22 نوفمبر، 2024 11:52 ص
Search
Close this search box.

النزاع Dispute والصراع Conflict

النزاع Dispute والصراع Conflict

المقدمة:
في الكثير من الاحيلان سواء عند المتخصصين اوعند عامة الناس من غير المتخصصين يحدث لبس والالتباس كبيرين بين هذين المصطلحين (الصراع و النزاع ) وإن هذا الالتباس الواقع بين مفهومي النزاع و الصراع متعلق بالجانب النظري و المفاهيم في دراسة العلوم السياسية باللغة العربية حيث يطرح على هذا الصعيد مشكل ترجمة بعض المفاهيم إلى اللغة، و منها مفهوم conflictو الذي ينطبق مفهوم النزاع مع مضمونه حسب التعاريف الواردة في الدراسات الانجلوساكسونية , فمفهومconflict لا يعني بالضرورة استخدام العنف و القوة مثلما هو الحال في مفهوم الصراع و لكنه يدل على حالات متنازع حولها بين هده الأطراف كما أن النزاع بحد ذاتها ظاهرة قابلة للتطور حيث يمكن أن تبدأ من الحالة الكامنة وصولا إلى حالة الصراع (النزاع المسلح ) كدالك أن مفهوم النزاع أكثر تعبيرا وانضباطا على درجات المقياس المعتمد في الدراسات حيث لا يظهر عامل العنف و القوة.
ملاحظة:- ( وحتى عند ترجمة كلمة conflict فانها تعطي المعنيين الصراع والنزاع )

انواع النزاع ومفهومه Types of Dispute and its Concept
تختلف درجات النزاعات الداخلية من دولة عربية إلى أخرى. وتتردد ردود الفعل الرسمية والشعبية تجاه ذلك بين محاولات وقف الحروب الأهلية، وحماية وتقوية السلام الوطني لئلا يستبدل به مواجهات داخلية. ويمثل احتواء النزاع العنيف، وتخفيف المعاناة، ونزع فتيل الصدام، التحدي الكبير والرئيسي في دول مثل الجزائر والسودان. كما يلزم الدول التي خرجت من صدامات وحروب أهلية مثل لبنان وعمان ومصر واليمن، دون أن تنتهي جيوب الاحتقان فيها بشكل نهائي، أن تسارع في تنفيذ برامج إعادة الإعمار، والتنمية الاجتماعية، والإصلاح السياسي لتنتج جميعها سلاما ووفاقا اجتماعيين. ويتطلب كل ذلك بناء علاقة المواطنة بين الجماعات العرقية والدينية والثقافية، وتعميق مفاهيمها لقطع الطريق أمام أي محاولة لإعادة استخدام الفروق العرقية والدينية والثقافية في إشعال نزاع داخلي.
وسنحاول هنا في هذه المقالة من تقديم إطار نظري لمفهوم النزاع، وموضوعاته، وأنواعه والمراحل التي بينه وبين السلام. كما يذكر محددات النزاع العنيف وكذلك السلام. وبرغم تعدد مناهج البحث في موضوع النزاعات باختلاف العلم الناظر فيه ما بين مناهج اجتماعية ونفسية وفلسفية، فإنه تم استخدام التصور السياسي للنزاع الداخلي، مع بعض إشارات إلى مقولات اجتماعية ونفسية.
تعريف النزاع Definition of Dispute
عرف بعض الباحثين النزاع الداخلي بأنه التنازع بين مجموعات مختلفة (عرقية، سياسية، دينية..) من خلال مخالفات غير منطقية لأعراف الحياة اليومية للمجتمع. غير أن ممارساتها غير المنطقية لا تمنع وجود أسباب وأهداف منطقية تقف وراءها، كما هو مشاهد في مطالب العديد من الأقليات الدينية والعرقية والسياسية. وفي التاريخ الإسلامي أثر عن الصحابي أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قوله “عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يحمل سيفه ويخرج باحثا عنه”، وهو ما يعبر بوضوح عن وجود أسباب منطقية لما تعيشه المنطقة العربية من نزاعات داخلية.
