17 نوفمبر، 2024 3:51 م
Search
Close this search box.

النجف الأشرف لغةً..مدفناً …تاريخاً .. مدينةً ، وهذه أسماؤها عبر العصور

النجف الأشرف لغةً..مدفناً …تاريخاً .. مدينةً ، وهذه أسماؤها عبر العصور

– الحلقة الأولى –
“ما أحسن منظرك، وأطيب قعرك! اللّهم اجعل قبري بها…”(1)

بهذه الكلمات الخالدة للإمام علي (ع)، تأطرت النجف قبل تأسيسها، وخلقت قبل ولادتها في عالم الغيب وقدسية الإمامة الطاهرة…..لك أن تقتنع.. ولك أن تتفسح وتتطلع.. الحقيقة واحدة، من أرض نجاف كالمسناة.. تصدّ الماء، وتطلّ على البساتين والنخل والأنهار، وهي قاحلة جدباء أو تكاد…!! إلى مدينة عامرة تنضح بالخير والبركة والعطاء.. من أطلال دارسة تعصف بها صرصر الرياح إلى حاضرة زاهية بأفكار العلماء ومجالس الشعراء… تكتسي بالابهة والهيبة والوقار.. من (ظهر الكوفة) و(نجف الحيرة) إلى (حيرة النجف) و (طهر الكوفة)… غلبت المكان وتحدت الزمان :
قم وارمق النجف الشريف بنظرةٍ ***يرتدُّ طرفك وهـو باكٍ أرمدُ
تلك العظامُ أعــزّ ربّك قدرهـــا ***فتكــادُ لولا خوف ربّـك تعبـــدُ
أبـــداً تباركها الـوفود يحـــثها**من كـلّ حدبٍ شــــوقها المتوقد

هذا ما قال الشاعر العربي السوري محمّد مجذوب .

ما قصة هذه البقعة الطاهرة والمدينة المقدسة التي نوّرت الدنيا، وجذبت الناس بفكرها الإسلامي، وأنفاسها العربية، ونزعتها الإنسانية؟ والحقيقة أنّ قصتها تطول وتطول، لذلك نقتصر على الخلاصة الموجزة عن مرقد الإمام والأطوار المبكرة لمدينة النجف الأشرف، ولكن لابدّ لنا من إلقاء نظرة على النجف من حيث تسميتها وأسمائها لما لها من علاقة في معرفة طبيعتها الجغرافية وعمقها التأريخي، وعلّة اختيارها مدفنا .
1 – المجلسي، محمّد باقر: بحار الأنوار، ج42 / ص: 129، طبعة دار إحياء التراث ـ بيروت.
الصفحة الأولى

 

النجف لغة :

“النجف محركة وبهاء: مكان لا يعلوه الماء، مستطيل منقاد، ويكون في بطن الوادي، وقد يكون ببطن الأرض. ج: نجاف. أو هي: أرض مستديرة مشرفة على ما حولها. والنجف محركة: التل أو قشور الصلّيان”(1). أما ابن دريد في (جمهرته) فيذهب إلى التخصيص قائلا “النجف علّو من الأرض وغلظ نحو نجف الكوفة، وكل شيء عرضته، فقد نجفته، ونصل نجيف ومنجوف إذا كان عريضاً وبه سُمي الرجل منجوفاً”(2). وعندما نصل إلى (تاج العروس) نرى أن الزبيدي أسهب في وصف النجف كمدينة فيها قبر الإمام علي (عليه السلام)، ولها مقابرها ومنازلها ; فينقل لنا عدّة أقوال ” قال الأزهري: النجفة مسنّاة بظاهر الكوفة تمنع ماء السيل أن يعلو مقاربها ومنازلها. وقال أبو العلاء العرضي: النجف قرية على باب الكوفة… وقال السلهي: بالفرع عينان يقال لأحدهما الغريض، وللآخر النجف يسقيان عشرين ألف نخلة وهو بظهر الكوفة كالمسناة، وبالقرب من هذا الموضع قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)”(3) .

