمرأة لا تعمل، ولكن ما بال المجتمعات الحديثة في القرن الواحد والعشرين؟ الا تعمل المرأة اليوم جنبا الى جنب مع الرجل في جميع المجالات؟ ايتوجب علينا حجر النساء في البيوت حتّى نبرر صحّة هذا التشريع ونثبت بأنّه منزّل من الله؟ الا يدلّ هذا التشريع انّ القرآن تشريع خرج من رحم مجتمع صحراوي ذكوري وملائم لذلك المجتمع فقط، ولا يمكن تطبيق معظم تشريعاته في عصرنا هذا وفي العصور المقبلة.
ربّ متسائل سيتسائل، لِمَ معظم الانبياء والقادة والعباقرة والفلاسفة والشعراء عبر التاريخ كانوا من الرجال؟
موجِد علم التحليل النفسي سيجموند فرويد له رأي في هذا الموضوع، يقول فرويد: انّ السبب في كون معظمهم من الرجال هو الحسد، انّ الرجل في لاوعيه حسد المرأة لانها تنجب الاطفال وبعبارة اخرى تخلق انسانا في رحمها وتنمّيه لتسع اشهر في رحمها، امّا دور الرجل في عملية الخلق هذه فيقتصر على وضع النطفة الّتي لا تستغرق سوى دقائق معدودات، لهذا لجأ الرجال عبر تاريخ الانسانية الى سد الشعور بالنقص هذا ومقارعة قدرة النساء على الخَلق بخَلق الافكار والفنون والفلسفة والادب وايجاد التشريعات الدينية والادعّاء بالنبوّة.
إنَّ الرجل عبر التاريخ لتميّزه بالقوة البدنية على المرأة استطاع أنْ يفرض سيطرته على ألمرأة ويهمّشها في المجتمع وزاد هذا التهميش بعد ايحاء الاديان بأنّ المرأة اقلُّ شأنا من الرجل ويجب أنْ تكون تابعة له.
ولكنّ القول بأنّ المرأة لَمْ تؤثّر في سير المجتمعات الإنسانية قول لا يُجانب الحقيقة، فالمرأة كانت لها حضور في تاريخ الحضارة الانسانية، فالعديد من الآلهة للحضارات القديمة كانت من الجنس الانثوي كعشتار وايزيس وافروديت وفينوس كما ظهرت نساء ملكات كبلقيس ونساء اثّرن في التشريعات الدينية كقُرَّة العين الّتي حازت على اعجاب معاصريها من رجال الدين الاسلامي في ايران والعراق وبزّت في طروحاتها ومناقشاتها علماء الدين في عصرها، كما استطاعت المرأة انْ تؤثّر على مجريات التاريخ كزوجة في بلاط الملوك والسلاطين والاباطرة وكنَّ في بعض الحالات يحكُمن من وراء الستار، وليس من نافلة القول ماقاله احد الحكماء بأنّ وراء كلّ عظيم أمرأة، ولو انّ هذا القول فيه اجحاف بحق المرأة لأنّه يضعها خلف الرجل ومكانها الطبيعي بجنبه ولكنّه يدلّ على ذكاء المرأة وتأثير هذا الذكاء وفعالية تأثيره على انجازات الرجل العظيم .
انّ المرأة المثقفة الواعية هي اساس ولبنة تغيير المجتمع نحو الافضل ومن اسباب تخلّف مجتمعاتنا الشرقية والاسلامية جعل المرأة اقل اعتبارا من الرجل وانّ التشريعات الاسلامية هي من اهم اسباب تخلّف مجتمعاتنا بسب نظرته الدونية للمرأة.
اعتقد انّ سبب اعتبار المرأة في الاسلام اقلّ شأنا من الرجل هو انّ المشرّع كان يعيش في مجتمع يسيطر عليه الرجال، فلو افترضنا انّ محمّدا صار نبيّا في القرن الواحد والعشرين لجعل حق المرأة في الميراث مساويا للرجل ولجعل شهادتها مساوية للرجل في المحكمة ولَمْ يكن يدعّي بانّ اكثر اهل النّار من النساء.
إنّ وعود القرآن للنساء في الجنّة ليست مُتكافئة مع وعوده للرجال، فالرجال يوعدون بحوريات كواعب اترابا يستطيعون ممارسة الجنس معهنّ انّى يشاؤون، اما النساء فلا يوعدن بشروى نقير.
يقول أبن كثير في تفسير (( وكواعب أترابا )) مايلي: أَيْ وَحُورًا كَوَاعِب قَالَ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَغَيْر وَاحِد ” كَوَاعِب ” أَيْ نَوَاهِد يَعْنُونَ أَنَّ ثَدْيهنَّ نَوَاهِد لَمْ يَتَدَلَّيْنَ لِأَنَّهُنَّ أَبْكَار عُرْب أَتْرَاب أَيْ فِي سِنّ وَاحِد كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة الْوَاقِعَة.
بعد هجرة المسلمين من مكّة الى المدينة المنوّرة امتدح القرآن تضحيات المؤمنين الّذين هاجروا وتركوا اموالهم وديارهم ولَمْ يذكر المؤمنات اللواتي هاجرن فأعترضت احدى النساء المؤمنات على هذا الغبن الّذي اصاب النساء عند محمّد وتمّ تصحيح الوضع بآية اخرى نزلت بعد ذلك. يذكر الشيخ جلال الدين السيوطي في كتابه (لباب النقول في اسباب النزول) مايلي:
أخرج عبدألرزاق وسعيد بن منصور والترمذي والحاكم وأبن أبي حاتم عن أم سلمة أنّها قالت: يارسول ألله لا أسمع ألله ذكر ألنساء في ألهجرة بشيء فأنزل الله (( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ )) سورة آل عمران ألآية 195.
إذا كانت هذه الرواية غير ملفقّة فإنّ أم سَلمَة تُعتبر أوّل أمرأة تدافع عن حقوق بني جنسها في تاريخ ألإسلام.
وأخيرا فأنّ نظام تعدد الزوجات ونظام الجواري والسبايا وماملكت ايمانكم فيه اجحاف شنيع بحقوق المرأة ودعوة مفضوحة الى العبودية.
25- هل هناك حاجة لتنقيح وتجديد الأديان الإبراهيمية؟ :
لنفترض أنّ الاديان السماوية هي مؤلّفات بشرية وأنّ الله لَمْ يُرسِل الانبياء لهداية الانسانية وانّ الاديان السابقة كالدين اليهودي هي من بنات افكار ابراهيم وموسى وانّ الاديان الابراهيمية اللاحقة كالدين المسيحي والدين الاسلامي اقتبست تعاليم الدين اليهودي واضافت تعاليم جديدة عليه كما عدّلت وحوّرت بعضها بما يتناسب مع تطوّر العقل الانساني واكتشاف بعض قوانين وسنن الطبيعة وبما يتناسب مع خواص المجتمعات الّتي ظهرت فيها زمانيا ومكانيا، ففي هذه الحالة يمكن القول أنّ محمدا قد ارتكب خطأ جسيما بحق الانسانية بقوله بأنّه خاتم الانبياء والرسل وذلك لانّه اغلق باب السماء وبالتالي باب تطوّر التعاليم الدينية والّتي يتوجب مواكبتها لتطوّر العقل الانساني.
وهنا يتبادر الى الذهن تساؤل مُلِح:
عمر الانسان في الارض حسب المكتشفات العلمية المستندة على فحص الكربون حوالي مليون سنة، فهل ارسل الله انبياء ورسلا لهداية الانسان البدائي الّذي عاش في عصور ماقبل التاريخ؟
ولماذا لا يُرسل نبيّا او رسولا لإنسان القرن العشرين او الواحد والعشرين ليتيقّن انسان العصر الحديث من حقيقة ارساله للانبياء والرسل؟
لكننا نقرأ في التراث الديني نقيض ذلك، فحسب القصص الدينية فانّ الله ارسل اربع انبياء في فترة قصيرة من عمر الانسان على الارض لا يتجاوز في احسن الاحوال عدّة مئات من السنين، هم ابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف ولهداية شعب لايتجاوز عددهم الآلاف وعاشوا في البراري.
من المنطقي انْ يتم توزيع ظهور الانبياء على طول عمر الانسان البالغ مليون سنة وما سيلي عصرنا من عصور قادمة.
لو ارسل الله وحيا في عصرنا هذا وبجميع لغات العالم وتمَّ تسجيل تشريعاته الموحّدة في الحاسبات الالكترونية مع شفرة تمنع تحريفه لكفانا الله شر الإختلاف ووقانا من هذه الحروب المستعرة بسبب اختلاف الاديان والمذاهب بين المجموعات الانسانية بما تخلّفه من هدم البنيان والاضرار بالنبات والحيوان والانسان.
الا يستطيع الله القادر على كلّ شيء انْ يفعل ذلك؟ أمْ أنّه خلقنا وخلق الكون بقوانينه وتركنا ولا يُريد انْ يتدخل في حياتنا أكثر من مافعل خلال 6000 سنة ألّذي هو عمر الانسان حسب التراث الديني؟ وهذا الإدّعاء مُناقض لما اثبته العلم.
احيانا يخطر في بالي بأنَّ حياة البشر على الارض اشبه بمسرحيّة درامية مؤلّفها ومخرجها هو الله، وأنّه اعطى لكلّ انسان دورا في هذه المسرحية لا يستطيع انْ يحيد عنه قيد أُنمُلة، فاذا كانت هذه الفرضية صحيحة فلِمَ سيحاسبني على دوري في مسرحية هو مؤلّفها ومخرجها؟ انا اديّتُ دوري حسب النّص المكتوب وباستخدام المواهب والعقل الّذي وهبه لي.
إنّ الانبياء والرسل هم مصلحون ادّوا للانسانية خدمات جليلة وساهموا في تطوير التشريعات الّتي تنظّم العلاقات بين النّاس في المجتمعات الانسانية الّتي ظهروا فيها بالرغم من انّ بعض هذه التشريعات سببت وتسبب وستسبب في نشوب الصراعات والحروب بين منتسبي الاديان المختلفة وبعض هذه التشريعات فيها جوانب سلبية سببت تخلّف الانسانية عن ركب الحضارة.
إن فكرة الثواب والعقاب في يوم القيامة ساهمت وتساهم وستساهم في بعض الحالات في ردع شريحة من النّاس وخاصة الجهلاء منهم من ارتكاب الجرائم والتجاوز على حقوق الآخرين، لكنّ بعض تعاليم الاديان السماوية لا تواكب تطوّر العقل الانساني وتطوّر المجتمعات الانسانية وحضارته، لذا يثار سؤال ملح وهو:
هل هناك حاجة لتنقيح وتجديد الاديان الابراهيمية بما يتلائم مع متطلبات العصر الحديث؟
الجواب باعتقادي هو نعم، ولكن العقبة بالنسبة للمسلمين هو ادّعاء محمّد بانّ الدين الاسلامي هو آخر الاديان السماوية وانّه خاتم النبوّة واعتقاد معتنقوا الاديان الابراهيمية ( اليهود والمسيحيون والمسلمون ) بانّ انبيائهم ورسلهم مرسلون حقا من قبل الله.
لحل هذه المعضلة العويصة نجد بانّ معظم المجتمعات والدول الاسلامية والمسيحية واليهودية اوجدت تشريعات جديدة سميت بالدساتير اقتبست بعض بنودها من الاديان السماوية وحذفت بعضها واضافت بنود اخرى لتواكب عقلية ومتطلبات هذا العصر.
