يُعَرَّف الإنسان الانتهازي بأنه الذي يغتنم الفرص ويستثمرها من أجل أهداف معينة لا تخرج عن إطار المنفعة الذاتية، وذكر أهل الاختصاص إن الانتهازيين يتسمون بسمات وسلوكيات شخصية تميزهم عن غيرهم، وأبرزها: انعدام الصدق، كثرة تشدقهم بالمثاليات والمبادئ، يجيدون الضجيج دون أي إنجاز، تقديم المصلحة الشخصية والمنفعة الذاتية، الاستبداد والتعسف والتكبر على الناس، التبرير لتجاوزاتهم، والتصيد في الماء العكر، الابتزاز، التنصل من المسؤولية، التشبث بالغير..فهو شخص “غير مبدأي” مجرد عن أي مبادئ أو قيم، نعم قد يتقمص هذه الأمور لما تفرضه نزعته النفعية، وإنه يزين الواقع ويزوقه بغية إقناع الشعوب المسحوقة، كما إنه يتميز بسرعة التلون والانقلاب فهو لاعب ماهر يجيد كل الأدوار، ويرى علماء النفس والاجتماع والأخلاق إن الانتهازي شخصية فاشلة لأنه لا يبني نجاحه النفعي على طاقاته والأخلاق، فلا يملك ما يقدمه سوى المداهنـــــة والركــــون، والنفاق والصعود على أكتاف المسحوقين، والطعن والوقيعة بمناوئيه أو منافسيه بل قمعهم، ولا يستطيع الانتهازي أن يعيش إلا تابعـــــاً.لأكثر من ثلاثة عشر سنة والعراق من سيء إلى أسوأ ومن فساد إلى أفسد، ولم نسمع من الشخوص التي تركب اليوم موجة الإصلاح والتظاهرات والإعتصامات لم نسمع لهم صوت أو موقف حقيقي صادق وثابت مع الإصلاح والتغيير، بل كانوا ولا يزالون هم صُنّاع الفساد والمفسدين وداعميه والمدافعين عنه، وهم الواقفون بالضد من كل مَنْ ينتقد الفساد ويطالب بالإصلاح، والجميع يتذكر كيف تم الإجهاض على التظاهرات التي كادت أن تطيح بحكومات الفساد لولا فتاوى السيستاني التي حرمت التظاهر، ودخول مقتدى الصدر على الخط ليطرح مسرحية مهلة المئة يوم، ثم مددها إلى ستة أشهر ومضت المهلتين ومضت السنين ولم يحرك ساكناً، ولما حصل الاتفاق على حجب الثقة عن حكومة الفساد بقيادة المالكي ووقعوا الوثيقة في أربيل نكص مقتدى الصدر على عقبيه وتنصل عن اتفاقه ووعده الذي أبرمه مع نظرائه وغدر بهم مُجدداً…وبعد أن خرج الشعب منذ عام بتظاهرات عارمة أربكت مرجعية السيستاني ومنظومتها السياسية بشخوصها وكتلها لم يكن أمامها والانتهازيين إلا ركوب موجة التظاهرات ومع ذلك لم نسمع من مقتدى أي خطاب يأمر فيه أتباعه بالخروج والوقف مع تظاهرات الشعب، بل كانت ردود أفعال الانتهازيين سلبية تجاه التظاهرات حيث نعتوها بأبشع الأوصاف لأنها رفعت شعار “باسم الدين بكونا الحرامية” وشخصت الداء، وهكذا بين ركوب الموج والتسويف والتخدير والتغرير والمماطلة والقمع والابتزاز كانت تترنح مواقف المتقمصون اليوم لمواقف المرجع الإصلاحي الصرخي والذين يركبون موج الإصلاح، بعد أن حركتهم الأقطاب والمحاور اللاعبة بقوة في المشهد العراقي كالقطب الأميركي والإيراني والقطب الجديد السعودي الذي يريد أن يكون له دور فعال في اللعبة العراقية…لعبة الإصلاح التي يلعبها الانتهازيون هي حشر مع الناس عيد لأن الخارج عن دائرة المطالبة بالإصلاح سيكون في خانة المرفوضين من قبل الشعب، لكنهم وبالرغم من محاولاتهم هذه إلا أنهم لن ولم يحققوا الإصلاح الحقيقي لأنهم لا يستطيعون العيش إلا في مستنقع الفساد وإنْ تلبسوا بزي المصلحين، ولن يخرجوا من بودقة العملية السياسية الفاسدة والفاشلة القائمة على المحاصصة الطائفية والسياسية والتوافقات التي لا تخدم سوى مصالحهم ومصالح من يحركهم من الأقطاب، فشتان بين المصلح والإصلاح الذي ينبثق من رؤية وطنية وسيرة وتأريخ حافل بالمواقف الإصلاحية والمبدئية الرافضة للفساد، وبين الفساد ولعبة الإصلاح التغريري الانتهازي الفاقد لكل مقومات الإصلاح وشروطه ورجاله والذي ينبثق من سيرة مليئة بالتقلب والتنصل والغدر والفساد والفشل والقتل، وعقلية أسست للفساد تُحركها أجندات أقطاب ومحاور الدول اللاعبة في الشأن العراقي ، يقول المرجع العراقي الصرخي في استفتاء رفع إليه تحت عنوان “أميركا والسعودية وإيران….صراع في العراق”، ما نصه: ((4ـ إنْ حصلَ إتفاق بين دول مَحاور الصراع على حلٍّ أو شخصٍ معيّن، فإنّه يرجع إلى التنافس والصراع المسموح به فيما بينهم والذي يكون ضمن الحلبة والمساحة التي حدّدتها أميركا، فالخيارات محدودة عندهم، وبعد محاولة أحد الأقطاب تحقيق مكسب معين، وتمكّن القطب الآخر من إفشال ذلك، فإنهم سيضطرّون إلى حلٍّ وسطي ومنه الرجوع إلى ما كان!!)).