23 ديسمبر، 2024 2:08 ص

النخب العراقية وتحديات بناء الدولة العراقية

النخب العراقية وتحديات بناء الدولة العراقية

اسس الحراك (الجماهيري التشريني) عام 2019 الى نقطة تحول جديدة ومفصلية في مسار العمل السياسي في العراق ربما يكون قريبا بما حصل عام 2003، فقد اثبتت التجربة السياسية للمجتمع العراقي مع أحزاب السلطة بمجموعها السياسي القائم على التعددية المكوناتية عدم قدرتها على استثمار الفرص التي منحتها لها عملية التحول الاولى عام 2003 بما وفرته لها من امكانيات ومقومات سياسية وقانونية واقتصادية ودعم نخبوي وجماهيري من عموم الطبقات والمؤسسات الدينية والاجتماعية، وايضا فشلها وعدم قدرتها على مواجهة التحديات ومعالجة الازمات التي اعترضت عملية بناء الدولة سواء الامنية منها، او السياسية او الازمات الاقليمية والدولية التي اقحم العراق فيها، بل كانت هذه الاحزاب جزءا من المشكلة اكثر منها جزءا من الحل، وما بين تضييع الفرص، وضغط التحديات والازمات، قادت النخبة السياسية الحاكمة العراق الى اعلى مستويات الفشل والفساد مما تسبب في خلق بيئة اجتماعية مضطربة وغير مستقرة انعكست على توجهات الناخب العراقي في انتخابات عام 2010 والتي وصفها بعض المحللين الغربيين بانها تمثل عقاب جماهيري لبعض الاحزاب السياسية الحاكمة بالرغم من ان خيارات الناخب لم تخرج عن دائرة احزاب السلطة، اذ كانت عملية التغيير اشبه ما تكون بعملية تغيير المواقع بين اطراف السلطة السياسية لا اكثر.
حاولت النخبة السياسية الحاكمة التعاطي مع عملية الاضطراب الذي تسببت به في البيئة الاجتماعية نتيجة فسادها وفشلها في بناء الدولة العراقية اذ قامت اتخذت العديد من الاجراءات التي كانت تمثل للمراقب السياسي بانها ليست اكثر من عملية التشبث والبقاء في السلطة اكثر مما هي عملية جدية لمعالجة الازمات السياسية، خصوصا مع بروز تحديات جديدة اكثر خطورة على المشهد السياسي والاجتماعي، اذ بات توظيف الخطاب الطائفي والقومي يمثل احد ابرز سمات الخطاب السياسي للنخبة السياسية الحاكمة، لذلك لم تجدي نفعا عملية التلون والتطعيم الانتقائي المزيف، والتشكيلات الجديدة القائمة على اساس الانشطار الاميبي، فقد كشفت جميع هذه المحاولات عن امرين اساسيين هما قدرة النخبة السياسية الحاكمة على التحول والتلون الحرباوي وبحسب مقتضيات البيئة الاجتماعية، والثاني تمسكها بالسلطة وعدم استعدادها ورفضها لضخ الدماء الجديدة الى العملية السياسية من خلال منح الفرص للنخب العراقية من خارج السلطة من المنافسة معها.
اليوم وبعد ( الحراك التشريني ) نجد ان النخبة السياسية الحاكمة وبالرغم من امكانياتها، وامتلاكها للسلطة والمال والسلاح تعاني حالة من الخوف والصدمة، اذ اصبحت عملية استيعاب الحراك الجماهيري من خلال الترهيب القائم على التهديد والقتل والابتزاز، او الترغيب من خلال التعيينات، او استمالة بعض قيادات الراي العام بالمناصب، او توظيف الخطاب الديني، محاولات فاشلة، بل ان الامر ازداد تعقيدا عندما قدمت المرجعية الدينية مشروع الانقاذ الوطني ( كما يسميه البعض ) القائم على ثلاث ركائز اساسية قانونية ونخبوية وشعبية تضمن للنخبة العراقية تسجيل حضورها المناسب في المشهد السياسي للمرحلة المقبلة اذا ما احسنت استثمار الفرصة.
لقد تضمن مشروع الانقاذ الوطني هذا الدعوة التي تامين بيئة صالحة للانتخابات العراقية القادمة لضمان عملية التداول السلمي للسلطة من خلال مطالبتها بتشريع قانون جديد للانتخابات يمنح النخب السياسية العراقية الفرصة على اجراء عملية ازاحة للنخبة السياسية الحاكمة، اضافة الى تشكيل مفوضية الانتخابات على اساس وطنية قادرة على تجاوز عمليات التزوير التي طالت انتخابات 2018، فضلا عن تشكيل المحكمة الاتحادية بعيدا عن ضغوطات وهيمنة الاحزاب السياسية، هذه الامور الثلاثة تشكل حجر الاساس في الاساس القانوني لمشروع المرجعية لدينة.
واما على مستوى الاساس النخبوي وايمانا من المرجعية الدينية بقدرة النخب العراقية على استغلال الفرص والامكانيات، ومواجهة التحديات في بناء الدولة العراقية وكما جاء في العديد من بيانات المرجعية الدينية المتعلقة بالوضع السياسي العراقي ومنها بيان كتابة الدستور، فقد دعت المرجعية الدينية جميع النخب العراقية ( من خارج السلطة ) ممن يمتلك القدرة على تشكيل اضافة نوعية في مسار بناء الدولة العراقية الى التصدي في هذه المرحلة، والعمل على بناء القاعدة الجماهيرية الممهدة للوصل الى تحقيق هذه الغاية من خلال تنظيم الصفوف والتهيكل بما ينسجم مع شروط المشاركة السياسية والتنافس السياسي في الانتخابات القادمة.
واما بالنسبة للأساس الشعبي فقد دعت المرجعية الدينية المجتمع العراقي الى توسيع المشاركة السياسية في الانتخابات القادمة، وان تكون هذه المشاركة واعية بالمستوى الذي يضمن نجاح مشروع التغيير من جهة، ومن جهة اخرى قادر على كشف محاولات النخبة السياسية الحاكمة التي تسعى البقاء في السلطة من خلال تقديم نموذجها السياسي الجديد والمصنوع في مختبرات الاحتيال والنصب السياسي.