”يتطلب منع حدوث النزاع بناء علاقة المواطنة بين الجماعات العرقية والدينية والثقافية وتعميق مفاهيمها، لقطع الطريق أمام أي محاولة لإعادة استخدام الفروق العرقية والدينية والثقافية في إشعال نزاع داخلي”
وهناك من عرف النزاع بأنه انهيار أو تعطل في النظام الاجتماعي والسياسي القائم دون أن يصحبه بالضرورة بروز نظام بديل كما كان في الصومال وقبله لبنان. وتحدث آخرون عن مفهوم النزاع من خلال تحديد الظروف الموضوعية لبروزه، فيوجد النزاع عندما تلاحظ مجموعتان أو مجموعات أن مصالحها متناقضة أو التعبير عن مواقفها أصبح يتم بعدائية أو تحاول تحقيق أهدافها بأعمال تؤدي إلى الإضرار بالمجموعات الأخرى. وقد تكون هذه المجموعات أفرادا أو مجموعات صغيرة أو كبيرة.
يعرف ” ناصف يوسف حتي” النزاع في بعديه اللغوي و الاصطلاحي على انه
لغة : مصطلح النزاع يقابله باللغة الفرنسية conflit و باللغة الانجليزية conflict و هي من أصل كلمة قتال conflictu و يستخدم النزاع في الأدبيات السياسية و العلمية و الاجتماعية والنفسية بمعان و مضامين عديدة تضارب المصالح , صراع الحضارات , صراع الثقافات , نزاع مسلح ,نزاع حديدي ………….الخ
اصطلاحا : يحدث النزاع نتيجة تقارب أو تصادم بين اتجاهات مختلفة أو عدم التوافق في المصالح بين طرفين أو أكثر مما يدفع بالأطراف المعنية مباشرة إلى عدم القبول بالوضع و محاولة تغييره ,فالنزاع يكمن في عملية التفاعل بين طرفين على الأقل و يشكل هدا القائم التفاعل معيارا أساسيا لتصنيف النزاعات .
في حين يذهب إسماعيل صبري مقلد إلى استخدام مصطلح الصراع بدلا من النزاع و يعرفه بقوله الصراع في صميمه هو نزاع الإرادات الوطنية و هو التنازع الناتج بتعريف شامل عن الاختلاف في دوافع الدول و في تصوراتها و هدافها و تطلعاتها و في مواردها و إمكاناتها مما يؤدي في الأخير إلى اتخاذ قرارات و انتهاج سياسات خارجية تختلف أكثر مما تتفق فالنزاع يكون حول موضوع محددا أما الصراع فهو اشمل و يضم مواضيع عديدة
وهنا يجب الاشارة ايضا الى الفرق بين ما الفرق بين الصراع والحرب
الصراع : هو النزاع الناتج عن الاختلافات في دوافع الدول وتصوراتها ، وأهدافها ، وتطلعاتها ، وفي مواردها ، وإمكانياتها وغيرها ، ويبقى الصراع بكل توتراته ، وضغوطه دون نقطة الحرب المسلحة ، ولكن تتنوع مظاهره وأشكاله ، فقد يكون سياسياً أو اقتصادياَ ، أو مذهبياً أو قد يكون حضارياً ، كما أن أدوات الصراع يمكن أن تندرج من أكثرها فاعلية إلى أكثرها سلبية ، ومن نماذجها على سبيل المثال : الضغط ، والحصار ، والتهديد والعقاب .
أما الحرب : فهي التصادم الفعلي بوسيلة العنف المسلح حسماً لتناقضات جذرية لم يعد يجدي معها استخدام الأساليب الأكثر ليناً أو الأقل تطرفاً ، ومن هنا فإن الحرب المسلحة تمثل النقطة النهائية في تطور بعض الصراعات الدولية .
