18 ديسمبر، 2024 10:17 م

الناخب العراقي بين الرحيق الإنتخابي والنهيق الإنتخابي

الناخب العراقي بين الرحيق الإنتخابي والنهيق الإنتخابي

الناخبون هم الماستركي (Master Key) الذي يفتح الأبواب أمام المرشحين الجدد، ومهما بلغت حالات التزوير من قبل المفوضية العليا غير المستقلة للإنتخابات أو الميليشيات الرسمية التي تفرض على الناخبين إختيار كتلة معينة. فالناخبون كشريحة كبيرة من الشعب هم مصدر السلطات الشرعية لإدارة البلد. ومن المعروف أن الديمقراطية هي حكم الشعب، أي من الشعب وإلى الشعب، بمعنى إنه صاحب الإرادة العليا الذي يسلم زمام أمره لمن يثق به. لذا العلاقة بين الناخب والمرشح أشبه بالعقد الإجتماعي الذي تحدث عنه الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في كتابه (العقد الإحتماعي). حيث يتنازل الشعب عن جزء من حرياته الأساسية للحكومة لتسيير أمورها وفرض القانون. في مقابل ذلك تتعهد الحكومة بحمايته وخدمته وتوفير الأمن والسلام والتقدم والإزدهار. ولأن العقد شريعة المتعاقدين فأن عدم إلتزام الطرف الثاني المتمثل بالبرلمان والحكومة بالعقد يمنح الشعب الحق في نقضه وإنهائه!

المواطنون إذن هم المحور الرئيسي في إضفاء الشرعية على البرلمان من خلال إختيار ممثليهم وفق رؤيتهم الواقعية ومواصفات المواطنة الصميمية. فكما أنهم يفرشون بساط الشرعية للسلطة الحاكمة فأن بإمكانهم سحب هذا البساط من تحتهم في حال عدم إلتزامهم ببرامجهم المعلنة. فالنوايا كما تعودنا شيء والأفعال شيء آخر. وآمال الشعوب لا تنحصر بالنوايا والمقاصد فحسب بل العبرة في الوفاء بالعهود والوعود التي قطعها المرشحون على أنفسهم قبل الإنتخابات. والمشاركة في العملية الإنتخابية لا تعني مطلقا أن البلد نفض عن نفسه صفة التسلطية وتأنق بالديمقراطية، والدليل هو ما أفرزته الإنتخابات السابقة التي جرت في ظل الإحتلال من دكتاتورية وإرهاب حكومي، وغير حكومي، وفساد مالي وأخلاقي، وهضم لحقوق الشعب، ونهب ثرواته.

لقد عملت الأحزاب المنتخبة خلال السنوات الأربع الماضية وما قبلها لحسابها الخاص وليس لحساب الشعب، أغتنت من حيث أفقرت الشعب، وترفهت من حيث أتعست الشعب، وأمنت من حيث أقلقت الشعب. كان موقف الشعب العراقي تجاه أعضاء  البرلمان كموقف العبيد الذين يرفعون هودج الأمراء على سواعدهم بذل وخنوع، فالرفعة للأمير والمشقة والذلة للشعب. أعضاء البرلمان العراقي يعيشون في المنطقة الخضراء، والشعب الخانع في المنطقة الحمراء، والجسور مقطوعة بين الطرفين، ونهر من الدماء يجري بينهما. إنه وضع شاذ يستلزم من كل مواطن عراقي ان ينزع عنه إحترام العمامة والسدارة والعقال، ويتعامل بروح وطنية محضة مع الإنتخابات القادمة. الإحترام لا يتحدد بالعمائم ولا السبح ولا عدد الخواتم في الأصابع، هذا كله هراء، لابد من رفع القدسية عن البشر جمعا، القدسية ليست للمكان ولا الإنسان حتى لو كان نبيا او رسولا، القدسية لله وحده وللكتب السماوية فقط.

