18 ديسمبر، 2024 10:16 م

الناصرية وكافافيس ونعيم عبد مهلهل والشعر رابعهم (اكتشاف كافافيس برؤية أخرى)

الناصرية وكافافيس ونعيم عبد مهلهل والشعر رابعهم (اكتشاف كافافيس برؤية أخرى)

للكاتب نعيم عبد مهلهل تاريخ طويل بالكتابة ، ويمتاز بلغة شفافة ، مرنة ، طرية يستطيع التلاعب بها كيفما شاء ، فانا مبهور بلغته تلك منذ ان التقيت به على صفحات روايته الاولى التي كتبها في الثمانينات ، حتى اخر اصدار له .
الكاتب نعيم عبد مهلهل هو احد كتاب مدينة الناصرية التي انجبت عبر تاريخها المعاصر العشرات من الكتاب ، قصاصين وروائيين وشعراء ، وهي كذلك تاخذ بيد كتابها ليقرأوا روائع الادب العالمي ، وكان من ضمن هذه الروائع الشاعر اليوناني – المصري كفافيس الذي التقى به كاتبنا على صفحات الكتب ، فانبهر به ، واندهش بعالمه الشعري ، فسحبه الى عالمه الواسع والمثير.
الكاتب نعيم عبد مهلهل نشر مؤخرا على صفحات موقع الكتابة الثقافي كتابه الاخير (أكتشاف كافافيس برؤية أخرى) الذي يضم مجموعة من اشعاره التي حاور فيها الشاعر كفافيس.
انها تجربة جديدة في كتابة الشعر ، ان تنهض شاعرا من موته الابدي على المستوى الفيزيقي وتقرأ اشعاره ثم تقول انت شعرا ليس نقيضا مما قاله ( كالنقائض مثلا ) بل لتحاور شعره بشعر يستكشف افاق ذاك الشعر في عصر جديد.
قسطنطين كفافيس أو “كونستانتينوس بترو كفافيس” (29 أبريل 1863 – 29 أبريل 1933) هو واحد من أعظم شعراء اليونان المعاصرين، وهو مصري يوناني. وهو يعبر في شعره عن التلاقي المشترك لعالمين: اليونان الكلاسيكية، والشرق الأوسط القديم، وتأسيس العالم الهلنستي، والأدب السكندري الذي كان مهادًا خصبًا لكل من الأرثوذكسية والإسلام، والسبل التي تدفع بشعوب المنطقة – على اختلاف أساليبها – نحو الكمال الإنساني.
بدأ كفافيس كتابة الشعر في التاسعة عشرة من عمره ونشر أول مجموعة مطبوعة من أشعاره في الواحدة والأربعون من عمره في عام 1904، وكانت تتكون من أربعة عشرة قصيدة، وفي عام 1910 نشر ثاني مجموعاته وكانت عبارة عن الأربعة عشرة قصيدة الأولى بالإضافة إلى إثنا عشرة قصيدة جديدة، ونشرت له مجلة ” الحياة الجديدة ” قصائد من عام 1908 حتى عام 1918 ومع مرور الوقت تجاوزت شهرته الأسكندرية ووصلت للأفاق العالمية.
أصيب كفافيس بمرض سرطان الحنجرة وفقد القدرة على الكلام وقضى آخر أيامه في المستشفى اليونانى بالأسكندرية.( موقع يوكيبيديا بتصرف )
اما مدينة الناصرية ، مدينة الكاتب نعيم عبد مهلهل فهي تقع في جنوب شرق العراق على نهر الفرات وهي مركز محافظة ذي قار. ولقد اسسها الأمير العراقي ناصر الاشكر باشا السعدون، بنيت عام1870 ميلادية على ضفاف نهرالفرات.بناها الأمير ناصرالاشكرباشا السعدون (أمير قبائل امارة المنتفق) وسميت على اسمه.
تقع مدينة أور الأثرية والزقورةالشهيرة على بعد كيلومترات معدودة من المدينة والتي يعود تاريخها لألاف السنين.