وعلى ذلك وإنطلاقاً من الحقيقة السابقة يمكن القول : إن الصراع الدولي أشمل في نطاقه واعقد بكثير في مفهومه من مفهوم ونطاق الحرب لأن الحرب متى وقعت فإنها لا تترك أمام أطرافها إلا الخيار بين الاستمرار أو الاستسلام ، أو بين النصر أو الهزيمة ، بعكس ما يحدث في ظروف الصراع لأنه في المراحل التي تسبق وقوع الحرب يكون ثمة مجال أوسع لإدارة الصراع ، والتكيف مع ضغوطه في اتجاه آخر مع الاحتفاظ بالمقدرة النسبية على الاختيار من بين البدائل العديدة المتاحة أمام كل طرف من الأطراف الداخلة فيه . وثمة مجموعة كبيرة من الصراعات الدولية والنزاعات التي تجري في العالم ، منها : كشمير ، الشيشان ، البوسنة ، والهرسك .
ان المتخصصين والمتابعين يعلمون جيدا ان النزاع والسلام ليسا عشوائيين، إنهما ظاهرتان يمكن تفسيرهما، ولوجودهما أو عدمه أسباب، كما يمكن التأثير عليهما. وكذلك فان النزاع والسلام ليس ساكنين بل حيويين (ديناميكيين)، ويتطوران بعامل الزمن. وايضا ليس بالضرورة ان ينتهي كل نزاع بالعنف فهناك العديد منها يحل بشكل سلمي. وكذلك يتطلب منع ظهور النزاع العنيف (Violent Conflict) أو وقفه فهم حيوية (Dynamism) النزاع السلمي والعنيف، وإدراك مكونات السلام.
لتكون الإجراءات المتخذة لمنع أي نزاع أو تسكينه فاعلة لابد من فهم مسببات ذلك النزاع بشكل خاص، وتطبيق سياسات وبرامج وآليات متعددة تناسب نوعه والمستوى الذي وصل إليه.
موضوعات النزاع Dispute Themes
حددت بعض الدراسات العناصر المتنازع عليها في في خمسة امور وهي كالتالي:
الموارد أو الثروة، مثل: الأقاليم والمال ومصادر الطاقة والغذاء، وكيفية توزيع تلك الموارد.
السلطة إذ يتم التنازع بشأن كيفية تقسيم آليات الحكم والمشاركة السياسية في عملية صناعة القرار.
الهوية وتتعلق بالمجموعات الثقافية والاجتماعية والسياسية.
الأوضاع الاجتماعية والسياسية، ومنها مدى شعور الناس بأنهم يعاملون باحترام وتقدير وأن حكومتهم تحافظ على تقاليدهم الاجتماعية.
القيم وخاصة تلك المتمثلة في أنظمة الحكومة والدين والأيديولوجية.

مفهوم الصراع Concept of Conflict
المقدمة
في القسم الثاني من هذه المقالة سوف نتناول الصراع حيث ان موضوع هذا المقال يدور حول ظاهرة الصراع باعتبارها ظاهرة ذات أبعاد متناهية التعقيدو بالغة التشابك (Infinitely complex dimensions& very complex )، يمثل وجودها أحد معالم الواقع الإنسانى الثابتة، حيث تعود الخبرة البشرية بالصراع إلى نشأة الإنسان الأولى، حيث عرفتها علاقاته فى مستوياتها المختلفة: فردية كانت أم جماعية، وأيضاً فى أبعادها المتنوعة: نفسية أو ثقافية، سياسية أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو تاريخية، … الخ. ولذلك تستهدف هذه المقالة تقديم إطار مقارن لفهم وتحليل مفهوم الصراع: طبيعته، أسبابه، وأنواعه. وفى هذا الصدد، فإن هذه المقالة تتبنى وجهة نظر ترى أن الطبيعة المعقدة والمتداخلة للصراع تجد جذورها فى مصادر متعددة؛ منها ما يعود إلى تعدد أبعاد الظاهرة الصراعية ذاتها، ومنها ما يتعلق بتداخل مسبباتها ومصادرها من جانب، بالإضافة إلى تشابك تفاعلاتها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة من جانب آخر، هذا فضلاً عن التفاوت فى مستويات الظاهرة من حيث المدى أو الكثافة والعنف. وعلى ذلك فإننا سنحاول في هذه المقالة ان نعتمد على تقديم تحليل مقارن للاتجاهات النظرية الرئيسية فى مجال الصراع من خلال محاور ثلاثة تشتمل على:
التعريف بمفهوم الصراع كظاهرة معقدة،
ثم طبيعة الصراع وأسبابه العامة كمفهوم وكعملية مركبة،
وأخيراً أنواع الصراع وجذوره كظاهرة متعددة المظاهر تتميز بالاعتماد المتبادل بين جذورها ومظاهرها.