المعضلة الّتي تواجه الانسانية في العصر الحديث هي التوفيق بين فكرتين، فلو آمنّا بانّ الاديان هو وحي من الله فيتوجب علينا ان نطبّق جميع التشريعات الواردة في الكتب السماوية بالرغم من انّ قسم من هذه التشريعات لا تتماشى مع متطلبات العصر الحديث وتبدو متناقضة مع العقل والمنطق والمكتشفات العلمية، امّا إذا آمنّا بأنّ الاديان السماوية هي مؤلّفات بشرية قابلة للتطوير والتعديل فستواجهنا معضلة اخرى وهي كيفية تطويع جموع غفيرة من البشر ومنعهم من الظلم والكذب والنفاق والقتل وارتكاب بقية الموبقات من دون وجود خوف من العقاب في يوم القيامة بالرغم من أنّ الدساتير الموضوعة تشرّع عقوبات رادعة لمثل هذه التجاوزات والجرائم كالنفي والسجن والاعدام.
العالم النفسي ومكتشف التحليل النفسي لعلاج الامراض النفسية سيجموند فرويد بحث هذه المعضلة في كتابه ( المستقبل وهم ).
يقول فرويد في هذا الكتاب: لو افترضنا عدم وجود دين ارضي او سماوي في عالمنا، فماذا سيحدث؟
بعض الاذكياء او الاقوياء من هذا المجتمع سيتمكنون من فرض سلطانهم على الجهلاء والضعفاء وسيستغلّون هؤلاء لتحقيق مآربهم واطماعهم الشخصيّة وذلك بإيجاد تشريعات وتعاليم تخدم مصالحهم.
بعد فترة سيتّحد هؤلاء المظلومين والمستغَلين وسيثورون على ظالميهم ومُستغِليهم ويقتلونهم او يسجنونهم او يبعدونهم عن السلطة. بعد هذه المرحلة سينشآ صراع في هذا المجتمع وتعمّ الفوضى، فالكل يسرق ويرتشي ويقتل ويحاول تحقيق اكبر المكاسب. بعد فترة من الفوضى في هذا المجتمع سيكتشف افراده بانّ الحياة لا يمكن أنْ تستمر بهذه الطريقة ويتوجّب عليهم وضع قوانين وتشريعات تنظّم العلاقات في هذا المجتمع الانساني، وفعلا يتم وضع دستور ينظّم المجتمع ويحتوي على قوانين رادعة بحق المخالفين وهاتكي حريات وحقوق الاخرين.
بعد هذه العُجالة يمكن اثارة الاسئلة التالية:
– إذا كان العقل الانساني وحاجاته في تطوّر مستمر عبر العصور وأنّ هناك حاجة لتشريعات مستجدّة تواكب هذا التطوّر، هل اخطأ محمّد بغلق باب السماء؟
– هل أنّ المنظّمات الجديدة كالماسونية والرائيلية تستغل نقاط الضعف في الاديان السماوية وعدم تمكّن هذه الاديان من مواكبة تطوّر العقل الانساني والمجتمعات الانسانية لنشر افكارها بهدف الوصول الى السلطة والتحكّم بمصائر الشعوب؟
– اليس من الافضل اعتماد دستور يشارك في وضعه عقلاء القوم المنتخبين من قبل الاكثرية لتنظيم العلاقات في المجتمع بدلا من اعتماد تشريعات تمّ وضعها من قبل شخص واحد وفي مكان وزمان لا هي مكاننا ولا هي زماننا؟
26- الخالق والإنسان:
في هذا الفصل الاخير من ثورة الشَكْ سابحث اهم الاسئلة الّتي أُثيرَت حول الخالق والحكمة من الخلق والمعتقدات الانسانية الّتي حاولت تفسير الوجود، وساحاول استعراض اهم المعتقدات الدينية واللادينية وقناعتي الشخصية حول التساؤلات الخالدة: مِن اينَ اتينا والى اينَ نذهب ولِمَ خُلِقنا ؟
منذ اوّل يوم وُجِد الانسان على كرتنا الارضية بحث عن ماهيّة وسبب وجوده. معتقداته وتصوّراته عن الكون والقوى ما وراء الطبيعة تطوّرت بتطوّر عقله، ففي البداية كانت معتقدات وتصّورات الانسان لما وراء الطبيعة والإله اوالآلهة بدائية، تدرّجَت معتقداته من الطوطمية الى عبادة الظواهر الطبيعية كالرعد والبراكين وتقديس وعبادة بعض الجمادات كالقمر والشمس والنجوم وبعض النباتات والحيوانات ثمّ الى عبادة آلهة متعددة ثمّ توصَّلَ الى عبادة إله واحد،إنَّ السبب ألّذي حدا إلى توحيد ألآلهة المتعددة في إله واحد هو توّسع رقعة حكم بعض ألشعوب بحيث شمل هذا الحكم شعوب أخرى كانت تعبد آلهة مختلفة، فلأجل توحيد المملكة توجّب توحيد ألآلهة في إله مشترك، وبعبارة أخرى فإنّ سبب توحيد ألآلهة هو سبب سياسي.
فكلّ دين لاينتشر بين ألنّاس إنْ لَمْ يتبناه ملك أو أمبراطور وكما حدث للدين المسيحي عندما تبنّاه القيصر الروماني قسطنطين، وكما حدث للدين الإسلامي عندما تبنّاه ألنبي السياسي محمّد والخلفاء من بعده ومن ثمّ وصلَ إلى أوج أنتشاره على يد دهاة السياسة لبني أُميّة، وينطبق هذا ألقول على الخلفاء العباسيين والسلاطين العثمانيين.
نتيجة لتطوّر عقل الانسان في العصر الحديث، ظهرت الى الوجود نظريات علمية تناقض الفكرة الدينية الّتي تدّعي بأنّ الله خلق الانسان الاوّل مباشرة اي خلق آدم وحوّاء اولّا ثمّ تكاثر نسلهما في الارض وكذلك تُناقِض هذه النظريات الاعتقاد الديني بانّ الانسان هو مركز الكون، واهم نظرية علمية ناقضت العقيدة الدينية للخلق هو نظرية العالم تشارلس داروين في النشوء والارتقاء ونشرها في مؤلّفه اصل الانواع.
في القرن التاسع عشر وبعد أنْ اثبت العالم الفلكي غاليلو غاليلي أنّ الارض تدور حول الشمس قامت الكنيسة الكاثوليكية بمحاكمته والحكم عليه بالاعدام لإنّ قوله كان يتناقض مع العقيدة الدينية القائلة بأن الشمس تدور حول الارض وأنّ الارض هو مركز الكون. طروحات العالم غاليلو غاليلي واقرانه كانت بداية الصراع بين العلم والدين واستمر هذا الصراع الى يومنا هذا.
اكتشاف الشبكة العنكبوتية ( الانترنت ) فسح مجالا واسعا للمعارضين للافكار الدينية لإبداء آراءهم وإنتقاداتهم للعقائد الدينية بحريّة لإنّ هذا الاكتشاف اتاح لهم فرصة لإعلان افكارهم المناقضة للاديان بدون خوف من سيف الجلاد، ولكن بالرغم من هذا فأنّ العديد من المفكرين الّذين جاهروا بارائهم وانتقدوا العقائد الدينية كان مصيرهم الاغتيال على يد المتطرفين الدينيين.
في عام 1973 ولاوّل مرة في تاريخ الانسانية ظهر الى الوجود دين يحاول المزاوجة بين الدين والعلم، ففي فرنسا ادّعى كلود فوريلهون بانّه التقى بالقرب من بركان هامد بكائنات قادمة من كوكب بعيد وأنّ هذه الكائنات هم الّذين خلقوا الجنس البشري باستخدام تكنولوجيتهم المتقدمة في الهندسة الوراثية وعلم الجينات.
اهم المعتقدات الدينية واللادينية الّتي آمنَ ويؤمن بها الانسانية يُمكن حصرها في المعتقدات التالية :
• الوثنية :
هي الاعتقاد بعبادة الجمادات كالشمس والقمر والنجوم والاوثان المصنوعة من الجمادات او تقديس النباتات او الحيوانات او مظاهر الطبيعة كالنّار او الرعد او الاعتقاد بآلهة متعددة.
بعض الديانات الوثنية تعتبر اصنامها او آلهتها رمزا او رموزا للإله او وسيلة للاتّصال به وعلى هذا الاساس يُمكن اعتبار بعض المتدينين الّذين يزورون اضرحة الائمّة والاولياء ويطلبون منهم تحقيق امانيهم وثنيين لانّهم يعتبرون الامام او الولي وسيلة للاتصال بالله.
• الالحاد :
هو الاعتقاد بعدم وجود خالق واعي للكون والمخلوقات حسب الفهم الديني، ويَعتَبِر المُلحدون المادّة والكون ازليا والدين وهما من تخيّل الانسان. يعتبر الملحدون الايمان بوجود الخالق غير مُثبَت وأنّ التصديق به هو نمط من الايمان الشخصي لا يستند على ادلّة ولهذا يُمكن رفضه بدون دليل. لايوجد تعاند بين الالحاد والدين بمعناه العام فالبوذيون يؤمنون بالدين ولكنّهم لا يؤمنون بالإله.
• اللاأدرية:
اللاادرية توجه فلسفي يقول إنّ القيمة الحقيقية للقضايا الدينية أو الغيبية غير محددة و لا يمكن لأحد تحديدها وإنّ قضايا وجود الله أو الذات الإلهية بالنسبة لمعتنقي هذه الفلسفة موضوع غامض كليا ولا يمكن تحديده في الحياة الطبيعية للإنسان. من اشهر الفلاسفة اللاادريين الفيلسوف الصيني كونفشيوس.
• الربوبية :
اتجاه فلسفي يرى أنّ الخالق خلق الوجود وأعطاه قوانينه ثم تركه تسير حسب النواميس الّتي وضعها .
• المعتزلة :
تيار فلسفي اسلامي عربي نشأ في بداية القرن الثاني الهجري اي في اواخر العصر الاموي في مدينة البصرة ، وهو تيار فكري ليبرالي حر جاء كردّة فعل لمحاولة كتابة الشريعة وفق الخرافات والمصالح الشخصية ، وهي عقيدة تعتمد على العقل كمقياس وحيد للأشياء والعقل عندهم مُقدّم على النقل. المعتزلة يؤمنون بانّ العقل الانساني وفطرته لهما القدرة على تمييز الحلال من الحرام بصورة تلقائية.
اكّد المعتزلة في طروحاتهم على التوحيد والعدالة الاجتماعية.
من اسباب ظهور مذهب الاعتزال:
– الاختلاف في بعض الاحكام الدينية كالحكم على مرتكبي الكبائر.
– بعد دخول اقوام غير عربية في الاسلام امتزجت ثقافاتهم بالثقافة الاسلامية المنتشرة في تلك الفترة كما تعرّف المسلمون على التيّارات الفلسفية وخاصة الفلسفة اليونانية وتفتحت عقولهم بعد اطّلاعهم على حضارات شعوب البلدان ألّتي تمّ فتحها، لذا لم يعد المذهب النقلي والنصي يفي بحاجات عقول بعض العلماء في تلك الفترة ونتيجة لهذا التطوّر الفكري بدأ المعتزلة بتأويل بعض الآيات القرانية بما يتناسب مع العقل والمنطق.
من آراء المعترلة نفي صفات الله الثبوتية كالعلم والقدرة لانّ اتّصافه بهذه الصفات اثبات لقدمها واثبات قدمها سيكون اثباتا لقديم غير الله. ومن آرائهم قياس احكام الشريعة بالعقل والحكمة ونفي اية احكام متعارضة مع العقل وكذلك نفوا انْ يكون الله خالقا لاعمال عباده، والعقل حسب المعتزلة هو مقياس الحكم على اعمال الانسان، فالاعمال الّتي يستحسنها العقل خيرّة والاعمال الّتي لايستحسنها شريرة وعلى هذا الاساس يكون الثواب والعقاب في الآخرة.
