تتفق الأديان السماوية جميعاً (الإسلام والمسيحية واليهودية) على أن النبي (يونُس) عليه السلام قد أُرسِلَ إلى مدينة (نينوى) الآشورية الواقعة في مدينة الموصل الحالية في شمال العراق.
نعرف هذه الحقيقة من قراءة كتب تفسير القرآن الكريم ومن قراءة الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، كما نعرفها من الحقائق التاريخية أيضاً.
ولكن ربما هناك بعض الناس الذين لا يعرفون هذه الحقيقة، أو يحاولون تزييفها وتغييرها.
والتفاصيل أدناه:
تعرض قناة (سما الموصل) الفضائية العراقية، في شهر رمضان الحالي لعام 1434هـ، بعد الساعة الواحدة ظهراً بالتوقيت العالمي، مسلسل رسوم متحركة مصري بعنوان (قصص الحيوان في القرآن). وهو مقتبس من كتاب بالعنوان نفسه للكاتب المصري (أحمد بهجت).
يتناول المسلسل، في كل حلقة من حلقاته المنفصلة، قصة واحد من الحيوانات المذكورة في القرآن الكريم. أحياناً يكون تناول القصة في حلقة واحدة، وأحياناً يجري تقسيم القصة إلى جزءين في حلقتين متتاليتين.
المسلسل من إخراج (مصطفى الفرماوي). أما السينايرو والحوار فقد وضعهما (محمد بهجت).
وتقوم بأداء أصوات الشخصيات مجموعة كبيرة من الممثلين المصريين يأتي في مقدمتهم الممثل (يحيى الفخراني) الذي يقوم بأداء دور الراوي.
المسلسل هذا ليس من إنتاج العام الحالي 2013، فقد عُرِضَ في رمضان 2011.
المسلسل جميل ويطرح القصص بأسلوب سلس وبسيط ومشوق. وبما أنه بالرسوم المتحركة فإنه مُوَجَّهٌ بالدرجة الأولى للأطفال بغية تعليمهم قصص من القرآن.
ولإثبات مصداقية المسلسل والمعلومات التي يطرحها نجد العبارة الآتية تأتي في مقدمة المسلسل في كل حلقاته:
“تمت المُراجعة بمعرفة إدارة البحوث والتأليف والترجمة بالأزهر”.
ولكن الأمر الغريب والذي لفت انتباهي بشكل خاص هو ما ورد في قصة (حوت يونُس) والتي تم تقسيمها إلى جزءين اثنين في الحلقتين التاسعة والعاشرة من المسلسل.
عُرِضَت الحلقة التاسعة يوم الخميس 18 تموز 2013 / 9 رمضان 1434، بينما عُرِضَت الحلقة العاشرة يوم الجمعة 19 تموز 2013 / 10 رمضان 1434.
فقبل نهاية الجزء الأول (الحلقة 9) قال الراوي (يحيى الفخراني) ما يأتي:
“كان سَيِّدُنا يونُس عليه السلام قد أصابه اليأس من عدم إيمان أهل مَديَن، فقرر أن يسير غاضباً ويسافر إلى بلدة أخرى.”
وقبل نهاية الجزء الثاني (الحلقة 10) قال الراوي (يحيى الفخراني) ما يأتي:
“واسترد النبي صحته وعاد إلى أهل مَديَن ليدعوهم إلى الله.”
هذا يعني أن المسلسل يقول إن النبي (يونُس) عليه السلام قد أُرسِل إلى (مَديَن) وأهلها وليس إلى (نينوى) وأهلها. وهذا بالطبع مخالف للحقائق التاريخية ومخالف لما نجده في كتب تفسير القرآن الكريم ومخالف لما ورد في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد.
وجدتُ كتاب (قصص الحيوان في القرآن) لمؤلفه (أحمد بهجت) في شبكة المعلومات الدولية بطبعته الرابعة الصادرة عن دار الشروق بالقاهرة عام 2000. ولكني لم أجد في الفصل الخاص بقصة حوت النبي (يونُس) عليه السلام أيَّ ذِكر لـ (نينوى) أو (مَديَن) أو غيرهما. (تبدأ القصة في الكتاب في الصفحة 64).
