على الرغم من كل ما تم تصويره عن داعش وجعله بعبعاً تغنى به الكثير من الداعمين و الموالين لهم في العملية السياسية إلا ان الانتصارات الاخيرة ستعطي رسالة لبقية شعوب المنطقة من انها لم تكن إلا فقاعة وستذهب من اجل حل الازمات الاخرى والهزيمة المتوقعة حسب خطاب البغدادي الاخير الذي طالب فيها افراده بالستماتة بالقتال والثبات واليقين الراسخ بعد الانكسارات الكبيرة التي لحقت بهم بعبارة (واعيدوا الكرة تلة الكرة )…و لم يعد يمتلك خيارات واسعة للمناورة كما كان قبل فقدانه لغالبية أراضي محافظة الأنبار، رغم سيطرته على أجزاء من مناطق في الموصل. وهذا يعني أنه سيقاتل “بشراسة” للحفاظ -على الأقل- على وجوده الظاهر في ثاني أكبر محافظة عراقية. وهو لايعني شيئ امام ارادة الخلاص من وجوده وهناك عزم وحزم لمكافحته بعد تهديده للعالم . بعض المعارك الأخيرة كانت سهلة للجيش العراقي بشكل غير متوقع حسب السياقات والتوقعات العسكرية هذا لايعني بعدم وجود شراسة لدى هذا العدو الخبيث ولكن بفضل الاحتياطات اللازمة التي اتخذتها القوات المشاركة لكون المدن المحاصرة تضم عناصر كثيرة من المدنيين مما يشكلون عائقاً امام تقدم القوات المسلحة لخوفهم الشديد على حياتهم بعد ان قتل منهم المئات وجعل البقية كدروع بشرية. ومن خلال استمرار الزحف حيث هناك اعداد كبيرة من قادة وافراد هذه العصابات تفر من ارض المعركة نحو الاراضي السورية لتلاقي مصيرها هناك،
و يمثل التخوف من مرحلة ما بعد داعش هاجس للبعض من المراقبين للشأن الامني، نظراً الى الظروف السياسية التي تعيشها البلاد، سواء في البرلمان او الحكومة من تجاذبات وصراعات مثيرة ، إلا ان ما يتحقق الآن من نجاحات يبشر بأن القضاء على «داعش» في العراق بات قريباً والخطة الموضوعة قريبة المنال والنصر قاب قوسين بعد ذلك سيكون تنظيم داعش وأية صيغة ارهابية مسلحة من الماضي المقيت الذي لن يتكرر أبداً.،
يعني أن العراق سيتخلص من اخطر تحد لوحدته، في المقابل اثبت الجيش العراقي أنه مؤسسة حكومية عابرة للطائفية، وقادرة على استرجاع الاراضي المفقودة بالإضافة الى تحسن قدراته القتالية الى حد كبير، فقد تعلم الكثير من الدروس من هزيمته في حزيران عام 2014 كما أن القوات الجماهيريةة الاخرى، والتي تضم مختلف فصائل الحشد الشعبي والعشائري والبيشمركة قد ضمت الشيعة والسنة والكلدان ومن مختلف الطوائف والاديان والقوميات على نطاق واسع وتقاتل بروح وطنية مثالية لم تقترن دائما بالدولة، كما أن معظم الانتصارات العسكرية كانت عراقية بنسب عالية وكان التدخل الاجنبي عند حده الادنى من المساعدة في التغطية الجوية والمشورة في بعض الاحيان.
الامر قد ارسى ثقة بين ابناء الشعب العراقي و تحقيق الانتصارات بهذه السرعة لم تكن في البال و الحسبان وهي كانت مبهرة للعالم،وبخطط مدروسة من جميع الجوانب والاحتمالات واعتقد بان كل هذه الامور لم تأتي اعتباطاً بل ان القوات المسلحة العر اقية المشتركة بكل صنوفها و قواها اعطت رسالة بان لحمة الجماهير هي اقوى من السابق وهناك ثقة متبادلة بين ابناء الشعب وان عراق مابعد داعش هو اكثر استقرارا و اكثر توحدا و ان ما يقال من هنا و هناك هي كلها مخططات خارجية لن يكون لها اي مجال للتطبيق في العراق.
لم يعد النصرعصياً عن تحقيقه، وهو قاب قوسين من يكون قريباً ، واعلان العراق نظيفاً من هذه الجرثومة القذرة التي كانت الغاية من تاسيسها تقسيم العراق والمنطقة حيث لم يستطع الاحتلال الأمريكي فرض خيار التقسيم الذي كان الراية البارزة لتلك الغزوة واحتلاله.ولان الحكومة الأمريكية وآلة الحرب والعنجهية في أشد الحاجة إلى نصر سهل يحفظ ماء الوجه ويعيد لأمريكا هيبتها عالمياً ولحكومتها مصداقيتها لدى الشعب الأمريكي بعد الازمة الاقتصادية التي كانت تعصف بها.
ان قضية داعش تعتبر تهديد عالمي وحضاري بسبب الجرائم التي ارتكبت بحق المواطنين واننا نحتاج من الدول الصديقة إلى توثيق الجرائم واعتبارها جرائم حرب ضد الإنسانية. تحرير الموصل لا يعني القضاء على داعش؛ رغم دلالات حسم المعركة وهزيمة داعش؛ إلاّ أن المرض العضال بحاجة الى حلول جذرية .
وقد جاء الغزو بدعوى إعادة ترسيم الخرائط السياسية ووضع دستور عراقي يحمل في طياته بذور التقسيم من خلال تكريس «المحاصصة السياسية»، لكنه، وعلى الرغم من كل ما أحدثه الاحتلال من تدمير للعراق ، إلا أنه لم يستطع فرض خيار التقسيم لنهوض الوعي الوطني والتحشيد الشعبي الذي وقف نداً امام تلك الخيارات الوافدة ومنها الارهاب ، إن مرحلة ما بعد داعش تحتاج الى اعادة ترتيب الاولويات وفق مشروع سياسي جامع وسلم اهلي وأستراتيجية امنية تسهم في ابعاد وإنقاذ العراق من الغرق في بحر التطرف والارهاب والانهيار واعادة النازحين واعمار المدن بخطة منسجمة يتحقق فيها قدر كبير من الاستقرار الأمني والسياسي، لا سيما في المناطق المحررة ، والتعامل مع العراقيين من خط شروع واحد بعد أن تتطهر صفوفهم من أية عناصر ارهابية ومتطرفة واعادة صياغة القوانين المدنية الجديدة التي ستسهم في بناء مجتمع متطور بفعل الدعم الدولي وعودة الكفاءات العراقية في الخارج والداخل لبناء البلد واعلان انتهاء الفترة المظلمة والشاذة والدموية التي عاشها العراق ومدنه مابعد ٢٠٠٣ وتجاوز كل صيغ الادارة المتخلفة والبدائية للفترة التي مضت بعد ترسيخ مفاهيم القبول بالآخر و تحقيق التعاون البناء على الخير والعدل والإحسان.علينا ان نكون متفائلين دائماً ، فالتفاؤل يزيد من الإيمان و بقدرات الإنسان ومقدرته على حل المشكلات بل وعمل المعجزات.