حسب مذهب المعتزلة فانّ الفاسق في الدنيا لا هو بكافر ولا هو بمؤمن وانّما هو بمنزلة بين المنزلتين وهذا الادّعاء كان بداية الخلاف بين فقهاء الاسلام وادّى الى اعتزال الفقيه واصل بن عطاء في احد اركان المسجد الّذي كان يتلّقي العلوم الدينية فيه من معلّمه ومن هنا جاءت تسميتهم بالمعتزلة.
ومن آراء المعتزلة قولهم بانّ القرآن مخلوق، ووجوب محاربة الامام الفاسق، وانّ الله لايقبل شفاعة مرتكبي الكبائر انْ لم يَتُب ويكون جزائه النّار ويبقى خالدا فيها امّا اذا تاب فيكون عقابه اخفَّ من الكافر يوم القيامة. ومن عقائد المعتزلة انكار وجود كرامات للاولياء كما نفوا امكانية رؤية الله في الدنيا والآخرة لإنّ رؤية الله تثبيت لجهته والله منزّه عن الجهة والمكان لذا اوّلوا الآية الّتي تذكر بانَّ اهل الجنّة سينظرون الى وجه الله في الآخرة.
من أشهر ألخلفاء ألعباسيون ألّذين تبنّوا مذهب ألمعتزلة ألخليفة ألمأمون أبن ألخليفة هارون ألرشيد.
• الرائيلية:
دين حديث ظهر في فرنسا في السبعينات، يعتقد منتسبوه بأنّ البشر خُلِقوا مِن قِبل كائنات فضائية متقدّمة علميا وحضاريا بخمس وعشرين الف سنة على الحضارة الانسانية، هذه الكائنات قدِموا من كوكب آخر وخلقونا بواسطة علم الجينات والهندسة الوراثية والرائيليون يُسمّون هذه الكائنات بالإلوهيم. الرائيلية بأختصار هي محاولة للتزاوج بين الاديان السماوية والعلم وقد حاولوا في كتابهم الرسالة تأويل آيات الكتاب المقدّس ( التوراة والانجيل ) لتتماشى مع معتقدهم والرائيليون يدعمون عملية استنساخ البشر واسسوا شركة مقرّها في جزر البهاما لهذا الغرض.
مؤسس هذا الدين هو الصحفي وسائق سيارات السباق كلود فوريلهون. ولِدَ كلود فوريلهون الّذي اتّخذ اسم رائيل بعد ادعّاءه بالنبوّة في 30 من ايلول عام 1946 م في فيجي/ فرنسا. عدد اعضاء الحركة يبلغ اليوم 70000 شخصا موزّعين على 97 بلدا.
• العلمانية:
مصطلح العلمانية تعني فصل الدين والمعتقدات الدينية عن السياسة والحياة العامة للمجتمعات واطلاق الحريّة لافراد المجتمع لاعتناق اي معتقد او دين وعدم اجبارهم على تبنّي معتقد او دين او مذهب بعينه.
العلمانية عبارة عن موقف ومبدأ للواجب الانساني يرتكز على اعمدة ثلاثة هي:
1) ان الوسائل المادية ، بالدرجة الاساس، هي الّتي تضمن تحسين حياة الانسان وتطوير نوعيتها ، ولايكفي الاعتماد على الاعتقادات الروحية وحدها في انتشال الانسان من براثن بؤس الحياة وفاقتها وقسوتها وويلاتها.
2) انّ العلوم وتطورها هي السبيل الاول الكفوء لانقاذ الانسان واعانته في كفاحه الدائم في الحياة ومؤازرته في مسيرته نحو الافضل، وهي بهذا تُشكّل البديل الاكثر منطقية وعقلانية من الاعتماد على “العناية الالهية”.
3) إنّ عمل الخير يجب أنْ يكون واجبا انسانيا يُمليه الضمير وتُفرزه القناعة، ولا يفترض فيه أنْ يكون ناجما عن الخوف من عقاب الله او لغرض زيادة رصيد الحسنات للفوز بالجنّة.
انّ اهم مايميّز سياسة النظام العلماني هو تطبيق مبدا ” فصل الدين عن الدولة” الّذي يُعتَبَر العمود الفقري الّذي يستقيم به المنهج العلماني.
• الزرداشتية:
الكتاب المقدّس للزرداشتية هو مجموعة الكتب الّتي جَمع فيها أصحاب النّبي ومريدوه أقواله وأدعيته. وسمّى أتباعه المتأخرين هذه الكتب الأبستا (الأبستاق)، وهي المعروفة عند العالم الغربي باسم الزند- أبستا.
يعثر الإنسان في مواضع من الكتاب المقدّس على فقرات من أصل بابلي قديم، كالفقرات التي تصف خلق الدنيا على ست مراحل ( السماوات، فالماء، فالأرض، فالنبات، فالحيوان، فالإنسان)، وتسلسل الناس جميعاً من أبوين أولين، وإنشاء جنة على الأرض، وغضب الخالق على خلقه، واعتزامه أنْ يسلط عليهم طوفاناً يهلكهم جميعا إلّا قلّة صغيرة منهم. الفكرة السائدة في هذا الدين هي ثنائية العالم الّذي يقوم على مسرحه صراع يدوم اثني عشر ألف عام بين الإله أهور- مزدا والشيطان أهرمان؛ وأن أفضل الفضائل هما الطهر والأمانة وهما يؤدّيان إلى الحياة الخالدة؛ وأنَّ الموتى يجب أنْ لا يُدفنوا أو يُحرقوا بل يجب أنْ تلقى أجسامهم إلى الكلاب أو الطيور الجارحة.
كان لأهورا مزدا كما وصفه زردشت سبع مظاهر أو سبع صفات هي: النور، والعقل الطيب، والحق، والسلطان، والتقوى، والخير، والخلود. ولمّا كان أتباعه قد اعتادوا أنْ يعبدوا أرباباً متعددة فقد فسّروا هذه الصفات على أنّها أشخاص (سمّوهم أميشا اسبننا أو القديسين الخالدين) الّذين خلقوا العالم ويسيطرون عليه بإشراف أهورا مزدا وإرشاده..
العقيدة الزرداشتية وقت أنْ جاء بها زردشت كانت قريبة كلّ القرب من عقيدة التوحيد، بل إنّها حتى بعد أنْ أقحموا فيها أهرمان(الشيطان) والأرواح ظلَّ فيها من التوحيد بقدر ما في المسيحية بإبليسها وشياطينها وملائكتها.
انّ أهورا مزدا (اله زرداشت)، كان جماع قوى العالم الّتي تعمل للحق؛ والأخلاق الفاضلة لا تكون إلّا بالتعاون مع هذه القوى. هذا إلاّ أنّ في فكرة الثنائية بعض ما يُبرر ما تراه في العالم من تناقض وإلتواء وإنحراف عن طريق الحق لَمْ تُفسّره فكرة التوحيد.
• الديانات في الهند:
الظاهر أنّ أقدم ديانة نعرفها عن الهند، تلك الديانة الّتي وجدها الغزاة الآريون بين ” الناجا ” والّتي لا تزال قائمة في الأجناس البشرية البدائية الّتي تراها هنا وهناك في ثنايا شبه الجزيرة العظيمة، وهي عبادة روحانية طوطمية لأرواح كثيرة تسكن الصخور والحيوان والأشجار ومجاري الماء والجبال والنجوم، وكانت الثعابين والأفاعي مقدّسات- إذ كانت آلهة تُعبَد ومُثلاً عليا تُنشَد في قواها الجنسية العارمة، كذلك شجرة “بوذِي” المقدسة في عهد بوذا كانت تُمثّل تقديسهم لجلال الأشجار الصامت، وهو تقديس صوفي لكنّه سليم: وهناك من آلهة الهنود الأوّلين ما هبط مع الزمن إلى هنود العصور التاريخية، مثل “ناجا” الإله الأفعوان، و “هاتومان” الإله القرد، و “ناندس” الثور المقدس، و “الياكشا” أو الآلهة من الأشجار؛ ولمّا كان بعض هذه الأرواح طيّباً وبعضها خبيثاً، فلا يستطيع حفظ الجسم من دخول الشياطين فيه وتعذيبه في حالات المرض أو الجنون، تلك الشياطين التي تملأ الهواء، لها مهارة عظيمة في أمور السِحِر، ومن ثمّ نشأت مجموعة الرُقى في “فيدا أثارفا” أي “سفر الإلمام بالسحر” ، فلابدَّ للإنسان مِن صيغ سحرية يتلوها إذا أراد ولادة الأبناء أو أراد اجتناب الإجهاض، أو إطالة العمر، أو دفع الشر، أو جلب النعاس، أو إيقاع الأذى أو الارتباك بالأعداء.
وأقدم آلهة ذكرتها “أسفار الفيدا” هي قوى الطبيعة نفسها وعناصرها: السماء والشمس والأرض والنّار والضوء والريح والماء والجنس، فكان ديوس (وهو زيوس عند اليونان، وجوبتر عند الرومان)، أوّل الأمر هو السماء نفسها، كذلك اللفظة السنسكريتية الّتي معناها مقدّس، كانت في أصلها تعني “اللامع” فقط، ثم أدّت هذه النزعة الشعرية الّتي أباحت لهم أنْ يخلقوا لأنفسهم كلّ هذا العدد من الآلهة، إلى تشخيص هذه العناصر الطبيعية، فمثلاً جعلوا السماء أباً، وأسموها “فارونا”؛ وجعلوا الأرض أمّاً، وأطلقوا عليها اسم “بريثيفي” ، وكان النبات هو ثمرة التقائهما بوساطة المطر، وكان المطر هو الإله “بارجانيا”، والنّار هي “آجني” ، والريح كانت “فايو” ، وأمّا إنْ كانت الريح مُهلِكة فهي “رودْرا” ، وكانت العاصفة هي “إندرا”، والفجر “أوشاس”، ومجرى المحراث في الحقل كان اسمه “سيتا”، والشمس “سوريا” أو “مترا” أو “فشنو”؛ والنبات المقدّس المسمّى “سوما” ، والّذي كان عصيره مقدّساً ومُسكِراً للآلهة والناس معاً، كان هو نفسه إلاها يُقابل في الهند ما كان “ديونيسوس” عند اليونان، فهو الّذي يوحي للإنسان- بمادّته المنعشة- أنْ يفعل الإحسان ويهديه إلى الرأي الثاقب، وإلى المرح، بل يخلع على الإنسان حياة الخلود.
ولمّا كانت الأمّة كالفرد تبدأ بالشعر وتنتهي بالنثر، فقد تحوّل كلّ شئ لمّا أصبحت الأشياء في أعين الناس أشخاصاً، إذ أصبحت صفات الأشياء أشياء قائمة بذاتها، وباتت نعوتها بمثابة الأسماء، والعبارات الّتي تجري مجرى الحكمة أصبحت آلهة، والشمس الّتي تهب الحياة انقلبت إلاهاً جديداً اسمه “سافيتار واهب الحياة”، وأمّا ضوءها فإله آخر اسمه “فيفاسفات” أي الإله الساطع، والشمس الّتي تولِد الحي أصبحت إلاها عظيماً هو “براجاباتي” أي ربُّ الأحياء جميعاً .