هذا يعني أن الكاتب (أحمد بهجت) بريء من تهمة تزييف الحقائق الدينية والتاريخية وتغييرها.
كما إنه يعني أن القائمين على إنتاج المسلسل هم المسؤولون عن هذا التزييف والتغيير في حقائق الدين والتاريخ.
هل يُعقل أن كاتبَ سيناريو وحوار المسلسل ومُخرجَ المسلسل وأَحَداً من العاملين في المسلسل لا يعرف القرآن ولا يعرف قصة النبي (يونُس) (ذي النون) عليه السلام في القرآن؟
هل يُعقل أن أَحَداً من هؤلاء جميعاً لا يعرف مواقع أضرحة الأنبياء في العالم؟
هل يُعقل أن أَحَداً من العاملين (المصريين) في المسلسل (المصري) لا يعرف أحداً من السبعة ملايين (مصري) الذين كانوا يعملون في العراق في ثمانينيات القرن العشرين، وكان البعض منهم يعمل في (الموصل) ويصلي في (جامع النبي يونُس) عليه السلام؟
هل يُعقل أن أَحَداً من العاملين في المسلسل (كاتب سيناريو وحوار ومُخرج وممثلين وفنيين وغيرهم) لم تسبق له مشاهدة فيلم (الرسالة) لمُخرجه (مصطفى العقّاد)، وهو الفيلم الذي نكاد نحفظه عن ظهر قلب، ولم ينتبه إلى مشهد ذهاب النبي الكريم (محمد) عليه أفضل الصلاة والسلام إلى (الطائف) ولجوئه إلى بستان (عُتبة) و(شَيبة) حين جاءه شاب بعنقود من العنب. وعندما رأى النبيُّ عليه الصلاة والسلام الصليبَ متدلياً من رقبة الشاب سأله: “نصراني؟” أجاب الشاب بقوله: “من نينوى.” فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: “مدينة أخي يونُس.” (هذا ما ورد في فيلم الرسالة نصاً، فقد حفظناه عن ظهر قلب من كثرة مشاهدتنا له.) وأدى ذلك اللقاء إلى اعتناق ذلك الشاب الإسلام. كان اسم ذلك الشاب (عَدّاس).
والأهم من ذلك كله هو هل يُعقَل أن يوافق الأزهر (إدارة البحوث والتأليف والترجمة بالأزهر) على تمرير هذا المسلسل بعد مُراجعته وفيه هذا التزييف والتغيير؟ هل سَها الأزهر (إدارة البحوث والتأليف والترجمة بالأزهر) عن ذلك التزييف والتغيير أم أنه تعمّد تمريرَهما عن قَصْد؟
هل يُعقَل أن ما حدث لم يكن إلا سَهْواً وبدون أية نِيَّة مُبَيَّتة؟
فلماذا ورد اسم (مَديَن) في المسلسل بدلاً من اسم (نينوى)؟
إن النظر إلى الموضوع بمِنظار واسع يجعلنا ننتبه إلى الأمور الآتية:
1. وقعت أحداث قصة النبي (يونُس) عليه السلام في القرن الثامن قبل الميلاد. هذا يعني أنها وقعت في زمن الإمبراطورية الآشورية الثالثة والتي كانت أكبر امبراطورية في العالم القديم. فكانت الإمبراطورية الآشورية (العراقية) آنذاك تمتد من هضبة الأناضول وأرمينيا شمالاً إلى الخليج الآشوري (العربي حالياً) جنوباً ومن أواسط الهضبة الإيرانية شرقاً إلى مصر غرباً. وكانت عاصمة هذه الإمبراطورية هي مدينة (نينوى) الواقعة في مدينة (الموصل) الحالية في شمال العراق. هذا يعني أن مصر كانت تابعة للإمبراطورية الآشورية آنذاك ومن ضمن أملاكها. وهو بالطبع ما يحاول البعض من إخوتنا في مصر إنكارَه وتزييفَه بأي شكل من الأشكال عبر الفن ووسائل الإعلام وغير ذلك.
