القمم الثلاثة التي ترأسها دونالد ترامب الرئيس الأمريكي، أعلن من خلالها، حتى ولو بشكل خفي، عن مرجعية إسرائيلية، للأقليم. باركته الدول العربية، الحاضرة القمة العربية الأمريكية، على أستحياء. فيما أعتبرته القمة الخليجية الأمريكية، هدف إستراتيجي. وقد أخذت تبرز الى السطح سياسة جديدة، هي، تطبيع العلاقة مع أسرائيل. وإظهار إن العداء التأريخي معها ليس منه جدوى. لأن العداء الحقيقي ليس بإتجاه فلسطين، وإنما بإتجاه آخر. ما يثير السخرية، إن راعي هذه القمم الثلاثة، الذي أعلن عن توجيه البنادق نحو العدو الجديد من الرياض، والذي أعلن عن مرجعية إسرائيل لقيادة الأقليم من تل أبيب، أعلن بعد ذلك أن لا رفض لإدارته للبرنامج النووي الإيراني، ولا حتى تعديل لبنوده. وجاءت حسابات الحقل للقمم الثلاثة مع ترامب العائلة، ليست كحسابات البيدر مع ترامب الإدارة. وعندما يعلن ترامب أن الحدود العراقية السورية خط أحمر، فيرد عليه أحد الفصائل المسلحة، أن الطريق الى دمشق مفتوح وليس هناك من يمنعنا من الوصول اليها، ولم يتخذ اي إجراء من أحد على ذلك، من الإدارة الإمريكية. وعندما تحرر عرزال، وجرودها، بالكامل على يد قوات حزب الله، وتطرد النصرة منها، ويصبح الهدف الحديث عن تفاهمات لحماية أمن إسرائيل. فأي صدقية لمرجعية أسرائيل على الإقليم. ولأجل ماذا خصصت المليارات إذن.
قد تكون دلالات المعارك الكبرى، رغم التضحيات، ورغم ألوف الضحايا، لا تشكل بوضوح معالم الإنتصار، ومعالم إفشال مشاريع الإستسلام. وإفشال إعطاء شرعيات للآخرين، من خلال تحالفات جديدة، ليس هناك ما يبررها. فلقد وقف جزء من العرب الى جانب إسرائيل بقوة. وترك الفلسطينيون لوحدهم. عزل يقارعون الصهاينة، ولم يوضع، حتى من باب رفع العتب، كما يقال، بند واحد لهم في كل مفردات اجتماعات القمم الثلاثة. الملفت؛ إن هذا الشعب يبتكر الوسائل المبهرة، لتحقيق النصر، حتى ولو بشكل جزئي، وما كانت إنتفاضاته مميزة على مستوى الداخل الفلسطيني، والخارج، كان لأعتصامه، في الشوارع المحيطة بالحرم المقدسي، أيضاً، إسلوب مميز. فإسرائيل بعد أن تيقنت إن عرب الخليج، قد التفوا حولها، مذعورين، خائفين، خانعين. لم تفوت الفرصة لتثبيت مرجعيتها على القدس. وهي تعلم إن تحقق لها ذلك، فقد ضمنت شرعيتها على كامل الإرض الفلسطينية. وضمنت مرجعيتها في قيادة الأقليم. ولذلك، عمدت الى وضع ضوابط تنظم الصلاة في الحرم القدسي، قد تكون للوهلة الأولى عمل تنظيمي إداري، إن ضمنوا، أن الفلسطينيين قبلوها، لتنازلوا عن القدس لإسرائيل. لم يدخل الفلسطينيون، الحرم القدسي، وتسوروا بمحيط الحرم معتصمين، ومعهم تيار شعبي من العالم العربي، والإسلامي، بلغ ذروته بمقتل شابين أردنيين، بسلاح ضابط أمن السفارة الإسرائيلية في عمان. فر بعدها هو، وسفيرته، وأركان السفارة هاربين. لتفشل أمام الرفض الشعبي الفلسطيني، والعربي، والإسلامي، أهداف أسرائيل في تمرير مشروعها، في القدس. وأمام هذه السقطة المدوية، وإنتصار محور المقاومة، المدنية، في القدس، تزامن معه، وفي لبنان بإنتصار عرزال، العسكري على جبهة النصرة، الذي يعني الكثير جدا لإسرائيل. تبرز حقيقة واضحة. إن إسرائيل ضعيفة، ومشروعها في تراجع. وإن من أراد أن يجعل منها حامياً للأقليم، يتكشف أمامه بهاتت هذا الوهم. وإن إسرائيل غير قادرة على حماية أمنها. رغم ما يراد لها أن تكون الدولة الأقوى، والأكبر، وإن عقد بعض عرب الخليج، الأمل عليها، في مجابهة كبيرة، ومدمرة، في الإقليم، هو وهم، أكبر من وهم إسرائيل في قيادة المنطقة. وإن النصر المتحقق في عرزال، هو نصر على داعمي جبهة النصرة المعروفين بقيادة إسرائيل، وهو إحياء لمقاومة مسلحة. والنصر المقدسي على المشروع الإسرائيلي في القدس، هو نصر أخر على إسرائيل، ومن حالفها من العرب، وهو الأخر، إحياء لمقاومة مدنية، شعبية. وهو فشل بالتأكيد لمشروع القمم الثلاثة، التي غطست بوحل، مشاكلها، وتآمراتها الداخلية. وفشل لمرجعية إسرائيل على الإقليم، سيئة السمعة، التي عادت الى مربعها الاول في الوقوف أمام إستحقاقات المقاومة. ولمن حاول أن يجعلها كذلك، وأعادها، هذين الحدثين المهمين، الى حجمها الطبيعي، ليس أكثر.