ولبثت النّار “وهي الإله أجني” حيناً من الدهر أهم آلهة الفيدا جميعاً، إذ كان هذا الإله هو الشعلة المقدّسة الّتي ترفع القربان إلى السماء، وكان هو البرق الّذي يثب في أرجاء الفضاء، وكان للعالَم حياته النارية وروحه المشتعلة، غير أنّ إندرا “الذي يتصرف في الرعد والعاصفة كان أشيَعْ الآلهة كلّهم ذكراً بين الناس، لأنّه هو الّذي يجلب للآري الهندي الأمطار النفسية الّتي بدت له عنصراً جوهرياً يكاد يزيد في أهميته للحياة على الشمس ذاتها، لذا فقد جعلوه أعظم الآلهة مقاماً، يلتسمون معونة رعوده وهم في حومات القتال، وصوّروه- بدافع الحسد له- في صورة البطل الجبار الّذي يأكل العجول مئات مئات، ويشرب الخمر بحيرات بحيرات، وكان عدوّه المحبب إلى نفسه هو “كرشنا” الّذي لم يُذكَر في أسفار الفيدا إلّا على أنّه إله محلّي لقبيلة “كرشنا” إذ لم يكن حينئذ قد تجاوز هذه المرحلة؛ كذلك كان “فشنو” أي الشمس الّتي تجتاز الأرض بخطواتها الجبّارة، إلاها ثانوياً، كأنّما هو لا يدري أنّ المستقبل له ولـ “كرشنا” الّذي يُجسّده؛ وإذن فمن فوائد أسفار الفيدا لنا أنْ تعرض علينا الدين وهو في طريق التكوين، فنرى مولده ونموه وموت الآلهة والعقائد، ونرى ذلك بادئين من النزعة الروحانية البدائية حتى نبلغ وحدة الوجود الفلسفية، بادئين بالخرافة في “فيدا أثارفاً” (أي سفر السِحِر) ومنتهين إلى الوحدانية الجليلة كما ذُكِرَت في أسفار “يوبانشاد”.
كان هؤلاء الآلهة بشراً في صورة الجسم وفي الدافع المحرّك للعمل، بل كادت تكون بشراً في جهلها كذلك، فانظر أحدها وقد أحاطت به دعوات الداعي، فجعل يفكّر ماذا عسى أنْ يهب هذا المتوسِّل : “هذا ما سأصنعه- كلّا، لن أصنع هذا، سأعطيه بقرة- أم هل أعطيه جواداً؟ ترى هل تقرّبَ إليّ حقاً بشراب السوما؟”، لكن بعض هؤلاء الآلهة قد صعد في العصور الفيدية المتأخرة إلى مستوى خُلِق رفيع، خذ مثلاً “فارونا” الّذي كان بادئ ذي بدء هو السماء المحيطة بالأرض، أنفاسه هي ريح العواصف، ورداؤه هو السماء، هذا الإله قد تطوّر على أيدي عُبَّاده حتّى أصبح أكثر آلهة الفيدا علوّاً في الأخلاق وقُرباً من المُثل الأعلى للآلهة، أصبح يرقب العالم بعينه الكبرى، الّتي هي الشمس، يعاقب الشر ويكافئ الخير، ويعفو عن ذنوب التائبين، وبهذا كان “فارونا” حارساً على القانون الأبدي ومنفّذاً له، ذلك القانون الّذي يُسمّونه “ريتا” وهو الّذي كان أوّل أمره قانوناً يُقيم النجوم في أفلاكها ويحفظها هناك فلا تضطرب مسيرها، ثم تطوّر بالتدريج حتّى أصبح قانون الحق إطلاقا، أصبح نغمة خُلقية كونية لا مندوحة لكلّ إنسان عن مراعاتها إذا أراد أنْ يجتنب الضلال والدمار.
ولمّا كَثُرَ عدد الآلهة نشأت مشكلة، هي: أيُّ هؤلاء الآلهة خلقَ العالم؟ فكانوا يعزون هذا الدور الأساسي تارة لـ “آجنى” وتارة لـ “إندرا” وطوراً لـ “سوما” وطوراً رابعاً لـ “براجاباتي” ، وفي أحد أسفار “يوبانشاد” يُعزى خَلقْ العالم إلى خالق أوّل قهّار:
“حقّاً إنّه لم يشعر بالسرور، فواحد وحده لا يشعر بالسرور، فتطلب ثانياً؛ كان في الحقِّ كبير الحجم حتّى ليعدل جسمه رجلاً وامرأة تعانقا، ثم شاء لهذه الذات الواحدة أنْ تنشّق نصفين، فنشأ من ثمَّ زوجٌ تملؤه الزوجة، وعلى ذلك تكون النفس الواحدة كقطعة مبتورة … وهذا الفراغ تملؤه الزوجة، وضاجع زوجته وبهذا أنسلَّ البشر؛ وسألتْ نفسَها الزوجة قائلة: “كيف استطاع مضاجعتي بعد أنْ أخرجني من نفسه، فلأختف” واختفت في صورة البقرة، وانقلب هو ثوراً، فزاوجها، وكان بازدواجهما أن تولّدت الماشية، فاتّخذت لنفسها هيئة الفرَس، واتّخذ لنفسه الجواد، ثم أصبحت هي حمارة فأصبح هو حماراً، وزاوجها حقاً، وولدت لهما ذوات الحافر، وانقلبت عنزة فانقلب لها تيساً، وانقلبت نعجة فانقلب لها كبشاً، وزاوجها حقاً، وولدت لهما الماعز والخراف، وهكذا حقّا كان خالق كل شئ، مهما تنوعت الذكور والإناث، حتّى تبلغ في التدرج أسفله إلى حيث النمل، وقد أدرك هو حقيقة الأمر قائلاً: “حقاً إنّي أنا هذا الخَلق نفسه، لأنّي أخرجته من نفسي، من هنا نشأ الخَلق”.
في هذه الفقرة الفريدة بذرة مذهب وحدة الوجود وتناسخ الأرواح، فالخالق وخَلَقُه شئ واحد، وكلُّ الأشياء وكلُّ الأحياء كائن واحد، فكلّ صورة من الكائنات كانت ذات يوم صورة أخرى، ولا يميّز هذه الصورة من تلك ويجعلهما حقيقتين إلّا الحسّ المخدوع وإلّا تفريق الزمن بينهما؛ هذه النظرة لم تكن قد ظهرت بعد أيام الفيدا جزءا من العقيدة الشعبية، وانْ تكن قد لقيت صياغتها على هذا النحو في “يوبانشاد” ، فالآرى الهندي- مثل زميله الآري الفارسي- بدل أنْ يعتقد في تناسخ الأرواح على صور متتابعة، آمن بعقيدة أبسط، إذ آمن بالخلود الشخصي، فالروح بعد الموت تلاقي إمّا عذاباً أو نعيماً، فإمّا أنْ يُلقيها “فارونا” في هوّة مظلمة سحيقة، أو في جهنم ذات السعير، وأمّا أن يتلقّاها “ياما” فيرفعها إلى الجنة حيث كل صنوف اللذائذ الأرضية قد كمأت ودامت إلى أبد الآبدين، وفي ذلك يقول سفر “كاثا” من أسفار يوبانشاد: “يفني الفاني كما تفنى الغلال، ويعود إلي الحياة في ولادة جديدة كما تعود الغلال”.
لا تدلّنا الشواهد على أنّ الديانة الفيدية في أولى مراحلها كانت لها معابد وأصنام، بل كانت مذابح القرابين تُنصَب من جديد لكل قربان يُراد تقديمه، كما هي الحال في فارس الزرادشتية، وكان يُناط بالنّار المقدّسة أنْ ترفع القربان الممنوح إلى السماء، وفي هذه المرحلة تظهر آثار ضئيلة من التضحية بالإنسان، كما ظهرت في فاتحة المدنيات كلّها تقريباً، لكنّها آثار قليلة يحوطها الشكّ، وكذلك تشبه الهند فارس في أنّها كانت تحرق الحصان أحياناً ليكون قرباناً تقّدمه للآلهة وأنّ “أشفاميزا”- أو “تضحية الجواد”- لمن أغرب الطقوس جميعاً، إذ تخيّل الناس فيها أنّ ملكة القبيلة زاوجت الحصان المقدّس بعد ذبحه على أنّ القربان المعتاد هو أنْ يُسكب قليل من عصير “سوما” وأنْ يُصبّ شيء من الزبد السائل في النّار، وكانوا يُحيطون القربان برقى السِحِر، فلو قدمّه على النحو الأكمل جاءته بالجزاء المطلوب بغض النظر عما هو حقيق به من ثواب بالنسبة إلى خُلقِه الشخصي، وكان الكهنة يتقاضون أجوراً عالية على مساعدة المتعبّد في أداء طقوس القربان الّتي أخذت تزداد مع مرِّ الزمن تعقّداً، فإذا لم يكن في وسع المُتعبّد أنْ يدفع للكاهن أجره، رفض أنْ يتلو له الصيغ اللازمة، فأجره لا بد أنْ يسبق ما يدفع لله من أجر، ولقد وضع رجال الدين قواعد تضبط مقدار ما يدفعه صاحب هذه العبادة- كم من الأبقار والجياد وكم من الذهب، وقد كان الذهب بصفة خاصة عميق التأثير في الكهنة والآلهة وفي “أوراق البراهمانا” الّتي كتبها البراهمة، إرشادات للكاهن تدلّه على الطريقة الّتي يستطيع بها أنْ يَقلِب الصلاة أو القربان شرّا على رؤوس أصحابه إذا لم يؤجّروه أجرا كافياً، وكذلك سنّوا قوانين أخرى تفصل دقائق المحافل والطقوس الّتي ينبغي أنْ تُقام في كلِّ ظرف من ظروف الحياة تقريباً، وهي عادة تتطلب معونة الكهنة في أدائها، وهكذا أصبح البراهمة شيئاً فشيئاً طبقة ممتازة، تسيطر على الحياة الفكرية والروحية في الهند سيطرة تهددت كلّ تفكير وكلّ تغيير بالمقاومة المميتة.
