18 ديسمبر، 2024 7:44 م

يختلف أداء الموظف الحكومي من شخص لآخر في كيفية تقديم الخدمة كماً ونوعاً، وفقا لما يعتقده ويؤمن به، ويعتبر عمله وحرصه على أداءه بالصورة التي ترضي ضميره ميزان لتقييم صورته ومكانته أمام المجتمع. يشمل بالطبع مصطلح الموظف الحكومي العامل بوظيفة عامة جميع الموظفين في الدولة عسكرياً كان أم مدنياً ومن أعلى الهرم كرئيس دولة أو حكومة إلى أصغر موظف حكومي يقدم خدمة للوطن. السيد السفير حيدر منصور هادي العذاري، سفير العراق في روسيا الأتحادية نموذجاً للموظف الحكومي المخلص لشعبه ووطنه، فهو قلّ نظيره في أيامنا هذه من حيث التفاني في العمل والحرص على أداء الواجب بأفضل مايكون. ألتقيته وسمعته وتحدثت إليه عن قرب، فوجدته شعلة وضاءة متوقدة من التفاني والأخلاص والحرص على خدمة العراق والعراقيين وهو بمقدوره، وهو يؤدي دور رئيس الدولة خارج البلد، أن يقوم بممارسة مسؤولياته من داخل مكتبه في مبنى السفارة كأي سفير آخر، ولا يخرج لتفقد طلبة عراقيين في جامعاتهم، ولا يكلف نفسه عناء السفر لآلاف الأميال في بلد مساحته تقدر بملايين الأمتار المربعة ليزور أبناء وطنه المقيمين في مدن بعيدة خارج العاصمة موسكو.
يستحضر في ذاكرتي مثال مختلف عن الموظف الحكومي الدؤوب والمتفاني لطالما استوقفني كثيراً وأنا أتذكر الأخ المفكر حسن العلوي وهو يسرده في ذكرياته عن الرئيس عبدالرحمن عارف رحمه الله، إذ يقول: أنه كان يرى الرئيس وهو ينظر لساعته اليدوية في آخر ساعة من الدوام الرسمي، ليرى كم تبقى من الوقت من أجل أن يحزم أمره ويهم بالخروج لبيته. السيد السفير حيدر العذاري، نموذج آخر عن هذا الوصف، إذ ان ساعات عمله في السفارة تمتد لساعات طويلة والأغرب من ذلك وهو يعمل خارج ساعات العمل المعتادة خارج مبنى السفارة وهو يتنقل في ظروف جوية قاسية في برد روسيا القارص والمعروف بقساوته حيث تصل درجات الحرارة إلى 27 تحت الصفر.
وعندما يتطلب الظرف موقفا وطنيا، فلا مجالمة على حساب حق، ولا تردد على حساب مصالح الوطن عنده، ويعلنها بقوة وصراحة ليكشف الأسباب وليصحح الرؤى فيتضح المسار امام من تشوهت لديهم الرؤيا، فكان في كل لقاءاته مع وسائل الصحافة والإعلام، يؤكد الحقائق، ومنها حقيقة أن أقليم كردستان جزء من العراق، وأن فكرة عزل الأقليم او محاصرته من قبل حكومة الدكتور العبادي ليس لها واقع على الإطلاق كما يحلو لبعض الأخوة الكرد أن يتصوره. ليس هذا فحسب، بل أنه لم يهمل جانبا مهما في مسألة التقارب بين الشعوب والثقافات، إذ أنه أولى أهتماماً بالغاً في إيجاد مشتركات تجمع الشعبين الروسي والعراقي ويمكن ان تكون أساساً قوياً لأية علاقة متينة، فأهتم بجانب الثقافة حين قام بزيارات لمتحف الفنون الشرقية الروسي والذي يضم منذ تاسيسه عام 1918 أكثر من 140 ألف قطعة فنية لحضارات الصين والهند والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وزيارته لأكثر من جامعة روسية أو في بيلاروسيا فهو سفير فوق العادة فيها ايضاً. وهو من وقف ليحمي الطلبة العراقيين في روسيا من جشع ضعاف النفوس والمتاجرين بالتلاعب بمصائر شبابنا خارج البلد فقطع عليهم الطريق حتى لايقع في أيديهم العديد من شباب العراق ضحية. وهو من رعى وتابع بنفسه تأسيس أول نشاط ثقافي عالي المستوى وهو جائزة نوَار لتعزيز الحوار بين العراق وروسيا، فمنحت تلك الجائزة لمبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط السيد ميخائيل بوغدانوف. ووقف ويقف السيد السفير العذاري اليوم على توطيد اواصر العلاقات الروسية العراقية وتقريب ظفافها، حيث قام بإقناع الجانب الروسي، وبزيارة واحدة للأكاديمية الدبلوماسية،ولقاءه برئيسها، بمضاعفة أعداد الدبلوماسيين العراقيين المتدربين في روسيا من45 دبلوماسي في السنة إلى 90 دبلوماسياً. وخلال مدة قصيرة قام السيد السفير كذلك وفي لقاءاته المتكررة مع رؤساء شركات أنتاج النفط والغاز الروسية، أن يقنعهم بالعمل والبحث عن استثمارات في العراق. ونتيجة لهذا المجهود، قامت أحد تلك الشركات بترميم وتجميل مبنى السفارة العراقية على حساب الشركة الروسية، والذي امر سعادته أن تزين جدرانها بلوحات لفنانين عراقيين كانت مهملة ومركونة.