22 نوفمبر، 2024 5:37 ص
Search
Close this search box.

النزاهة في التاريخ

النزاهة في التاريخ

منذ النشأة الأولى للدولة يُتَّخَذ من النزاهة أساساً للتغيير بعد أن يضيق الناس ذرعاً بالفساد، ويصبح التغيير والإصلاح أمراً لابدَّ منه، وكان هذا التغيير يأتي بشكل مباشر من الذات الإلهيَّة، كما فعل بأقوام عاد وثمود ونوح ولوط، أو من خلال تنصيب قادة أنبياء مثل يوسف وداود وسليمان ونبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم، ولعلَّ أوضح نصٍّ قرآني يوضح ذلك قوله تعالى على لسان النبي شعيب: (يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ) وقوله:) كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُون إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْفُوا الْكَيْلَ َلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)

ثمَّ اتخذ من النزاهة بعد ذلك ذريعةً للتسلق إلى السلطة والقضاء على الخصوم؛ لأنهم فاسدون، أو لابتزاز الأموال من القادة والحاشية بحجة إثرائهم غير الشرعي وبغير وجه حق لتمويل الإسراف والبذخ وتأمين احتياجات البلاط الملكي، أو تمويل حروب وبطولات تصبُّ في مجد السلطان وتُدوَّن في سجله التاريخي أو في بناء صروح وقصور وتماثيل تدلِّل على عظمة السلطان، أو لشراء الذمم وشهادات الزور.

ولا يمكن أن نجد للنزاهة معنى في أنظمة يكون فيها الناس وأموالهم ملكاً للسلطان، وتكون فيه الخزينة أو بيت المال ملكاً شخصياً له، والشاطر من عامة الناس من يقدِّم للسلطان فعالية؛ ليحظى بغنيمة من هذا المال من خلال قصيدة مديح أو وشاية أو فتوى أو طرفة أو إهداء جارية حسناء أو قارورة(نبيذ معتق) أو سلة فاكهة قبل أوانها ( مستوردة ) .

وقد كانت الولايات تشترى من السلطان لقاء مبالغ سنوية، بعدها يأخذ حكَّام الولايات حريتهم في فرض الإتاوات والرشا والضرائب التي لم ينزل الله بها من سلطان أو أن تعطى هذه الولايات هبة من السلطان لبعض القادة الذين يفتحونها عنوة فيطلقون أيديهم في المال العام دون حسيب أو رقيب .

ومن القول الشائع هو ( وهب الأمير بما لايملك ) وفي العرف القبلي مازال الأخ الأكبر يتجاوز على حقوق إخوته الصغار، والأتعس من ذلك هو حرمان النساء من ميراثهن أو تعويضهن بما هو رمزي، ويكاد التجاوز على المال العام جزءاً من الثقافة العامة التي لا تلقى استهجاناً عنيفاً، فينقل هذا الشخص ثقافته البدويَّـة الريفيَّــة إلى مفاصل الدولة، إذا تسنَّت له الفرصة استلام منصب فيها.

أحدث المقالات