منذ بداية القرن العشرين بدأت النخلة العراقية هجرتها إلى بلاد الإغتراب وعبرت المحيط الأطلسي لتجد لها مأوى في بيئات ملائمة رؤوم , إبتدأت فيها زراعة بساتينها والإكثار من أجود أنواعها.
بساتين نخيل زاهية باهية في غير بلاد النخيل الأصلية , يتم رعايتها والإهتمام الصارم بها , ووفقا لأحدث التطورات التكنولوجية , إذ دخلت الآلة في التعامل مع النخلة وإدامة جمالها ووفرة عطائها.
تفاعلتُ مع أصحاب أحد البساتين الكثيفة المزدحمة بالنخيل العراقي البصراوي , الذي نقلت فسائله بالمئات قبل عدة عقود وإذا بي أتعامل مع بائع ذهب وليس بائع تمر!!
كان يسوق التمر وكأنه الذهب , ويضع أسعارا من وجهة نظري عالية , لكنه يصر على السعر , ويشرح قيمة التمرة وأهميتها ويسهب بوصفها.
فلديه ثقافة موسوعية عن التمر والنخيل , وأنواع التمور وبأسمائها العراقية وكيف يجتهد بالعناية بالنخلة الباسقة المعطاء.
” خستاوي , بربن , أشرسي , خضراوي , حلاوي…إلخ”
تعجبتُ من الرجل الذي جلب أبوه النخيل من بصرة العراق على حد قوله , وأوصاه بالعناية بالبستان , لأنه يدر ربحا ويطعم الناس والمواشي , فالنخيل خير وفير وعطاء كثير.
قلت له: أن من البلد الذي جلب أبوك منه النخيل.
قال: أنتم تقاتلون النخيل , هذا ما كان يقوله لي والدي , ويبدو أنه قد أنقذها من عدوانيتكم!!
فتعجبت من قوله , وما أجبت , فهو ينطق الصدق , ويعني أننا جهلة لا نفهم بالإقتصاد ومعنى الحياة.
قلت لنفسي: نعم نحن ألد أعداء النخيل , ولهذا فالجوع سيفترسنا.
النخيل في بساتين الإغتراب تجاوزت أعداده عشرات الملايين , وفي مواطنها تتناقص أعدادها , ويضمحل عطاؤها , ومن حولها جياع تتكاثر!!
فهل لنا أن نعتذر من النخيل , ونعيد للنخلة دورها في حياتنا؟!!
د-صادق السامرائي