لذا قبل أن يتخذ الناخب قراره بالمشاركة في التصويت من عدمها، لابد ان يطلع بشكل كامل على أسماء المرشحين ويستذكر ما قدمه المرشحون للشعب ممن شغل المنصب سابقا، فهناك برلمانيون مرائون لم يحترموا جلسات البرلمان، وحضر بعضهم جلسات لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة! لكن الإمتيازات والرواتب المليونية إستمرت بالتدفق عليهم رغم غياباتهم، ولم تنفذ بحقهم العقوبات المقررة بسبب الغياب! كأنهم يطربون لسماع أغنية ” تزوروني كل سنة مرة”، يفتقرون الرشد والإرشاد والبصر والبصيرة. وهناك برلمانيون ووزراء محترفون في النهب والسلب والرشوة والتزوير. وآخرون أبهروا أبصارنا بخفة وسطحية عقولهم المتكلسة، ونواب يمتلكون جنسيات أجنبية يرفضون التخلي عنها، وعوائلهم خارج العراق تستثمر مال السحت. ومنهم من يتقاضون مساعدات اللجوء من الدول المتجنسين بجنسياتها، علاوة على الرواتب المليونية التي يتقاضوها في العراق، أي محتالون دجالون محترفون! وغيرهم بماضي وتأريخ لا يشرف أي عراقي، ولا يقل سوادا عن الفحم، وهلم جرا. أبالسة يستخدمون صوت الناخب لإذلال الناخب.

في الآونة الأخيرة وبسب حساسية الظرف، لقصر المدة التي تسبق العملية الإنتخابية، يفترض ان تكون الكتل السياسية وبقية الأحزاب والمرشحين في حالة ترقب وحذر وقلق شديد، بما يجنبهم الوقوع في مواطن الزلل والخطأ في نظر الناخبين، ولا بد من إحترامهم لإرادة الشعب العراقي والنظر فيما يترقبة من برامج إنتخابية تصب في مصلحته أولا وأخيرا، وليس ما يثير عنده التوجس والشكوك إتجاهها. لكن ما يجري حاليا هو العكس تماما، مما يعني قلة الإكتراث بمصلحة الناخب والعبث بصوته والإستهانة بإرادته. وهذه حالة شاذة لا يمكن ان يتصورها عاقل. هناك مخالفات وخروقات قانونية تخالف الضوابط التي وضعتها المفوضية العليا للإنتخابات، ومنها إستخدام الرموز الدينية في الحملة الإنتخابية، وعلى الرغم من أن المرجعية الدينية تردد على أسماعنا نفس الإسطوانة المشروخة بعدم دعم كتلة معينة، والوقوف على مسافة واحدة من الكتل كافة، لكن خلال الإنتخابات السابقة لم تفِ المرجعية بتعهداتها، وخدعت الشعب العراقي بحجة (نصرة المذهب)، ويبدو ان الحال لم يتغير. فقد دعا رئيس تحالف الفتح (هادي العامري) العراقيين الى المشاركة في الانتخابات لاختيار الاصلح وفق توجيهات المرجعية الدينية، وقال العامري في كلمة له خلال الحفل الانتخابي لتحالف الفتح في 15/4/2018 ” أن مرجعية النجف وعلى راسها السيستاني طالب الشعب العراقي المشاركة في الانتخابات والتصويت لصالح ائتلاف الفتح”. والطريف انه صاحب هذه المخالفة يقول” نرفض أي مخالفة للكيانات السياسية وفق تعليمات مفوضية الانتخابات”! لم تحاسب المفوضية العامري، ولن تجرأ على ذلك، لأنه ابن إيران المدلل.