و يعود تأريخها إلى ما قبل الحضارة (العبيدية) 7000 ق م. حيث ضمت أول مدينة في التأريخ وهي مدينة (اريدو)، التي تم ذكرها في (قائمة الملوك السومرية). وعلى ارضها قامت الحضارة السومرية في ممالك (اور، لجش، اوروك). وفيها ولد النبي (إبراهيم) ، في (اور), التي لا تزال آثارها قائمة في المدينة، والى جنبها (بيت إبراهيم). شكلت جزءا مهما في الحضارات (الاكدية، البابلية الآشورية)، وكانت مصدرا مهما للثروات الوطنية لتلك الامبراطوريات، لمحاصيلها الزراعية المهمة والأسماك حينها. كما كانت تمثل التأريخ الديني للحضارات الرافدينية المتعاقبة مع مدينة (نفر). مدينة الناصرية الحالية
يضم الكتاب سبع قصائد يخاطب فيها الشاعر الشاعر كفافيس المتوفي عام 1933 في مدينة الاسكندرية ، مع مقدمتين نثريتين احداهما (القصيدة والمدينة ” الناصرية ــ كافافيس” ) التي قال فيها المؤلف : ((نضع المدينة ( الناصرية ــ كافافيس ) مثالا لرؤية ما نشعره في معناه وحقيقته ، وسنكتشف أن المدينة الأكثر سعة بين الاوعية التي يصب فيها الشعر أمطاره ليشرب القُراء ما يشعرونه مانعا للظمأ ومُشبعاً لحاجة ارواحهم ضد هذا اليباب والجفاف الذي يكتسحُ عالمنا مع العولمة والطروحات الجديدة من فقه القاعدة والسيافيين الى فوضى قسوة الطبقة الحاكمة وربيعها العربي. وفي هكذا الضجيج هناك من هم ندرة وقلة ينعزلون في صوامعَ ارواحهم ويختبؤا في ليل المدينة والغرف النصف مضاءة أو على سطوح بيوتهم ليكتبوا لنا شيئا أسمهُ “الشعر”.
لايفسر الشعر خباياه إلا من خلال الأخيلة ، والمدينة بعض أخيلة القصيدة حيث يتوافر لها ما تمتلكه الهواجس المضيئة لتجعل ليلها أو نهارها حديقة الفصول كلها لوردة الحرف وهو يغادر الروح والقلم بأنسيابٍ موسيقي حميم ، وربما رؤية قسطنطين كافافيس للمدينة تمثل انموذجا سحريا لأحساس الروح بتفكير المدينة وملاصقتها لأفعالنا الحسية والعملية والقدرية.
بين مدينة كافافي والناصرية مسافة من عمر الشاعر ، دفع ايقوني وميثولوجي وايروتيكي لحركة الجسد وتفكيره منذ قَطعْ الحبل السري ومرورا بطفولة الخبز والجوع والقصف والقصف المقابل في جبهات القتال في جنديتك القديمة وانتهاء بموسم هجرة نوارس النهر.
أشكالية من تحديد العلاقة ، كافافيس بعزلة الرعشة والناصرية بقيظ تموز وخرائطها السومرية الممتدة من شارع الهوا وحتى جميع مقاطعات امريكا ، لاشيء سوى انها من النخل تصنع اوقاتها فيما يصنع الشاعر اليوناني اوقاته من ثمالة القياصرة والجنود وسناتورات مجالس الشيوخ .)).
اما الثانية ( في انتظار الأثنين ” أما الأسكندر أو البرابرة” ) قال المؤلف : ((صورة الاسكندر في منطقها كانت ارق من صورة الخان المغولي ولكنها يلتقيان في بربرية الاتساع بمساحته الامبريالية .غير ان الامر يختلف الان ، فصناعة البربرية قد تأتي من خلال فيلم سينمائي تمثل فيه اجمل نساء هوليود أو من خلال خطاب متلفز لاعلان حرب تقدمه في النشرة الاخبارية اجمل مذيعات السي ان ان او الجزيرة او الاسكاي نيوز..
متغير الرؤية يضغط على هاجسي أن ابتعد الان عن تلك الدهشة الغامضة بقصيدة البرابرة التي كتبها كافافيس واتخيل هاجسا صوفيا ورومانسيا لعالم اتمناه حديقة وليس فصيل جند……!)) وهو يتحدث عن قصيدة كفافي ( في انتظار البرابرة ) القصيدة التي ترجمها الشاعر سعدي يوسف.
ويضم الكتاب القصائد التالية:
– كافافيس ( العشق الإسكندراني )
– كافافيس يبكي على مصر الآن..!
– أنحسار المتعة ( كافافيس والأسكندرية )…!
– كافافيس ــ مِصرَ لم تعد مَصرْـ
– السعادة الكافافية …اللذة المطلقة ..!
– كافافيس : ( جسد ذكوري بعطر النعناع ) …
– عضلات صدر كافافيس ..أغصان شجرة
في قصيدته الاولى ( كافافيس ( العشق الإسكندراني )..) يقول الشاعر نعيم عبد مهلهل مخاطبا الشاعر اليوناني : (ليس محنة أن تجد شفتيكَ مع كأس لاتتجرعه ، المحنةُ تكمن مع خد لاتشتهيه وقصيدة تكتبها قبل أن تكتبكْ .).
