23 ديسمبر، 2024 10:21 ص

الناصرية العطشى تستغيث…من سيرويها؟

الناصرية العطشى تستغيث…من سيرويها؟

لا أدري لماذا كنا في صغرنا حين نرى نهر الفرات الذي يروي بساتين العكيكة، تلك المدينة الجميلة بكثافة نخليها وخضرتها، وهي تتخذ من الشمال الشرقي لمدينة سوق الشيوخ موقعًا يشبه الجنة، نتخيل أن النهر العظيم الذي أمامنا بحر كبير شاسع، فربما كان للموضوع صلة بأحجامنا الصغيرة قياسًا به أو أن ارتفاع منسوب المياه فيه بشكلٍ كبير وتلاطم أمواجه كان يخيفنا، ولا أدري أيضا لماذا عندما سمعتُ للمرة الأولى حسين نعمة يغني (للناصرية للناصرية…تعطش واشربك ماي باثنين اديه) تخيلتُ أن الناصرية هي مدينة الماء، وهي التي تروي المدن الأخرى ويقصدها العطاشى مثل “بوجناغ” ! فما الذي تغير يا ترى؟ ربما أننا تمردنا على الفرات وتعالينا عليه فما عدنا نرى هيبته وكل تلك الأشياء التي رأيناها في طفولتنا، وربما خانه أبناؤه الذين صاروا أصحاب مناصب مهمة في السلطة، حتى تناسوا الفرات الذي طالما تمرغوا بطين شاطئه، ومسحوا من ذاكرتهم صور الهور الذي عاشوا بنعيمه وأكلوا من خيراته وأنقذ كثيرين منهم من موتٍ محتم! والآن تحققت رؤيتك يا حسين نعمه فغدت مدينتك الناصرية منسية ( يالناصرية تظلين طيفي وخيالي ودنيتي المنسيه) لكنها ما عادت (مشرغده بفي النخل وماي الفرات الغافيه بشاطيه)!
منذ فترة ونحن نطالع الفضائيات والوكالات الإخبارية تتناقل أخبارًا وتحقيقات عن شحة المياه التي تهدد محافظة ذي قار بشكلٍ عام وفي مناطق عديدة منها شرقًا وجنوبًا وشمالا،حيث بدأت مياه الأنهار الرئيسة والفرعية تشح بشكلٍ كبير، واستشرى الجفاف في الأرض التي جف ماؤها وما جف دم أبنائها دفاعًا عن وطنٍ أحبوه، دون أن نرى معالجات حقيقية تُسهم ولو بجزءٍ صغير وتضع حلولا لهذه المشكلة، وحتى هذا اليوم طالعتُ خبرًا يتحدث عن الآبار الارتوازية التي تم حفرها في مناطق معينة من المحافظة للحد من تفاقم الأزمة، الغريب في الأمر أن الخبر يركز على أن عدد هذه الآبار أصبح 188 بئرًا بعد أن كانت قليلة، فهل يبدو أنَّ لا حلَّ يرنو في الأفق غير هذا؟ هل ستروي هذه الآبار أبناء الناصرية وتُطفئ جمر قلوبهم المتوقدة منذ الأزل؟ أي ماءٍ سيكفي لهيب تلك القلوب؟
المحزن جدا في الأمر أن الناصرية كانت تنتظر أن تطفو على الماء مرةً أخرى كما كانت، خصوصًا بعد أن أُدرجت أهوارها على لائحة التراث العالمي، لكنها لم ترَ سوى التجفيف والتقتيل والغبن الكبير، ولم تسمع غير أحاديثٍ وتصريحاتٍ خائبة من مسؤولين لم يجدوا حلاً لها غير المياه الجوفية والآبار والمطالبات الفقيرة والمناشدات التي لا تكاد تعبر أبواب مكاتبهم الفارهة، فهل هكذا تُجازى الناصرية بعد أن صارت مواردها الطبيعية عالمية؟ أم أنها ضريبة تدفعها هي وأبناؤها جراء لعبةٍ سياسية عفنة تقف وراءها مصالح أحزاب وجماعات وربما دول! فقط لأن الناصرية حظت بتلك المنزلة!
أنا فرد واحد من مليونين ومائة ألف فرد آخر من أبناء الناصرية، أستحلف هؤلاء الأبناء وأستحلف الغيارى الذين يُحبون العراق أن يقفوا وقفةً جادة في سبيل الناصرية وأبنائها قبل أن تموت وتُمحى، نحتاج لأفعالٍ حقيقية تهدم العراقيل التي بُنيت في سبيل تعطيش الناصرية حتى ولو كانت سدوداً، أما هؤلاء الذين يُسخرون هذه الأزمة لمصالحهم الانتخابية أو للظهور الإعلامي فأقول لهم: الناصرية أمُكم … فاستحوا ان كنتم أحرارا!