إن النخب الثقافية والعلمية تمثل الثروة الوطنية التي تقدح شرارة التغيير والتطور للمجتمع وأنها وقود استمرارية حركة التنوير مادام الوطن في حالة نمو وتقدم حتى يبلغ مصاف الدول المتقدمة وتتحقق الرفاهية المجتمعية والوطنية وتتحقق الكرامة ألأنسانية الذي تعتبر قوام الدول.
إن النخب الاجتماعية والثقافية كانت عوامل هامة في جلب التغيير الاجتماعي الى العراق وعلى مر العصور وتشترك مع النخب العسكرية عميقا في الاعتقاد بضرورة التغيير الاجتماعي السريع وهذا ماخبرناه في الكثير من الثورات الوطنية التي حدثت في التاريخ العراقي.
اما وقد ولى زمان التغيرات العسكرية الانقلابية الى غير رجعة لانها أصبحت لإ تلائم متطلبات العصر الحديث الذي يؤمن بالتغيير عن طريق صناديق الاقتراع فانه لا يخفى ان النخبة التي تقود الاوطان إنما هي نتاج الاختيار الانتخابي لعموم أفراد المجتمع وان هذه النخبة إنما تنبثق من رحم المجتمع ( كيف تكونوا يولى عليكم) ولا يمكن استعارتها من خارج المجتمع.
من هنا كانت المهمة الاولى للإصلاح تنصب في رفع مستوى الثقافة الجمعية للمجتمع حتى يتم تسديد الفرد من خلالها وتهيئته لكي يمارس دوره الوطني في دفع النخبة الوطنية المخلصة الى الامام لكي تتولى إعداد وتنفيذ الخطط التنموية والتقدمية في مضامير الإصلاح الداخلي للبلد وتناضل لخوض المحافل الدولية لانتزاع الحقوق الوطنية وبناء جسور من العلاقات الدولية الناضجة تحقيقا للمصالح الوطنية.
مما تقدم نزعم ان هناك ثلاث فرضيات لحركة هذه النخبة المجتمعية ضمن إطار المشاركة الفاعلة ببناء ثقافة العقل الجمعي للمجتمع وبالتالي الأخذ بيد الأفراد والجماعات لاختيار قياداته السياسيّة والتي بدورها تتولى تَأسيس حركة وطنية مسوؤلة عن إعداد وإدامة خطط التطور والتنمية العلمية والثقافية المجتمعية.
الفرضية الاولى- الحركة العمودية
ان تبدأ الحركة الناهضة للمجتمع بتولي نخبة وطنية صالحة قيادة المجتمع تبدأ باستنهاض الأمة عبر خطط تنموية علمية وإعداد جيل جديد يتولى مهمة ادامة الزخم اللازم لتطوير الأمة حتى تتحقق أهدافها في الرفاهية الاجتماعية.
وبالرغم من ان هذه الفرضية هي الفرضية الأسرع والأسهل في سيناريو خروج العراق من محنته الحالية الا اننا اذا اخذنا في نظر الاعتبار بعض العوامل الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة بالعراق فان هذا السيناريو هو الأبعد عن ارض الواقع وان تحققه الان في هذه الظروف يعتبر ضربا من الخيال.
الفرضيةالثانية – الحركة الأفقية
تتولى النخبة العلمية والثقافية والدينية مهمة التوعية المجتمعية والاخذ بيد المجتمع ليرتقي في مستواه العلمي والثقافي عن طريق التجمعات الثقافية والزيارات الدينية او اي اُسلوب او وسيلة يمكن معها ضمان تحقيق الهدف المرجو في رفع مستوى ادراك المواطن العراقي لمسوؤليته الوطنية وبالتالي اعداده للمشاركة في تنفيذ خطط التنمية الوطنية السياسية والاجتماعية.
ان هذه الحركة هي حركة بطيئة وتستوجب فترات زمنية طويلة قد تستغرق جيلا كاملا للوصول الى نتائج ملموسة ولكنها لاتتطلب إمكانيات خارج نطاق المعقول مما يجعلها اكثر السيناريوهات فرصا للنجاح في التجربة العراقية خاصة لو اخذنا بنظر الاعتبار ان الجيل الحالي المتصدي قد مر بتجارب عنيفة شوهت ارادته الوطنية مما يجعل التعويل عليه في تحقيق ثورة اجتماعية ضربا من الخيال.
الفرضية الثالثة- الحركة المزدوجة
وهو التوفيق بين الحركة الأفقية والعمودية للتنمية حيث يتم دفع قيادة وطنية مخلصة ولو بصورة نسبية جزئية من الطبقة السياسية المتصدية حاليا لإعداد خطط تنموية وحسب الاولويات للنهوض بواقع الأمة وفي نفس الوقت يتولى نخبة مثقفة متعلمة زمام الحركة الأفقية خلال حركته بين اطياف المجتمع لرفع الوعي العلمي والثقافي ومساندة هذه المجموعة من القيادات الوطنية في مخاضاتها الداخلية والخارجية التي قد تسلط الكثير من العصي في دولاب التقدم المعرفي لعرقلة الخيار التنموي الوطني من قبل قوى الاستكبار العالمي وعملائها الإقليميين .
يعتبر هذا الخيار واقعي في المنظور المتوسط اذا ما تولدت الحد الأدنى من مقومات هذا الخيار من إرادة وطنية صادقة للتغيير لدى المجتمع وتصدي ثلة مخلصة لخوض هذه المنازلة الوطنية والاستعداد للتضحية بالمصالح الشخصية والفئوية لتغليب المصلحة الوطنية في بناء وطن ومستقبل واعد للاجيال اللاحقة.
الخلاصة-
مما تقدم نجزم بان النخبة العلمية والثقافية والدينية مطالبة الان بممارسة دورها الوطني والمجتمعي لكي تقدح شرارة التطور والنمو للمجتمع العراقي والخروج من المأزق الوطني الذي يمر به عراقنا الحبيب من تكالب القوى التي لاتريد للعراق ولا لأجياله القادمة اي قدر من الرفاهية والنمو لياخذ البلد وضعه الطبيعي بين الدول المتقدمة وان دور النخب يتمثل بأخذ زمام المبادرة بنشر الوعي الوطني والثقافي.
إن بناء سقف وطني معرفي عابرا لكل الأصنام القومية والطائفية والفئوية هي من أولويات هذه النخب للإجهاز على خطط أعداء العراق لبقاء البلد في دوامة النزاعات السياسية والطائفية والقومية لاستمرار تسلطها على مستقبله.
وفي الختام فان مهمة المثقف ليست ان يبقى متقوقع في برجه العاجي ينظر الى هموم أمته بفوقيته ونرجسيته الثقافية ولا دور رجل الدين ان ينظر الى السماء وحدها ويغض الطرف عن الارض وإنما حان الوقت لكي تتكاتف كل النخب الدينية والثقافية والعلمية للمجتمع العراقي لكي يبذروا بذور التنمية ويحسنوا العناية بهذا الزرع للخروج من الواقع المؤلم الذي وصل اليه المجتمع العراقي.