مفهوم الصراع : ماهيته وأبعاده
THE CONCEPT OF CONFLICT : DEFINITION & DIMENSIONS
عندما نتكلم عن ماهية الصراع فانها تعكس أدبيات الصراع ثراءً واضحاً فيما تقدمه من تعريفات لمفهوم الصراع، كما تتعدد أيضاً بؤر الاهتمام، ونقاط التركيز التى يوليها المهتمون والمتخصصون أهمية كبيرة عند تناولهم للمفهوم بالدراسة والتحليل. وفى إطار استعراض بعض التعريفات اللغوية التى تقدمها دوائر المعارف والقواميس اللغوية لمفهوم الصراع، فإن دائرة المعارف الأمريكية تعرف الصراع
{{بأنه عادة ما يشير إلى “حالة من عدم الارتياح أو الضغط النفسى الناتج عن التعارض أو عدم التوافق بين رغبتين أو حاجتين أو أكثر من رغبات الفرد أو حاجاته”}}.
أما دائرة معارف العلوم الاجتماعية فإن اهتمامها ينصرف إلى إبراز الطبيعة المعقدة لمفهوم الصراع، والتعريف بالمعانى والدلالات المختلفة للمفهوم فى أبعاده المتنوعة. فمن المنظور النفسى، يشير مفهوم الصراع إلى {{“موقف يكون لدى الفرد فيه دافعُُ للتورط أو الدخول فى نشاطين أو أكثر، لهما طبيعة متضادة تماما”، وهنا يؤكد موراى على أهمية مفهوم الصراع فى فهم الموضوعات المتعلقة بقدرة الفرد على التكيف الإنسانى وعمليات الاختلال العقلى أيضاً}}.
أما فى بعده السياسى، فإن الصراع يشير إلى {{موقف تنافسى خاص، يكون طرفاه أو أطرافه، على دراية بعدم التوافق فى المواقف المستقبلية المحتملة، والتى يكون كل منهما أو منهم، مضطراً فيها إلى تبنى أو اتخاذ موقف لا يتوافق مع المصالح المحتملة للطرف الثانى أو الأطراف الأخرى}}.
وبينما يهتم لويس كوزر بالتركيز على الصراع فى بعده الاجتماعى، ومن ثم فإن الصراع فى بعده الاجتماعى إنما يمثل {{“نضالاً حول قيم، أو مطالب، أو أوضاع معينة، أو قوة، أو حول موارد محدودة أو نادرة”، ويكون الهدف هنا متمثلاً “ليس فقط فى كسب القيم المرغوبة، بل أيضاً فى تحييد، أو إلحاق الضرر، أو إزالة المنافسين أو التخلص منهم”}}.
كذلك يمكن القول ان الصراع فى مثل هذه المواقف، وكما يحدد كوزر، يمكن أن يحدث بين الأفراد، أو بين الجماعات، أو بين الأفراد والجماعات، أو بين الجماعات وبعضها البعض، أو داخل الجماعة أو الجماعات ذاتها. تفسير ذلك يرجعه كوزر إلى حقيقة أن الصراع فى حد ذاته أحد السمات الأساسية لجوانب الحياة الاجتماعية. أما فيما يتعلق بالبعد الأنثربولوجى للصراع، فإن الصراع ينشأ أو يحدث نتيجة للتنافس بين طرفين على الأقل. وهنا قد يكون هذا الطرف متمثلاً فى فرد، أو أسرة، أو ذرية أو نسل بشرى معين، أو مجتمع كامل. إضافة إلى ذلك، قد يكون طرف الصراع طبقة اجتماعية، أو أفكاراً، أو منظمة سياسية، أو قبيلة، أو ديناً. وهنا فإن الصراع يرتبط بالرغبات أو الأهداف غير المتوافقة، والتى تتميز بقدر من الاستمرارية والديمومة يجعلها تتميز عن المنازعات الناتجة عن الشطط، أو الغضب، أو التى تنشأ نتيجة لمسببات وقتية أو لحظية. فى هذا الاتجاه، يذهب قاموس لونجمان إلى تعريف مفهوم الصراع بأنه “حالة من الاختلاف أو عدم الاتفاق بين جماعات، أو مبادئ، أو أفكار متعارضة، أو متناقضة”.
