22 نوفمبر، 2024 10:21 م
Search
Close this search box.

المُتَعُ الجنسيَّةُ والحِسِّيةُ في الجنةِ.. هل هي حقيقةٌ أم رمزٌ؟ – 2

المُتَعُ الجنسيَّةُ والحِسِّيةُ في الجنةِ.. هل هي حقيقةٌ أم رمزٌ؟ – 2

إنَّ المتعةَ الجنسيةَ وأيَّةَ متعةٍ حسيةٍ أخرى لن تكونَ في الجنةِ لأنَّ اللهَ تعالى يقولُ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }السجدة17, والإنسانُ قد جرَّبَ في الدنيا متعةَ الجنسِ ومتعةَ الطعامِ وبالتالي إنْ جَرَّبَهُما في الجنَّةِ فلن يكون ذلك مخفياً عليه, إنَّما السبب في ذكرِ تلكَ المتعتينِ هي للتقريبِ لهُ كما قرَّبْنَا مَثَلَ الشوكولاتةِ للطفلِ, والآن لننظر إلى موانعِ حدوثِ الجنسِ في الجنَّةِ في القرآنِ الكريمِ, يقولُ اللهُ تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ }الرعدُ23, فكيفَ تتمُّ ممارسةُ الجنسِ إنْ كانت الملائكةُ تدخلُ عليهم من كلِّ بابٍ.
فالذي يمارسُ الجنسَ أمامَ الآخرينَ هو حيوانٌ أو البشر المنحلُّ, ولكن الإنسانَ السويَّ لا يفعل هذا أبداً في الدنيا, فكيف يفعلها في الآخرةِ؟ فهل الآخرةُ مرتعٌ للسلوكِ الحيوانيِّ؟ يقول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ }القيامة22 ,{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }القيامة23, إنَّ هذه النعمةُ من أشدِّ نعم الله على عبادهِ وهي نعمةٌ دائمةٌ لهم, وهم سينظرون إلى أبهى جمالٍ وأمتعِ منظرٍ, فكيف يُعقلُ بعد هذا أنْ يتلذَّذُوا بما هو دونه؟  وكيف يمارسُ الإنسانُ الجماعَ وهو ينظرُ إلى اللهِ تعالى؟ فإنْ كنَّا نأنفُ ذلك أمامَ الملائكةِ, فكيف الحال أمام اللهِ؟
المانعُ الآخرُ: يقولُ الله تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ }الواقعة17, {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً }الإنسان19, فهل من الممكن أنْ يمارسَ الإنسانُ الجنسَ أمام وِلْدَانِهِ؟
مانعٌ آخرٌ: يقول الله تعالى واصفاً حورَ العينِ بأنَّهنَّ كأمثالِ اللؤلؤِ المكنونِ, ويقولُ أيضاً: } وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ{48} كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ{49} الصافات, والمكنونُ هو المخفيُّ عن الأنظارِ فكيفَ يصفُ الله تعالى الحورَ بأنَّهُنَّ بيضٌ مكنونٌ, وهنَّ يمارسنَ الجنسَ أمامَ الجميعِ, والعياذُ باللهِ تعالى.
مانعٌ آخرٌ: يقولُ اللهُ تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ }الحجر47, وقد وَصَفَ النبيُّ في حديثٍ حالَ المؤمنينَ المتقابلينَ في الجنةِ بأنَّهُ ينظرُ بعضهم إلى بعضٍ في الجنةِ في الحديثِ الذي أوردهُ ابن كثيرٍ في تفسيرهِ لهذهِ الآيةِ.
نأتي الآن إلى حورِ العينِ ومعناها: يقولُ اللهُ تعالى:  } إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ{51} فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ{52} يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ{53} كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ{54} الدخان والله تعالى يقول ايضا ِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ{17} فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ{18} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{19} مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ{20} (الطور), أي أنَّ المتقينَ سيتزوجونَ منْ حور العينِ, ونحن نعلمُ أنَّ صفةَ المتقينَ هي للرجالِ والنساءِ معاً, كما أوضحنا سابقاً, فما هو معنى الزواجُ هذا؟ هل هو المعاشرةُ الجنسيَّةُ أم المصاحبةُ والمرافقةُ؟ فقد بينا من قبل بإستحالة المعاشرة الجنسية , تعالوا ننظر إلى كتابِ اللهِ تعالى ماذا يقولُ عن الأزواجِ في الآخرةِ من هم؟ يقول الله تعالى في سورة الصافات: } قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ{51} يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ{52} أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ{53} قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ{54} فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ{55} قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ{56}, فالقرينُ هنا بمعنى الصديقِ, ويقولُ تعالى : احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ{22} الصافات, فالأزواج هنا بمعنى القرناء الذين هم على شاكلتهم, فقد يكون الزوجُ ظالماً والزوجةُ مؤمنةٌ كما الأمرُ مع فرعونَ وزوجتهِ وأمثلةٌ أخرى معروفةٌ, وقد تكونُ الزوجةُ ظالمةً والزوجُ مؤمناً, كما هو الحال مع لوطٍ ونوحٍ عليهما السلام.
