23 ديسمبر، 2024 10:04 ص

النار هذه المرة .. جرائم الحرب الامريكية في العراق   النار هذه المرة .. جرائم الحرب الامريكية في العراق

النار هذه المرة .. جرائم الحرب الامريكية في العراق   النار هذه المرة .. جرائم الحرب الامريكية في العراق

مؤلف الكتاب الذي نحن بصدد مراجعته، وزير العدل الامريكي السابق، وهو محام معروف عالمياً وأحد دعاة حقوق الانسان، وكان معارضاً عنيداً لعرض القوة الامريكية في الخليج العربي (1990-1991 ) سواء خلال الحشد العسكري الذي سبق العدوان او اثناءه وبعده.
وللمؤلف مواقف عديدة بهذا الجانب تمثلت في تشكيل لجنة التحقيق للمحكمة الدولية لجرائم الحرب، وكذلك الائتلاف لوقف التدخل الامريكي في الشرق الاوسط. وكان ايضا معارضاً بارزاً لحرب فيتنام والغزو الامريكي لعدة دول في امريكا اللاتينية والشرق الاوسط وآسيا…
يعرض رامزي كلارك  في كتابه، الاهوال التي شهدها اثناء تجواله في العراق خلال وبعد عاصفة الصحراء ام المعارك، حيث اكتشف الرجل ان حجم الجرائم التي ارتكبتها امريكا تبين مستوى الرعب والفزع الذي تركته، وان القانون الدولي قد انتهك مراراً وتكراراً.
والكتاب، يعتمد على ادلة دامغة وبيانات شهود عيان، ويكشف تفاصيل مثيرة حول خفايا حرب الخليج الثانية 1991.
يصف المؤلف الاجواء التي كانت في بلاده امريكا، حيث يشبه اجواء الاحتفال بعيد الانتصار على العراق، كمن يقيم حفلة في منزل جميل حيث الطعام جيد، والموسيقى جميلة، والزهور مقطوفة لتوها، ولكن رائحة رهيبة كانت تفوح من مكان ما ورغم انها كانت تزداد سوءاً طوال الوقت، فان احداً لم يرغب في ان يكون اول من يعلن عنها.. لأن الرائحة جاءت من المذبحة التي ارتكبتها امريكا ضد العراق، لان (زعماءنا) على حد قول المؤلف، قد ارتكبوا جرائم في العراق لا تقل بالتأكيد عن جرائم النازيين في الحرب العالمية الثانية.
عالج كلارك طبيعة الظروف الجيوبوليتيكية في منطقة الخليج العربي وتطور اهتمام امريكا، وطبيعة ومدى التهديدات للمصالح الامريكية في المنطقة، والموارد الاقتصادية والعسكرية في الخليج تلك المنطقة من العالم التي قال عنها الرئيس الامريكي السابق جيمي كارتر عام 1980 (ان أمن الخليج يتعلق بأمن الولايات المتحدة مباشرة) كما بين (ان اي محاولة من قبل اي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج سوف تعتبر هجوماً على الولايات المتحدة، وان مثل هذا الهجوم سوف يصد بكافة الوسائل الضرورية بما في ذلك القوات العسكرية).
وعليه، فقد عزا المؤالف، ان بداية التخطيط الامريكي لعمل عسكري في الشرق الاوسط، يعود الى بداية السبعينيات عندما بدأت واشنطن ترد على بزوغ المشاعر القومية والميل الى الاستقلال في الدول المنتجة للنفط.
في عام 1968، جاء حزب البعث الى السلطة في العراق، وفي عام 1972، اصبح هدفاً لعمليات سرية من قبل المخابرات الامريكية، وذلك بعد ان أمم البعث شركة نفط العراق (IPC) المملوكة لامريكا وبريطانيا تحت شعار (نفط العرب للعرب). وفي اعقاب ذلك بدأت واشنطن بتشجيع القادة الاكراد في شمال العراق على التمرد ضد حكومة البعث وقدمت للاكراد وعوداً مفادها ان امريكا ستساندهم الى نهاية الطريق، بينما حقيقة الامر، ان امريكا لم تكن ترغب في ان يحقق الاكراد انتصاراً وانما كانا يأملان فقط ضمان قدرة زبائنها الاكراد على الابقاء على مستوى من الاعمال العسكرية يكفي لامتصاص ثروات العراق.
