22 ديسمبر، 2024 6:28 م

النازحون “ذات مُغيبة” .. من المسؤول عنهم ؟؟

النازحون “ذات مُغيبة” .. من المسؤول عنهم ؟؟

 ليس فخراً أنْ ننم وغيرنا يتوسدون نعلهم وسائد, والبلاطات أسرة, ويفترشون الأرصفة وهياكل البيوت المجوفة والخرائب الطينية وصفائح الحديد, ملاذاً أمنة من مطرقة هجمات الأعمال الإرهابية التي ينفذها متشددون, وسندان العمليات المسلحة التي تبدو إنها عالية الدقة في استهداف الأمنين والعُزل والأطفال, ولا من الكرامة أن ننعم براحة البال وغيرنا يُغطي عراءتهُ بجلده وبخرق أسمال كسوتهِ, نحن هنا لا نختلف على مطاردة العنف أو استئصال الأفكار الملوّثة بالطائفية التي تُريد للعراق عراقاً إنشطارياً (على النمط الطالباني الهجري التقليدي القديم), لكن نختلف في الطريقة التي يتعامل بها ضد العُزل والأمنين الذين بدأوا يشكلون الطبقة الواسعة في المجتمع العراقي بين نازح وهارب ولاجئ وفار, وهم الذين أجبروا على ترك منازلهم بالقوة والعافية, إلا إن هذه الفئة ما زالت “ذات مُغيبة”, ومُهمشة, وشريحة يجهلها أو يتجاهلها الساسة ووسائل الإعلام المؤدلجة والمدفوعة الثمن مُسبقاً من نفط وميزانية البلاد.
  كثيراً ما تتذرع وسائل الإعلام المرئي في أعلى شاشاتها التلفزيونية شعارات رَنانة من قبيل “النازحون مسؤوليتنا”, “النازحون أهلنا”, “نحن النازحون, وهم نحن” وأخرون يقودون حملات إيمانية كاذبة لجمع التبرعات للنازحين, وقمة الرذيلة أن يجمع التبرعات عضو برلمان, لأنه لو شاء لحاسب نفسه أولاً, لماذا يرتضي لنفسه هذا المرتب الشهري ذو الرقم الهُلامي وغيره لا يجد ما يسد رمقه أو يكسو عورة أطفاله, والإصلاح لا يبدأ إلا من الداخل, وإلا فهو “إصلاح فاشل”, وكيف يكون سارق ولص وذو تاريخ طويل في الفساد والمشاريع الوهمية, والتلاعب والهدر بالمال العام أن يرعى منح النازحين, إنه كمن “ودع البزون شحمه”.
 إنْ النْازحين ليست مسؤولية الحكومة ولا مسؤولية مجلس النواب, أو السادة الساسة والمسؤولين لأنها قضية إنسانية, وأعتقد إنها مهمة صعب الوصول إليها بالنسبة لعديد من أعضاء البرلمان وهم منشغلين بالسطو, والنهب والسرقات وملئ “العبوب والجيوب”, فمتى يكون لوسائل الإعلام “روح المواطنة” حتى تكشف خفايا وخبايا النازحين الذين يواجهون برد المناطق الشمالية الجبلية (كردستان) بقساوته في ملابس صيفية, وأطعمة أغلبها فاسدة هذا إن وجدت أصلاً (!), يعيشون وضع إنساني خطير, ووسائل الإعلام ترفض المكاشفة لواقعهم المُزري لارتباطها بأيديولوجيا حزبية أو تيار سياسي يحاول التغطية أو تجاهل واقع النازحين الإنساني حتى لا يُحرج موقف الحكومة, أو يُخدش من حياءها (!), وهم بلا مأوى أو مَأكل أو مَشرّب, في مصير مجهول يندى له جبين الإنسانية, دونما يحرك شعور مسؤول أو سياسي عراقي مُتخْم ومُغمى عليه بنعيم الثراء والفراء ولحم الغزال ولبس الحرير وشرب الخمور والليالي الحمراء الماجنة.
  النازحون رسالة إنسانية لمن ما زال يعتقد إنه يحمل نزراً يسيراً ومتواضعاً من الإنسانية, أهالينا طفولة مُشردة, ونساء مُرملة مُنتحبة, وشيوخ أقدامهم قاربت المقابر وهم مُهددين بالانكسار والقهر, لا نريد من أحد أن ينصفهم أو يعز عليهم بدفاية أو بطانية أو غطاء يستر عوراتهم, فهم في سجل المغيبون, وما ينتظروه هو مساعدة انسانية عربية أو اقليمية أو أممية, فلا أعتقد هناك التفاته للنازحين في وطني, لأن السياسيون لا يرون معاناتنا إلى بمراياهم الجانبية وهم يولون الأدبار إلى فللهم الفارهة وبيوتهم الفخمة, ومكاتبهم الوثيرة.
  فما ما نريده منكم أيها الساسة والمسؤولين أن توفروا لأنفسكم مدافئٍ شتوية أمل في أن يذوب جليد برود الدم في وجوهكم وينضح رذاذاً فائضاً على مأساة براعمنا الموحلة بأطيان الخذلان براءتهم, وأن توفروا لأنفسكم معاطف شتوية, فعوراتكم أفدح وأنتم أولى بالستر من النازحين!