فلسفة أسفار يوبانشاد:
موضوع أسفار اليوبانشاد هو كلّ السر في هذا العالم الذي عزّ على الإنسان فهمه:
“فمن أين جئنا، وأين نقيم، والى أين نحن ذاهبون؟ أيا مَن يعرف “براهمان” نبّئنا مَن ذا أمرَ بنا فإذا نحن هاهنا أحياء.. أهو الزمان أم الطبيعة أم الضرورة أم المصادفة أم عناصر الجو، ذلك الّذي كان سبباً في وجودنا، أمْ السبب هو من يُسمّى “بوروشا”- الروح الأعلى؟، لقد ظفرت الهند بأكثر من نصيبها العادل من الرجال الّذين لا يريدون من هذه الحياة “ما لا يعد بألوف الألوف، وإنما يريدون أنْ يجدوا الجواب عمّا يسألون” ، فتقرأ في سفر “ميتريى” من أسفار يوبانشاد عن ملك خلّفَ مُلكَه وضرب في الغابة متقشفاً زاهداً، لعلّ عقله بذلك أنْ يصفوا ليفهم، فيجد حلّاً للغز هذا الوجود، وبعد أنْ قضى المَلِك في كفّارته ألف يوم، جاءه حكيم “عالم بالروح” ، فقال له المَلِك: “أنت ممن يعلمون طبيعة الروح الحقيقية، فهلا أنبأتنا عنها؟” فقال الحكيم مُنذِراً: “اختر لنفسك مآرب أخرى” لكنّ المَلِك يَلحّ، ويُعبّر في فقرة- لابد أنْ تكون قد لاءمت روح شوبنهور وهو يقرؤها- عن ضيقه بالحياة، وخوفه من العودة إليها بعد موته، ذلك الخوف الذي تمتد جذوره في كلّ ما تطرب به رءوس الهندوس من خواطر وأفكار، وهاك هذه الفقرة:”سيدي، ما غناء إشباع الرغبات في هذا الجسد النتن المتحلل، الّذي يتألّف من عظم وجلد وعضل ونخاع ومنيّ ودمّ ومخاط ودموع ورشح أنفي وبراز وبول وفساء وصفراء وبلغم؟ ما غناء إشباع الرغبات في هذا الجسد الّذي تملؤه الشهوة والغضب والجشع والوهم والخوف واليأس والحسد والنفور مما تنبغي الرغبة فيه والإقبال على ما يجب النفور منه، والجوع والظمأ والعقم والموت والمرض والحزن وما إليها؟ وكذلك نرى هذا العالم كلّه يتحلل بالفساد كما تتحلل هذه الحشرات الضئيلة وهذا البعوض وهذه الحشائش وهذه الأشجار الّتي تنمو ثم تذوي… وإنّي لأذكر من كوارث جفاف المحيطات الكبرى وسقوط قمم الجبال وانحراف النجم القطبي رغم ثباته…وطغيان البحر على الأرض…في هذا الضرب من تعاقب أوجه الوجود. ما غناء إشباع الرغبات، مادام بعد إشباع الإنسان لها، سيعود إلى هذه الأرض من جديد مرّة بعد مرّة”؟
وأوّل درس سيعلّمه حكماء اليوبانشاد لتلاميذهم المُخلِصين هو قصور العقل، إذ كيف يستطيع هذا المخ الضعيف الّذي تتعبه عملية حسابية صغيرة أنْ يطمع في أنْ يُدرِك يوماً هذا العالم الفسيح المعقّد، اليس مخ الإنسان إلاّ ذرّة عابرة من ذرّاته؟ وليس معنى ذلك أنّ العقل لا خير فيه، بل إنّ له مكانة متواضعة، وهو يؤدّي لنا أكبر النفع إذا ما عالج الأشياء المحسوسة وما بينها من علاقات، أمّا إذا ما حاول فهم الحقيقة الخالدة، اللانهائية، أو الحقيقة في ذاتها، فما أعجزه من أداة ! فإزاء هذه الحقيقة الصامتة الّتي تكمن وراء الظواهر كلّها دعامة لها، والّتي تتجلى أمام الإنسان في وعيه، لابد لنا من عضو آخر نُدرِك به ونفهم، غير هذه الحواس وهذا العقل “فلسنا ندرك “أتمان” (أي روح العالم) بالتحصيل، لسنا نبلغه بالنبوغ وبالاطّلاع الواسع على الكتب…فليطرح البرهمي العلم ليجعل من نفسه طفلاً… لا يبحثنَّ البرهمي عن كلمات كثيرة، لأنّها ليست سوى عناء يشق به اللسان” ، فأعلى درجات الفهم- كما كان سبينوزا يقول- هو الإدراك المباشر، أو نفاذ الرأي إلى صميم الأمر بغير درجات وسطى، إنّه-كما كان الرأي عند برجسون- هو البصيرة، الّتي هي بصر باطني للعقل الّذي أغلق- متعمّداً- كلّ أبواب الحسّ الخارجي ما استطاع إلى ذلك من سبيل انّ “براهمان” الواضح بذاته، قد تخلل فتحات الحواس من الداخل حتّى لقد استدارت هذه الفتحات إلى الخارج، ومن ثمّ كان الإنسان ينظر الى الخارج، ولا ينظر إلى نفسه في داخل نفسه، أمّا الحكيم الّذي يغلق عينيه ويلتمس لنفسه الخلود، فيرى النفس في دخيلته”.
فإذا ما نظرَ الإنسان إلى طويّة نفسه ولم يجد شيئاً على الإطلاق، فذلك لا يقوم إلّا على دقة استبطانه، لأنّه لا يجوز لإنسان أنْ يتوقّع مشاهدة الأبدي في نفسه إذا كان غارقاً في الظواهر وفي الجزئيات، فقبل أنْ يحس الإنسان هذه الحقيقة الباطنية، ينبغي له أوّلا أنْ يُطهّر نفسه تطهيراً تامّا من أدران العمل والتفكير، ومن كلّ ما يضطرب به الجسد والروح ، يجب أن يصوم الإنسان أربعة عشر يوماً، لا يشرب إلا الماء، وعندئذ يتضوّر العقل جوعاً- إذا صحَّ هذا التعبير- فيخلد إلى سكينة وهدوء، وتتطهر الحواس وتسكن، وكذلك تهدأ الروح هدوءا يُمكنها من الشعور بنفسها وبهذا المحيط الخضم من الأرواح، التي ليست هي إلا جزءا منه، وبعدئذ لا يعود الفرد موجوداً باعتباره فردا، ويظهر “الاتحاد وتظهر الحقيقة الذاتية” لأنّ الرائي لا يرى في هذه الرؤية الداخلية النفس الفردية الجزئية، فتلك النفس الجزئية إنْ هي إلّا سلسلة من حالات مخيّة أو عقلية، إنْ هي إلّا الجسم منظوراً من الداخل، إنّما يبحث الباحث عن “أتمان” نفس النفوس كلها، وروح الأرواح كلها، والمطلق الّذي لا مادّة له ولا صورة، والّذي ننغمس فيه بأنفسنا جميعاً إذا نسينا أنفسنا كلّ النسيان.
تلك إذن هي الخطوة الأولى في “المذهب السري” : وهي أنّ جوهر النفس فينا ليس هو الجسم، ولا هو العقل، ولا هو الذات الفردية، ولكنه الوجود العميق الصامت الّذي لا صورة له، الكامن في دخيلة أنفسنا، هو “أتمان” ؛ وأما الخطوة الثانية فهي “براهمان” وهو جوهر العالم الواحد الشامل الّذي لا هو بالذَكَر ولا هو بالأنثى غير المشخّص في صفاته، المحتوي لكلِّ شيء والكامن في كلِّ شيء، الّذي لا تدركه الحواس، هو “حقيقة الحقيقة” هو الروح الّذي لم يُولَد ولا يتحلل ولا يموت، انّ “أتمان” الّذي هو روح الأشياء كلّها، هو روح الأرواح كلّها، هو القوّة الواحدة الّتي هي وراء جميع القوى وجميع الآلهة، وتحت جميع القوى وجميع الآلهة، وفوق جميع القوى وجميع الآلهة.
ثم سأله فيداجاداساكايلا قائلاً: كم عدد الآلهة ياجنافالكيا؟
فأجابه: “عددهم هو المذكور في “الترنيمة للآلهة جميعاً” فهم ثلاثمائة وثلاثة، وهم ثلاثة آلاف وثلاثة”.
نعم، ولكن كم عدد الآلهة على وجه اليقين ياجنافالكيا؟
عددهم ستة.
نعم، ولكن كم عدد الآلهة على وجه اليقين ياجنافالكيا؟
هما اثنان.
نعم ولكن كم عدد الآلهة على وجه اليقين ياجنافالكيا؟
إله ونصف إله.
نعم ولكن كم عدد الآلهة على وجه اليقين ياجنافالكيا؟
إنه إله واحد.
والخطوة الثالثة من أهم الخطوات جميعاً: “أتمان” و “براهمان” إنْ هما إلّا إله واحد بعينه، إنّ الروح (اللافردية) أو القوّة الكائنة فينا هي هي بعينها روح العالم غير المشخّص، إنّ أسفار يوبانشاد لا تدّخر وسعاً في تركيز هذا المذهب في عقل طالب العقيدة، فما تزال تكرره وتعيده لا تملُّ له تكرارا وإعادة وإنْ قلَّ ذلك السامعون، فعلى الرغم من كلّ هذه الصور الكثيرة وهذه الأقنعة الكثيرة، فإنّ الذاتي والموضوعي شئ واحد، الإنسان في حقيقته الّتي تتجرد من الفردية، هو هو بعينه الله باعتباره جوهراً للكائنات جميعاً، يوضح ذلك معلّم في تشبيه مشهور:
هات لي تينة من ذلك التين
هذه هي يا مولاي
اقسمها نصفين
هاأنذا قد قسمتها يا مولاي
أرى هذه الحبيبات الدِقّاق يا مولاي
تفضل فاقسم حُبيبة منها نصفين
هاأنذا قد قسمتها يا مولاي
ماذا ترى هناك؟
لست أرى شيئا على الإطلاق يا مولاي
حقاً يا ولدي العزيز، إنّ هذا الجوهر الّذي هو أدق الجواهر والّذي لا تستطيع رؤيته
حقا إنّه من هذا الجوهر الّذي هو أدق الجواهر قد نبتت هذه الشجرة العظيمة،
فصدّقني يا ولدي العزيز، إنّ روح العالم هو هذا الجوهر الذي ليس في دقّته جوهر سواه
هذا هو الحق في ذاته
هذا هو “أتمان” ، هذا هو أنت يا شاوناكيتو
هل لك أنْ تزيدني بالأمر علماً يا مولاي؟
ليكن لك يا ولدي العزيز.
هذا التقابل بين “أتمان” و “براهمان” وما ينشأ عن تلاقيهما في حقيقة واحدة- الّذي يكاد يكون تطبيقاً للتقابل الديالكتيكي عند هجل- هو صميم أسفار اليوبانشاد، وكثير غير هذا من الدروس نصادفه في هذه الأسفار، لكنّها دروس فرعية بالقياس إلى ذلك، ففي هذه المحادثات نرى عقيدة تناسخ الأرواح قد تمّ تكوينها ، كما نرى الشقوق إلى الخلاص من هذه الدورات التناسخية الفادحة، فهذا هو “جاناكا” ملك “الفيديها” يتوسل إلى “ياجنافالكيا” أن ينبّئه كيف يمكن التخلّص من العودة إلى الولادة من جديد، ويجيب “ياجنافالكيا” بشرح “اليوجا” (أي رياضة النفس) فيقول : إذا اقتلع الإنسان بالتزهد كل شهوات نفسه، لم يعد هذا الإنسان فرداً جزئياً قائماً بذاته، وأمكنه أنْ يتّحد في نعيم أسمى مع روح العالم، وبهذا الاتّحاد يتخلص من العودة إلى الولادة من جديد، وهنا قال له المَلِك الذي غلبته حكمة الحكيم على أمره، قال “أي سيّدي الكريم، إنّي سأعطيك شعب الفيديها وسأعطيك نفسي، لنكون لك عبيداً”، وإنّها لجنّة صارمة تلك التي يعدها “ياجنافالكيا” ذلك المَلِك المتبتل، لأنّ الفرد هناك لن يشعر بفرديته، بل كلّ ما سيتم هنالك هو امتصاص الفرد في الوجود، هو عودة الجزء إلى الاتحاد بالكل الّذي انفصل عنه حيناً من الدهر، ” فكما تتلاشى الأنهار المتدفقة في البحر، وتفقد أسماءها وأشكالها، فكذلك الرجل الحكيم إذا ما تحرر من اسمه وشكله، يفنى في الشخص القدسي الّذي هو فوق الجميع”.
