لمن لا يعرف النجف؟ هي احدى المحافظات العراقية، الواقعة في منطقة الفرات الأوسط، وتعتبر من المحافظات ذات الأهمية القصوى، لشيعة العراق بالخصوص وشيعة العالم بالعموم، لتعلقها بهم تعلقاً وثيقاً، لمسألتين مهمتين:
الأولى: لأنها تحتضن الجثمان الطاهرة للإمام علي ابن ابي طالب
عليه السّلام.
الثاني: لأنها تعتبر المركز الرئيسي للتشيّع في العالم، لوجود الحوزة العلمية فيها.
بما إن الحوزة العلمية تدرس العلوم الإسلامية بكافة جوانبها المتعددة، إلا إنها لن تبتعد في يوم من الأيام عن الجمهور، ولَم تنئ بنفسها عن مشاكل البلد السياسية بالذات، فلها الكثير من المواقف الحازمة اتجاه الحكّام الذين حكموا العراق، والاحتلالات المتعاقبة للبلد، ففتوى الجهاد ضد الإحتلال الإنكليزي ما تزال تُذكر الى يومنا هذا، بعد مرور المائة عام تقريباً عليها، كما سجلت موقف حاداً وحازماً مع حكومة (عبد الكريم قاسم)، عندما أراد تغيير قانون الأحوال الشخصية، وموقفها الأشد حزماً مع حكومة (عبد السلام عارف) الطائفية، حيث رفضت اللقاء به لعدة مرات متتالية، بعدما استنفذ كافة الوساطات التي أرسلت اليها، ولا ينسى موقفها من حكومة حزب البعث الفاشي، الذي كان ثمنه باهضاً جداً، دفعته المرجعية بالخصوص والحوزة العلمية بالعموم، حيث أعدمت السلطة المئات من طلبة الحوزة هم واهليهم، كما تصدت المرجعية للحركات الضالة أمثال (الحركة الشيوعية) آنذاك، ووقفت بوجه الحرب ضد الأكراد وحرّمت قتالهم.
تعرض العراق بعد عام ٢٠٠٣، الى الاٍرهاب الدموي الذي طال جميع أبناء الشعب العراقي، بكافة مكوناتهم وقومياتهم، نساءً ورجال, شيوخ وأطفال، فلم تستثني آلة الإرهاب أحداً من العراقيين.
حاول الاٍرهاب ان يخلق حرباً طائفية، بين مكونات الشعب العراقي، بعدما استهدف العتبات المقدسة في سامراء (العتبتين العسكريتين المقدستين)، الا ان المرجعية وقفت موقف مشرف بالضد من الحرب الطائفية ودعت جميع العراقيين للتحلي بالصبر وتفويت الفرصة على اصحاب المشروع الطائفي، واوصت الشعب العراقي بالوحدة والتكاتف فيما بينهم، وعدم الانجرار وراء الفتنة الطائفية.
أخذ مشهد الاٍرهاب يتكرر كل يَوْم، وبدأ الوضع يأخذ منحى آخر، ويزداد التدهور الأمني للبلاد، حتى سقطت المحافظات الغربية الثلاث، وأخذ الاٍرهاب بالزحف نحو العاصمة بغداد، الا ان المرجعية كانت لها كلمة الفصل عندما أعلنت فتوى الجهاد الكفائي، التي غيرت الموازين واعادت الأمور الى نصابها، وتدافع أبناء الشعب العراقي الشرفاء على التطوع من اجل الدفاع عن العراق، فازدحمت الشوارع بالمنتفضين الملبين للفتوى, وصدحت حناجرهم بالأهازيج, ورقصة بنادقهم على السواتر, وتسابق الشيوخ قبل الشباب الى مناياهم, مؤتزرين أكفانهم, غير آبهين بالموت الذي وقف في سوح الوغى وكأنه ينتظر قدومهم, ليعانقهم عناق الحبيبة لحبيبها في ليلة زفافهما.
لم يكن أحداً يتصور في يوم من الأيام ان تكون طاعة الناس للمرجعية بهذا الشكل وهذه الصورة، وكان البعض يعتقد إن الناس تطيع المرجعية فقط في رؤية الهلال، أو في الأحكام الشرعية والدينية، فبعض المناهضين للمرجعيَّة، والرافضين للأحزاب الدينية، لطالما كانوا يقولون “على المَرجِعية الاهتمام في أمور الدين والشريعة فقط”!، وترك السياسية للسياسيين لأن هذا الامر يعنيهم بالذات، فَلَو كانت دعواهم صحيحة لما شاهدنا تزاحم السياسيين في المطارات، واصطفافهم على الحدود، هرباً من الاٍرهاب الذي بدأ يكتسح المحافظات الغربية متوجهاً نحو بغداد، السؤال المهم: ما هو الحال لو ان المرجعية كانت كما يريدون، ما هي الصورة لو انها لم تتدخل وتفتي في الجهاد الكفائي، هل كانت هناك دولة اسمها العراق؟ هل يبقى شعب اسمه الشعب العراقي؟ هل بقي لعراق الرافدين أو عراق سومر وأكد وآشور وعراق حمورابي حضارة تذكر؟.
إن العالم بأسره ادرك جيداً اسم ومعنى وكيان المرجعية الشيعية في العراق، كلمتها غيّرت الموازين، وقلبت السحر على الساحر، وأفشلت كل المخططات الداخلية والخارجية، ضربت الاٍرهاب على رأسه لتسقطه أرضاً، لتنهي احلامه والى النهاية بلا رجعة، لتضحي النجف مركز إشعاع واستلهام لكل الثائرين، ليمتد ذلك النور الساطع ما بين كربلاء الحسين ونجف علي، فكان لزاماً على العرقيين ان يخطوا ذلك بحروفٍ من ذهب على اعتاب العراق، ليقرأه كل من يدخل له ويخرج منه، ولكي لا تزيف الحقائق كما زُيِّفت في السابق، والبست لغير اَهلها.