أما قاموس الكتاب العالمى، فإنه يعرف الصراع بأنه{{ “معركة أو قتال Fight، أو بأنه نضال أو كفاح Struggle، خاصة إذا كان الصراع طويلاً أو ممتداً”}}. وبوجه عام، فإن مفهوم الصراع فى الأدبيات السياسية المتخصصة ينظر إليه “باعتباره ظارهرة ديناميكية..”. فالمفهوم، من جانب، يقترح “موقفاً تنافسياً معيناً، يكون كل من المتفاعلين فيه عالماً بعدم التوافق فى المواقف المستقبلية المحتملة، كما يكون كل منهم مضطراً أيضاً لاتخاذ موقف غير متوافق مع المصالح المدركة للطرف الآخر”. من هنا كان هناك اتجاه ينصرف إلى التركيز على البعد التنافسى فى تعريف الصراع باعتبار أنه “أحد أشكال السلوك التنافسى بين الأفراد أو الجماعات”، وأنه “عادة ما يحدث عندما يتنافس فردان أو طرفان أو أكثر حول أهداف غير متوافقة، سواء كانت تلك الأهداف حقيقة أو متصورة، أو حول الموارد المحدودة”. وفى تعريف آخر، فإن مفهوم الصراع يتميز بالبساطة والمباشرة، حيث يوصف الصراع بأنه “عملية منافسة ظاهرة، أو محتملة بين أطرافه”. وهنا تثار أهمية التمييز بين الصراع وبعض أنواع المنافسة – كالتى تحدث فى المجالات الرياضية على سبيل المثال -، “ففى المنافسة يتعاون الأفراد أو يتنافسون من أجل المرح وقضاء وقت طيب وممتع”، بينما فى الصراع، فإن “إحداث أو إلحاق الضرر المادى أو المعنوى بالآخرين إنما يعد هدفاً محدداً للصراع نفسه”.. أما متغير “الإرادة” عند أطراف الصراع، فإنه يمثل أساساً محورياً فى تعريف الصراع لدى اتجاه آخر من كتاب الأدبيات السياسية. ومن ثم يتم النظر إلى مفهوم الصراع باعتبار أنه فى جوهره “تنازع للإرادات”، ينتج عن اختلاف فى دوافع أطرافه، وفى تصوراتهم، وأهدافهم وتطلعاتهم، ومواردهم وإمكاناتهم، مما يؤدى بهم إلى اتخاذ قرارات، أو انتهاج سياسات تختلف فيما بينها أكثر من اتفاقها“، ومع ذلك،”يظل الصراع دون نقطة الحرب المسلحة”. إضافة إلى ذلك، فإن هناك رأياً ثالثاً يفضل الاهتمام ببنية الموقف الصراعى والمصالح المتضمنة فيه. فى هذا الاتجاه، يذهب كل من لوبز وستول إلى أن مفهوم الصراع يمثل أو يعكس “موقفاً يكون لطرفين فيه أو أكثر أهداف أو قيم أو مصالح غير متوافقة بدرجة تجعل قرار أحد الأطراف بصدد هذا الموقف سيئاً للغاية”، ومن هنا يمكن النظر إلى مفهوم الصراع باعتباره “نتيجة لعدم التوافق فى البنيات والمصالح، مما يؤدى إلى استجابات بديلة للمشكلات السياسية الرئيسية”. وعلى ذلك يخلص الكاتبان إلى “أن الصراع بهذه الكيفية، يعد سمة مشتركة لكل النظم السياسية الداخلية والدولية” ..