مثلُ هذا الرأي في الحياة والموت لن يصادف قبولاً عند الغربي الّذي تتغلغل الفردية في عقيدته الدينية كما تتغلغل في أنظمته السياسية والاقتصادية، لكنّه رأي اقتنع به الهندوسي الفيلسوف اقتناعاً يُدهشك باستمراره واتّصاله، فسنجد هذه الفلسفة الّتي وردت في اليوبانشاد- هذا اللاهوت التوحيدي، هذا الخلود الهندي من بوذا إلى غاندي، ومن ياجنافالكيا إلى طاغور، فأسفار اليوبانشاد قد ظلت للهند إلى يومنا هذا بمنزلة العهد الجديد للأقطار المسيحية- مذهباً دينياً سامياً- يُمارسه الناس أحياناً، لكنّهم يجلّونه بصفة عامة، بل إن هذه الفلسفة اللاهوتية الطموحة لتجد حتّى في أوربا وأمريكا ملايين بعد ملايين من الأتباع، من نساء مللنَ العُزلة ورجال أرهقهم التعب، إلى شوبنهور وإمرسن، فمن ذا كان يظنُّ أنّ الفيلسوف الأمريكي العظيم الّذي دعا إلى الفردية سيجري قلمه بتعبير كامل للعقيدة الهندية بأنّ الفرديّة وهم من الأوهام؟
براهما:
إذا ظنَّ القاتل المخضّب بدماء قتيله أنّه القاتل
أو إذا ظنَّ القتيل أنّه قتيل
فليسا يدريان ما اصطنع من خفي الأساليب
فأحفظها لديَّ، ثمّ أنشرها، ثمّ أُعيدها
البعيد والمنسي هو إليّ قريب
والظل والضوء عندي سواء
والآلهة الخفية تظهر لي
وشهرة الإنسان بخيره أو بشرّه عندي سواء
إنّهم يُخطئون الحساب الّذين يُخرجونني من الحساب
إنّهم إذا طيّروني عن نفوسهم فأنا الجناحان
إنّهم إنْ شكّوا في وجودي فأنا الشكُّ والشاك معاً
وأنا الترنيمة الّتي بها البراهمي يتغنّى.
يبلغ عدد أتباع الهندوسية في العالم مليار شخص منهم 905 مليون في الهند ونيبال.
• ألبوذية:
أحَبُّ عبارات بوذا التعليمية المقتضبة إلى نفسه هي “الحقائق السامية الأربع” الّتي بسّطَ فيها رأيه بأنّ الحياة ضرب من الألم، وأنّ الألم يرجع إلى الشهوة، وأنّ الحكمة أساسها قمع الشهوات جميعاً:
1- تلك- أيّها الرهبان- هي الحقيقة السامية عن الألم : الولادة مؤلمة، والمرض مؤلم، والشيخوخة مؤلمة، والحزن والبكاء والخيبة واليأس كلّها مؤلم…
2- وتلك أيّها الرهبان- هي الحقيقة السامية عن سبب الألم : سببه الشهوة، الشهوة الّتي تؤدّي إلى الولادة من جديد، الشهوة الّتي تُمازجها اللذة والانغماس فيها، الشهوة الّّتي تسعى وراء اللذائذ تتسقطها هنا وهناك، شهوة العاطفة، وشهوة الحياة، وشهوة العدم.
3- وتلك- أيّها الرهبان هي الحقيقة السامية عن وقف الألم : أنْ نجتث هذه الشهوة من أصولها فلا تبقى لها بقيّة في نفوسنا، السبيل هي الانقطاع والعزلة والخلاص وفكاك أنفسنا مما يُشغلها من شئون العيش.
4- وتلك- أيّها الرهبان- هي الحقيقة السامية عن السبيل المؤدي إلى وقف الألم : إنّه السبيل السامي ذات الشُعب الثماني، ألا وهي: سلامة الرأي، وسلامة النيّة، وسلامة القول، وسلامة الفعل، وسلامة العيش، وسلامة الجهد، وسلامة ما نعني به، وسلامة التركيز.
كانت عقيدة بوذا الّتي يُؤمِن بصدقها، هي أنّ الألم أرجح كفّة من اللذّة في الحياة الإنسانية، وإذن فخير للإنسان ألّا يولد؛ وهو في ذلك يقول أنّ ما سفحَ الناس من دموع لأغزر من كلّ ما تحتوي المحيطات العظيمة الأربعة من مياه؛ فعنده أنّ كل لذّة تحمل سُمّها في طيّها، لمجرد أنّها لذّة عابرة قصيرة: “أذلك الّذي يزول ولا يُقيم هو الحزن أم السرور؟ “ألقى هذا السؤال على أحد تلاميذه، فأجابه هذا بقوله: “إنه الحزن يا مولاي”؛ إذن فأسُّ الشرور هو “تامبا”- وليس معناها الشهوة كائنة ما كانت، بل الشهوة الأنانية؛ الشهوة الّتي يوجهها صاحبها إلى صالح الجزء أكثر مما يريد بها صالح الكل؛ وفوق الشهوات كلّها الشهوة الجنسية، لأنّها تؤدي إلى التناسل الّذي يُطيل من سلسلة الحياة إلى ألم جديد بغير غاية مقصودة؛ وقد استنتج أحد تلاميذه من ذلك أنّه- أي بوذا- بهذا الرأي يُجيز الانتحار، لكنّ بوذا عنّفه على استنتاجه ذاك، قائلاً: إنّ الانتحار لا خير فيه، لأنّ روح المُنتَحِر- بسبب ما يشوبها من أدران- ستعود فتولد من جديد في أدوار أخرى من التقمّص، حتى يتسنّى لها نسيان نفسها نسياناً تاماً.
ولما طلب تلاميذه منه أنْ يُحَدِد معنى الحياة السليمة في رأيه لكي يُزيد الرأي وضوحاً، صاغ لهم “قواعد خُلقية خمسة” يهتدون بها- وهي بمثابة الوصايا لكنّها بسيطة مُختصرة، غير أنّها قد تكون “أشمل نطاقاً وأعسر التزاماً، مما تقتضيه الوصايا العشر” :
وأمّا وصاياه الخمس فهي :
1- لا يقتلّنَ أحد كائناً حياً.
2- لا يأخذنَّ أحد ما لم يُعطِه.
3- لا يقولّنَ أحدٌ كَذِباً.
4- لا يشربنَّ أحدٌ مُسكِراً.
5- لا يُقِمنَ أحدٌ على دَنَس.
الإيمان بحقيقة التناسخ أو تقمّص الروح في أجساد متتالية، له في الهند قوّة وشمول بحيث يعتنقه كلّ هندوسي على أنّه بديهية أو فرض لا بدّ من التسليم بصحته، ولا يكاد يكلّف نفسه عناء التدليل عليه؛ فتعاقب الأجيال هناك تعاقباً سريعاً متلاحقاً بسبب قُصر الأعمار وكثرة النسل، يوحي إلى الإنسان إيحاء لا يستطيع أنْ يفر منه، بأنّ القوة الحيوية تنتقل من جسد إلى جسد- أو بأنّ الروح تحل بدناً بعد بدن، إذا عبّرنا عن الأمر بعبارة لاهوتيه ؛ ولقد طافت الفكرة برأس بوذا مع مرُّ الهواء في أنفاسه؛ فهذا الهواء الّذي يدخل شهيقاً ويخرج زفيراً هو الحقيقة الواحدة الّتي لم يشك فيها قط على ما يبدو؛ إنّه سلّم تسليماً بعجلة التناسخ في دورانها وبقانون “كارما” وتفكيره كلّه إنّما يدور حول سبيل الفرار من هذه العجلة الدوارة، كيف يُمكِن للإنسان أنْ يحقق لنفسه النرفانا في هذه الحياة الدنيا، والفناء التام في الحياة الآخرة.
ولكن ما “النرفانا”؟ أنّه من العسير أنْ تجد لهذا السؤال جواباً خاطئاً، لأنّ الزعيم قد ترك الموضوع غامضاً، فجاء أتباعه وفسّروا الكلمة بكلّ ما يستطيع أنْ يقع تحت الشمس من ضروب التفسير؛ فالكلمة في السنسكريتية بصفة إجمالية معناها ” مُنطفئ “كما ينطفئ المصباح أو تنطفئ النار؛ أمّا الكتب البوذية المقدّسة فتستعملها بمعان :
(1) حالة من السعادة يبلغها الإنسان في هذه الحياة باقتلاعه لكلّ شهواته الجسدية اقتلاعاً تاماً؛ (2) تحرير الفرد من عودته إلى الحياة؛ (3) انعدام شعور الفرد بفرديته؛ (4) اتّحاد الفرد بإلهه؛ (5) فردوس من السعادة بعد الموت؛ أمّا الكلمة في تعاليم بوذا فمعناها فيما يظهر إخماد شهوات الفرد كلّها، وما يترتب على ذلك الإنكار للذات من ثواب وأعني به الفرار من العودة إلى الحياة؛ وأما في الأدب البوذي، فكثيراً ما تتخذ الكلمة معنى دنيوياً، إذ يوصف القدّيس في هذا الأدب مراراً بأنّه اصطنع النرفانا في حياته الدنيا، بجمعه لمقوماتها السبعة وهي: السيطرة على النفس، والبحث عن الحقيقة، والنشاط، والهدوء، والغبطة، والتركيز، وعلو النفس؛ تلك هي مكنونات النرفانا، لكنها تكاد لا تكون عواملها الّتي تسبب وجودها، أمّا العامل المسبب لوجودها، والمصدر الّذي تنبثق عنه النرفانا، فهو إخماد الشهوة الجسدية؛ وعلى ذلك تتخذ كلمة “نرفانا” في معظم النصوص معنى السكينة الّتي لا يشوبها ألَم، والّتي يُثاب بها المرء على إعدام نفسه إعداماً خُلقياً؛ يقول بوذا : “والآن فهذه هي الحقيقة السامية عن زوال الألم ؛ إنّه في الحق فناء المرء حتى لا تعود له عاطفة تشتهي، إنّه إطّراح هذا الظمأ اللاهث، والتخلّص منه والتحرر من ربقته، ونبذه من نفوسنا نبذا لا عودة له” وأعني به هذه الحمّى الّتي تنتابنا من شهوتنا في البحث عن أنفسنا؛ إنّ كلمة “نرفانا” في تعاليم الأستاذ الزعيم تكاد دائماً ترادف في معناها كلمة نعيم وهو رضى النفس رضى هادئاً بحيث لا يعنيها بعدئذ أمر نفسها؛ لكنّ النرفانا الكاملة تقتضي العدم : وإذن فثواب التقوى في أسمى منازلها هو ألّا يعود التقي إلى الحياة مرّة اخرى.
ويقول بوذا إنّنا في نهاية الأمر نُدرك ما في الفردية النفسية والخلقية من سخف؛ إنّ نفوسنا المضطرمة ليست في حقيقة الأمر كائنات وقوى مستقلاً بعضها عن بعض، لكنها موجات عابرة على مجرى الحياة الدافق؛ إنها عُقد صغيرة تتكوّن وتتكشف في شبكة القدر حين تنشرها الريح؛ فإذا ما نظرنا إلى أنفسنا نظرتنا إلى أجزاء من كل، وإذا ما أصلحنا أنفسنا وشهواتنا إصلاحاً يقتضيه الكل، عندئذ لا تعود أشخاصنا بما ينتابها من خيبة أمل أو هزيمة، وما يعتورها من مختلف الآلام من موت لا مهرب منه ولا مفر، لا تعود هذه الأشخاص تحزننا حزناً مريراً كما كانت تفعل بنا من قبل؛ عندئذ تفنى هذه الأشخاص في خضم اللانهاية؛ إننا إذا ما تعلّمنا أنْ نستبدل بحبِّنا لأنفسنا حبّاً للناس جميعاً وللأحياء جميعاً، عندئذ ننعم آخر الأمر بما ننشد من هدوء.
الجدير بالذكر أنّ الموطن الاوّل للديانة البوذية هو الهند ومنه انتشر الى باقي ارجاء العالم.
ففي الصين يبلغ عدد البوذيين 102 مليونا وفي اليابان يبلغ العدد 89.65 مليونا.
ويُقدّر عدد البوذيين في العالم بنحو 300 مليون.
• الكونفشيوسية:
لن نجد في لا أدرية كنفوشيوس نظاماً فلسفياً- أيْ بناءً مُنسّقاً من علوم المنطق وما وراء الطبيعة والأخلاق والسياسة تسري فيه كله فكرة واحدة شاملة (فتحيله أشبه بقصور نبوخذ ناصر (بختنصّر) الّتي نقش اسمه على كل حجر من حجارتها).