ومثلما ذكر المؤلف سابقاً، من ان التخطيط الامريكي لعمل عسكري في الشرق الاوسط، يعود الى بداية السبعينات، حيث اخذت الدول المنتجة للنفط تحذوا حذو العراق، واحدة تلو الاخرى، تؤكد سلطتها على ثرواتها الواقعة داخل حدودها، مما دفع بالبنتاغون جدياً الى القيام بتدريبات عسكرية سنوية في صحراء (موجاف) حيث واجه الجيش الامريكي جنوداً يرتدون الزي العسكري العراقي، واصبح الاستراتيجيون الامريكان يناقشون علناً احتمالات غزو العراق للاستيلاء على حقوله النفطية، فقد وضع رؤوساء الاركان الامريكان خطة للانتشار السريع للقوات الامريكية في الخليج العربي، ومن الخطط المهمة في استراتيجيات التدخل الامريكي (خطة الحرب 1002) والتي وضعت في بداية عهد ريغان تنفيذاً لمبدأ كارتر الداعي لمواجهة اي تحد لوصول امريكا الى نفط العرب بالقوة العسكرية.
ورغم انه كان لامريكا منشآت عسكرية في السعودية منذ اواخر السبعينات، فان التسهيلات الجديدة كانت اكثر تطوراً، ومن شأنها توفير دعم جوهري لهجوم على العراق.
فقد اعطى انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، امريكا، الحرية للمضي قدماً في خططها واستعداداتها المفصلة والشاملة لشن الحرب على العراق، حيث لم يعد الاتحاد السوفييتي رادعاً للتدخل الامريكي في العراق والخليج العربي.
عقب نهاية الحرب العراقية- الايرانية عام 1988، اعتبرت خطط الطوارئ الخاصة بالحروب في الخليج، العراق هو العدو وليس الاتحاد السوفييتي. فقد تم في عام 1989، تنقيح (خطة الحرب 1002) الخاصة بالقوة المركزية، واعتبرت تسميتها بـ (خطة الحرب 1002- 90) والرقم الاخير من خطة الحرب يعني بالطبع عام 1990.
وفي عام 1990، اجريت اربع مناورات حربية موجهة ضد العراق بعضها افترض غزواً عراقياً للكويت قبل ان يحدث الغزو فعلاً. واول هذه المناورات كان تمريناً على الكمبيوتر تحت اسم (نظرة داخلية) وكان شوارسكوف يشرف على هذه المناورات التي شارك فيها آلاف الجنود الامريكان ضد فرق مدرعة وهمية تمثل دروع الحرس الجمهوري العراقي.
وفي أيار 1990، كان مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن قد اكمل دراسة باشر فيها قبل سنتين من عام 1990، وتنبأت بنتيجة الحرب بين امريكا والعراق، وهكذا فان غزو العراق للكويت –يؤكد المؤلف- لم يكن مفاجأة وانما كان سيناريو لخطط امريكية مكثفة.
لقد ادعت الحكومة الامريكية، ان العراق تسبب في حرب الخليج الثانية بغزوه للكويت، وحاولت ادارة بوش الاب، بأن امريكا كانت ترد فقط على اعمال صدام حسين الذي كما قيل للامريكان- غزا جاره الصغير دون استفزاز او تحذير – ولكن نظرة متأنية للتورط الامريكي في المنطقة تكشف ان الحكومة الامريكية وليس العراق هي التي ستتحمل المسؤولية الرئيسية لنشوب الحرب التي تم التخطيط لها في امريكا قبل وقت طويل من دخول اول جندي عراقي للكويت.
لقد استخدمت الحكومة الامركية العائلة الحاكمة في الكويت لاستفزاز العراق بهدف هيمنة امريكا على الخليج العربي. ولم تشن حرب الخليج الثانية لاستعادة السيادة الكويتية كما يدعي الرئيس بوش الاب وانما لتأسيس سلطة امريكية على المنطقة ونفطها.
فقد اعترف البنتاغون (ان هدفنا العام في الشرق الاوسط وجنوب غرب اسيا هو البقاء كقوة خارجية مسيطرة في المنطقة والحفاظ على طرق النفط لامريكا والغرب، وكما ظهر من غزو العراق للكويت، فأنه ما زال من المهم بشكل اساس منع اي هيمنة او تجمع قوي من السيطرة على المنطقة). فقد نظر البنتاغون الى غزو الكويت باعتباره تهديداً لخطوط النفط الغربية وليس انتهاكاً لسيادة الكويت، حيث تم استخدام الكويت من قبل امريكا بعد الحرب العراقية- الايرانية للبدء في حملة وصفت بأنها حرب اقتصادية ضد العراق، حيث قررت الكويت زيادة انتاجها النفطي بشكل جذري في 8/ اب/ 1988، اي بعد يوم واحد من موافقة ايران على وقف اطلاق النار مع العراق، وادى اجراء الكويت الذي انتهك اتفاقيات الاوبيك الى تدن كبير في اسعار النفط وهبط سعر الخام من (21) دولار للبرميل الى (11) دولار مما كلف العراق خسارة (14) مليار دولار في السنة.