أما الصراع فى مفهوم كوزر فإنه يتبلور فى ضوء القيم والأهداف التى تمثل الإطار المرجعى لأطراف الموقف الصراعى. وعلى ذلك يرى كوزر أن الصراع يتحدد فى “النضال المرتبط بالقيم والمطالبة بتحقيق الوضعيات النادرة والمميزة، القوة والموارد، حيث تكون أهداف الفرقاء هى تحييد أو إيذاء أو القضاء على الخصوم”. إضافة إلى ما سبق، فإن هناك رؤى أخرى تسعى إلى توجيه الاهتمام نحو الأبعاد النفسية المتعلقة بعلاقات القبول والرفض بين أطراف الموقف الصراعى. ومن هنا تتجه تلك الرؤى إلى تعريف الصراع فيها بأنه “ذلك العداء المتبادل بين الأفراد والجماعات أو الشعوب أو الدول فيما بينها على مختلف المستويات”. وعلى ضوء ما سبقت الإضارة إليه من نماذج التعريفات التى تقدمها أدبيات الصراع بصدد التعريف وبأبعاده المختلفة، يمكن الانتهاء إلى التأكيد على الأبعاد الثلاثة التالية كمحاور أساسية فى التعريف بمفهوم الصراع:
المحور الأول: ويتعلق بالموقف الصراعى ذاته:
أما المحور الثانى: ويختص بأطراف الموقف الصراعى:
المحور الثالث: ويهتم بالصراع الدولى:

طبيعة الصراع NATURE OF CONFLICT
تثير محاولة الإجابة عن السؤال “هل يجب أن يكون الصراع مدمراً أو ذا طبيعة تدميرية؟” عدداً من النقاط الجوهرية، ولعل من أهمها ما يتعلق بإمكانية وجود أبعاد أو وظائف إيجابية للصراع، وما يرتبط بذلك من تحديد لعلاقة مفهوم الصراع بغيره من المفاهيم ذات الصلة الوثيقة به كالنزاع، والأزمة، والعنف … إلخ.
بوجه عام، تجب الإشارة إلى أن للصراع بعيدين يمكن التمييز فيهما بين بعد سلبى وآخر إيجابى. وإذا كان من اليسير إدراك الجانب السلبى للصراع من خلال ارتباطه العام والمستقر فى الأذهان بما يتضمنه الصراع من “محاولات لتدمير، أو لاستغلال، أو لفرض حل على طرف آخر أو آخرين”، فإن البعد الإيجابى للصراع إنما يشير بوجه عام إلى ذلك الجانب المتمثل فى “الدفع نحو عمل أو إقامة الاتصالات، وحل المشكلات، والتبادل الإيجابى بين الأطراف المعنية”. من هنا كانت أهمية النظر إلى الصراع باعتباره، وكما يذكر موراى، “متضمناً لدوافع الإنجاز، والارتباط، والإتباع، وغيرها من الدوافع الإيجابية” ، أى أن الصراع فى بعض أبعاده يمثل “عنصراً خلاقاً فى العلاقات الإنسانية: فهو يمثل وسيلة للتغيير يمكن من خلالها تحقيق القيم الاجتماعية المتعلقة بالرفاهية، والعدالة، وفرص تحقيق وتنمية الذات” .
وفى هذا الاتجاه، فإنه يمكن التأكيد على بعض المنطلقات الأساسية التى تسهم فى دعم الاتجاه نحو تعظيم الأبعاد الإيجابية للصراع. أهم تلك المنطلقات يمكن إيضاحها على النحو التالى:
أن الطبيعة الهدامة ليست جانباً محتماً فى الصراع، كما أنها ليست سمة ملازمة للطبيعة البشرية لا يمكن السيطرة عليها. فالأفراد – كانوا وما زالوا – يكتشفون إمكانية التوصل إلى وسائل مختلفة للتعامل مع اختلافاتهم، والمنازعات فيما بينهم، ولإدارة الصراع بصورة تؤدى إلى نتائج أفضل بوجه عام(20).