وبذلك يكونُ التزويجُ هنا في حورِ العينِ للرجالِ والنساءِ, أي جَعَلَ لكلِّ إنسانٍ مُتَّقٍ قريناً وصديقاً له من حورِ العينِ مماثلٌ لهم في الشرفِ والعمرِ, فقد وصفهم الله تعالى من قبلُ بالكواعبِ الأترابِ, فإنَّ من المتع في الآخرةِ مصاحبةُ قرينٍ أو صديقٍ مماثلٍ للمرءِ في الرتبةِ والشرفِ والعمرِ حتى يأنسَ بهِ ويستأنسُ بهِ.
ولكن هذا لا يمنعُ أنْ يكونَ للمرءِ أنيساً لهُ ويكونُ زوجهُ في الدنيا, لقولهِ تعالى في سورةِ الرعدِ: وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ{22} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ{23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ{24}, ويقول في سورةِ غافرٍ: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ{7} رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{8} ويقولُ في سورةِ الزخرفِ:  يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ{68} الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ{69} ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ{70}, .
أما بشأن العبادة يقول الله تعالى أيضاً في سورة الذاريات:  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{58}, والعبادةُ في اللغةِ ليست تأديةُ الشعائرِ الدينيةِ فقط, بل هي الطاعةُ والانقيادُ لأوامرِ الإلهِ, والمطيع للهِ يكونُ عبداً وهو الذي لا يملكُ من أمرهِ شيئٌ, ولكن علينا أن نعلمَ ما هي الصلةُ بين العابدِ والمعبودِ, كمثالٍ توضيحيٍّ: نحن نملك سيارةً ونملك داراً ونملك شركةً ونملك خادماً, على أيٍّ من ذلك نطلقُ عبداً؟ نطلقُ على الرجل المملوكِ عبداً, لأنَّ العابدَ لا يكونُ إلّا من جنسِ المعبودِ, أي مُشْتَرِكٌ معهُ في الصفاتِ, وبالتالي تكون العبادةُ هي الأفعالُ التي يفعلها العبدُ ليتقربَ إلى سيِّدِهِ, أي أنّ العبادةَ هي محاولةُ الاتصافِ بالصفاتِ التي يتَّصفُ بها السيِّدُ لتحقيقِ التشابهِ بينهما لذلكَ يقولُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (تخلَّقوا بأخلاقِ اللهِ تعالى ), ويقول أيضاً: (إنَّما بعثت لكي أُتَمِّمَ مكارمَ الأخلاقِ), ويقول في حديثٍ آخرَ عندما رأى ابنةَ حاتمٍ الطائيّ وحَدَّثَتْهُ عن أخلاقهِ فقال: (هذه أخلاقُ المؤمنينَ فإنَّ أباها يحبُّ مكارم الأخلاقِ, والله يحبُّ مكارمَ الأخلاقِ, وأضافَ عليه الصلاة والسلام: لا يدخل الجنةَ أحدٌ إلا بحسنِ الخُلُقِ ), وحُسْنُ الخلقِ هي حُسْنُ الصفاتِ, ولا توجدُ صفاتٌ أفضلُ من صفاتِ الإلهِ التي قال الله تعالى عنها: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأعراف180, وقال أيضاً: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الحشر24, ولذلكَ من صفاتِ اللهِ الكريمُ, فلابُدَّ للإنسانِ أنْ يكون كريماً حتى يتَّصفَ بحُسْنِ الخُلُقِ, وأنْ يكونَ غفوراً كاللهِ, ورحيماً كالله, وهكذا..