2. إن مدينة (نينوى) هي المدينة الوحيدة التي قال عنها الله تعالى في كتابه الكريم إن جميعَ أهلها آمنوا به. قال الله تعالى في الآية 98 من (سورة يُونُس) [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمن الرَّحيم “فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ.” صَدَقَ اللهُ العَظيم]. وقبل هذه الآية في (سورة يُونُس) نفسها تحدّث الله تعالى في عدة آيات عن قصة النبي (موسى) عليه السلام وأخيه (هارون) وبني إسرائيل وفرعون وجنوده. ونجد في هذه الآيات كيف أن أهلَ مصر (فرعون وجنوده) لم يتّبعوا النبي (موسى) عليه السلام الذي اتّبَعَهُ بنو إسرائيل، فكانت النتيجة التي بَيَّنَها الله تعالى: [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم “وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ۞ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ۞ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ۞” صَدَقَ اللهُ العَظيم] (سورة يُونُس – الآيات 90 و 91 و 92). ويبدو أن القائمين على المسلسل يحاولون التهرّب من المقارنة التي أجراها الله تعالى بين مدينة (نينوى) الآشورية العراقية التي آمنت بجميع أهلِها وبين (مصر) الفرعونية التي لم تؤمن. فكانت مدينة (نينوى) الآشورية العراقية وأهلُها مثالاً على الإيمان بينما كان فرعونُ (مصر) وجنودُه مثالاً على عدم الإيمان.
من هنا ربما جاء تغيير اسم (نينوى) عَمْداً ليحل محله اسم (مَديَن) في المسلسل المذكور.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الآتي:
قد يكون الخطأ وقع سَهْواً أو بشكل مقصود ومُتعمَّد من قِبَل مُنتجي المسلسل والقائمين عليه.
فإن كان الخطأ قد وقع سَهْواً، فهل يُعقَل أن السَّهْو قد وقع من قِبَل الأزهر (إدارة البحوث والتأليف والترجمة بالأزهر) أيضاً، أم أن الأزهر لم يُراجع العمل، أم أن الأزهر تَعَمَّد إغفالَ الخطأ والتغاضي عنه؟
وإلا، فكيف يوافق الأزهر (إدارة البحوث والتأليف والترجمة بالأزهر) على تمرير هذا المسلسل وإجازته بعد مُراجعته؟
المسؤولية هنا تقع على مُنتجي المسلسل والقائمين عليه، بينما تقع المسؤولية الكبرى على الأزهر (إدارة البحوث والتأليف والترجمة بالأزهر) الذي وافق على تمرير معلومات خاطئة ومُزيَّفة.
والأمر الأشد وقعاً هو أن المسلسل بالرسوم المتحركة، أي أنه مُوَجَّه للأطفال بالدرجة الأولى. فكيف يوافق مُنتجو المسلسل والقائمون عليه وكيف يوافق الأزهر (إدارة البحوث والتأليف والترجمة بالأزهر) على تقديم معلومات خاطئة وزائفة للأطفال؟
إن الخطأ ينطوي على الإساءات الآتية:
1. إساءة إلى واحدة من الحقائق الدينية (في الأديان السماوية الثلاثة كلها).
2. إساءة إلى جانب من تاريخ العراق المشرق.
3. إساءة إلى الأطفال بشكل عام من خلال تعليمهم أمور خاطئة.
وعليه فإني أرى وجوب إعادة المسلسل إلى أصحابه ومنتجيه مع تنبيههم إلى الخطأ الواقع فيه، والذي أرجو أن لا يكون متعمّداً.
كما أرى وجوب تنبيه الأزهر إلى عدم الوقوع في مثل هذا الخطأ مرة أخرى. فالأزهر مرجعية دينية لا ينبغي لها الوقوع في مثل هكذا أخطاء.
أدناه رابطا الحلقتين التاسعة والعاشرة:
الحلقة 9 – نجد الخطأ في الدقيقة (15:10):
http://www.dailymotion.com/video/xkg96g
الحلقة 10 – نجد الخطأ في الدقيقة (14:11):
http://www.dailymotion.com/video/xkh2ck