بداية، لا بد من التأكيد على أن النزاع العشائري الذي وقع أمس في قضاء خبات بأربيل كان مؤسفا بحق، ويشكل درسا وإنذارا للجميع بأن القانون يجب أن يكون فوق الجميع بلا استثناء. ومن المؤلم والمخجل، في عصرنا الحديث، أن نسمع عن نزاعات عشائرية ما زالت تهدد السلم الأهلي في مجتمعاتنا. فهذه النزاعات أو الممارسات لا تنسجم مع تطلعات القرن الحادي والعشرين نحو دولة القانون والمواطنة. إن العقلية العشائرية القاتلة قد عفا عليها الزمن، ولا ينبغي الاحتكام إليها. وللأسف، بينما يتقدم العالم بخطى واسعة إلى الأمام، لا نزال نحن نراوح مكاننا، أسرى لثقافات بالية لا تليق بعصر العولمة.
في العالم الولائي الموازي، استغل هذا الحدث على الفور.
ولو لم تكن في إقليم كردستان، وتابعت تغطية المواقع الولائية لهذا النزاع، لظننت لوهلة أن أربيل تعيش حالة انهيار أمني شامل، وأن الناس يفرون منها. بينما الحقيقة أن ما حدث لا يتعدى خلافا عشائريا وقع في قرية صغيرة بين عشيرتين متجاورتين ما أدى إلى تدخل قوات الأمن لفض النزاع بين الطرفين. حجم التهويل يكفي لإقناعك بحجز تذكرة طيران هربا مما يشاع.
لكن، بالطبع، هذا التضخيم ليس صدفة، بل له أسبابه. فهو وسيلة لتشويه صورة الاستقرار في الإقليم الذي يعاني موظفوه اليوم من انقطاع رواتبهم لما يزيد على شهرين، وللضغط السياسي، وإظهار أن أربيل ليست استثناء من المشاكل التي تعصف بباقي العراق. كما أنه جزء من لعبة إعلامية تهدف إلى زعزعة الثقة والإرباك بين الجمهور. والأهم من ذلك، أنهم وجدوا في هذا الحدث فرصة لتوجيه الأنظار بعيدا عن سلسلة الصفعات التي تلقاها محورهم في الآونة الأخيرة، بدءا من قص أجنحة حزب الله اللبناني، ومرورا بإسقاط نظام بشار الأسد، وليس انتهاء بالقصف المباشر الذي طال المنشآت النووية الإيرانية داخل العمق الإيراني. وأيضا لإبعاد الأنظار عن قضية اغتيال هشام الهاشمي، التي أثيرت مرة أخرى في الآونة الأخيرة، والتي لا تزال معلقة بلا عدالة، رغم مرور سنوات. ففي ظل هذه الضغوط، يصبح التضخيم لهذا الحدث وسيلة للتنفيس، والهروب من واقع يزداد سوءا، واختناقا.