من ناحية اخرى، وبشكل خاص، فقد اعترفت الكويت سحب المزيد من النفط من حقل الرميلة. ويقع هذا الحقل في المنطقة الحدودية المتنازع عليها بين العراق والكويت، وفيما كان العراق منشغلاً بحربه مع ايران حركت الكويت حدودها شمالاً مستولية على 900 ميل مربع اضافي من حقل الرميلة وبمساعدة تكنولوجيا حفر امريكية مائلة كانت الكويت ايضاً تسرق النفط من جزء من حقل الرميلة يقع داخل العراق.
وهكذا، وفي ذروة الحرب العراقية – الايرانية، وعندما كانت قدرة العراق التصديرية متدنية، كانت الكويت تزدهر من بيع النفط العراقي الى زبائن العراق.
ولكن هذا ليس كل شيء، فقد تراكمت على العراق ديون هائلة خلال الحرب مع ايران. وكانت الكويت اكبر الدائنين للعراق حيث قدمت له (30) مليار دولار خلال الحرب، بعدها طالب حكام الكويت بأن يدفع العراق دينه ولكن الحرب كلفت العراق (80) مليار دولار، وكان من شأن تدهور الاسعار نتيجة مسلك الكويت ان جعل من المستحيل على العراق ان يدفع للكويت.
وابتداءاً من عام 1988 حتى عام 1990، حاول العراق ان يحل خلافاته مع الكويت دبلوماسياً بينما حافظت الكويت على مسلك اجمع المراقبون على انه اتسم بالغطرسة والتشدد، وكان موقف المشيخة معروف جيداً في العالم العربي. اذ انها لم تكن تتوقع ان يدفع العراق شيئاً لكنها رفضت ان تعفيه من الدين.
هل كانت مجرد مصادفة ان يتبنى حكام الكويت فجأة موقفاً عدائياً تجاه جارهم الأكبر في نفس الوقت الذي جعلت فيه خطط البنتاغون الحربية العراق هدفاً لها؟ قليل من الكويتيين يعتقدون انها مصادفة.
وما ان حل العام 1990، حتى كان الاقتصاد العراقي في اسوأ حالاته بل اسوأ مما كان عليه في نهاية الحرب مع ايران، وتم تحديد حصص انتاج جديدة في اجتماع للاوبيك (اذار/ 1990) ولكن الكويت والامارات رفضتا الالتزام وزادتا انتاجهما مرة اخرى. وفي حزيران من نفس العام ارسلت بغداد موفدين الى عدة عواصم غربية حاملين نداءات لتحديد حصص جديدة تسمح بارتفاع طفيف في اسعار النفط الخام ولكن الكويت رفضت واعلن وزير نفطها ان بلاده ستزيد انتاجها بشكل جذري ابتداء من شهر تشرين اول، وفي 17/ تموز اتهم الرئيس صدام حسين الكويت وامريكا علناً بالتآمر لتدمير الاقتصاد العراقي، وقال (اذا فشلت الكلمات في حماية العراقيين فأن شيئاً فعالاً يجب ان يتخذ لاعادة الامور الى مجراها الطبيعي والحقوق الى اهلها، اللهم فأشهد بأنني قد بلغت لقد حذرناهم). وفي اليوم التالي بدأت القوات العراقية بالتحشيد على الحدود الكويتية.
وبهذا يكون العراق قد اوضح جدية نظرته الى الحرب الاقتصادية التي شنت ضده، وكان بيان الرئيس بوش في 8/اب، بان العراق قد غزا الكويت دون تحذير او استنزاف .
هذا الموقف المتشدد من جانب العائلة الحاكمة في الكويت ورغم ان القوات العراقية في ذلك الوقت كانت قد احتشدت على حدود الكويت وجد الكويتيين غير قلقين ومتغطرسين وعندما طلب من الشيخ صباح ان يأخذ الاجراءات العراقية بشكل اكثر جدية، قال لأحد الاطراف العربية (لن نرد على العراق اذا لم يعجبهم ذلك فليحتلوا ارضنا سنجئ بالامريكان).