هذه هي المحنة التي وجد نعيم نفسه فيها وهو يكتب عن تجربته مع الشاعر كفافيس الذي وجدته هو الاخر محتارا في كيف يكتب اشعاره .
لهذا يطلب منه ان يكون (كفيلسوف شاب ومخدر) .
ان يكون فيلسوفا فان اجداده اليونانيين كانوا فلاسفة فيريد منه الشاعر نعيم ان يعود الى فلسفة اجداده بشرط ان يكون مخمورا ، لان الشعر عند ذاك سيكون مدهشا ومبهرا .
في قصيدته الثانية (كافافيس يبكي على مصر الآن..!) يؤثث الشاعر نعيم مدينة الاسكندرية ليعيش فيها الشاعر في زماننا هذا ويقول الشعر كما كان:
* (تظاهراتها ، الجيش الفرعوني .ساحة الميدان .
وأم كلثوم.
سيرة الحب.
هي العشق بحقول البرسيم.
والذي سيحترق.
سيحترق في الايام القادمة.
مانشيتات الافلام
وذلك اللقب السحري ( ام الدنيا )
فماذا يقول الشاعر كفافيس بعد ان استدعاه الشاعر نعيم ؟
* (كانت أثينا مغرورة .
لهذا أحترقت بصواعق الهة غيورة.
ترى لماذا نغار من مصر.
والفقراء فيها ( منظرا ) رومانسيا رائعا.
بلد نصف افلامه السينمائية تتحدث عن قبلات الفم والرغيف.
والنصف الأخر أولئك الغلابة من فلاحي الصعيد والنوبة وخواطر توفيق الحكيم.
وهناك صلاة .).
هكذا يستدعي الشاعر نعيم شاعره اليوناني ليرى مدينته الاسكندرية في عصرنا الحاضر وان يكتب شعرا لها وعنها وفيها .
الذي يحدث الان لم يدع مصر كما كانت ، مصر المحروسة ، يقول في قصيدته (كافافيس ــ مِصرَ لم تعد مَصرْـ).
* (الكل …
هنا …
الكل هناك.
مصر المحروسة فداك.
قالوها لعبد الناصر.
ونحن قلنا لنبوخنصر :الانثى الارمينية شمسك ودنياك..!
مصر لم تعد مصر ..
يكتبها كافافيس ..
وعلى نغم واركيلة وكأس خمر.
راقصة بنهد مفتوح الازرار تحمل وشايتها للملك عن رعيته ..
الذي يحدث…
حدث…).
في قصيدة (السعادة الكافافية …اللذة المطلقة ..!) يخاطب شاعرنا الشاعر اليوناني قائلا:
* (لهذا كان الحضن يشبه فردوساً من لحظة ذروة ..
ينعشهم في سبات الخدر الوقتي …
كل الليل كان الهمس يدور حول الوضع الشكلي لراحتنا …
على السطوح ..
في غرف الحجر …
في بيوت القصب ..
في الكهوف …
في خيام الصحراء ..
حتى في قعر الزورق …
كان الحلم على شكل جماع متجانس …
ومثل طواف حول الهيكل ..
كان الجسدان يطوفان ببعضهما .!).
يقول الشاعر سعدي يوسف (( يلحظ المرءُ في قصائد كافافي المتأخرة ( شواهد أسلوبيته المتأخرة ) ، تلك القدرة المذهلة على إثارة الخيبة والبهجة معاً ، بدون حل التناقض البيِّــن بينهما )).
فيما يقول الشاعر نعيم عبد مهلهل :
* (خببٌ يمشي في أجسادنا كما رعشة ضوء نجمة تحت أضلاع وسادة ، وهكذا هو الثمل الشاب ، يبحث عن رغبة أخرى وينسى رغبته .
كم هي الساعة …؟
هناك ثمة فحل إغريقي ينتظركم مع سيفه عند بوابات بغداد ..
هناك ..إبريق الشاي ، ولفافة الحشيش ، وثياب قيصر ستصنع له المتخيل الجميل أن يكون هو في العاصفة ..
تداعب الرياح شعره الأسود الطويل ..
وتحت ظل سدرة أدم الجنوبية ..
بط ذكوري يلحسُ أصابعه في نومته الهادئة…).
ان الشاعر نعيم يبدأ كما التفكيكين ، حيث يبدأون بتفكيك النصوص ، هكذا عمل نعيم بشعر كفافيس ، ففككه ، ثم اعاد يناءه حسب ذائقة الشاعر نعيم عبد مهلهل.
هذه نماذج لقصائد نعيم عبد مهلهل وهو يخاطب الشاعر اليوناني المصري المتوفي عام 1933 ، انه يستنهضه من رقدته الابدية ليقول له ما حدث في مصر من احداث ، وهو يثور بوجه الطغاة من الحكام .