18 ديسمبر، 2024 11:46 م

المُجرب لا يُجرب مَنْ لم يفهما فعقله مُخرب؟!

المُجرب لا يُجرب مَنْ لم يفهما فعقله مُخرب؟!

يحتدم الجدل الشائك بالعراق في الشارع والفضائيات وفي حديث الناس واماكن تجمعاتهم بتفسير عبارة «المُجرب لا يُجرب» البعض يقول :«المُجرب لا يُجرب»المرجعية لم تقلها , نائب قال : «المُجرب لا يُجرب» خطا كبير , سياسي معمم قال انا لا اؤمن بها , نائبة وجهت انتقادات لاذعة بقولها: إن هذه التوصية تعبرعن جهل ومفاهيم خاطئة , سياسيون فاسدون يرددوها لاستغفال الناخب , فقد سمعت احدهم يقول عسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم , واخر قال الشيء الشين الذي تعرفه افضل من الشيء الزين الذي لا تعرفه , في ظل هذا الاحتدام المتناقض ظهرت في الايام القليلة الماضية مقاطع فديو ومنشورات متباينة لتشرح معنى هذه المقولة على لسان معممين بعنوان وكلاء السيد السيستاني بان هذه العبارة صادرة من المرجعية الدينية العليا , ولكون الناس تاهت بين المُجرب لا يُجرب بسبب لعبة سياسية لصنع اشبهات , فهل يعقل ان المرجعية الدينية تطلق تصريح يفسر على عدة اوجه قابلة للتاويل ؟! لهذا أحببت أن أوضح الالتباس والغموض الذي غلف هذه العبارة … وهنا اقول لم ترد عبارة «المُجرب لا يُجرب» من المرجعية الدينية العليا بلفظها بل وردت بمعناها والذي ورد بالنص (من جرّب المجرّب حلّت فيه الندامة) وكانت موجه الى الحكومة في حينها وليس الى الناس , ولكن لا مانع من استعارتها لزمان اخر وجهة مخاطبة اخرى بما فيهم المرشحون الذين تغاضوا عن هذه العبارة وتمسكوا للترشيح مرة اخرى رغم فشلهم او فسادهم .

«المُجرب لا يُجرب»التي رفضتها اوساط سياسية بعضها بعناوين دينية , ستبقى حكم عقلي قبل ان تكون قول مرجعي مفادها التحذير من التغفل وتكرار الخطأ ، والحث على التيقظ واستعمال الفطنة , وهي مستوحاة من حديث النبي الاعظم محمد (ص) “لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين” , ومن قول الامام علي(ع) “من جرب المجرب حلت به الندامة.

لنتامل هذه العبارة بدقة لنحدد موضوعها وحكمها ومصداقها , فالموضوع محدد ومحصور بالذهن وهو الفاسد , الذي جرب وظهر منه الفساد , وحكمه لا يصح تجريبه مرة اخرى , اما المصداق فينطبق على الفاسد دون غيره لان الموضوع متعلق به ولا يصح مطلقا توسعة الموضوع ليشمل غيره بناءا على المنظور العقلي وسيرة العرف , وهذا نص منطقي يمكن الاستفادة منه والاستشهاد به هنا (اذا علم حكم الشرع على الموضوع ولم يبين الشارع الموضوع مع بيانه الحكم بأخذ الموضوع من العرف).

افضل معنى لهذه العبارة قالها رجل الدين السيد رشيد الحسيني: إن عبارة «المُجرب لا يُجرب» تعني أن “السياسيين الذين جربناهم وكانوا فاشلين، وسرقوا البلد، يجب أن لا ندلي بأصواتنا لهم مرة ثانية , بل قال : يفضل التصويت لـ”المسيحي المؤتمن”، على “الشيعي الفاسد” وهذا كلام جامع مانع يغنينا عن الخوض في معنى العبارة اكثر , اما الصالح الذي جرب وظهر صلاحه فلا ضير من تكرار تجريبه بشرط ثبات الصلاح بالقرائن والادلة والبراهين , كما لو راجعت طبيبا وشفيت من علتك واصيب احدى افراد عائتك بنفس المرض , فالاولى ان تاتي بمريضك له , لا ان تجرب غيره بل من غير المعقول تجريبه وتجريبه يعتبر استهانة بحقه , اما تجريب المجرب الفاسد فهو استهانة بحق الاخرين .

اخيرا «المُجرب لا يُجرب»ليس افعى براسين احدهما صالح لا يلدغ بل لها راس واحد ينفث السم الرعاف …بقي ان نقول لماذا تصر الكتب ومرشحيها على اعادة انتخاب ممن جربوا , ولنقل فرضا انهم صالحون ؟! اليس من الاولى ان يعطوا فرصة لغيرهم لتجريب قدرتهم لخدمة الوطن ؟! على غرار كريات الدم في جسم الانسان تجدد نفسها لضمان الصحة الدائمة , لماذا هؤلاء يريدون البقاء في مواقعهم فيكونون كالخلايا السرطانية تنمو وتكبر وتؤدي الى موت صاحبها ؟!

بقي شيء محزن لابد من قوله وهو للدورة الانتخابية الرابعة ولازال الناخب العراقي يتعكز بالاعذار وغير قادر على إفراز وإنتخاب من يمثله بصورة حقيقة.