وفذلكة الأقوال: النجف أرض مرتفعة متسعة مكشوفة كالمسنّاة تصدّ الماء فلا يعلوها، وتشرف على ما حولها، يطرّها الجفاف، وهذا يعني أن هواءها صحّي غير مشبع بالرطوبة، وربّما لهذه الأسباب طلب الإمام (عليه السلام) أن يكون مدفنه

بها فتشرّفت به ، ونعتت بالنجف الأشرف. وهناك عدّة أسماء اُخرى للنجف الأشرف منها :-

1 – خد العذراء:

وهو (ظهر الحيرة) إذ كانت تسميه العرب بهذا الاسم منذ عهد المناذرة، وكان معشاباً فيه نبت الشيح والقيصوم والخزامى والزعفران وشقائق النعمان والاقحوان، فمرّ النعمان بالشقائق فأعجبته فقال: مَن نزع من هذا شيئاً فانزعوا كتفه فسمّيت شقائق النعمان(1) .

2 – اللسان :

وكان بظهر الكوفة الذي هو النجف يقال له اللسان على التشبيه أي (لسان البر)(2)، وكانت العرب تقول: أدلع البرّ لسانه في الريف، فما كان يلي الفرات منه فهو الملطاط وما كان يلي البطن منه فهوالنجاف، قال عدي بن زيد :

ويح امّ دارٍ حللــنا بــها
بين الثــــوية والمردمه
لســان لعربــة ذو ولغةٍ
تولّغ في الريف بالهندمه

وينقل (ياقوت) عن كتاب (الفتوح) ” ولما أراد تمصير الكوفة، أشار عليه مَن رأى العراق من وجوه العرب باللسان، وظهر الكوفة يقال له لسان”(3) .

3 – براثا :

تعني كما ورد في (القاموس) “البرث: الأرض السهلة، أو الجبل من الرمل السهل، أو أسهل االأرض وأحسنها، جمع براث”(4). وقال الأصمعي وابن الأعرابي: “البرث أرض لينة مستوية تنبت الشعير، والجمع من كلّ ذلك (براث) بالكسر و(أبراث وبروث) على القياس، وشاهد البرث للواحد قول الحصري:
على جانبي حائر مفرط
ببرث تبوأته معشــــــبِ

 

____________
1 – محبوبة: ج1 / ص: 4، الهامش نقلا عن كتاب الأذكياء (لابن الجوزي) بلا.
2 – د. مصطفى جواد: موسوعات العتبات المقدّسة (قسم النجف)، ج1 / ص: 12. الزبيدي: م9 / ص: 334
3 – راجع الحموي: م5 / ص: 16
4 – الفيروزآبادي: القاموس، ص: 211 .
الصفحة الثانية

 

والبرث الأرض البيضاء الرقيقة السهلة السريعة النبات”(1) ونرى هذه المواصفات تنطبق على أرض النجف، فمن الممكن أنها سُمّيت بهذا الاسم قديماً.

: 4 – ظهر الكوفة

كثيراً ما كان يطلق على النجف قديماً (ظهر الكوفة)، فماذا تعني كلمتا (الظهر) و (البطن) عند العرب، عندما تطلقان على الأرض مجازاً؟ قال ابن سيده: ” وطريق الظهر طريق البر، وذلك حين يكون ما لان وسهل ورقّ واطمأنّ “. وقال ابن شميل: “ظاهر الجبل أعلاه وظاهر كلّ شيء أعلاه استوى أو لم يستو ظاهره، وفي الأساس الظاهرة الأرض المشرفة”(2). ومن المعلوم أن النجف طريق البر بالنسبة للكوفة، وهي أرض مرتفعة مشرفة عليها.

: 5 – الربوة

ما ارتفع من الأرض وجمعها ربى(3)، ومنه قوله تعالى: ( وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَة ذاتِ قَرار وَمَعِين )(4)، والربوة: النجف كما هو مفسّر(5). وبعض المفسرين يذهبون إلى أنها “أرض بيت المقدس أو الرملة أو دمشق أو مصر”(6). و(الربوة) التي تقع عليها مدينة (النجف) اليوم يرتفع أعلاها عن سطح البحر بمقدار خمسة وستين متراً، وتتكون من عشر طبقات، كما دوّنها عبد المحسن شلاش في دراسة له وعنوانها “آبار النجف ومجاريها”(7)