أن الصراع موجود كأحد سمات وخصائص الحياة والعلاقات الإنسانية. ففى التفاعلات التبادلية اليومية عادة ما يسعى كل طرف إلى تعظيم منفعته، والتى لكى تتحقق لابد أن تنخفض منفعة الطرف الآخر، من هنا كانت ضرورة أن يتوصل الطرفان إلى تبادل مقنع يراعى ويحقق بعض القواعد والحدود، وبما يحقق التوافق والاستقرار بدلاً من التصادم والصراع.
يرتبط بما سبق أيضاً أن طرفى أو أطراف الصراع فى موقف صراعى، ومن خلال اختيارهم لقنوات الاتصال بينهم، إنما يختاران عادة بين أحد صورتين رئيسيتين:
إما إقامة نمط لعلاقة صراعية بينهما a Conflict Set، وفيها يؤدى أحد الأفعال إلى تحقيق فائدة لأحد الطرفين أو الفاعلين على حساب الآخر،
أو أن يختارا تأسيس نمط لعلاقة تبادلية a Trading Set للوسائل والغايات. ومن ثم، فإن الحركة بينهما تفيد كلاً من الطرفين بشكل ملحوظ.
على ضوء ما سبق، يمكن التأكيد على أن للصراع بعض الوظائف الهامة التى تبيح فى مجملها، – وخلال دورة حياته، وفى مستوياته، وأنواعه المتعددة – إمكانية تحويله من صراع مدمر إلى صراع إيجابى، له دوره ووظيفته كأداة فعالة وذات اتصال وثيق بقضايا التغيير الاجتماعى وضبطه. من أهم مجالات تلك الوظائف ما يتعلق بدور الصراع :-
كميسر للتغيير الاجتماعى،
وفى تحقيق التكامل والاندماج،
واستعادة التوازن والاستقرار،
وزيادة كفاءة معدلات التنسيق بين أطرافه.
هذا بالإضافة إلى الوظيفة التقليدية للصراع، والتى تدور فى معظم الأحوال حول دعم وتأكيد عمليات السيطرة على الموارد المحدودة أو المرغوبة من قبل أحد طرفيه.
مراحل الصراع Stages of conflict
:- يمكن ان يمر الصراع بعدة مراحل ، كما وهنالك عدة اراء ونظريات ومنها كالاتي :-
اولا 🙁 القريوتي، 2009)
مرحلة المعارضة الكامنة وغيرظاهرة.
مرحلة الادراك والتشخيص.
مرحلة السلوك.
مرحلة مخرجات الصراع .
ثانيا :- بوندي ومراحل الصراع الخمسة وهي :-
مرحلة الصراع الكامن
مرحلة الصراع المدرك.
مرحلة الشعور بالصراع .
مرحلة الصراع الثائر .
مرحلة أثار الصراع .
أسباب الصراع وجذوره CONFLICT : CAUSES AND ROOTS
تتصف المداخل أو النظريات المفسرة لظاهرة الصراع بوجه عام بالتنوع والثراء. فمنها ما يهتم بتفسير الصراع كظاهرة عامة، ومنها ما يتجه إلى قصر اهتمامه على دائرة الصراع الدولى بوجه خاص. وهنا يمكن القول ابتداءُ، أنه أيا كانت دائرة الاهتمام النظرى في تفسير ظاهرة الصراع، فإن الصراع كظاهرة بالغ التعقيد لتداخل المتغيرات المرتبطة به وتشابكها من جانب، ولتعدد أنواعه ودوائره، ومن ثم مستويات تحليله ودراسته من جانب آخر. ومن هنا كانت ضرورة أن ينهض التفسير الموضوعى لظاهرة الصراع على الاستفادة المتكاملة من الإمكانات التى توفرها تلك المناهج والنظريات مجتمعة، مع الأخذ في الاعتبار السمات الخاصة لكل حالة صراعية.