ومنَ المعروفِ أنَّ للهِ تسعةٌ وتسعونَ من الأسماءِ, ومن حفظها أو أحصاها دخلَ الجنةَ, ولكن صفات الله وأسمائهِ تتعدَّى الـتسعة والتسعين, لأنَّهُ غيرُ محدودٍ طبعاً, وهناكَ أسماءٌ وصفاتٌ لا تُعْرَفُ طبعاً, فقد ورد عن النبي قولهُ في الحديثِ الواردِ في مسندِ الإمامِ أحمدَ عن دعاءِ المهمومِ: ” اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمَتِكَ, ناصيتي بيدكَ, ماضٍ فيَّ حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤكَ أسالكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ سمَّيْتَ بهِ نفسك, أو أنزلته في كتابكَ ، أو علَّمتهُ أحداً من خلقكَ, أو استأثرتَ به في علمِ الغيبِ عندكَ, أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي، ونورَ صدري, وجلاءَ حُزْنِي, وذهابَ همِّي” وهنا لاحظ أنَّ النبيَّ قال بأنَّ هناك اسماً استأثرتَ بهِ في علمِ الغيبِ عندكَ, وهناكَ أسماءٌ استأثرَ بها أحد أصفيائهِ من الخلقِ, وكما قلتُ فإنَّ في هذه الحياةِ المحدودةِ لا يمكننا إلَّا نتعلمَ بعضَ تلكَ الصفاتِ المحدودةِ, ومن حفظها دخلَ الجنةَ, إنَّ العابدَ للهِ يجب أنْ يصطبغَ بصفاتِ اللهِ تعالى ويتأسَّى بهِ, يقول الله تعالى في كتابهِ الكريمِ: {صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ }البقرة138, فالعابدُ الحقيقيُّ هو من تكونُ عبادتهُ هي الاصطباغُ بصبغةِ اللهِ تعالى, ولاحظ كيف انتهت هذه الآيةُ: (ونحنُ لهُ عابدونَ), أي كأنَّ الله تعالى يقولُ إنّ العبادة الحقيقية هي الاصطباغُ بصبغتي, والمؤمنُ كما قلنا يحاولُ أنْ يتَّصفَ بصفاتِ الله المحدودةِ في الدنيا, وهي التسعةُ والتسعينَ, ولكنْ هناك صفاتٌ أخرى للهِ غيرَ محدودةٍ سنعرفها في الآخرةِ, فكيف سنصطبغُ بها؟
 يمكننا التعرف على ذلكَ من خلالِ تَتَبُّعِ رحلةِ المؤمنِ من الدنيا إلى الآخرةِ, يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الفتح29, انظر إلى كلمةِ من مع محمد من هم ؟ أوضح الله تعالى منْ هم معَ محمدٍ, وهم ثلاثةُ أصنافٍ في سورةِ الحشرِ:
1- لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{8}, وهم المهاجرون.
2- وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{9} أي الأنصار.
3- وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{10}, وهم نحن إن شاء الله تعالى, لو لاحظت كل هؤلاء الأصناف تبتغي من الله أمرا ذكره في أول صنفٍ تبتغي فضلاً من الله ورضواناً, ما هو هذا الفضلُ؟ وما هو هذا الرضوان؟ هل هو فضلٌ حسِّيٌ دنيويٌ أم فضلٌ روحيٌّ ورضوانٌ روحيٌّ؟ فلو كان حسياًّ لكان الأولى ألّا يترك المهاجرون أموالهم وأملاكهم ويهاجروا في سبيل الله ليبتغوا فضلاً هم متمتعون أصلاً بهِ, وكذا الحالُ مع الأنصارِ ومعنا نحن , فما هو فضلُ الله ورضوانه؟ حسب قول  الله تعالى الفضلُ هو مصاحبةُ الأنبياءِ والشهداءِ في الجنةِ لقوله تعالى: } وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً{69} ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً{70}, أمَّا الرضوانُ فيقول الله تعالى عنه بأنَّهُ أكبرُ من الجنة, فيقول: {وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة72, والآن تعال لنقرأ ما هو حال النبي ومن معهُ في الآخرةِ, يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التحريم8, لاحظ أنَّ الله تعالى بعد أنْ يحشرَ النبيَّ ومن معه بأجسادٍ من نورٍ وعلى منابرَ من نورٍ وفي جنةٍ من نورٍ, يقولُ النبيُّ ومن معه داعينَ الله أتممْ لنا نورَنا واغفرْ لنا؟ والسؤال الآن إذا دخلَ المؤمنُ الجنةَ هل يحتاجُ إلى إتمامِ نورِهِ وهل يحتاجُ إلى أنْ  يغفر الله لهُ وهل يدخلَ الجنةَ إلَّا منْ غفرَ اللهُ لهُ؟

أحدث المقالات