ومن المعروف ان هادي العامري ( له جنسية ايرانية ويحمل رتبة ضابط في الحرس الثوري الإيراني) هو أيضا من ابناء المرجعية، ومنفذ رئيس لتوجهاتها السياسية في العراق، ومن يدعي ان المرجعية لا علاقة لها بتصريح العامري، نقول له: لكن المرجعية نفسها لم تفِ تصريح العامري! فعلى أي أساس تنفيه أنت؟

على الرغم من تحذير المفوضية لحالات التسيقيط السياسي، إلا انه الكثير من حالات التسيقيط قد حدثت أمام عيون المفوضية، بل ان بعض الحالات وصلت من الإسفاف الى التعرض الى شرف المرشحات، وهذه حالة لا يمكن ان يستوعبها العقل البشري، علما ان عدد غير قليل من النواب السابقين والمرشحين الحاليين لهم جرائم فساد إخلاقي وتم غض النظر عنها من قبل المفوضية وما يسمى بهيئة النزاهة المبتذلة، التي لا ترى ضرارا ان يكون النائب، لصا، فاسدا وقوادا، أو النائبة عاهرة، لكن على ان لا يكونوا من البعثيين! لا جريمة في نظر هيئة النزاهة الا البعث! فقد تم تلفيق تهمة أخلاقية لإحدى المرشحات، ولا يجرأ أن يسوق لهذه البريئة مثل هذه التهمة إلا إبن عاهرة، وان الله تعالى سيقف مع البريئة، وسيفضح الملفق عاجلا أم آجلا. والغريب أن نائبة أخرى وهي أستاذة في الجامعة المستنصرية نُسب اليها فيلم جنسي مفبرك، وقد إطلعت شخصيا على الفيلم، ولا علاقة للسيدة الأستاذة الجامعية به، انه يعود لإمرأة أخرى تشبهها قليلا، وبدلا من أن يحتضن العبادي مرشحته البريئة، ويدافع عنها فصلها من قائمته! بمعنى انه والعياذ بالله قد ثبت عليها التهمة، فهل يمكن ان يؤتمن جانب هذا الرجل؟

من الإسقاطات الأخرى التدخل الخارجي في الإنتخابات، ودعم كتل معينة على حساب أخرى، فقد صرح المتحدث باسم الائتلاف (عباس الموسوي) في حديث صحفي له في 15/4/2018 إن ” الائتلاف اعتمد في حملته الدعائية على  الدعم الايراني، وإن هذا الدعم جاء بعد الزيارة الاخيرة لعلي اكبر ولايتي الى بغداد، والبحث على تقوية التحالف الوطني، وان يكون منصب رئاسة الوزراء من حصته، وأن ولايتي هو الذي بادر بتخصيص مبلغ عشرة ملايين دولار لائتلاف دولة القانون في حملته الانتخابية”. وتساءل الموسوي” لماذا الاستهداف  ضد دولة القانون بذلك دون غيرها؟”. ولم يذكر لنا الموسوي بقية الكتل التي إستعانت بالمساعدات الخارجية كما فعلت كتلته؟ وما هو حجم هذه المساعدات؟ وما هو مصدر هذه الرشاوي؟ لأنها رشاوي وليست مساعدات، بدلا من يطلق الإفتراءات على غيره جزافا، ليبرر فساد كتلته! من السقطات الأخرى التي تخالف ضوابط المفوضية حالات التحريض الطائفي، سواء كان التحريض بصفة محلية أو إقليمية، فقد توالت علينا تصريحات غريبة تبارك نظام الملالي في إيران، وتسيء الى دول الخليج العربي، سيما الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية.

فقد صرح (عباس الموسوي) الناطق باسم ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نيرون العراق نوري المالكي في18/4/2018 في لقاء متلفز” أن التجارب الماضية أثبتت عدم مصداقية السعودية والولايات المتحدة ومن حقّنا التخوّف، وأن جزءاً أساسياً من الشعب العراقي يعتقد أن مشكلته هي التدخل الخارجي، وخاصة من السعودية”. ودعا الموسوي رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي الى مطالبة السعودية بالاعتذار عن إرسالها خمسة آلاف انتحاري إلى العراق. لاحظ هذا الأمعي الذي إعترف بالتدخل الخارجي الإيراني في العراق من خلال الملايين التي تسلمتها كتلته، يتهم السعودية بالتدخل في العراق!

