23 ديسمبر، 2024 6:09 م

الناخب العراقي بين مطرقة الأقوياء ومطرقة اليأس

الناخب العراقي بين مطرقة الأقوياء ومطرقة اليأس

من أصعب ما يمر به الناخب العراقي وهو متوجه إلى صناديق الاقتراع لانتخابات أعضاء البرلمان العراقي الجديد سينتخب وهو مشلول الإرادة وعدم قدرته على اختيار الأفضل الذي سيمثله بالبرلمان القادم ، حيث مازالت القوى السياسية الفاعلة بالمشهد السياسي اليوم ومنذ السقوط ولحد الآن تهيمن على الحراك السياسي والشعبي والرسمي رغم تبدل أسمائها وعناوينها أو تستبدل شعاراتها بشعارات جديدة تناسب المرحلة وبين كل فترة انتخابية وأخرى ، وفي كل دورة انتخابية تفرز لنا ذات الوجوه التي تتماشى مع أيدلوجياتها ومصالحها ، ولهذا نلاحظ إن العراق مازال يعاني من إشكالات الأمن والخدمات وعدم الاستقرار السياسي والتناحر الطائفي والقومي والفكري بين فئات الشعب كافة ، ونلحظه يطفح على الساحة العراقية كلما اقتربت دورة انتخابية سوا كانت انتخابات مجالس المحافظات أو البرلمان .

من المؤسف نجد أن ضحية هذا الصراع هو الوطن أولا ومن ثم المواطن ويتعمق الخلاف بين مكونات الشعب وتحدث الأزمات الأمنية والخدماتية أو المشاكل السياسية التي باتت تشكل تحديا كبيرا أمام عجلة الاستقرار والتطور والتنمية .

لقد أدرك الموطن البسيط أن لا تغييرا بالمشهد السياسي يلوح بالأفق ، ما يجري الآن لا تعدو سوى ترقيعات لا اكتر تتخذها القوى السياسية المهيمنة على المشهد السياسي ، رغم كثافة المصوتين في كل دورة انتخابية لصالح هذا الطرف أو ذاك إلا إن المواطن لا يعي الدرس مطلقا وسيعيد ذات الكرة ويصوت لنفس هذه القوى في هذا الانتخابات التي ستجري بعد بضعة أيام .

إن الخوف وثقافة الإملاء التي يعاني منها المواطن والتي يغذيها السياسي وهو مجرد من الإرادة – أي المواطن – الذي أصبح مصيره وحياته ومستقبله بيد هؤلاء السياسيون فلا يمكن له أن يخفي ولائه لهم ، وإذا ما جازف وابتعد عن خط الولاء فانه سيصبح مركونا في زاوية الهامش وضائعا وتائها في ظل هذا المشهد لسبب بسيط لان الدولة العراقية برمتها لم تبن على مبدأ المواطنة وتكافوء الفرص .

إن الانتخابات العراقية المقبلة لن تشهد مطلقا إية مفاجئات أو تغييرا ، ستبقى أربعة او خمسة قوى سياسية أساسية مسيطرة على المشهد ، وتحاول جاهدة أن تحافظ على مكتسباتها ومواقعها التشريعية والتنفيذية والقضائية .

وسيتقبل المواطن العراقي المغلوب على أمره أي وضع جديد لأنه مسلوب الإرادة أولا ، وثانيا ليست لديه الثقافة أو الخبرة بالمشاريع الوطنية التي تحقق له الاستقرار السياسي وتحقق العدالة الاجتماعية وتكافوء فرص العيش والمساواة في كل شيء ، وبالاحرى لا تقع أية لائمة على هذا المواطن إن اختار هذا الحزب أم تلك الكتلة المرشحة ، لأنه واقع تحت ضغوط تاريخية للأنظمة التي تلاحقت على حكم العراق وهي أنظمة شمولية دكتاتورية ذات النزعة الفردية وانتقل بعد عام 2003 إلى دكتاتورية جديدة هي دكتاتورية الأغلبية أو التوافق أو الوحدة الوطنية.

إننا نعتقد إن ذات القوى السياسية التي شكلت الحكومة السابقة في عام 2010 ستشكل الحكومة الجديدة بإرادتها أم بإرادة القوى الخارجية الضاغطة التي لا تريد للعراق أن يخرج من هذه الدوامة ، وهي شراكة المصالح للفئات والمكونات والتيارات وتوازن المكونات ولا تسمح لأية فئة أو حزب أو كتلة أن تنفرد بالسلطة لوحدها حتى وان حصلت على الغالبية بالبرلمان هذا من جهة ومن جهة أخرى حتى وان كانت مشاركة القوى الأخرى بالحكومة المقبلة مشاركة شكلية غير فاعلة .

اليوم لا بديل للمشروع الوطني العراقي الشامل في تأسيس الدولة المدنية وهي دولة المواطنة ودولة القانون والسيادة ، ودولة المشاركة للجميع في بناء مستقبل العراق ولا يمكن عزل التيارات الدينية عن المشهد الوطني باعتبارها تيارات راديكالية لان ثقافة المجتمع العراقي السائدة هي ثقافة عشائرية ودينية واثنيه ومدنية ، إنها خليط بين هذه الثقافات التي تشكل بنية شخصية المواطن العراقي .

اليوم نشاهد تقارباً بين العلماني والديني حيث شكلوا قوائما انتخابية مشتركة ونعتقد إنها مغازلة بين الاثنين بعدما تعالت أصوات التغيير ، لكن للأسف هذه محاولات غير نافعة وغير مجدية لأنها حلولا ترقيعية ، لان الخلل الرئيسي هو في بنية الدولة وأيدلوجيتها وهذه الحلول هي دعائية أكثر من كونها حلولا ذات قيمة حقيقة ومجدية .

نعتقد إن بعض القوائم الانتخابية اجتمعت على شعار الدولة المدنية ودولة المواطنة وهم في غالبيتهم ليبراليون وعلمانيون أو من الإسلاميين المعتدلين في مشروع انتخابي وهذا المشروع الانتخابي رغم ضعف قدراته الانتخابية وإمكاناته اللوجستية والإعلامية والمالية يمكن أن يشكل مستقبلا تيارا مدنيا له فاعليته بالمشهد السياسي العراقي ، ولكن لابد لهذا التكتل المدني أن ينخرط

في تيار سياسي ويتمدد إلى كل أنحاء العراق ونحن شاهدنا له حضور لا باس به في اغلب المحافظات العراقية ، أما إذا ما بقي على حاله كتكتل انتخابي فانه سيتلاشى بعد الانتخابات ويتبخر المشروع الوطني المدني معه ونرجع إلى المربع الأول .

حيث لا بديل عن المشروع الوطني المدني العراقي إذا ما أردنا الإصلاح الحقيقي والخروج من الواقع المر الذي يعاني منه العراق.