المنهج التاريخي العلمي هو الاساس في دراسة النص المقدس وليس الترادف اللغوي الخاطىء عند الفقهاء والمفسرين ، وهو الذي يعطيك العمق الفلسفي للعقيدة الدينية ، لكي تكون المسلمات واضحة المعنى في التحديد . لذا يجب اعادة النظر في دراسة النص بعيدا عن التفسيرات المثيولوجية التي طرحها الفكر الديني التقليدي للفقهاء والمفسرين بعد القرن الثاني للهجرة، وجعلنا ندور في حلقات مفرغة لم نصل بها الى حل المعضلات الفكرية الأساس في النص الديني ،كأطروحة القضاء والقدر ، والحرية ، ومشكلة المعرفة ، ونظرية الدولة ، وتفسير التاريخ .
مدارس ثلاث اهتمت بدراسة النص القرآني وفق المنهج التاريخي العلمي في الدراسات اللغوية هي :مدرسة العلامة أبي علي الفارسي حين ذكر ان اللغة نظام . وهي ظاهرة اجتماعية ترتبط بوظيفة الاتصال التي تؤديها ، وهي ظاهرة تتغير بتغير الزمن. أما مدرسة العلامة ابن جني في نظريته الخصائص التي طرحت نظرية الربط بين الصوت والكلمة والمدلول والعلاقة بينهما. أما مدرسة الامام الجرجاني في نظريته دلائل الأعجاز،فقد ربطها بجوانب ثلاثة هي :
الأول – ان اللغة ما هي الا نظام لربط الكلمات والوصف التلازمي لها.
والثاني- اكتشاف القوانين العامة للنظام اللغوي لأرتباطها بالتفكير.
والثالث- التفريق بين الكلمات في المعنى وان جاءت متشابه في التدوين ، والخبر يجب ان يفهم بأستقلالية المعنى ولا ترادف له بالمطلق .
ان المدارس الثلاث اعتبرت ان اللغة ،هي نظام لربط الكلمات ،وهي مرتبطة بالتفكير،وأختلاف التفكير مرتبط بالزمن،لأن الزمن يلعب دورا في في عملية التغيير. لذا فان التفسير الترادفي لمعنى الكلمات القرآنية ينهي المعنى التطوري للنص القرآني بأنه صالح لكل زمان ومكان،او نظرية التفسير بأن القرآن هو دستور المسلمين .لذا فأن التفسير الترادفي هو من المتباينات في المعنى والتطبيق.من هذا المنطلق لا يمكن ان يكون القرآن دستورا للمسلمين لأنه يمثل مرحلة تاريخية متقدمة والدساتير تتغير الا اذا اعتقدنا ان النص ثابت والمعنى يتغير بالتغير الزمني لمفردات اللغة .
ان ألفاظ اللغة العربية تعبرعن التفكير القائم على ادراك المشخص ،ولأن التسميات الحسية لم تكن قد أستكملت في ذلك الزمن البعيد بعد تركيزها في تجريدات، لذا ظل النص يعاني من التفسير الفقهي بنظريات غير واضحة خاصة ان قواعد اللغة تخضع للمتغيرات في الألفاظ لذا استندت في معظمها على المترادفات ،وهذا هو الخطأ القاتل في تفسير القرآن الكريم . .
2
ان اكثر التفاسير القرآنية اليوم والتي بلغ عددها ما يقرب من 115 تفسيرا تعتمد في غالبيتها على الترادف اللغوي الخاطي لذا جاءت في غالبيتها وكأن الواحد منقولا عن الاخر دون دراية. وما دروا ان القرآن لا يفسر لغويا وأنما يؤول تأويلا علميا (الآية 7 من سورة آل عمران )،لذا فقد ابتعد الرسول (ص) عن تأويله ليدع للناس حسن التصرف مع الزمن.
