23 ديسمبر، 2024 4:24 ص

المُنتظَر ينتظِر!

المُنتظَر ينتظِر!

اليوم الموعود أملٌ تتطلع إليه البشرية على اختلاف توجهاتها الدينية والمذهبية والفكرية، فهو الهام فطري يغازل الفكر الإنساني الذي يتوق لأن يكون بمستوى القيمة الحقيقية التي أرادها الله للإنسان بوصفه أكرم المخلوقات…

المهدي المنتظر هو ذخيرة السماء، لتحقيق ذلك اليوم الذي تتخلص فيه الإنسانية من كل ألوان الظلم والجهل والتطرف والفساد والاستبداد …

مما لاشك فيه أن الأرض قد مُلِئت ظلما وجهلا وجورا وتطرفا وفسادا..، فلماذا إذن لا يظهر الموعود الذي تنتظره البشرية طيلة مسيرتها الطويلة الشاقة ليملأها قسطا وعدلا؟!،

فهل ينتظر عليه السلام مزيدا من الظلم والويلات؟!!،أم أن الظهور يتوقف على شرائط واقعة ضمن قانون التخطيط الإلهي لليوم الموعود ينبغي أن تتوفر لكي تنطلق ثورة العدل الكبرى؟!!!،

بعيد عن الخوض في التفاصيل الدقيقة التي يطول المقال بذكرها، يمكن لنا أن نجد الجواب الشافي والواضح من خلال ما طرحه لنا أئمة أهل البيت حول ما يتعلق بالمهدي وحركته، فقد كشفت النصوص الشريفة الواردة عنهم عليهم السلام، أن الظهور لا يتحقق حتى تكتمل القاعدة الشعبية التي تمتلك الإستعداد الفكري والأخلاقي والروحي والتضحوي لتقبل أطروحة الإمام المهدي ونصرته من أجل تحقيق أمل الإنسانية، وهنا اكتفي بما ورد:

عن أبي بصير قال : سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله عليه السلام : كم يخرج مع القائم عليه السلام ؟ فإنهم يقولون : إنه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، قال : وما يخرج إلا في أولي قوة ، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف كمال الدين ص654

وعن أبي بصير ، قال :” قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : لا يخرج القائم ( عليه السلام ) حتى يكون تكملة الحلقة .قلت : وكم تكملة الحلقة ؟قال : عشرة آلاف…

فالواضح جدا من الحديث أن خروجه متوقف على قاعدة قوامها عشرة آلاف!!!،

والآن نتساءل ما قيمة هذا العدد بالقياس مع مئات الملايين التي تؤمن بالمهدي وتنتظر ظهوره وتدعوا له بالفرج؟!!!، فلماذا إذن لا يخرج الموعود مع وجود هذه الملايين، فضلا عن أكثر من مليار مسلم، وهو يحتاج إلى عشرة آلاف فقط؟!.

الجواب بديهي وهو عدم وجود عشرة آلاف ممن تتوفر فيهم الميزات التي تؤهلهم للقيام مع الموعود في نهضته الرسالية الإنسانية الإصلاحية، وإلا لو أن هذا العدد متوفر يستحيل على المهدي أن يتأخر لحظة واحد لأنه خير من يطبق تعاليم السماء، وهو يتألم وقلبه يقطر دما تجاه كل المظلوميات والمفاسد التي حلت وتحل بالإنسانية، فهو ينتظر على جمر العدة للإقتصاص من الظالمين وأعداء الإنسانية!!!!.

إذن الأمة بحاجة إلى مراجعة تفكيرها ومواقفها وسلوكها وفهمها لقضية الموعود ومعنى الانتظار والتمهيد الحقيقي الصادق، فمحض ذكر المهدي والدعاء له بالفرج لا يحقق الظهور إطلاقا، فضلا عن الابتعاد عن النهج القويم،

وتصحيح المسار يتم من خلال التطبيق الحقيقي للقيم والمثل السماوية الأخلاقية الإنسانية والتمسك بالإعتدال والوسطية التي دعا إليها وجسَّدها صاحب الخلق العظيم وأهل بيته الطاهرين وصحبه المنتجبين، بعد الإطلاع الواعي المنتج على سيرتهم الوضاءة، وإحياء مآثرهم وذكرهم عبر إقامة المجالس والشعائر الرسالية التنويرية الحركية المعتدلة الهادفة، ولهذا فتح الأستاذ الصرخي بابا واسعا لولوج المجتمع عموما والشباب خصوصا في تلك المجالس والشعائر ووضع الخارطة الصحيحة لممارسة تلك الشعائر، ومنها أحياؤه باستفتائه المبرور مشروعية مجالس الشور والبندرية بشكلها الرسالي المعتدل المتزن، لتكون حاضا تنويريا تربويا معتدلا خصوصا لفئة الشباب باعتبارهم أمل الأمة وشريان حياتها، وتحصينهم من أفكار التطرف والإلحاد والإنحلال التي بات تسري في مجتمعاتنا كسري النار بالهشيم.