لقد كان كنفوشيوس يُعلّم أتباعه فن الاستدلال، ولكنّه لم يكن يعلّمهم إياه بطريق القواعد أو القياس المنطقي، بل بتسليط عقله القوي تسليطاً دائماً على آراء تلاميذه؛ ولهذا فإنّهم كانوا إذا غادروا مدرسته لا يعرفون شيئاً عن المنطق ولكن كان في وسعهم أنْ يفكّروا تفكيراً واضحاً دقيقاً.
وكان أّول الدروس، الّتي يلقيها عليهم المعلم، الوضوح والأمانة في التفكير والتعبير، وفي ذلك يقول: “كل ما يُقصد من الكلام أنْ يكون مفهوما”- وهو درس لا تذكره الفلسفة في جميع الأحوال. “فإذا عرفتَ شيئاً فتمسّك بأنّك تعرفه؛ وإذا لم تعرفه؛ فأقرّ بأنّك لا تعرفه- وذلك في حد ذاته معرفة”. وكان يرى أنّ غموض الأفكار، وعدم الدقّة في التعبير، وعدم الإخلاص فيه، من الكوارث الوطنية القومية. فإذا كان الأمير الّذي ليس أميراً بحق والّذي لا يستمتع بسلطان الإمارة لا يُسمّيه الناس أميراً، وإذا كان الأب الّذي لا يتصف بصفات الأبوّة لا يسمّيه الناس أباً، وإذا كان الابن العاق لا يسمّيه الناس ابناً؛ إذا كان هذا كلّه فإنّ الناس قد يجدون في “تزه- لو” ما يُحفزّهم إلى إصلاح تلك العيوب الّتي طالما غطّتها الألفاظ. ولهذا فإنّه لمّا قال تلميذه لكنفوشيوس: “إنّ أمير ويّه في انتظارك لكي تشترك معه في حكم البلاد فما هو في رأيك أوّل شيء ينبغي عمله؟ فأجابه كنفوشيوس جوابا دهش له الأمير والتلميذ: “إنّ الّذي لا بدّ منه أنْ تُصحح الأسماء”.
ولمّا كانت النزعة المسيطرة على كنفوشيوس هي تطبيق مبادئ الفلسفة على السلوك وعلى الحكم فقد كان يتجنب البحث فيما وراء الطبيعة، ويحاول أنْ يصرف عقول أتباعه عن كل الأمور الغامضة أو الأمور السماويّة. صحيح أن ذكر “السماء” والصلاة كان َيرِدْ على لسانه أحياناً، وأنّه كان ينصح أتباعه بألّا يغفلوا عن الطقوس والمراسم التقليدية في عبادة الأسلاف والقرابين القومية، ولكنّه كان إذا وجِّهَ إليه سؤال في أمور الدين أجاب إجابة سلبية جعلت شُرّاح آرائه المُحدِثين يُجمعون على أنْ يضمّوه إلى طائفة اللا أدريين. فلما أنْ سأله تزه- كونج، مثلا: “هل لدى الأموات علم بشيء أو هل هم بغير علم؟” أبى أن يجيب جواباً صريحاً. ولما سأله كي -لو، عن “خدمة الأرواح” (أرواح الموتى) أجابه “إذا كنت عاجزاً عن خدمة الناس فكيف تستطيع أنْ تخدم أرواحهم؟”. وسأله كي- لو: “هل أجرؤ على أنْ أسألك عن الموت؟” فأجابه: “إذا كنت لا تعرف الحياة، فكيف يتسنى لك أن تعرف شيئاً عن الموت”. ولمّا سأله فارشي عن “ماهية الحكمة” قال له: “إذا حرصت على أداء واجبك نحو الناس، وبَعُدتَ كلَّ البعد عن الكائنات الروحية مع احترامك إياها أمكن أنْ تُسمّي هذه حكمة”.
ويقول لنا تلاميذه إنّ “الموضوعات الّتي لَمْ يكن المعلّم يخوض فيها هي الأشياء الغريبة الغير المألوفة، وأعمال القوّة، والاضطراب، والكائنات الروحية”. وكان هذا التواضع الفلسفي يُقلق بالهم، وما من شك في أنّهم كانوا يتمنّون أنْ يحلَّ لهم معلمهم مشاكل السموات ويُطلعهم على أسرارها. ويقصُّ علينا كتاب- لياتزه وهو مغتبط قصّة غلمان الشوارع الّذين أخذوا يسخرون من كنفوشيوس حين أقرّ لهم بعجزه عن هذا السؤال السهل وهو: “هل الشمس أقرب إلى الأرض في الصباح حين تبدو أكبر ما تكون، أو في منتصف النهار حين تشتد حرارتها”. وكل ما كان كنفوشيوس يرضى أنْ يقرّه من البحوث فيما وراء الطبيعة هو البحث عما بين الظواهر المختلفة جميعهاً من وحدة، وبذل الجهد لمعرفة ما يوجد من تناغم وانسجام بين قواعد السلوك الحسن واطراد النظم الطبيعية.
وقال مرّة لأحد المقربين إليه: “أظنك يا تزه تعتقد أنّي من أولئك الذين يحفظون أشياء كثيرة ويستبقونها في ذاكرتهم؟” فأجابه تزه- كونج بقوله: “نعم أظنُّ ذلك ولكنّي قد أكون مخطئاً في ظنّي؟” فرد عليه الفيلسوف قائلا “لا، إنّي أبحث عن الوحدة، الوحدة الشاملة” وذلك بلا ريب هو جوهر الفلسفة.
وكانت الأخلاق مطلبه وهمّه الأوّل، وكان يرى أنّ الفوضى الّتي تسود عصره فوضى خُلقية، لعلّها نشأت من ضعف الإيمان القديم وانتشار الشك السفسطائي في ماهية الصواب والخطأ. ولم يكن علاجها في رأيه هو العودة إلى العقائد القديمة، وإنّما علاجها هو البحث الجدّي عن معرفة أتَمْ من المعرفة السابقة وتجديد أخلاقي قائم على تنظيم حياة الأسرة على أساس صالح قويم. والفقرتان الآتيتان المنقولتان عن كتاب التعليم الأكبر تُعبّران أصدق تعبير وأعمقه عن المنهج الفلسفي الكنفوشي.
“إنّ القدامى الّذين أرادوا أنْ ينشروا أرقى الفضائل في أنحاء الإمبراطورية قد بدءوا بتنظيم ولاياتهم أحسن تنظيم، ولمّا أرادوا أن يحسنوا تنظيم ولاياتهم بدءوا بتنظيم أسرهم، ولمّا أرادوا تنظيم أسرهم بدءوا بتهذيب نفوسهم؛ ولمّا أرادوا أنْ يُهذّبوا نفوسهم بدءوا بتطهير قلوبهم، ولمّا أرادوا أنْ يُطهّروا قلوبهم عملوا أولاً على أنْ يكونوا مخلصين في تفكيرهم؛ ولمّا أرادوا أنْ يكونوا مخلصين في تفكيرهم بدءوا بتوسيع دائرة معارفهم إلى أبعد حد مستطاع، وهذا التوسع في المعارف لا يكون إلّا بالبحث عن حقائق الأشياء.
فلما أنْ بحثوا عن حقائق الأشياء أصبح علمهم كاملاً، ولمّا كَمُل علمهم خلُصت أفكارهم، فلمّا خلُصت أفكارهم تطهّرت قلوبهم، ولمّا تطهّرت قلوبهم، تهذّبت نفوسهم، ولمّا تهذّبت نفوسهم انتظمت شئون أُسَرِهم، ولمّا انتظمت شئون أُُسَرِهم صَلُحَ حكم ولاياتهم؛ ولمّا صَلُح حكم ولاياتهم أضحت الإمبراطورية كلّها هادئة سعيدة.
تلك هي مادّة الفلسفة الكنفوشية، وهذا هو طابعها، وفي وسع الإنسان أنْ ينسى كلّ ما عدا هذه الألفاظ من أقوال المعلم وأتباعه، وأنْ يحتفظ بهذه المعاني اّلتي هي “جوهر الفلسفة وقوامها” وأكمل مرشد للحياة الإنسانية. ويقول كنفوشيوس “إنّ العالم في حرب لأنّ الدول الّتي يتألّف منها فاسدة الحكم؛ والسبب في فساد حكمها أنّ الشرائع الوضعية مهما كثرت لا تستطيع أنْ تحل محل النظام الاجتماعي الطبيعي الّذي تُهّيئه الأسرة. والأسرة مختلّة عاجزة عن تهيئة هذا النظام الاجتماعي الطبيعي، لأنّ النّاس ينسون أنّهم لا يستطيعون تنظيم أسرهم من غير أنْ يُقوّموا نفوسهم وهم يعجزون عن أنْ يقوّموا أنفسهم لأنّهم لم يُطهّروا قلوبهم أي أنّهم لم يطهّروا نفوسهم من الشهوات الفاسدة الدنيئة؛ وقلوبهم غير طاهرة لأنّهم غير مخلصين في تفكيرهم، لا يقدّرون الحقائق قدرها ويُخفون طبائعهم بدل أنْ يكشفوا عنها؛ وهم لا يُخلصون في تفكيرهم لأنّ أهواءهم تشوّه الحقائق وتُحدد لهم النتائج بدل أنْ يعملوا على توسيع معارفهم إلى أقصى حد مستطاع ببحث طبائع الأشياء بحثاً منزّهاً عن الأهواء.
فليسعَ النّاس إلى المعارف المنزّهة عن الهوى عند ذلك يُخلِصوا في تفكيرهم، وعندما يُخلِصوا في تفكيرهم تتطهر قلوبهم من الشهوات الفاسدة؛ وعندما تطهر قلوبهم على هذه الصورة تصلح نفوسهم؛ وعندما تصلح نفوسهم تصلح من نفسها أحوال أُسَرِهم؛ وليس الّذي تصلح به هذه الأُسَر هو المواعظ الّتي تحثُّ على الفضيلة أو العقاب الشديد الرادع، بل الّذي يُصلحها هو، ما للقدوة الحسنة من قوة صامتة؛ وعندما تنتظم شئون الأسرة عن طريق المعرفة والإخلاص والقدوة الصالحة، يتهيأ للبلاد من تلقاء نفسه نظام اجتماعي يتيسر معه قيام حكم صالح.
وعندما تحافظ الدولة على الهدوء في أرضها والعدالة في جميع أرجائها يسود السلام العالم بأجمعه ويسعد جميع من فيه- تلك نصيحة تدعو إلى الكمال المطلق وتنسى أنّ الإنسان حيوان مفترس؛ ولكنها كالمسيحية تحدد لنا هدفاً نسعى لندركه وسلّماً نرقاه لنصل به إلى هذا الهدف. وما من شك في أنّ في هذه النصوص قواعد فلسفية ذهبية.
• اليهودية:
دين سماوي يؤمن معتنقوه بإله واحد هو يهوه او ربُّ الجنود، والكتاب المقدّس لهذا الدين هو التوراة. يتألّف التوراة من عدّة اسفار، لكلّ سفر اسم كسفر التكوين وسفر الخروج.
عند قراءة التوراة نلاحظ انّه موجّه الى بني اسرائيل فقط، وعدَهم الربّ فيه بارض الميعاد ( فلسطين ) كوطن قومي لهم. لا يُمكن اعتبار اليهودية دينا عالميا مُرسلا لجميع البشر. التوراة يحتوي على تاريخ بني اسرائيل وقصص واساطير لا يتقبّلها العقل والمنطق وقسم من هذه الاساطير مقتبسة من اساطير الحضارات العراقية القديمة وبالاخص الحضارة البابلية كقصّة الطوفان الّتي وردت في ملحمة جلجامش ويُعتقَد انّها أُقتِبست اثناء السبي البابلي.
