مع اقتراب ماراثون الانتخابات البرلمانية العراقية من انطلاقه يوم الثلاثاء 11 تشرين الثاني 2025 تعيش حاليا الساحة السياسية العراقية حالة غير مسبوقة من الغليان المتصاعد تختلف عما سبقها من الانتخابات البرلمانية السابقة، وفي ظل صراعات خفية وأخرى علنية حتى وصلت بين مكونات أحزاب وقادة وفصائل الإطار التنسيقي من جهة، وغرمائهم التقليديين في القوائم السنية والكردية من جهة أخرى. وقد بلغت هذه الخلافات مستويات خطيرة وغير مسبوقة، ومن خلال التسريبات الصوتية والتهديد بنشر أفلام مخلة بالآداب لبعض السياسيين والمسؤولين المشاركين في الحكومة ولاسيما بعد قرار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بإلغاء ترشيح عشرات الأسماء المشمولة بإجراءات “اجتثاث البعث” أو ما يعرف حاليا “المساءلة والعدالة”. وفي الوقت الذي يسعى فيه رئيس الوزراء السوداني إلى توسيع تحالفاته مع القوى السنية والكردية لضمان بقائه في المشهد السياسي والحصول على ولاية ثانية – وهو ما قد يتجلى في استعداده الضمني للتنازل عن ملف محافظة كركوك لصالح أربيل – تتزايد الضغوط من داخل البيت الشيعي، حيث تعمّقت الانقسامات وبدأت تصدعات الخلاف بالظهور، رافضةً استمرار السوداني في منصبه لمرحلة جديدة. بين الحين والآخر، نلاحظ بان هناك سيناريو يطرح بتعمد أو حتى محاولة ترويج يتردد صداها عبر وسائل الإعلام وشائعات تنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي حول احتمال عودة السيدة رغد صدام حسين إلى العراق بهدف الانخراط في العملية السياسية، وذلك من خلال الترشح للانتخابات البرلمانية. وتُطرح مثل هذه الأنباء والشائعات في سياق قد يُفهم منه أن السيدة رغد تسعى لاستعادة دور سياسي مستلهم من نهج والدها الراحل، الرئيس صدام حسين، في قيادة البلاد، ما يثير جدلاً واسعاً بين الأوساط السياسية والشعبية حول دلالات مصداقية وصحة هذه العودة وما قد ينتج عنها بالتأكيد من تداعياتها المحتملة على الواقع السياسي العراقي. هذا السيناريو كنت قد طرحته سابقا وقبل أسابيع من موعد الانتخابات البرلمانية العراقية في 26 آذار 2010. عندما فازت القائمة العراقية بزعامة علاوي حيث حصلت على 91 مقعدًا ومن خلال احدى حلقات البرنامج السياسي الإذاعي الأسبوعي “ظل الحدث” من إذاعة “صوت الشباب” (*) والذي كنت بدوري أعده وأقدم حسب ما يسمح به الوقت. تخيلوا معنا بان الطبقة السياسية الحاكمة: تُسمح للسيدة رغد، بالعودة إلى موطنها بعد سنوات المنفى في الأردن، وترشح نفسها على رأس قائمة انتخابية. ماذا سيحدث؟ ببساطة وبدون أي ريبة أو شك، ستكتسح الانتخابات! ليس فقط هي، بل كل مرشحي قائمتها سيفوزون بأغلبية ساحقة. الشعب العراقي، بطبيعته العاطفية الجياشة، سيحن إلى عهد النظام السابق حيث كان هناك أمن واستقرار، لا هذه الفوضى التي نشاهدها كل يوم ومن خلال السلاح المنفلت والدكة العشائرية وغيرها والتي أغرقت البلاد في بحر من الفساد المالي والإداري والفقر والجوع والمرض. سيصوتون لها بكثافة وبالأخص في معقلها بمحافظة صلاح الدين وديالى والأنبار والموصل ، وبينما الآخرون – حتى أولئك الذين لا يحبونها أو أبيها – يختارونها وفق مقولة ” ليس حبا بمعاوية ولكن بغضا وكرها بعلي ” وهذا البغض والكره الشديد سوف يتجلى بصورة واضحة وأكيدة في معظم أن لم نقل في جميع المحافظات الجنوبية الذين سوف يصوتون لقائمة السيدة رغد وهذا التصويت إنما سيترجم على شكل عقاب جماعي من قبل الناخب الجنوبي لبغضه الشديد وكره امتعاضه من أنواع الأكاذيب التي مورست عليه طوال أكثر من عشرون عاما من هؤلاء السياسيين الذين أزكمت رائحة فسادهم أنوف العراقيين، وسرقوا الأمل والمستقبل من أطفاله ومن أجيال كاملة. ولماذا لا؟ النائبة رغد صدام حسين، أو الوزيرة، بل ربما حتى ستكون رئيسة الوزراء! على الأقل، لديها شهادتها الجامعية غير مزورة، بخلاف تلك الشهادات الجامعية المشبوهة التي يتفاخر بها بعض “النواب” الحاليين والمسؤولين بالحكومة والتي يفضل بعضهم أن تسبق اسمه لقب دكتور؟. السيدة رغد لديها نفس أو أشبه بكاريزما ورثتها عن أبيها، وخبرة في مواجهة العواصف السياسية منذ سنوات المنفى. ستُقود العراق نحو أفق مستقبل مشرق، بعيداً عن التبعية للخارج والفساد المنتشر. الشعب يلتف حول قيادتها المتميزة الحكيمة الرشيدة، قادرة على إعادة بناء الدولة بيد من حديد. صحيح ان في شهر أذار من عام 2025، قد أعلنت استعدادها لدخول المجال السياسي إذا أراد العراقيون لها ذلك، وقد عدت بالعودة السياسية الى بغداد مع انتقاد حاد صاحب بعض تصريحاته للصحافة حول تداعيات ما ترتب عليه الاحتلال الأمريكي-البريطاني وحتى الإيراني غير المرئي ومن خلال قادة الإطار التنسيقي،ائتلاف الإطار التنسيقي وإدارة الدولة بجميع قياداته وعلى راسهم السيد نوري المالكي، يرددون دائماً في مناسباتهم الانتخابية ولقاءاتهم الصحفي بأن “الشعب ملتف حول قيادتهم”، وأن المواطنين يبغضون حزب البعث. وهذا دائما ما نسمعه من خلال الإعلام وأحاديثهم الشخصية التي يتم تسريبها بين الحين والأخر لسبب او لاخر ؟ جيد جدآ وحسنآ ، إذن لماذا لا تسمحون للسيدة لرغد بالعودة ومنافستهم في الانتخابات؟ الفيصل ليس في ساحات الصراع الدموي المسلح والاغتيالات وكاتم الصوت، بل سيكون الصراع والفيصل والحكم من خلال وعبر صناديق الاقتراع. اذا فلندع الناخب العراقي يختار بكل حرية وشفافية ونزاهة لنرى ما هي النتيجة: أنتم، يا سادة الفساد والخذلان والتبعية للخارج، أم هذه المرأة التي تحمل في عروقها دماء الرئيس الذي بنى العراق رغم الحصار؟ الخوف من عودتها او حتى سماع إشاعة بعودتها يفضحكم! وهذا ما تمثل على سبيل المثال وليس الحصر في إب 2025، حذر بشدة ائتلاف الإطار التنسيقي ونوري المالكي صراحة من السماح بعودتها ومشاركتها في الانتخابات، معتبراً أن حل هيئة المساءلة والعدالة سوف يمهد الطريق لها بالعودة. وكرر حزب الدعوة تحذيراته من عودة البعث عبر بوابة الانتخابات، مما يسخن الجو السياسي، صحيح من الناحية القانونية والدستورية، فإن عودتها ومشاركتها في العملية الانتخابية تصطدم بجدار قانوني صلب يتمثل في قوانين “المساءلة والعدالة” واجتثاث البعث، والتي تُقصي أي شخصية مرتبطة بالنظام السابق من الترشح للمناصب الرسمية أو ممارسة العمل السياسي. ولكن تبين لنا انها تبقى مسألة شمولها بهذه القوانين نقطة خلاف قانوني وسياسي، من شأنها أن تفتح الباب أمام مواجهة جديدة داخل المشهد العراقي المتخم الأزمات والانقسامات وإنما هو استهداف شخصي لها مرصود ومن باب مع سبق الإصرار والترصد لغرض اغتيالها سياسيا قبل ان تطلق رصاصة كاتم الصوت حال عودتها كما حدث مع رئيس الوزراء الباكستانية “بِينَظِير بُوتُو / 27 :1 2007 ” صحيح من الناحية السياسية، قد يُنظر إلى هذه الشائعات على أنها محاولة لقياس المزاج الشعبي وإثارة الرأي العام، خاصة في ظل حالة من السخط الشعبي على أداء القوى التقليدية. كما أن بعض التيارات، وخصوصاً تلك التي تشعر بالتهميش، قد تنظر إلى هذه العودة كفرصة للتموضع مجدداً عبر بوابة الحنين إلى “الدولة القوية” التي مثلها نظام البعث بالنسبة لبعض الشرائح. ولكن الخوف من شعبيتها – تلك الشعبية التي غذتها ذكريات عصر والدها – حال دون ذلك. اليوم، في 2025، مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والأمنية، هل ما زلتم تمنعونها؟ أم أنكم تعلمون جيداً أنها ستكون “النائبة” التي تُنقذ العراق، أو “الوزيرة” التي تُعيد بناء الجيش، أو حتى “رئيسة الوزراء” التي تُنهي عصر الفوضى؟ نعم، السيدة رغد صدام حسين، هذه اللبوة من ذاك الأسد، تستحق فرصة لتثبت أن الشعب العراقي سوف لم ينسَ، ولن يغفر لكم سرقتكم له. الانتخابات قادمة.. فهل تجرؤون على السماح لها بالعودة، أم أنكم ستستمرون في إيجاد مخارج لكم في لعبة الخوف والحظر؟ قلتم بان الشعب ملتف ورائكم … فلماذا لا نترك للشعب الذي اتلف وراء قوائمهم الانتخابية؟ أن يقول كلمته الأخيرة عبر صناديق الاقتراع؟
(*) البرنامج الإذاعي السياسي الأسبوعي “ظل الحدث” والبرنامج الثقافي “بانوراما الثقافة العراقية” كان لنا شرف إعداد هذه البرامج وإذاعتها عبر أثير إذاعة “صوت الشباب” ؟