لقد تناقض قول الشيخ هذا تناقضاً مباشراً مع السياسة الامريكية المعلنة في ذلك الوقت. فقد شهد جون كيلي مساعد وزير الخارجية الامريكية لشؤون الشرق الادنى وجنوب اسيا امام الكونغرس في 31/تموز/ 1990، بأن امريكا تقف على الحياد في النزاعات العربية- العربية، بينما عثر على مذكرة كشفت عرقلة امريكا للحلول السليمة للخلافات العراقية- الكويتية.
لقد انهمكت امريكا في جهودها الخاصة لعزل العراق اقتصادياً. وما ان انتهت الحرب العراقية- الايرانية حتى بدأت امريكا حرباً دعائية ضد صدام حسين وطبقت بالتعاون مع دول غربية اخرى حملة عقوبات شكلت مع الحرب الاقتصادية الكويتية قوى اضافية لالحاق المزيد من الاذى بالاقتصاد العراقي.
ان مجمل التخطيط العسكري الاستراتيجي منذ عام 1988، قد اعتبر العراق الخطر المركزي في منطقة الخليج العربي وان امريكا اكدت للعراق انها تعتبر نزاعه مع الكويت مسألة اقليمية وان امريكا كانت تبدو في العلن راغبة في المصالحة وفي السر تعمل مع دول غربية ومع الكويت لتدمير العراق عن طريق الحملات الاعلامية والضغوط الاقتصادية.
في 31/ تموز تمكنت المخابرات التابعة للبنتاغون من التقاط تحركات لقوات عراقية تنقل وقود وماء وذخيرة وغير ذلك… من الدعم اللوجستي من مؤخرة الجبهة الى الخطوط الامامية حيث ترابط الوحدات العسكرية العراقية على الحدود الكويتية.
وفي 2/ آب/ 1990، غزا العراق الكويت وهو يعتقد – كما يظهر، على حد قول المؤلف – ان لديه تطمينات بأن امريكا لن تتدخل، وعلى الفور تحركت امريكا في مجلس الامن ونددت بالعراق، وكان من اوائل الخطوات التي اتخذتها واشنطن في المنطقة بعد الغزو العراقي، هو الضغط على مصر للتقدم بمشروع قرار يندد بالعراق في قمة الجامعة العربية الذي عقد في القاهرة في 2 و 3/ اب، وهو اجراء علم المسؤولون الامريكان انه سيجعل الانسحاب العراقي من الكويت اكثر صعوبة.
وهكذا تكون الولايات المتحدة قد استغلت مصر لحمل الجامعة العربية على ادانة الغزو العراقي، مما جعل العراق يعدل عن رغبته في الانسحاب، ثم استثمرت واشنطن رفض العراق للانسحاب كمبرر لفرض العقوبات.
وعلى الفور تحركت امريكا على الجبهة العسكرية وكان اول ما احتاجته هو اقناع السعودية بقبول قوات في اراضيها وأدعت واشنطن، ان صدام حسين يحشد آلاف الجنود على الحدود السعودية، وان السعودية طلبت من امريكا التواجد عسكرياً، ولكن الحقيقة ان السعودية استجابت لمطالب امريكا بنشر قوات امريكية في اراضيها، وهو امر عارضته في بادئ الامر ثم وافقت بعد ضغوط امريكية مكثفة.
وبدلاً من ايفاد المفاوضين الى بغداد وغيرها بحثاً عن وسيلة لتسوية الازمة اتبعت واشنطن مسار الحرب منذ اللحظة التي عملت فيها بغزو العراق للكويت وجاء التحرك العسكري بسرعة مذهلة.
وبمساعدة الصحافة، سعت امريكا الى اظهار صدام حسين كشيطان حتى تستطيع اقناع الجمهور بضرورة الحرب. وبعد عدة سنوات من التعاوان الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري الوثيق بين بغداد وواشنطن خلال الحرب العراقية- الايرانية، اصبح صدام حسين فجأة طاغية اسوأ من هتلر.
وبحلول 4/ ايلول، كان مئة الف جندي قد وصلوا الى الخليج وتضاعف الرقم في اواسط تشرين اول. وعندما لم تطرأ اي تغييرات مهمة على الازمة، ضاعفت امريكا في 30/ تشرين اول مستوى التواجد العسكري الامريكي الى 400 الف عسكري.
وفي 29/ كانون اول، امر الرئيس بوش الجنرال شوارسكوف ببدء هجومه على العراق في الساعة السابعة صباحاً من السابع عشر من كانون الثاني 1991، وهو اليوم التالي لانتهاء مهلة الامم المتحدة للعراق بالانسحاب من الكويت.
