22 ديسمبر، 2024 7:27 م

المُسائلة والعدالة

المُسائلة والعدالة

يحكى أن رجلاً من أهل الجنوب كان له حصان يجر عربة بعجلتين، يترزق من خلالها في النهار في ثمانينات القرن الماضي ليكسب قوت يومه، لكن جلاوزة الدكتاتور صدام لم يتركوه بحال سبيله، لانهم كانوا يستغلونه كلما أحتاجوا الى نقل بعض الاسلحة أو العتاد من مكان لآخر ويقطعوا عليه رزقه. وعند سقوط النظام في 2003 تنفس ذلك الرجل الصعداء وقال في نفسه أنه ارتاح من تعسف اجهزة صدام القمعية له بتسخير عربته لأغراضهم التي لا تعد ولا تحصى، فتهيءَ ليرتب عربته ويهتم بحصانه ليواصل عمله في خدمة الناس مقابل حصوله على اجر يسد به حاجة بيته، لكنه تفاجأ بأوامر من السيد المعمم الذي عُيَن ليكون مدير الناحية، يطالبه بتحضير عربته والعمل بها دون مقابل. فكر الرجل وهو محتار، فلم يجد غير جواب واحد لعله يقنع به السيد، ليعدل عن استغلاله وتركه بحاله، وفعلا رد عليه بقوله:( سيدنا هذا حصاني مشمول بالاجتثاث لانه كان يعمل لحساب البعثية).
الجميع يعرف أنَ السبب من وراء وجود هيئة المساءلة والعدالة في العراق بعد 2003 هو في عدم وصول قادة البعث المنحل الى التسلل لمواقع السلطة ولذلك نشئت الهيئة الوطنية العليا لاجتثاث البعث بقانون صادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة برئاسة الحاكم الأميركي بول بريمر بتاريخ 16 أبريل/ نيسان 2003 لاجتثاث هيكل حزب البعث في العراق “وإزالة قيادته في مواقع السلطة، وكانت وظيفتها تقوم على توفير معلومات“ تكشف عن هوية البعثيين من ذوي درجات عضوية محددة (عضو فرقة فما فوق) ليتم فصلهم من مرافق الدولة. ولكن المتتبع للمشهد السياسي في العراق يستطيع ان يرى انَ بعض من أزلام حزب البعث المنحل يتحكم في مفاصل مؤسسات الدولة ومنهم من كان هو ووالده في اعلى سلم حكومي أيام الطاغية وبعضهم في المؤسسات الامنية والوزارات السيادية ولازالوا يمارسون انواع الخباثات ضد من كانوا ضحايا للنظام المقبور. تسلل أولئك كان بفضل تسيد بعض احزاب الإسلام السياسي وتقاسمه السلطة على مبدأ المحاصصة الحزبية، ولذلك اتسم عمل تلك الهيئات بالإختلال والارباك احيانا كثيرة، والابتعاد عن هدفها الذي أنشأت من أجله. فمثلا تستدعي الهيئة بعض الموظفين من مواليد 1991 للتحقق منهم في مسألة انتماءهم لحزب البعث المنحل وهم كانوا أطفالا عند سقوط النظام المقبور في 2003، بينما يترك من كان عضو شعبة يصل الى أعلى درجة وظيفية وبيده القرار في بعض الوزارات السيادية.
ولم تقتصر تلك الملابسات السلبية والتي قد تؤثر سلبا على هيبة الهيئة وسمعتها، على عمل الهيئة غير المهني فقد يتم توجيه استفسار عن موظف ما ممن كان أحد ضحايا النظام السابق وهو لم ينتمي طوال حياته لحزب البعث، ويتم التأكد من تأريخه ويعاد تكرار نفس الاستفسار عنه بعد سنة أو اقل من ذلك، لا لإجل الغرض الذي اريد منه في تحقيق العدالة وإنما من أجل عرقلة سرعة اكتساب ذلك الموظف لاستحقاق معين فتتأخر معاملة ترقيته عليه مثلا، حينما تتأخر ردود هيئة المساءلة والعدالة لاشهر وقد تتحجج بضياع الكتب الموجهة إليها من قبل الوزارات بين اروقة وزوايا غرفها التي لا يستطيع اي عراقي الوصول إليها لانها وببساطة شديدة تقع في المنطقة الخضراء التي من الصعوبة بمكان الدخول اليها إلا بتصريح أو باج خاص يمنح لمن يعمل فيها فقط. أقول الى متى ستبقى بعض المؤسسات التي أنشأت بعد سقوط النظام الصدامي مجرد هياكل تعتاش عليها بعض الاحزاب لكي يسترزق اتباعها من اموال السحت والحرام؟