فيا حبذا لو ذكرنا لنا طبيعة هذا التدخل في العراق، هل قامت السعودية بتأسيس ميليشيات إرهابية مسلحة، كالميليشيات الإيرانية المسعورة؟ هل قطعت المياه عن العراق وجففت أنهاره؟ هل قامت برمي أملاح البزل على الأراضي العراقية لتخريب زراعته؟ هل قامت بإغراق العراق بالمخدرات والأدوية والأطعمة الفاسدة؟ هل قامت بتدمير المحافظات السنية بإستخدام العنف المسلح المفرط؟ هل قامت بسرقة النفط العراقي عبر ما يسمى بالآبار المشتركة؟ هل قدمت دعما للعراق أم لم تقدم في مؤتمر الكويت الأخير للمانحين؟

ربما سيقصر الموسوي الحديث عن الإرهابيين (5000) السعودي كما إدعى، علما ان من أسقط الموصل لا يزيد عن (400) عنصر داعشي، بإعتراف العديد من المسؤولين العراقيين، وان حوالي 90% من الدواعش هم عراقيون، بل ان كتلة هذا الأمعي تتهم البعثيين بأنهم من الدواعش. وإن كان عدد الدواعش السعوديين (5000)، ناهيك عن بقية الجنسيات العربية والعالمية، فهذا يعني ان عدد الدواعش سيبلغ مئات الآلاف، وهذا ما لايتناسب مع التصريحات المحلية والدولية حول عددهم. علما ان المملكة هي الدولة الرابعة بعد العراق وسوريا ومصر التي تعرضت الى عمليات إرهابية من قبل الدواعش، في الوقت الذي لم تتعرض ولاية الفقية الى إية عملية إرهابية من قبل الدواعش. وكان يفترض ان يشغل الموسوي عقله، وان لا يفتح الموضوع البتة، لأنه يجرنا الى سؤالين مهمين:

اولهما: من الذي سهل هروب (1200) داعشي من سجن أبو غريب ولم يلاحقهم خلال وبعد هروبهم؟

ثانيهما: من الذي أمر الفرق العسكرية بالإنسحاب، وتسليم الموصل الى داعش؟ إن نتائج التحقيق البرلماني جَرمت رئيس كتلة الموسوي أي نوري المالكي، أو جواد المالكي، لا أحد يعرف إسمه الحقيقي لحد الآن!

المصيبة الأكبر هي ما جاءت من قبل تحالف النصر الانتخابي، الذي يتزعمه رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي، فقد ذكر الناطق باسم الائتلاف (حسين العادلي) في مقابلة تلفازية بتأريخ 18/4/2018   أن منهج العبادي تمكّن من مواجهة الحرب الكونية على العراق! تصور(حرب كونية) يا للهول! كأننا نشاهد فيلم حرب الكواكب، وليس عناصر لا يزيد عددهم عن بضعة آلاف حاربتهم اكثر من (60) دولة لمدة سنتين ولم تقضِ عليهم لحد الآن! الأنكى منه قول حسين الظالمي” يجب محاسبة أي جهة تريد تنفيذ مشاريع خارجية سعودية أو أميركية. وأن “الائتلاف يريد قيادة تمثّل المصالح العراقية، ومن يسعى لتحقيق مشروع سعودي او غيره يجب أن يُعدم في ساحة التحرير ببغداد“.

هكذا بكل بساطة الإعدام لمن يسعى لتحقيق مشروع سعودي في العراق! لقد كشف العبادي عن حقيقته بلا مواربة! فالإنفتاح على العرب إكذوبة للعبادي مثل حربه على الفساد. لكن ما هو المشروع السعودي؟ قد فهمنا المشروع الإيراني في العراق، عبر تصريحات المسؤولين الإيرانيين، فما هو مشروع السعوديين وفقا لتصريحات المسؤولين السعوديين فقط؟ ليحدثنا هذا الأمعي عن المشروع السعودي وبالأدلة، وسنزوده في المقال القادم عن المشروع الايراني في العراق، ويكون الشعب هو الحكم.