وقد ظل الحشد العسكري يتزايد حتى اوصلته امريكا في اواسط كانون الثاني الى 540 الف عسكري تدعمهم قوات جوية وبرية من السعودية وفرنسا والكويت والسعودية ومصر ودول اخرى…
وعندما مر منتصف ليلة 15/ كانون الثاني في امريكا كان الوقت فجراً في العراق، وفيما انطلقت قاذفات B- 52 قبل ساعات عديدة من قاعدة باركسديل في لويزيانا، ومن اخرى في رحلات دون توقف الى اهدافها، وفيما اطلقت ايضاً صواريخ كروز من سفن المحيط الهندي وشرق المتوسط، ثم تحديد ساعة الهجوم ليبدأ مع مشاهدة الناس في الساحل الشرقي من امريكا نشرات الاخبار الرئيسية المسائية في 16/ كانون الثاني وبعد انقضاء 19 ساعة على المهلة.
ثم ضرب العراق بمئات الصواريخ والقنابل دفعة واحدة، وخلال ساعة واحدة كان 85% من جميع محطات توليد الكهرباء في العراق قد دمر، وثم قطع شرايين الخدمات الرئيسية في البلاد.
وتشير الادلة الى ان البنتاغون اراد ان يؤدي القصف الى تدمير الاقتصاد العراقي وجعل البلاد معتمدة على الغرب، كان قصف المواطنين العراقيين هدفاً مركزياً وليس ثانوياً للاستراتيجية الامريكية.
وتظهر طبيعة قصف المواقع الصناعية وغيرها من المواقع ذات الاولوية، ان القصف قد خطط له مستقبلاً، حيث كان من الواضح ان الحرب على العراق موجهة ضد السكان المدنيين عبر التدمير الشامل للبنى التحتية للبلاد، بينما تدعي امريكا انها تجنبت قصف المدنيين من خلال التصويب الدقيق، وهو ادعاء كاذب اذ لا توجد طريقة لقصف المدن ذات الكثافة السكانية يوماً بعد يوم دون قتل المدنيين.
وتجعل طبيعة الهجمة على البنى التحتية العراقية الادعاء بوقوع اضراراً بدون عمد غير صحيح على الاطلاق، وقد اعترف البنتاغون بأنه استهدف منشآت مدنية للتأثير على معنويات الجماهير من جهة ومضاعفة نتائج العقوبات من جهة اخرى. وكثير من الهجمات نفذت خلال النهار حيث يكون المدنيون العراقيون متواجدين في اماكن عملهم.
ان الدليل على ان هذا العدوان قد خطط له قبل سنوات من غزو العراق للكويت، لا يمكن ان يكون موضع شك، وان اتخاذ قرار لاستفزاز العراق لاتخاذ اجراء يبرر تنفيذ تلك الخطط هو امر واضح ولا تشوبه أية شكوك، وان السهولة التي تمكنت بها ادارة بوش من افشال جميع الجهود التي استهدفت التوصل الى تسوية سلمية للنزاع الذي اوجدته، تكشف الفشل المأساوي لميكانيكية خطط السلام العالمي، وفشل الامم المتحدة والدستور الامريكي، وكذلك اخفاق وسائل الاعلام في ابلاغ الناس بما يحدث، وأخيراً فشل الجمهور نفسه الذي كان يراقب الحرب وهي قادمة دون ان يفعل شيئاً لمنع المذبحة.
ان الحرب – يعلق المؤلف في خاتمة كتابه – هي اشد الجرائم قسوة التي ترتكبها الانسانية ضد نفسها. وقد أكد لنا التاريخ ذلك كما ان اي مسلك آخر يقدم عليه الانسان لا يساوي الرعب الناتج عن الحروب.
ويحقق القانون اقصى تطلعاته لخير الانسان عندما يعالج الجرائم المرتكبة ضد السلام والجرائم المرتكبة خلال الحروب.
واذا اراد المجتمع منع الحرب والسيطرة على مسببها ومعالجة تبعاتها، وتجنب عواقبها، فأن عليه ان يتخذ اجراءاته لتنفيذ القوانين المصممة لمثل هذه الاهداف، والى ان يصبح بالامكان اعتبار الجنود الاقوياء وكبار ضباطهم مسؤولين على قدم المساواة مع الضعفاء.

* الكتاب
النار هذه المرة، جرائم الحرب الامريكية في الخليج، تأليف – رامزي كلارك، ترجمة – مازن حماد، ط1، منشورات الشركة الاردنية للصحافة والنشر، عمان، 1993.

*[email protected]