عند قراءة ودراسة التوراة بتمعّن يستنتج الدارس انّ التوراة تأليف بشري ولا علاقة له من قريب او بعيد بالوحي الإلهي.
احكام التوراة تمّ لاحقا شرحها في التلمود من قبل حاخامات اليهود ويمكن تشبيه ذلك بالاحاديث النبويّة والسيرة المحمديّة وتفاسير القرآن الّتي كُتبت بعد وفاة محمّد بمئات السنين.
نبيُّ اليهود هو موسى الّذي حيك حوله اساطير عديدة كوضعه في سلّة وتركه تحت رحمة تيّار نهر النيل عندما كان طفلا رضيعا خشية من القتل على ايدي جنود الفرعون وهذه الاسطورة ظهرت في حضارات قديمة اخرى عديدة كاسطورة ولادة سرجون الاكدي ووضعه في سلّة وتركه في النهر. حسب الكتب السماوية لموسى معجزات عديدة كشقّ البحر بعصاه وتحويل العصا الى ثعبان وارسال الضفادع والجراد عقابا لفرعون وقومه الّذين رفضوا الايمان به والسماح للعبرانيين بمغادرة مصر.
الدين المسيحي اعتبر التوراة جزءا من الكتاب المقدّس الّذي يضم بين دفتيه التوراة والانجيل.
يبلغ تعداد معتنقوا الدين اليهودي في العالم حوالي 14 مليونا من إجمالي سكان العالم البالغ عددهم 6.8 مليار نسمة.
• المسيحية :
حسب الفكر المسيحي فالديانة المسيحية ظهرت مع بداية قيام يسوع (السيد المسيح) بنشر رسالته في عام 25 ميلادي تقريبا، حيث وُلِد السيد المسيح في السنة الخامسة قبل الميلاد، وبدأ خدمته الرسولية وهو في سن الثلاثين، ثم مات وقام من الأموات، وصعد إلى السماء وهو في سن الثالثة والثلاثين. من ألنقاط ألرئيسية في ألمذهب ألمسيحي:
– الثالوث : إله واحد يتمثّل في 3 أقانيم أو كينونات في ذات الله العجيبة بحيث لا يعتبرونها مسألة جمع مثل 1+1+1=3 كما في الرياضيات بل مسألة ضرب 1×1×1=1 إذا استعرنا مثال من الرياضيات كذلك، الأب، الابن، والروح القدس.
– المسيحيون يعتبرون أنّ المسيح هو كلمة الله الموجود مع الأب منذ الأزل بل هو الله الذي ظهر في الجسد، تجسّد من مريم العذراء المباركة بشرًا فظهر عبدًا يأكل ويشرب وينام ويتألّم ليقدر أنْ يموت عن الخطاة بجسده، فهو ليس ميخائيل وهو ليس بشرا فقط من نسل آدم، ولكنه الله المتجسّد بشرًا، ولذلك أَطلق الكتاب عليه اسم ( ابن الله ) و( ابن الإنسان )، فهو الإله الكامل والإنسان الكامل.
بعد أنتشار ألدين ألمسيحي وأعتناق الرومانيين هذا ألدين ألجديد بشكل واسع في عهد القيصر قسطنطين تأثرت ألمسيحية بألديانة ألرومانية وألّتى كانت تؤمِن بتعدد ألآلهة ونتيجة لهذا التأثُر بدأ المسيحيون بألأيمان بفكرة ألثالوث ألمقدّس أيْ ألرّب وألأبن وروح ألقدس.
عيسى او المسيح نبّي مُختلِف عن باقي ألأنبياء، فعيسى يولَدُ مِنْ أمٍّ وبدون أب، ثمَّ نراه يتكلَّم في رَحْمِ أمِّه وفي ألمهد، وعندما يكبر عيسى يَخلُبُ ألألباب بمعجزاته فيُبريء ألأبرص وألأصم وألأعمى ويمشي على ألماء متحديّا قانون ألجاذبية ألأرضيّة ويُحوِّل عدد مِنْ أرغفة ألخبز إلى مضاعفاته بخلاف ألقوانين ألفيزيائية وألكيميائية وألبيولوجية ألّتي سنّها ألله للكون، وألأهم مِن كلِّ هذه هي قدرته على إحياء ألموتى.
يبلغ عدد المعتنقين للدين المسيحي ملياران ، أي أنَّهم يُشكّلون نحو 29 في المائة من إجمالي سكان العالم البالغ عددهم 6.8 مليار نسمة.
• الاسلام :
الاسلام ثالث الاديان السماوية التوحيدية المعروفة، نبيّ الاسلام هو محمّد بن عبدالله الّذي عاش في مكّة واعلن عن دينه هناك ثمّ هاجر الى يثرب بعد مضايقته من قبل افراد قبيلته قريش وبالاخص قادتهم الّذين كانوا يحتكرون التجارة ويشرفون على مراسيم الحج. بدأ محمّد دعوته في مكّة بالحكمة والموعظة الحسنة ولكن بعد هجرته الى يثرب واستناده على قوّة الانصار من قبيلتي الاوس والخزرج كوّن منهم جيشا وبدأ بالاغارة على قوافل قريش الّتي كان يتوجّب عليها المرور بالقرب من يثرب. ثمّ حارب محمّد قبائل اليهود الساكنين في يثرِب فاخضعهم واستولى على ديارهم واموالهم.
بعد فتح مكّة قويت شوكة المسلمين فعمدَ محمّد الى نشر الدين الاسلامي بقوة السلاح وسمّى حروبه بالجهاد، نتيجة لهذه الحروب زادت القوّة الاقتصاديّة للمسلمين عن طريق الغنائم الّتي غنموها في هذه الحروب. بعد وفاة محمّد خلّفه اربع من الخلفاء هم ابو بكر الصدّيق و عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان وعلي بن ابي طالب وجميعهم من قبيلة قريش. الخلفاء الّذين سُمّوا بالراشدين ساروا في حكمهم على نفس النهج الّذي اختطّه محمّد ففتحوا البلدان المجاورة كالعراق الّذي كان تحت حكم الساسانيين الفرس واستولوا على سوريا وفلسطين وكانا تحت حكم البيزنطينيين وارغموا سكّان البلدان المفتوحة على اعتناق الاسلام، اما اهل الكتاب من المسيحيين واليهود فكان عليهم دفع الجزية عن يد وهم صاغرون.
بدأ الدين الاسلامي كثورة للعبيد والفقراء على مُستغلّيهم من اغنياء قريش وانتهى على يد الخلفاء الامويين والعبّاسيين والسلاطين الّذين حكموا باسم الدين بعد ذلك كأفيون للشعوب الاسلامية وبمعاضدة وعّاظ السلاطين الّذين بدءوا بتأويل القرآن والاحاديث النبويّة وتأليف بعض الاحاديث بما يتناسب مع مصالح الخلفاء والسلاطين والامراء.
دستور الدين الاسلامي هو القرآن، ويعتقد المسلمون بانّ آياته وحي من الله نقلها الملََك جبريل الى محمّد. الدارس والمتمعّن للقرآن يجد فيه الى جانب الدعوة الى الفضائل والاخلاق الحميدة تشريعات متناقضة واخطاء لغويّة وعلمية وتاريخية تدّل بصورة قاطعة انّ القرآن من تأليف محمّد وأنّ تشريعاته كانت مُناسِبة للمكان والزمان الّذي عاش فيه محمّد وقومه، فبالرغم من الادعّاء بانّ الدين الاسلامي هو دين لكلّ البشر نجد انّ تشريعاته تفوح منها رائحة الصحراء وتقاليد البدو كالغزو والسبي والاسترقاق واعتبار المرأة اقلّ شأنا من الرجل.
الدارس للقرآن لايستطيع من فهم معظم آياته انْ لَمْ يطّلع على اسباب نزول هذه الآيات وإنْ لم يعرف الناسخ والمنسوخ من القرآن، كما انّ بعض الكلمات المُستخدَمة في القرآن لا علاقة لها باللغة العربية وهي مقتبسة من لغات اخرى وبعض الكلمات غامضة اختلف المُفسّرون في اضفاء المعاني لها فأوّلها كلّ مفسّر حسب قناعته وقسم منهم وقع في حيص بيص. إنّ سبب استعمال بعض الحروف والكلمات الغامضة في بداية بعض السوَر مثل (ق) و (ن) و (كهيعص) و (ألم) هو محاولة لأضفاء الغموض على القرآن وهذا الاسلوب كان يستخدمه الكهّان في عصر محمّد لأضفاء أهميّة على كلامهم او لأجل جلب الانتباه اليه.
عدد المسلمين في العالم يبلغ نحو 1.57 مليار مسلم يشكلّون نحو 23 في المائة من إجمالي سكان العالم البالغ عددهم 6.8 مليار نسمة.
الخاتمة:
بعد دراسة العقائد الانسانية المختلفة ومِن ضمنها، التوراة والانجيل والقرآن توصّلت الى قناعة مفادها أنَّ جميع هذه العقائد والاديان هي من تأليف مؤسسيها وهي تناسب الاقوام الّتي ظهرت بينهم زمانيا ومكانيا.
إنّ لكلّ دين إيجابيته وسلبياته، وإذا اعتبرنا هذه الاديان مرحلّة تاريخية مرّت بها الانسانية بإيجابياتها وسلبياتها ولم نحاول إضفاء القدسية على هذه الاديان، ولم نحاول اجبار الآخرين على اعتناقها فسَنُجنِّب الانسانية الحروب والويلات وسنعيش بسلام مع اخواننا في الانسانية.
لقد اثبتت التجارب الإنسانية أنَّ العلمانية وفصل الدين عن الدولة هي احسن الخيارات امام الانسان للعيش بسلام في عالمنا، لذا فمن الافضل للانسانية أنْ يكون كلُّ إنسان حُرّاً في إختيار عقيدته ولا يحاول فرضها على ألآخرين بألقوّة أو بألإرغام، فإذا آمَنَْتَ بحَجَرٍ فلا تَضرِب به الآخرين.
المصادر :
1- القرآن
2- الاحاديث النبويّة
3- تفسير القران العظيم…..للامامين الجليلين العلاّمة جلال الدين محمد بن احمد المحلّي والعلاّمة جلال الدين عبدالرحمن بن ابي بكر السيوطي
4- تفسير القرآن للقرطبي
5- تفسير القرآن لأبن كثير
6- في ظلال ألقرآن……. سيّد قطب
7- لباب النقول في اسباب النزول……. لجلال الدين عبدالرحمن بن ابي بكر السيوطي
8- في معرفة الناسخ والمنسوخ…….لأبي عبدالله محمد بن حزم
9- التوراة
10- الإنجيل
11- الاحلام……. د. مصطفى محمود
12- محاولة عصرية لفهم القران……. د.مصطفى محمود
13- موسى والتوحيد……. سيجموند فرويد
14- المستقبل وهم……. سيجموند فرويد
15- خوارق اللاشعور……. د. علي الوردي
16- منطق ابن خلدون…….د. علي الوردي
17- اصل الانواع ……. تشارلس داروين
18- اسرار القران الكريم……. عمر جل اكيل
19- ألشخصيّة ألمحمّدية……. معروف ألرصافي
20- قصّة الحضارة……. ول ديورانت
21- الموسوعة الحرّة ( ويكيبيديا )
22- عن العلمانيّة……. مقالة لمصدّق حبيب
23- سليمان دنيا……. الحقيقة في نظر الغزالي
24- محمّد عبدة……. نهج البلاغة
25- مهزلة العقل البشري……. د.علي الوردي
26- الرسالة……. كتاب الرائيليين
كامل علي
في ألرابع من شهر مايس سنة 2010