: 6 – الغري

الغري الحسن الوجه أو البناء الجيد الحسن، أو كل ما يطلى

____________
1 – الزبيدي: م1 / ص: 601، وراجع أيضاً ابن منظور: م1 / ص: 358، مادة “برث”، طبعة دار إحياء التراث ـ بيروت 1995
2 – الزبيدي: م3 / ص: 371 ـ 375
3 – الحموي: م 3 / ص: 26
4 – سورة المؤمنون، الآية: 50
5 – الشرقي، طالب: النجف الأشرف، ص: 10
6 – تفسير عبد اللّه شبر، ص: 333
7 – الأسدي، حسن: ثورة النجف، ص: 18 وما بعدها لمعرفة الطبقات، وزارة الإعلام العراقية 1975م.
الصفحة الثالثة

 

بالغراء، والنسبة إليه (الغروي)، ومنه “الغريان وهما بناءان مشهوران بالكوفة عند الثوية حيث مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، زعموا بناهما بعض ملوك الحيرة”(1)

 

7 – بانقيا:

بكسر النون، ناحية من نواحي الكوفة ورد ذكرها في (الفتوح)، ففي أخبار إبراهيم الخليل (عليه السلام) “خرج من بابل على حمار له ومعه ابن أخيه لوط يسوق غنماً، ويحمل دلواً على عاتقه حتي نزل (بانقيا) وكان طولها اثني عشر فرسخاً، وكانوا يزلزلون في كلّ ليلة، فلما بات إبراهيم عندهم لم يزلزلوا… فجاؤوه وعرضوا عليه المقام عندهم وبذلوا له البذول، فقال: إنما خرجت مهاجراً إلى ربّي، وخرج حتى أتى إلى النجف، فلما رآه رجع أدراجه، أي من حيث مضى، فتباشروا وظنوا أنه راغب فيما بذلوا له، فقال لهم: لمن تلك الأرض (يعني النجف)؟ قالوا: هي لنا، قال: فتبيعونها؟ قالوا: هي لك فواللّه ما تنبت شيئاً، فقال: لا أحبّها إلاّ شراء، فدفع إليهم غنيمات كنّ معه بها، والغنم يقال لها بالنبطية نقيا، فقال: أكره أن آخذها بغير ثمن”(2). وضمنها الأعشى منذ العصر الجاهلي بشعره قائلا:

فما نيل مصر إذ تسامى عبابــــــه
ولا بحر بانقيا إذا راح مفعمــــــــا
بأجود منه نائلا ً أن بعضــــــــــهم
إذا سئل المعروف صدّ وجمجما(3)

وذكرها الأعشى مرة اُخرى. وإبان الفتوحات الإسلامية ورد ذكر (بانقيا) أيضاً، قال ضرار بن الأزور الأسدي :
أرقتُ ببانقيا ومَن يلق مثلما
لقيتُ ببانقيا من الحرب يأرقُ(4)

____________
1 – الزبيدي: م10 / ص: 264 .
2 – الحموي: م 1 / ص: 331 ـ 332 .
3 – المصدر السابق.
4 – الجاسم، أحمد: شعر بني أسد، ص: 456، محبوبة: ج1 / ص: 18 الهامش. الحموي: م1 / ص: 332..
الصفحة الرابعة

 

8 – المشهد:

بالفتح وهي كلمة تعني المجمع من الناس، أو محضر الناس ومجمعهم، ومشاهد مكّة: المواطن التي يجتمعون بها(1)، وقد تستعمل كلمة (مشهد) لمكان استشهاد الشهيد والجمع (مشاهد)(2). ولما يحجّ الناس من كلّ حدب وصوب إلى العتبات المقدسة، ويجتمع الخلق فيها للزيارة، ومعظم الأئمة (عليهم السلام) استشهدوا قتلا أو سماً، فاقترنت الكلمة بجميعها; ولكن اختصت مدينة النجف الأشرف بـ (المشهد) بشكل مميز، لذا يقال لكل نجفي (مشهدي)، وإذا قيل (المشهدان)، فيعني ذلك النجف وكربلاء، والكلمة مستعملة منذ القدم، إذ يوردها الطبري وابن الأثير وغيرهما في كتبهم. وقال أبو اسحاق الصابي يمدح عضد الدولة عند زيارته للحرم العلوي الشريف:

توجهت نحو المشهد العلم الفرد
على اليمن والتوفيق والطائر السعد

وقال السيّد علي خان(3) صاحب السلافة عند زيارته المرقد العلوي ذاكراً المشهد :
ياصاح هذا (المشهد) الأقدسُ
قرّت به الأعيــــــنُ والأنفسُ
والنجف الأشـــرف بانت لنا
أعلامه والمعهد الأقـــــــدسُ
والقبّة البيضــــاء قد أشرقت
ينجاب عن لألائها الحندس(4)

9 ـ وادي السلام:

ويراد به جبانة النجف الواسعة، ودلالة لفظ (وادي السلام) على النجف من باب ذكر لفظ الجزء والمراد منه الكل، وتسمية الوادي
____________
1 – الفيروزآبادي: ص: 372، ابن منظور: ج3 / ص: 241. الزبيدي: ج3 / ص: 373.
2 – راجع المنجد في اللغة، باب “شهد”، ص: 406 .
3 – السيد علي خان، الملقب صدر الدين ابن الأمير نظام الدين ينتهي نسبه إلى زيد بن علي، ولد في المدينة 1052هـ، وتوفي سنة 1120هـ، له ديوان شعر 183 صفحة متوسطة، قيل عنه كما يروي السيّد الأمين: “الإمام الذي لم يسمع بمثله الدهر”، أعيان الشيعة، م8 / ص: 152.
4 – محبوبة: ج 1 / ص: 12.
الصفحة الخامسة

 

بـ (وادي السلام) لاعتقادٍ أن الأجساد والنفوس تنعم فيه بسلام وأمان من الوحشة والعذاب لقربها من مرقد الإمام علي (عليه السلام)(1). ويقال أن مرقدي آدم ونوح عليهما السلام إلى جانبي مرقد الإمام (عليه السلام)، أما هود وصالح عليهما السلام فمرقداهما في وادي السلام ولهما مزار يرتاده بعض الزوار، وانّ الإمام علياً (عليه السلام) حسب ما يذكر لنا ابن طاووس أشار إلى معرفته لقبريهما في حياته، وأوصى ابنه الحسن (عليه السلام) قائلا: “ادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود وصالح”(2). ويروي لنا صاحب “روضات الجنات”: “أن أوّل مَن دفن بالنجف الذي هو ظهر الكوفة (خباب بن الأرت) من أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الذي شهد بدراً وما بعدها.. نزل الكوفة ومات بها بعد أن شهد مع علي صفين والنهروان، وصلّى عليه علي (عليه السلام)…”(3) .

والنجف تعجّ بمقابر الأنبياء والصحابة والملوك والسلاطين ولو أردنا ذكر مَن دفن في النجف من الصحابة(4) والتابعين وامراء الحمدانيين والفاطميين وسلاطين البويهيين والصفويين والقاجاريين ومدافن الجلائريين، والوزراء والشعراء والعلماء والعظماء لاحتجنا إلى كتاب مستقل، ولكن لا بأس من أن نروي هذه الحادثة لنبيّن مدى اهتمام بعض الرجال لكي يُدفنوا في النجف الأشرف، وللقارئ أن يقيس.
يذكر ابن الأثير في أحداث سنة 418هـ (1027م) “أما أبو القاسم ابن المغربي فتوفي في هذه السنة بميافارقين (ديار بكر)، وكان عمره ستاً وأربعين سنة، ولما أحسّ بالموت كتب كتاباً عن نفسه إلى كلّ مَن يعرفه من الأمراء
____________
1 – الشرقي، طالب: ص: 9.
2 – ابن طاووس: فرحة الغري، ص: 38.
3 – الخونساري، محمّد باقر: روضات الجنات، ج4 / ص: 84. مكتبة اسماعيليان، قم 1390هـ.
4 – يروي صاحب “فرحة الغري”، ص: 127 “توفي بالكوفة 313 من الصحابة لا يدرى قبر أحد منهم إلاّ قبر علي (عليه السلام) ” .

 

والرؤساء الذين بينه وبين الكوفة ويعرّفهم أن حظية له توفيت، وانّه سير تابوتها إلى مشهد أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وخاطبهم في المراعاة لمَن في صحبته، وكان قصده أن لا يتعرض أحد لتابوته بمنع، وينطوي خبره. فلما توفي سار به أصحابه كما أمرهم، وأوصلوا الكتب، فلم يتعرض أحد إليه. فدفن بالمشهد، ولم يعلم أحد إلاّ بعد دفنه”(1). والمغربي المذكور هو وزير شرف الدولة البويهي، وهنالك شخصيات أعظم منه بكثير، ولكن لهذه الحادثة دلالة خاصة كما ذكرنا. ويوجد قبر ينسب إلى كميل بن زياد النخعي الذي قتله الحجاج سنة 82هـ، وهو من أصحاب الإمام علي (عليه السلام)، وموقعه على بضعة كيلومترات من مركز المدينة على شمال المتجه إلى الكوفة، وغطته مباني مدينة النجف وتعدّته إلى الكوفة حيث اتصلت الكوفة بالنجف عمرانياً.

