حوار هادىء على ما كتبه الدكتور جعفر المظفر…؟
قرأت البارحة ما كتبه الاخ الدكتور جعفر المظفر في الحوار المتمدن بعنوان :معركة الجوامع لا االشوارع . لقد أعجبني ما كتب حتى بدأت اميل الى رأيه كثيرا مصدقا لماجاء فيه من اثباتات مادية تدعو الى مراجعة حقيقة الناسخ والمنسوخ وما دار حوله من نقاشات بين الاعتدال والتزمت،والافضل ان نقول بين الاعتدال والتطرف كما نقلته لنا كتب التاريخ تصورا من الفقهاء ووعاظ السلاطين من اصحاب نظريات الترادف اللغوي الخاطئة في القرآن الكريم والذين آوهمونا بالكثير من الاخطاء التي حسبناها صحيح.وما هي بصحيح.
هذا ما دعاني الى اعادة نشر بعض من مقالتي السابقة عن الناسخ والمنسوخ وهي الوهم ( الأسراء والمعراج ) الذي زرعه الفقهاء باذهان الناس خطئاً وجر علينا الكثير من اشكاليات النص القرآني في التفسير والتأويل بعد ان زدت عليها, واليوم نعود للموضوع وما كتبه سليمان رشدي مشككا بالقرآن الكريم.
لم يكن الكتاب الذي ألفه الكاتب الهندي سلمان رشدي الآيات الشيطانية مستمداً من بنات افكاره ، لكنه كان من الكتب السوداء المستمدة من كتب مؤرخينا وكتابنا القدامى، وما فكروا ان يوما ما سيأتي على ما يكتبون، اشخاص يقرؤون ويفلسفون الكلمة ومنه يصنعون القصص والاباطيل ضد نبينا وديننا وثقافتنا التي مزقها الفقهاء ورجال الدين ،وما نحن فيه مختلفون وكان الكاتب الهندي البريطاني الجنسية سليما ن رشدي ناقدا لهم باسلوب ساخر بآيات القرآن الكريم.
لقد كتب المؤرخ أبن جرير الطبري (ت 310 للهجرة) في تاريخه الرسل والملوك ج2 ص337 وما بعدهاعن سورة النجم ، يقول الحق: (والنجم اذا هوى،ماضل صاحبكم وما غوى ،وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى) ،فلما انتهى الى قوله تعالى (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى – النجم 1-20) القى الشيطان على لسانه ما كان يحدث به نفسه ويتمنى ان يأتي به قومه مكملا الاية كما كانوا يتصورون فقال : (تلك الغرانيق العُلا ،وان شفاعتهن لترتجى به).فلما سمعت بذلك قريش فرحت وسرت واعجبت بما قاله رسول الله (ص)،حين ذكر آلهتهم بخير، لدرجة ان بعض المسلمين صدقوا ما سمعوا فلم يبقَ في المسجد من مسلم ولا مشكك الا وسجد للاسلام، الا الوليد بن المغيرة الذي كان كهلا لا يقوى على الوقوف والسجود .بعدها تفرق الناس من المسجد وقد خرجت قريش وسرها ما سمعت لمدح محمد (ص) آلهتهم وذكرها بخير وقيل في وقتها اسلمت قريش.
لكن جبريل(ع) لم يمهل الرسول(ص) طويلا حين هبط عليه وقال له :”يا محمد ما صنعت ،لقد تلوت على الناس مالم آآتك به عن الله عزوجل ،وقلت مالم يقل الله ،فحزن الرسول حزنا شديد اوخاف من الله خوفا كبيرا،فنزلت الاية الكريمة :(وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله اياته والله عليم حكيم ،الحج 52).
