في ذكرى وفاة النبي الخاتم صلى الله عليه واله مع ألم الحزن والأسى نستذكر ونستحضر كل المعاني والقيم الانسانية الرسالية في مسيرته الخالدة وما تعرض له من أذى وعذابات وما قدمه من تضحيات وتفاني لانظير له في عالم الحياة لاتحويها الكتب ولاتحصيها الأقلام , ولعل من أبرزها حين نزح مغترباً ومهاجراً من بلده ومسقط رأسه مكة وهو يخاطب أحد جبالها بكلام يدمي القلب ( اشهدوا ان هذا الجبل يحبنا ونحبه ) فبعد حصار فكري اقتصادي واجتماعي وتعذيب وقتل ونهب ومصادرة أموال وديار وتهجير الى شعب ابي طالب ومقاطعة وركود وجمود في الدخول بالاسلام بسبب هذه الممارسات اختار النبي الخاتم صلى الله عليه واله وسيلة اخرى وبلد آخر لنشر دعوة الاسلام وباسلوب مباشر بتصديه بنفسه فرحل الى الطائف ملتقياً باشرافها وزعماءها يدعوهم الى التوحيد بالحكمة والموعظة الحسنة وبخلق رفيع , فكانت الصدمة والمفاجئة حينما قابلوه بغلظة وقسوة ورفض مع سخرية واستهزاء وتعبئة وتحشيد للجهال والسفهاء يرمونه بالحجارة ويصفقون وراءه ! حتى شج رأسه وأُدميت قدميه !حينها رفع يديه للسماء بدعاء( الهي أشكو اليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ..)! ليعود مضطراً لمكة الظالمُ أهلها له ! ولم يجعل ما تعرض له مبرراً وعذرا يثنيه عن إستمراره بالدعوة الالهية , وهذا درس لكل مؤمن وداعي للحق , ليخطط من جديد في طريقة ونهج اخر للتبشير والنذير والهداية وهذه المرة من أرض يثرب التي تبعد عمن مكة 250 ميلاً سبق هجرته اليها تمهيد الأرضية وخلق الظروف الموضوعية لإستقبال اطروحته الرسالية وشخصه المقدسة , وكان لمصعب بن عمير هذا الدور والمنسق للنبي مع أشرافها في لقاءات في مواسم الحج والتي أثمرت عن دخول نيف وسبعون شخصاً في الاسلام , فكانت الهجرة الخالدة بأبهى صورة وفتحاً عظيماً برعاية الهية واستقبالاً روحياً من أهل يثرب موطن المهاجرين والانصار وموضع أول مسجد في الاسلام , لتقرّ نفس النبي الخاتم صلى الله عليه واله ويجزيه خيراً وليضمد جراحات وعذابات الطائف ومكة , ومن ثم لتكون يثرب محطة الانطلاق نحو الفتح الأكبر لبيت الله الحرام ودخول الناس أفواجاً في دين الله تعالى ليصل لنا في زماننا هذا بعد اربعة عشر قرناً منقذاً لنا من الشرك والضّلال ولننعم بنعمة الاسلام دينناً وقانوناً سماوياً, لو أفنينا عمرنا بالشكر القولي والقلبي والعملي لله ورسوله صلى الله عليه واله لما أدينا حقه علينا وفضله وجميله بعد الله تعالى , أضف الى ذلك الدروس والعبر والمواعظ التي لو ألتفتنا لها لما توقفنا عن المسير في دعوة الحق والإعتدال والوسطية الرسالية يوماً ولأتفه الأسباب ؟ فاذا كان أشرف الخلق وخاتم النبين وحبيب إله العالمين يتعرض الى الضرب والسخرية والتهجير والاستهزاء والمقاطعة ومحاولات الإغتيال , فما بال المسلم الأدنى يتراجع عن قيمه ومبادىء وثوابت اسلامه ويبيع عقيدته وانتماءه لمجرد الواجهة والمنصب والمال والوظيفة والمركز الإجتماعي او لمجرد التضييق والتهديد أو لأز ووسوسة الشيطان , بل ولأبخس الأثمان وباقي الفتات ثم يزيد على ذلك حينما ينقلب عدواً متربصاً وهمازاً نماماً يوشي بأخيه المسلم ! ويودُ لو تكفرون حتى تكونوا سواء !!وما بال المسلم يبيع وطنه ويقضي على حضارته وآمال أجياله حينما يوالي ظالماً خائناً فساداً ويسلطه على الرقاب لمجرد انتماءه الطائفي والمذهبي ,أو يتعصب لشرار قومه ضد خيار قوم آخرين !! وهذه سيرة النبي الخاتم صلى الله عليه واله غنية وحافلة بروح المواطنة وحب الوطن وبغض ورفض الفاسدين والظالمين وإن كانوا من طائفته وأعمامه وعشيرته !