لقد وردت في القرآن مصطلحات عديدة منها : القرآن والكتاب ووجود الفرق بينهما ،واذا ما اقتنع العاملون بالتفسير بهذا التوجه الصحيح سيتفاجئون بأن هذه النتيجة ستهدم التصور السائد في فهم الاسلام القائم على ترادف اللغة الخاطىء حالياً. لذا ومن هذا المنطق يجب تقديم تصور جديد لفهم الاسلام بعد ان ادى التفسير اللغوي الى ادخال الكثير من الخرافات والاوهام على النص الديني بعد ظهور حركة المذاهب الاجتهادية، مما جعله اليوم موضع شك في بعض آياته القرآنية التي اصبحت تاريخ كما في آيات العبيد وملك اليمين والوصية والأرث وحقوق المرأة الاخرى التي شوهت لصالح ذكورية الرجل دون تحديد.
والناحية الاخرى لقد فشل المفسرون في اعطاء فكرة علمية صحيحة عن نظرية الجدل القرآني حين لم يستطيعوا التمييز بين التلاوة والترتيل كما في سورة المزمل،ونظرية الجدل العام للنص (كل شيء هالك الا وجهه،القصص88). وقانون الجدل الخاص بالأنسان الذي ميزه الله بنفحة الروح،وامكانية بيان الفرق بين الروح والنفس،والنظرة العلمية لنظرية الاستقامة وكيفية الالتزام بها، وما دروا ان الخروج على الايات الحدية هو خروج على الاسلام نفسه . لذا لم يعد الأيفاء بالعهد والألتزام به في التطبيق موضع احترام وتطبيق،خدمة لسلطة الحاكم الظالم على المواطنين .
من هنا ابتعد الحاكم عن الالتزام الديني في حقوق الوطن والنظرة الانسانية لها بموجب الآية 43 من سورة التوبة ،حتى اصبح الخروج على النص وعلى الدستور امرا عاديا لا يحسب له حساب (الحكومات العربية والعراق بخاصة مثالاً ) مادام الحاكم يحكم بقانون القوة لا قوة القانون،حتى اصبحت الدولة وحقوق المواطن فيها من وجهة نظر الحاكم لا تخضع لقانون، فساد الظلم والترهل الحكومي وضياع حقوق المواطنين .
من هذا المنطلق لابد من فقه جديد ،ينطلق من التلازم بين الاستقامة ونظرية التطور الزمني،وهنا سيدخل الفقه في دراسة موضوع المرأة في الاسلام الذي شوهه الفقهاء وعزلوا نصف المجتمع بحجج واهية لا تستند في غالبتها على اصل تشريعي محدد.
ان المرأة التي خلقت بهذه المواصفات الربانية العظيمة في الصبر والولادة والجمال والمحاسن الاخرى ، ليس معقولا ان تكون حقوقها نصف حقوق الرجل ،وان الرجل من حقه استعبادها والأكثار منها في الزواج المشرعن وكأمة ورقيق ولها نصف حقوقه.هذا الرجل السمج المتعالي
3
الذي لا يؤمن بحقها في الحياة ،حتى ظل التفسير يتجه نحو هذا المنحى الذي امات حقوقها وجعل النظرة اليها متدنية وهما من خالق واحد،وما درى هذا الرجل المتعجرف لولاها لما خلق الرجل. المسيحية استطاعت ان تتدخل في النص وتنقذها من خطأ التاريخ وتثبت حقوقها كأنسانة متساوية مع الرجل فخلقت مجتمعا متوازيا في الحقوق والواجبات وخلصتها من الضياع والعوز وقوانين الفقه المتخلف في التطبيق.وهذا هو عين الصحيح >
النظريات الفقهية الاسلامية بحاجة الى دراسة وتعديل بقوة القانون واستبعاد اراء الفقهاء المتخلفة في التطبيق ،والافضل سحب التفسير من رجاله الذين اتخذوه وسيلة للاستعلاء والتدمير.او اعادة النظر في النص الذي كتب في زمن ذكورية الرجل بعد ان احرق الاصل في عهد الخليفة عثمان بن عفان (ص) نتيجة ظروف الاختلاف ،وثبت الاصل واصبح واقعا في الامصار الاسلامية لا يقبل التعديل والتبديل . حتى اعتدنا على نصٍ لا زال بحاجة الى مراجعة وتثبيت.ومن يدريك ان نصف الآيات القرآنية اصبحت اليوم تاريخ …؟
وتبقى القصص القرآنية التي جاءت من احداث التاريخ بعد وقوعها بحاجة الى تدقيق ،فهي احداث الطبيعة والقوانين الناظمة لأحداث التاريخ .يقول الحق 🙁 نحن نقصُ عليك أحسن القصص،أنظر سورة يوسف) والتي ربطها بوحي القرآن (بما أوحينا اليك هذا القرآن .. وان كنت من قبله لمن الغافلين) ،لذا فالقرآن يؤكد ان النبي لم يكن يعلم قوانين الوجود وقوانين التاريخ واحداثه) ليأتينا الفقهاء ويقولون ان القصص نزلت من اجل تسلية الرسول(ص) وقت فراغه ،وهذا نقص في الفهم الفقهي والتفسير .
