12 أبريل، 2024 8:59 ص
Search
Close this search box.

النحالة

Facebook
Twitter
LinkedIn

النحالة هي نهير صغير يمتد من نهر ديالى ويتجاوز الفضيلية، ليصل الى اطراف الثورة في المساحة الممتدة من الشارع الرئيس الذي يذهب الى ديالى، ويسمى بطريق ديالى القديم وتقع على هذا الشارع مدن عديدة تبدأ بالفضيلية ثم الكمالية والعبيدي مرورا بسيطرة المعامل ثم خان بني سعد، هذه المنطقة المحصورة بين هذا الطريق ومدينة الثورة كانت زراعية، مملوكة الى رجل مقاول اجرها للفلاحين الذين يسكنون بيوت الطين في منطقة الحبيبية، كانت المزارع التي تحاذي بيوتنا في قطاع 55 متنزهنا الوحيد، ومكان مذاكرتنا في الامتحانات، وربما كانت النحالة المسبح الوحيد الذي عرفناه في تلك الفترة، كان الفلاحون اشداء وقساة بعض الشيء، واصولهم تعود الى محافظة ديالى، وفي اكثر الظروف كانوا يخافون على مزروعاتهم من عبث البعض فيها، ولكن حين يطمئنون الى احد ما فلن يسألوه مرة اخرى، وفي هذا المجال اتذكر اول سرقة قمت بها، رقية راوية تماما اعجبتني وهي تمتد على ارض باردة، جذبني لونها والاغصان تغطيها، فازحت الاغصان عنها، وسحبتها بقوة، لكنها لم تنقطع بيدي ، وصرخ الفلاح من بعيد، لكنني قررت بان آخذها، سحبتها بقوة وانطلقت اعدو، كنت خفيفا وسريعا، ولكن ساقي راحتا تضرب احداهما الأخرى، نجوت منه باعجوبة، وكانت غنيمتي عزيزة جدا، ولذيذة جدا، وبقينا بكر وفر مع الفلاحين، فأخذوا يزرعون البطيخ والرقي في مساحات بعيدة عنا، اما المناطق المحاذية لنا فراحوا يزرعونها بعباد الشمس والحنطة والشعير وبعض الاحيان الخس.

لم نكن نقترب الى النحالة بمفردنا خوفا من الفلاحين، لكننا كنا نتشجع حين ذهاب الكبار معنا، فهم يدافعون عنا بوجه اي طارىء، وكان في الاعم الاغلب يتقدم الصفوف الملاكم العراقي محمد كاظم، او فلاح داوود، او جبار او سواهم من الشباب الذين نذهب معهم، كانت النحالة مرتعنا، والذي يصعد على الكوخ ويقفز من الاعلى محمد كاظم وهو يطير في الجو فانه كان البطل بنظر الجميع، حتى عزرائيل كان قليل المرور بمدينتنا، لم يمت احد، ولم نتناقل اخبارا من مثل مات فلان ومات علان، لم يكن يعرف مدينتنا بعد الا بعد ذلك اليوم المشؤوم الذي ترك غصة في قلوب الجميع، لقد غرق غني في النحالة، غني الصبي المؤدب الذي قلما يخرج من البيت، حتى انه لايلعب كرة القدم معنا، ولكنه ذهب في ذلك اليوم مع بعض اصدقائه، فاضل وفخري وغيرهم، انتشر الخبر كالصاعقة بين الناس، عائلة فقيرة يعيلهم اخوه الاكبر علي وهو الاخ الوحيد، ذهب غني فصارت النحالة مصدر

شؤم للمدينة باكملها، وصارت الامهات يخوفن ابناءهن من النحالة، لقد اخذت النحالة الفتى المؤدب الفقير غني، لم يكن الموت يعرف مدينتنا ولم يدخلها من قبل، لكنه دخل هذه المرة، ولم يدخل بيوت المسنين بل اختار فتى من الفتيان ليترك آثار الحزن ظاهرة على عيون الناس في مدينتنا المسالمة، وتجرأ الموت فخطف روحا ثانية، شابا قويا جدا، هو طعمة ابن عيادة مجيسر، وكنت صغيرا فدخلت اليه وهو يحتضر، خفت جدا من الموت وعلمت انه عرف الطريق الينا فخشيت كثيرا، وصارت النحالة حلما عزيزا، لكننا لم ننقطع عن عبور سكة القطار الى المزارع الغناء التي صارت الآن مدنا كاملة ذهبت باسم الحواسم.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب