18 ديسمبر، 2024 9:43 م

فهم العلاقة ما بين النتيجة والسبب , وإضطراب الحياة وإشتداد الخطوب , يستدعي البحث المحايد للعلاقة ما بين النتيجة وما أدّى إليها وحققها.
هذا الموضوع يتحقق إغفاله في الواقع الثقافي العربي , وتطغى عليه الأحكام المسبقة والإقترابات العاطفية الإنفعالية المتعسفة , وتخيم عليه التفاعلات المنحرفة الداعية لتبرير ما فيها من الغايات والتطلعات المشوهة , مما يؤدي إلى التعمية والتغفيل والتضليل الغاشم.
وحتى في البحوث المعرفية والعلمية قد تضيع الحقيقية وتبتعد الآلية المتبعة في البحث عن جوهر الكينونة القائمة في الواقع اليومي المعاش , ويُخشى أن يكون للمحاباة والنفاق دورهما في صياغة ما هو أشد خطورة منهما على العقل والنفس والسلوك.
كما أن غياب الجرأة العقلية والشجاعة البحثية والإقدام على طرح الأسئلة , والتفتيش الجاد عن أجوبة ملحة عليها يكون من مبررات التميع الثقافي والضعف المعرفي الذي يسود المجتمع العربي , مما يدفع إلى الواجهة بالذين يزينون إنفعالاتهم بما هو ديني ومذهبي وطائفي.
وفي ميادين الصحة العقلية والعافية السلوكية , يكون الهدف أن يصل المريض إلى وعي العلاقة ما بين النتيجة والسبب , وأن لا يعيش في حالة وهمية أو إنحرافية يسوغ بها النتيجة وينأى عن السبب الحقيقي والعلة الفاعلة في كيانه.
وهذا ينطبق على المجتمعات التي تستلطف تضليل نفسها وتحيد عن ذاتها وجوهرها , وتتوهم بأن أحوالها هكذا لأسباب خارجة عنها , فتخترع أقمصة وشماعات تعلق عليها ما يؤدي إلى تنامي تداعياتها وإنهياراتها الحضارية المروعة.
بينما المجتمعات المتواصلة العطاء والمعاصرة لمستجدات زمانها , تجد وتجتهد في البحث عن السبب المؤدي إلى نتيجة ما , وتعمل بمستطاعها للحيلولة دون حصول الترابط مستقبلا ما بين السبب وعناصر صناعة النتيجة المرفوضة أو السلبية.
وفي مجتمعاتنا لا توجد نزاهة ولا إخلاص في البحث عن الأسباب , ولهذا فأن المشكلات تتراكم وتتفاقم وتتكرر , ولا يمكنها أن ترسو عند حل يجنب المجتمع ىثارها النكراء , بل أن العديد من المشاكل تتعاظم وتتطور وتستحضر المزيد من الأسباب اللازمة لديموتها.
ويلعب النفاق والتقية دورهما في التمويه والتجاهل والإنحراف المعرفي والثقافي , كما أن للمداهنة والمحاباة والمصالح الذاتية والنفعية الأخرى دورها الفعال في تدمير الحياة والتضليل والتعضيل.
ولن نتمكن من النجاح والخطو الأمين من دون المعرفة الصادقة للعلاقة ما بين النتائج والأسباب والعمل الجاد على الحيلولة دون تواصلها.