ان الفرق بين الحدث الطبيعي والحدث التاريخي واضح في الآيات القرآنية وضوح بَين.وكذلك الدخول في دراسة اسلامية المعرفة ، والتراث والمعاصرة والاصالة ،وكيف يتم التفريق بينها وبين الفرقان العام والخاص وآيات الوصايا العشروالسبع المثاني،وقوانين الحلال والحرام (الحقيقة والوهم )والحروف التي جاءت في اول بعض السور القرآنية والتي ادعوا انها لا تفسير لها وهم خاطئون فهي ايات مختصرة في حروف كما قال الرسول (ص) :ان القرآن نزل على سبعة احرف.
كل هذه الامور الحياتية التي جاءت في القرآن فسرت تفسيرا ترادفيا خاطئا ادخل الارباك اللغوي في المعنى في فهم السور القرآنية ،فظهرت الاجتهادات الفردية التي ولدت لنا المذاهب الاجتهادية الخاطئة والتي اربكت المجتمع وادخلته في الأنقسامات الفكرية والعقائدية المرفوضة اصلا وتطبيقا.وبقي مرجع الدين يتحكم في عقل الحاكم المتعجرف الذي هو اصلا لا يؤمن بحقوق الاخرين ،…فأين الحل ؟
الحل يكمن في تطبيق الآية 7 من سورة آل عمران :”وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم”وهم العلماء وليس الفقهاء ،والفرق بينهم كبير، وذلك بتكوين لجنة علمية تشمل علماء اللغة
4
والعلوم المادية كافة للخروج بتأويلات قرآنية جديدة تلغي المذهبية والتفكير المتطرف في النص الديني،وبأستبعاد مرجعيات الدين ومؤسساتهم المستغلة لحقوق المواطنين من توجهات المجتمع تمهيدا لتطبيق النص علميا وفصل الدين عن السياسة. لنتخلص من كوارث مرجعيات الدين ونصبح مثل الشعوب الاخرى التي تقدمت بفضل فصل الدين عن مؤسسات الدولة كما عند الاوربيين والامريكيين واليابان والصين .
فلا ادري ما فائدة دين يقتل حقوق الابناء ويطبق بينهم التفضيل دون حق وقوانين …؟ في وقت ان الاسلام هو توحيد ومثل عليا انسانية،غير قابل للتسييس،وان محاولة البعض وخاصة حكام العرب والمسلمين تسييس الاسلام ،وأسلمة السياسة أضاعت علينا الاسلام والسياسة معا ، وجعلتنا مترددين من ان نقول كلمة الحق بوجه السلطان الجائر الذي دمر الاوطان والحقوق وزرع فينا نظرية الخوف والتردد حتى اصبحنا مستسلمين للباطل دون تفكير.
.فالحل يكمن في التغيير الثوري لازاحة الحاكمين ،كما في حكام العراق الباطلين اليوم، وابطال اراء الفقهاء الخاطئة في الدين .