وهنا ذهب الحزن عن رسول الله وعمه الفرح والسرور،والمشكلة وكل ما فيها ان ما قاله الرسول على لسانه تصور وليس حقيقة هذا ما نقله لنا الطبري . وهذا ما لم يدركه الفقهاء ،فبنوا على هذه الآية مسألة الناسخ والمنسوخ واتخذوا منه ذريعة لقلب احداث كثيرة واستبدالها بغيرها بحجة النسخ لبعض الايات القرآنية الشريفة. واخذ سلمان رشدي وغيره من ضعاف العقول والحاقدين على الاسلام هذه الذريعة ليبنوا عليها قصورا من الرمل بخرافاتهم واكاذيبهم ،وليهاجموا الرسول والقرآن فكتبوا الكتب وجيشوا الجيوش واقاموا الدنيا واقعدوها على الوهم والضلال.علماً بأن لا آية نزلت ولا رسول قال، لكنه كان وهماً تردد على لسانه (ص) لا غير،لذا فأن الله لم ينسخ آية لانها لم تكن قد نزلت اصلاً بدلالة ان جبرائيل قد قال للرسول (ص):( اني لم أأتك بها ،وقلت مالم يقل الله به ،انظر السيرةلابن هشام).
لكن الذي حدث ان هذه القضية وغيرها من القضايا الاخرى التي وقفت من الاسلام موقف التعارض لم تعالج من قبل كتابنا وعلمائنا معالجة عقلية فكرية هادئه كما عولجت نظريات الأفكار في الآيديولوجيات الأخرى،بل عولجت معالجة عاطفية اثارت رجال الغرب واعداء الاسلام تطرفا لا يقبله الفكر الحر،كما في معارضة سماحة
2
المرحوم السيد الخميني لسليمان رشدي حين اصدر فتواه بقتله اينما وجد، وقامت الدنيا من قبل القاعدة والمتطرفين الباكستانيين ليخلقوا من هذا الصعلوك الذي اسمه سليمان رشدي مثالا للفكر والحرية في اوربا والعالم الحرالاخر،بأعتبار ان حرية الفكر مقدسة عندهم . ويبدو ان السيد الخميني قد تسرع في هذا القرار الذي اعطى مردودا سلبيا على الاسلام والمسلمين.
المهم لولا الطبري وغيره من مؤرخينا لما وجد اعداء الاسلام ذلك السبيل الذي به نالوا منا ومن نبينا وقرآننا ،كما كان في موقف السيد الخميني وغيره الذين زادوا من اهمية هذا الكاتب واعطاه بعدا اكبر مما يستحق.،وحتى نقف ويقف القارىء الكريم على حقيقة ما جرى لا بد لنا من ان نعرج على موضوع الناسخ والمنسوخ وحقيقته في القرآن فنقول:
الناسخ والمنسوخ ،حكاية وَهمَ لا حقيقة،
—————————————
بانتصار مدرسة الترادف اللغوي التي ابتدعها الفقهاء نتيجة عجزهم عن تفسير بعض النصوص القرآنية الكريمة معتمدين على التفسير اللغوي لا التأويلي العلمي ظهر الناسخ والمنسوخ لانهما ليس من علوم القرآن، أنما هو علم تاريخي دخيل ،لان الناسخ والمنسوخ يأتيان على محور الزمن المستغرق للتحول من نوح الى محمد”أنا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح والنبيين من بعده….النساء 163″.ثم تلتها حالة التحول من حالة الى حالة والتي يمثلها علم الجدل والتناقض ،ثم اخضعوا النسخ لعلم الكينونة بموجب الاية الكريمة”ما ننسخ من آية اوننسها نأتِ بخيرٍمنها اومثلها …البقرة 106″.
ان مثل هذا النسخ لا يأتي في آيات التنزيل بل يأتي في الرسالات لانه يقع في سلم التطور الزمني التاريخي للمجتمعات الانسانية،فرسالة عيسى (ع) نسخت رسالة موسى (ع) ورسالة محمد (ص) نسخت الرسالتين ،لان تراكم المعلومات والرقي الحضاري يؤدي الى تطور التشريع. والمجتمع الأنساني كان بحاجة الى هذا التطور لاكمال تطور المجتمعات وأكتمال تشريعاتها القانونية.
