23 ديسمبر، 2024 5:53 ص

العقل البشري في إجازة , إلا عند البعض الذين يرسمون خارطة المسيرة البشرية المتمسكة بشراع عواطفها , ولا تقوَ على إدارة دفة ذاتها وموضوعها , فهي رهن للرياح الهابة عليها من كل حدب وصوب.
وهذه مشكلة سلوكية فاعلة في تيار الأجيال المتوافدة إلى نهر الحياة , فتتحول أحيانا إلى أعاصير شديدة وعواصف ورعود , ولا تختلف في تصرفها عن البيئة التي تعيش في أحضانها.
فسلوك البشر مقرون بسلوك الطبيعة , والأرض ترسم خارطة التفاعلات القائمة بين مخلوقاتها المتصارعة المتحيرة بوجوها ومصيرها.
وعند الحديث عن العقل يبدو الموضوع خياليا , أو بعيدا عن الواقع التفاعلي المتحقق فوق التراب , فالمخلوقات ومنها البشر محكومة بعواطفها , ولديها القدرة الهائلة على العمل بموجب معطيات حاجاتها البقائية , وما في دماغها يكون مُسخرا لهذه الغاية .
والحاجات البشرية متنوعة ومتباينة في غرابتها ونوازعها وتطلعاتها , وما تريد الوصول إليه من نهايات وخواتم ذات ويلات ونواكب وتداعيات.
ويبقى العقل معتقلا ومُسخّرا لتنفيذ أوامر العواطف والنوازع البشرية , وما نسميه العقل هو القدرة على تسويغ وتبرير إرادة النفس الأمّارة بما فيها , وما تحتويه من المطمورات والكوامن والمستترات.
فالعاطفة تسبق العقل , والعقل يأتي أخيرا ولا يكون أولا , لأن الطبيعة الخلقية لا تسمح بمثل هذا السلوك , وتلقي بالمخلوق في نار حامية لتدريه ما هي , وعندها يصبح جمرة متقدة تريد التحوّل إلى رماد , فتخبو وتخفت لواعجها بعد أن إمتطت العقل للوصول إلى نهايتها , وقد تتحول المجتمعات إلى جمرات متقدة , يتوفر لها عقل يساهم في إخمادها فيأخذها إلى الحروب المروّعة , كما حصل في أوربا مرارا , وفي مجتمعاتنا أيضا.
ذلك أن المجتمعات ما أن تتأجج , تتحول إلى طاقة متأهبة للتصريف بأي إتجاه يمكنها الإنبعاج فيه , وإن تيسّر لها مَن يأخذها إلى ما يريد ويرغب , فأنها تندلق بالإتجاه الذي يريده , كأنها التيار الشديد حتى تصل إلى مصبها وتغيب.
ولن تتمكن البشرية من التحرر من قبضة العواطف مهما توهمت بأنها ذات عقل , ذلك أن العقل حمار العواطف , وعبد الإنفعالات , وهو لإتقاد الحاصل في جمرات النفوس والأعماق البشرية.
فالحديث عن العقل يكاد يكون أشبه بالتفاعل الوهمي السرابي مع الذات والموضوع , الذي يتعلق بالمخلوقات ومنها البشر.
فالموجودات منفعلة ومستعرة , ولا عقل إلا لتبرير الأجيج وتسويغ اللهيب والخراب!!
فهل أن العقل أمير أم أسير؟!!