أما الحنانة (2) ، وهي أقرب إلى النجف من قبر كميل وبالاتجاه نفسه، وتعتبر نهاية أرض الثوية، فيحيط بها مسجد يسمى باسمها (مسجد الحنانة)، وهو كبير نسبياً وفيه مشهد رأس الإمام الحسين (عليه السلام) يقع في وسط المسجد، وعليه ضريح من الخشب، وقد قامت عليه قبة كُسيت بالقاشاني وشيدت بجانبها مأذنة حديدية الصنع سنة (1388هـ / 1968م)، وتقع الحنانة على أطراف موضع معروف منذ العصر الجاهلي يُسمى بـ “الثوية”، وكان بالثوية سجن للمناذرة (ملوك الحيرة)، وكان يُقال لمَن حُبس بها: ثوى، أي أقام، وتضم الثوية قبر أبي موسى الأشعري….
____________
1 – بن الأثير: ج 9 / ص: 362.
2 – تسمية “الحنانة”: إما هي كلمة مشتقة من الحنين، وذلك عندما مرّت سبايا الإمام الحسين (عليه السلام) بموضع الثوية، إذ عبثوا برأسه الشريف ورؤوس أصحابه، فصدرت أصوات من الحنين جزعاً على ما حلّ بهم، فالكملة عربية الاشتقاق أصيلة، وقد تأتي من تحنّن عليه: أي ترحم، والحنان: الرحمة، أو أن الكلمة مشتقة من لفظة “حنّا”، و”حنا”: دير نصراني قديم من أديرة الحيرة، كان في موضع المسجد عينه، وتطورت اللفظة من “حنّا” إلى “حنانة” بمرور الزمن، ودير حنّا قد بناه المنذر الأوّل بن النعمان الأوّل الذي حكم بين 418 ـ 462م، وكان ديراً عظيماً في أيامه.
الصفحة السادسة

 

…والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه(1)، وذكر الثوية كثير من الشعراء ومنهم المتنبي إذ يقول :
وليلا توسـدنا (الثوية) تحته
كأن ثراها عنبر في المرافق ِ
بلاد إذ زار الحسان بغيرها
حصى تربها ثقبنه للمخـانق ِ

والمتنبي قد ذكر (البسيطة) أيضاً وهي أرض قريبة من الثوية، تقع عليها (محلة غازي) من الجديدة إذ يقول :
بســــــيطة مهلا سقيت القطارا
تركت عيون عبيدي حيارى(2)

والحقيقة لم يبق من أسماء النجف في يومنا هذا إلاّ النجف الأشرف و(وادي السلام) ويراد به الجبانة، و(الغري) وكثيراً ما تستعمل الكلمة في الشعر والنثر، ويطلق أحياناً على النجفيين بـ (المشاهدة) وعلي النجفي بـ (المشهدي)، ولا تطلق الكلمة على غيرهم من سكات العتبات المقدسة، ويعتز النجفي بهذا اللقب ويعتبره شرفاً له، ولكن كيف نشأت النجف وشيد المشهد الشريف؟ هذا ما سنتناوله باختصار في بحثنا المتواضع هذا. واللّه الموفق لكل خير .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – المجلسي، محمّد باقر: بحار الأنوار، ج42 / ص: 129، طبعة دار إحياء التراث ـ بيروت.
2 – الفيروزآبادي: القاموس المحيط، ص: 1104 ـ 1105، مؤسسة الرسالة، ط2، 1997م.
3 – ابن دريد (جمهرة اللغة)، م2 / ص: 108، مطبعة دار المعارف العثمانية 1345 هـ .
4 – الزبيدي: تاج العروس، م6 / ص: 251، السهلي هكذا ورد وهو السهيلي عبد الرحمن توفي 581هـ.
الصفحة السابعة

أحدث المقالات