وفى هذا الصدد، فإنه تنبغى الإشارة إلى أن الأدبيات المتخصصة في تفسير نشأة الصراع وتطوره بوجه عام، إنما تتيح إمكانيات هائلة للتمييز في اتجاهات التنظير بين مداخل متعددة، منها على سبيل المثال كل من : المدخل النفسى أو السيكولوجى، والمدخل الأيديولوجى، ومدخل المصالح، والمدخل الاقتصادى، ومدخل سباق التسلح، ومدخل النظام السياسى، والمدخل الجيوبوليتيكى، والمدخل السوسيولوجى ،والمدخل البيئى وفى إطار الإشارة العامة إلى مجمل هذه النظريات مجتمعة، سواء تعلقت بالصراع بوجه عام أو بالصراع الدولى بوجه خاص، فإن الاهتمام سوف يوجه بصفة خاصة إلى ما يسمى بـ “دائرة الصراع” كأداة تحليلية يتم من خلالها استخدام مجموعة من النظريات – في مستويات متكاملة- لتفسير السلوك الصراعى، والتعرف على جذوره ومسبباته.
أولا : النظريات المفسرة للصراع في بعدية العام والدولى
اولا – المدخل النفسى أو السيكولوجى :
ثانيا – المدخل الأيديولوجى:
ثالثا – مدخل المصالح:
رابعا – مدخل النظام السياسى:
خامسا – المدخل الاجتماعى:
سادسا – مدخل سباق التسلح بين الدول:
أنواع الصراع Types of conflict
تتنوع التقسيمات المختلفة للتميز بين الصراعات بتعدد المعايير أو المؤشرات المستخدمة من قبل الباحثين . وفى هذا الصدد، يمكن الإشارة فيما يلى مجموعة من معايير التمييز بين الأنواع المختلفة للصراعات. فمن :-
1 – المنظور المتعلق بمصدر الصراع، فإنه يمكن التمييز بين :-
صراع بنيوى.
وصراع مدركى.
2 – أما فيما يتعلق بمسببات الصراع فتقسم الصراعات إلى :-
صراعات العلاقات،
وصراعات المعلومات ،
وصراعات المصالح،
وصراعات البنيات،
وصراعات القيم.
3 – كذلك فإن درجة ظهور الصراع يتم على أساسها التمييز بين
الصراع العلنى أو المسافر ،
والصراع الكامن والمستتر،
والصراعات المقهورة أو المقموعة.
4 – موضوع الصراع ، وعلى ضوئه يتم التمييز بين
صراع سياسى،
واقتصادى،
واجتماعى،
وثقافى،
….إلخ .
5 – بأطراف الصراع، فعادة ما يستخدم في تقسيم الصراعات إلى
ثنائية
ومتعددة.
6 – درجة العنف المرتبطة بالصراع والتى يتم على اساسها التمييز بين الصراعات العنيفة ، والأخرى غير العنيفة .
2-أ- أنواع الصراع طبقا لمسبباته: باستخدام مفهوم دائرة الصراع، فإن أنواع الصراع طبقا لمسبباتها يمكن التمييز فيها بين المجموعات الخمس الرئيسية التالية:
أ) صراعات تنشأ بسبب العلاقات بين الأفراد أو الناس .
ب) صراعات تنتج عن مشكلات المعلومات.
ج) صراعات تسببها المصالح .
د) الصراعات البنيوية أو الهيكلية .
هـ) صراعات بسبب القيم.
مستويات الصراع Levels of conflict
يمكن تقسيم الصراع الى :-
الصراع داخل الفرد ( الذاتي )
الصراع بين الافراد .
الصراع بين الجماعات المنظمة
الصراع بين المنظمات
ختاما يمكن القول
مصطلح الصراع هو تعبير يقتصر على وصف العلاقة التصادمية بين متناقضين يستحيل التعايش بينهما ومحكومين بإهلاك الواحد منهما للآخر والخروج بصيرورة جديدة. بينما مصطلح النزاع هو تعبير عن وصف علاقة بين متناقضين يمكنهما المساومة دون حاجة أي منهما للقضاء على الآخر. باختصار، إن مصطلح الصراع ينتمي إلى عالم الفلسفة وقوانين الحياة العامة التي تحكم هذا الكون في ظواهره الطبيعية كما في سلوك الإنسان الذي يحيا فيه، بينما مصطلح الصراع يخضع لعالم السياسة ومناوراتها.

أحدث المقالات