18 ديسمبر، 2024 11:15 م

الناس غير آمنين على انفسهم وحرياتهم

الناس غير آمنين على انفسهم وحرياتهم

بين اعتقال ناشط مدني وضرب تظاهرة سلمية نسمع عن اعتداء اخر مخيف من قبل جماعة مجهولة باختطاف مواطن لا ذنب له سوى مشاركته بفعاليات الشان العام، والاكثر رعبا الاغتيالا ت المستمرة، تظهر التراجع الصارخ للحريات العامة.

لم يعد القانون يشكل رادعا للمتجاوزين عليه ولمنتهكيه ولا للخارجين عن احكامه، والمفارقة ان بعضهم مسؤولين في الدولة يجاهرون بارتكاباتهم، بل اكثر من ذلك يوثقونها ويوزعونها على وسائل الاعلام وتبث على وسائل التواصل الاجتماعي مثلما حدث للطلبة في كربلاء، وذلك لااثارة الخوف وتكميم الافواه وفي تحد للحكومة وباسمها، وهي التي تبذل جهدا ليس بالقليل للحفاظ على القانون والتقيد باحكامه. والاكثر مرارة وقهرا للناس يعتبر ذلك انتصارا للعدالة وانفاذا للقانون في عرفهم الذي لم يعد هو القانون الذي عرفه الناس.

في كل الدول التي لديها مؤسسات دستورية لا احد يتجرأ على التفاخر والتباهي بالانتهاكات وعرض افعاله الشنيعة على الملاء ويحاول لفلفتها ويقدم عليها في السر وليس في العلن خشية من ضمير صاح وتراكم للغضب الشعبي الذي قد يتفجر في اي لحظة لانه لكل رعب وخوف نهاية.

في الايام القليلة الماضية، اعتقلت السلطات الامنية في كربلاء 16 متظاهرا يحتجون على انهيار المنظومة الكهربائية وهي تظاهرات شملت انحاء مختلفة من البلاد ولم تقتصر على مدينتهم، من ضيم الحر الشديد والوعود الكاذبة باصلاح وتوفير التيار الكهربائي.

قبل ذلك تم اختطاف الناشط المدني في ذي قار فرج البديري ومن سنوات جلال الشحماني ولم تدلي السلطات الامنية بمعلومات عن اوضاعهم وتكشف المليشيات التي كانت وراء الاختطاف، الى جانب المغدورين الذين تلقى جثثهم في الاماكن العامة.

ان هذه الظواهر تنذر وتدلل على انهيار كبير في الامن والاستقرار النسبي له الذي نعمت به البلاد.. وهو ماشجع عصابات ومافيات ترتكب جرائمها في وضح النهار وعلى مسمع من القوات الامنية، فظهرت عاجزة عن تعقب الجناة وحالتهم الى القضاء.

والامر من ذلك ان بعضا من هذا الدم المسفوح يشار الى السافحين بالبنان من دون ان تحرك الدعاوى ضدهم ويعامل مقترفيه بحزم، مما حفز ويحفز على ان ياخذ كل مواطن امره بيده..

ان ما يجري هو عين الفوضى لغياب دور المؤسسات الحافظة لهيبة السلطة وتعطل اعمال القوانين، التي تواجه تحالفا غير مقدس بين القوى الفاسدة والمافيات الاجرامية والقوى المتطرفة المسلحة وهذه نتاجات طبيعة لنظام المحاصصة والاثنية، على ما يبدو حتى هذا النظام المتخلف عما يبنى في العالم لم يعد يلبي مصالح الفاسدين، واغضبهم تملل المواطنين في الانتخابات ضدهم، حتى بدء هؤلاء بحملة جديدة لاسقاط ما تبقى من هيبة الحكومة وادائها لمهامها على كل الصعد لفرض ارادتهم.

ان هذه الفترة خطرة بسبب الصراعات والشد والجذب بين القوى السياسية على اعادة اقتسام المغانم والامتيازات السلطوية وبقاء النظام على حاله مما يؤدي الى تعميق الازمة الشاملة، فليس من سبيل غير الالتفات الى رغبات الناس في الاصلاح وتغيير النهج الخاطىء الذي عبروا عنه واعطوا مؤشرات قوية في الانتخابات على ضرورة بناء عملية سياسية جديدة وتحقق الامن والاستقرار.