22 ديسمبر، 2024 3:07 م

النزاهة الإمامية..

النزاهة الإمامية..

و… للفساد مهدٍ منتظر يمحوهإرتبطت فكرة المنتظر.. مجتمعياً وفردياً.. بالظلم الذي لا طاقة للجهد البشري، على إزالته؛ لذلك يأمل المهمشون بمنقذٍ منذ كان اليهود قومية في مصر، قبل ان يحولها موسى الى دين.
فاليهود، في ظل الإضطهاد الفرعوني، حلموا بالمهدي المنتظر، الذي ينقذهم، مؤسسا دولة “العراق – اليوتوبيا” التي لا مرض ولا جوع ولا حقد ولا قلق فيها.
تسربت فكرة المنقذ.. إرثا، من شعب مظلوم الى فئة محرومة وقوم مقموعين، نزولا في الزمان، الى الشيعة، الذين دارت رحى الدول، على مصادرة أداءاتهم الإعتقادية، المتجسدة في مناسك خاصة بهم، لا ترضاها السلطات المتعاقبة على الحكم، منذ الدولة الاموية، الى الطاغية المقبور صدام حسين،…
لكن تضافر القدر مع فكرة القمع.. رديفة التشيع، حتى بعد حلول فرصتي تحرر، حصلت الأولى في العام 1917، على يد الجيش البريطاني، الذي دخل بغداد ظافرا، بعد أن أسقط العثمانيين الذين جاروا على الشيعة بالخوازيق المدببة، التي يجلسون الرجل عليها، ويدورون به المدينة، حتى ينفذ من هامته؛ فقط لأنه ثلث الشهادة.. إستحبابا، او ركع بجبينه على تربة!
فرصة التحرر الثانية حلت، يوم الاربعاء 9 نيسان 2003، حين دخول جيش الإئتلاف، بغداد، بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، مسقطة صدام.
في المرة الاولى أحجموا عن المشاركة في بناء الدولة، التي أسستها بريطانيا.. العام 1921، في أعقاب ثورة العشرين، وفي الثانية دمروا الدولة،… إذ بات الحكم بإيديهم، لكنهم ما زالوا يحتاجون مهدي ينقذهم من أنفسهم الأمارة بالسوء، التي عبت أمولا خرافية، منذ السقوط، للآن، ولم ترتوِ شهوة المال لديهم، مهملين الدولة، والتحديات المفتعلة من حولها؛ كي لا تقوم دولة مؤسسات، تحرج محيطها الاقليمي بالمثالية السياسية، التي توقعناها أول الأمر، التى إنحرفوا بها، موغلين في فساد يصرون على الولوغ فيه، عاجزين عن العودة الى إعتدال منطق النزاهة.
آخر الشكوى صدام حسين، كنا نظن المأساة تنحل بنهايته، لكنه سقط كاشفا أن مشكلتنا فينا.. في ذواتنا؛ لأن الفساد المريع، والتآمر مع قوى الارهاب العالمي، وتكريس ثروات العراق لأفراد يستلبون إرادة البلد.. يكرسونها لحسم ولاءات خارجية.
ما يجعلهم بأمس الحاجة لمنقذ ينتشلهم من الفساد الوجداني.. يهديهم الى نزاهة آمالهم التي أُحبطت عندما تسلموا حكما فأثبتوا ان الفساد جزءا من إشتراطات السلطة الواجبة لإدامة ثبات أركان كرسي الحكم.
إذن لا صدام مجرم ولا هؤلاء أبرياء، إنما هي السلطة التي تفرض قسوتها، متباينة المظاهر.. كنا نؤاخذ صدام بسبب عسكرة الشعب وتجويعه؛ وها هو الشعب يتعسكر ثانية ويجوع، فماذا عدا مما بدا!؟
ما زلنا بإنتظار تحقيق احلام مؤجلة، يبدو أنها ستظل خاضعة لمنطق التريث، حتى أرذل العمر، ولا نعترف مع أنفسنا بأنها محبطة وليست مؤجلة، بل حتى لو ما زالت خصبة، اين سيغرسها والعمر ولى والدولة فقد مقوماتها، مستحيلة الى “لا دولة”.. مثل إبن الشيخوخة يتيم بالولادة، والدولة من حولنا تهرأت جراء الارهاب والتقشف والفساد.