18 ديسمبر، 2024 8:18 م

النخب العراقية بين النقد الجاف والدور المُرتقب!

النخب العراقية بين النقد الجاف والدور المُرتقب!

في أوقات الأزمات السياسيّة والأمنيّة والصحّيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، تبرز بشكل واضح أهمّيّة أدوار النُخب السياسيّة والثقافية والمجتمعيّة في إدارة كفّة المركب الآيل للغرق في قعر المحيط!
والنُخب، أو المثقّفون هم الفئة الفاعلة في أيّ مجتمع من المجتمعات، ويمكنهم المساهمة في إعمار الوطن، وتجاوز الأزمات، ويمتلكون القدرة على النقد والبناء بذكاء وحكمة.
والمثقّفون، أو النُخب ينبغي أن تكون لديهم رؤية خاصّة لمفاهيم السلام والخير والعدالة والسلطة والانتماء، وأن يعرفوا حقيقة دورهم في المجتمعات.
الأزمة العراقيّة اليوم شائكة، ولا تتمثّل في الخلافات داخل البيت السياسيّ الشيعيّ حول رئيس الوزراء المكلّف عدنان الزرفي فحسب، بل نحن أمام مُشكلة نُخبوية (ليست عامّة، لكنّها موجودة في نسبة ليست قليلة من المثقّفين وحملة الشهادات العليا، وساهمت في خلط المفاهيم)، عبر مشاركتهم في قلب الواقع، وتزويق الباطل، والتغاضي عن الموت والقتل، بل والتبرير للقاتل والمجرم والإرهابيّ.
تُعدّ ظاهرة (التملّق النُخبويّ)عند بعض (النُخب)، من أبرز المفاهيم الخاطئة التي برزت في العراق بعد العام 2003، وقد ضربت أسس وجذور الانتماء للعلم، والترابط الموضوعيّ بين الحوادث المتنوّعة، وبالنتيجة قادت إلى فقدان المصداقيّة الفكريّة، وتصدّع العقلانيّة أمام أمواج التملّق والتزلّف والتحاكم (للأهواء والمصالح)!
المأزق الحاليّ الحرج يتمثّل في وضعيّة ثُلّة من (النُخب أو المثقّفين) الراكضين وراء المصالح الشخصيّة البعيدة عن مصلحة الوطن والمواطن، والمدمّرة للحاضر والمستقبل.
وهنا يمكننا تقسيم (النُخب) في العراق إلى التصنيفات الآتية، مع ملاحظة أنّه لا يمكن تحديد نسبة كلّ فئة لعدم وجود دراسات دقيقة في هذا المجال:
النُخب الواعية: وهي التي تدرك أهمّيّة دورها في بناء الدولة وتوعية الناس وهؤلاء قلّة قليلة، ويقومون بالدور الواقع عليهم.
النُخب المتملّقة: وهؤلاء يعرفون دورهم إلا أنّهم فضّلوا التزلّف والتقرّب لمصالح شخصيّة على حساب القيّم والمبادئ التي يحملونها!
النُخب المنتفعة: وهؤلاء ليسوا من المتملّقين لكنّهم آثروا مصالحهم الوظيفيّة والأسريّة على مصلحة الوطن والمواطن، والتزموا الصمت، ونسبتهم ليست قليلة.
النُخب المغلوب على أمرها: وهؤلاء يعرفون حقيقة دورهم، ويحلمون بالتغيير، إلا أنّهم صمتوا لأسباب معاشيّة وخاصّة، وغالبيّتهم في داخل العراق.
النُخب المهاجرة: وهؤلاء أكثر أعداد النُخب إلا أنّ غالبيّتهم، مع الأسف، تعايشوا مع الحالة الجديدة في البلدان المتواجدين فيها، وبالذات في أوربا وأمريكا، وهؤلاء يسعى بعضهم، وبحرص كبير، لبيان وكشف حقيقة الأوضاع المأساويّة في العراق، ودورهم مهمّ جداً لقربهم من مراكز التأثير الأوروبيّ والأمريكيّ على وجه الخصوص، ولهذا فدورهم ضروري جداً لتسليط الأضواء على حقيقة الأوضاع السلبيّة في العراق.
الغاية من المقال ليس النقد الجافّ غير المثمر، بل هي محاولة لتحريك الساكن سواء على المستويات الفكريّة، أو العمليّة للعمل من أجل إنقاذ العراق من المستنقع غير الصحّيّ القائم حالياً!
إنّ الحالة العقلانيّة، والاستنارة، والوعي، والثقافة النُخبويّة يجب استثمارها وجعلها وسيلة لغاية كبرى، وهي توعية المواطنين، ومحاولة مساعدتهم لترتيب حياة أفضل.
النُخب التي تميل إلى العزلة والهامشيّة والتقوقع لا تعي حقيقة دورها، ذلك لأنّهم أداة لتثقيف الشعب بأهمّيّة بناء الدولة والحرّيّة والعدالة والعمل النضاليّ السلميّ الواعي، بعيداً عن الجدل البيزنطيّ والأفكار غير الواقعيّة التي لا يمكن تطبيقها في الواقع العراقيّ.
التغيير المطلوب، وإن كان للنُخب الدور الأبرز فيه، لكنّ هذا لا يعني سلبيّة، أو سكوت بقيّة المكوّنات الشعبيّة والثقافيّة والعلميّة والفنيّة والرياضيّة لأنّ التغيير يفترض أن يكون بإرادة جمعيّة، ومستعدّة للتضحية وواعية لأهمّيّة غايتهم، وهي بناء الوطن الجامع لكلّ المواطنين من كافّة الانتماءات الدينيّة والمذهبيّة والقوميّة والعرقيّة.
إنّ محاولات تعطيل دور النُخب بالترهيب والترغيب والتثبيط والتيئيس كلّها محاولات يفترض تجاوزها لأنّ المثقّفين هم الأساس المتين لبناء الدولة، والدول العظيمة لم تَقم على أُسس رخوة وهشّة، بل على أُسس علميّة، وعقول نُخبويّة ثقافيّة ومبدئيّة متينة جعلتها قادرة على الوقوف بوجه العواصف الداخليّة والخارجيّة، وهذا بالضبط ما يحتاجه العراق الآن!
لا يُمكن نُكران وجود العوائق غير الهيّنة أمام النُخب العراقيّة لكنّ هذا الأمر لا يدعونا للاستسلام، بل يفترض أن يكون سبباً لشحذ الهمم، والتكاتف النُخبويّ والمجتمعيّ من أجل غد مزهر ومشرق!