لذا فان الناسخ والمنسوخ بحاجة الى مراجعة ودراسة علمية متأنية لكونه جاء مشوها عند الفقهاء،وحتى الفقهاء لم يستوعبوا أن الزمن يلعب دورا في عملية التغيير التاريخي، فحسبوا ان تفسيرهم للقرآن لامرد له ولا معارض لان عصرهم عصر ديني بحت وعقليتهم مقولبة بقالب التفسير الديني الثابت الذي لا يخضع للتغيير او الاجتهاد. وهذا هو مذهب السلفيين المقلدين الذين اهملوا الزمان والمكان واغتالوا التاريخ واسقطوا العقل من حساباتهم،ودخلوا مرحلة الهروب المقنع من مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين،فهي هزيمتهم النكراء امام هذه التحديات،وهي البحث عن الذات في فراغ وليس في ارض الواقع المعاش.وها هي التوجهات الدينية اليوم تخرب عقول الناشئين بالسحر والشعوذة ولطم الخدود حتى حولتهم الى جمود وفلسفة مثالية لا يرجى منها غير انغلاقية العقل وابعاد الشباب عن علم جدلي جديد.
هذا هو الذي نسميه اليوم الاختلاف بين التطرف والأعتدال،وسمه ما شئت بين آلايات المدنية والآيات المكية .حجة ظهرت بعد السقيفة مباشرة فيمن يختارون لخلافة المسلمين (منا امير ومنكم أمير). لكن التجربة كانت في قمتها الروحية…لذا سرعان ما أمكن تطويق هذه الفُرقة التي أتخذت حدودها على شكل انصار ومهاجرين (اعتدال وتطرف)،لكن بتغلب روح المؤاخاة عليهم أنتهت المشكلة على خير مغطى بعدم القبول.
ويبدو ان المؤرخين اساؤا الينا بدون قصد،لان المنهجية في الكتابة لم تكن واضحة بعد في اذهانهم وما كانوا يتصورون انه سياتي يوما يظهر فيه اعداء للاسلام والمسلمين ليضعوا من التصوروالوهم حكاية اشبه بالحقيقة من الوهم.
واذا كان الله جلت قدرته قد وقف من الرسول(ص) الذي سمح للاعراب بالاختيار بين الالتحاق بجيش المسلمين من عدمه لدرء خطر الروم شمال جزيرة العرب موقف التعنيف والرد القاسي، بآيتين صريحتين في سورة التوبة أية 120،43 ،فكيف يسوغ لنفسه جلت قدرته، ان ينزل على رسوله الكريم مثل هذه الايات وينسخها لاحقاً ،وهو
3
المحصن في تبليغ الرسالة من اي خطأ يرتكب . التفسير والتأويل تَداخلا الواحد بالاخرعند الفقهاء فولد لنا من الاخطاء الكثير والتي بنيت عليها مواقف شوهت من الاسلام والمسلمين الكثير،هذا الدين القيم الذي لايدخله الباطل ولاالتحريف الا من الذين في قلوبهم مرض. حتى اصبح الخطأ حقيقة ترسخت في عقول الناس ،فتبلد المجتمع بعقله وفكره وهذا هو هدفهم الأكيد. فنقل النص الحقيقي الى العادات والتقاليد وكأننا عدنا لعصر الجاهلية دون تغيير. أنها مأساتنا حين تتحكم العقليات المتخلفة والمنغلقة بأمورالدين والمجتمع والناس دون قانون وخاصة اذا وافقت رجال السلطة المتحكمين بامور الناس دون رادع من ضمير.
لذا علينا توقي الدقة المتناهية في ايات النسخ في النجم والجهاد ومواقف اخرى فسرت تفسيراً متناقضا في القراءة والتفسير حتى لانقع في خطأ التقدير المستقبلي.وان نرفع من رؤوسنا بأن المقدس لا يناقش، فبعض آيات القرآن الكريم بحاجة الى مراجعة اليوم كآيات الأماء و ملك اليمين ومعرفة الجنين في بطن امه. هذا كان مذهب الاقدمين والقرآن يقر بعملية التطور العلمي 🙁 قل سيروا في الأرض فأنظروا كيف بدأ الخلق )، وقد نهانا عن ان نقف من التراث موقف الانصياع والتقديس،واذا بقي الحال على حاله ونتيجة للتطور التكنولوجي الهائل اليوم ستجد ان الكثير من الآيات القرآنية تصبح من التاريخ.،يقول الحق:( وماسمِعنا بهذا في أبائنا الأولين،المؤمنون24). والقرآن الكريم كتاب عقيدة وهداية وليس كتابا علميا ، فالكون مادي والعقل الانساني قادر على ادراكه ومعرفته،ولا توجد حدود يتوقف عندها العقل الانساني أبداً خلال مسيرة الحياة . ولكن اين لنا من السلاطين الذي بتوجهات مؤسسة الدين يرعون اليوم التفريق بين المسلمين .
وتتصف المعرفة الأنسانية بالتواصل،وترتبط بدرجة التطور التي بلغتهاالعلوم في عصر من العصور.وكل مافي الكون مادي وما يدعدوه الفقهاء بالفراغ الكوني بين السماء والأرض،هو فراغ مادي،لأن الفراغ الهوائي شكل من أشكال المادة،ولا يعترف العلم بوجود عالم غير مادي يعجز العقل عن أدراكه،ألا الغيبيات الخارقة في القدرة(فتلك حدود الله لا تقربوها ،البقرة 187).فالعلم يتطور مع الزمن ونخشى ان يرتبك النص في تأويله مع التطورالعلمي عبر الزمن .ان التطرف والاعتدال هي من صنع مؤسسات الدين وليس من الدين نفسه.
لقد بدأت المعرفة الأنسانية بالتفكير المشخص المحدد بحاستي السمع والبصر،لذا فعالم الشهادة وعالم الغيب ماديان . وتاريخ تقدم المعارف الأنسانية والعلوم هو توسع مستمر في عالم الشهادة ، وتقلص مستمر في عالم الغيب،وبهذا فأن عالم الغيب هو عالم مادي غاب عن أدراكنا حتى الآن،لأن درجة تطور العلوم لم تبلغ مرحلة تمكن من معرفته بعد. من هذا التوجه لا يوجد تناقض بين القرآن الكريم وبين الفلسفة التي هي أم العلوم .
واليوم قد تطور الفكر وزادت العلوم ،ومن يستطيع ان يثبت وجوده الفكري هو الذي يناقش ويجادل بلغة العلم لا بلغة العاطفة والتقديس ليصل الى معرفة الحقيقة.والامام علي (ع) قال” العقل هو الحجة.”وها ترى وطننا العربي اليوم في اقصى درجات التخلف والانغلاقية الفكرية بعد ان سيطرت عليه افكار مرجعيات الدين في التطرف والابتعاد عن الاعتدال الذين نسبوا لنفسهم التقديس تجاوزا على النص ، كما في قولهم (قدس سره). ولا ندري اي الاسرار عندهم ولم تعرف في وقت ان الآية 174 من سورة البقرة تخالف بشدة هذا التوجه الفقهي الخاطىء.
فهل سيفيق علماؤنا من خطأ التفسيرويعودوا لتأويل القرآن لا تفسيره.ليضعونا مع الشعوب المتقدمة والتطور التاريخي الحديث ؟ فالوحي لا يناقض العقل،ولا يناقض الحقيقة ،فلماذا نحمل النص فوق طاقته لفظاً ومعنىً،لدرجة اصبحنا نفرق بين النص المدني والنص المكي وكلها جاءت من مصلحة الانسان في العيش الكريم؟.
هل من اجل ان نبقى اخر الشعوب علما ومعرفة ليعبث بنا جهلة المنغلقين يقول الكاتب محمد حمودي : ان المسلمين وقعوا في مطبات شركية عميقة من غير ان ينتبهوا عليها عندما اعلنوا ان النسخ يعني ألغاء الحكم الشرعي لآيات القرآن الكريم (والقرآن حما ل اوجه ) وهذا الرأي منسوب للامام علي (ع) خطئا فلم نجد ما يثبت قول الامام وهذه امور بحاجة الى تحقيق قبل ان تكون سارية المفعول وادت بالرسالة القرآنية الى التشويش،فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله.
وليكن في علم اخي د.جعفر ان هذا الذي يراه اليوم هو ليس من الدين ولكن من صناع وعاظ السلاطين. نعم نحن بحاجة ماسة للنقاش لردم الخطأ واجبار مؤسسات التعليم على تغيير المناهج التي تسيطر عليها مؤسسات الدين.
4
لن نستطيع الخلاص من هذا الوهم الا اذا تغيرت مناهج الدراسة نحو الصحيح بعد ان تركز الخطأ في مفهوم الامة واصبح بنظرهم صحيح.