مع الاخذ بنظر الاعتبار التقدم الذي بات يحرزه الجيش العراقي المدعوم بما يسمى الحشد الشعبي(وهي تسمية لتجنب ذکر اسماء الميليشيات الشيعية المدعومة إيرانيا المثيرة للحساسية داخليا و إقليميا)، بالاضافة الى التقدم الذي تحرزه القوات الکردية في الشمال أيضا، فإن ذلك لم يمنع من بقاء خطر تنظيم داعش الارهابي محدقا، کما انه لم يمنع من مظاهر الرفض الجماهيري في الرمادي لإستقدام الميليشيات الشيعية للمشارکة في المواجهة ضد داعش.
التقدم الذي تم إحرازه في السعدية و جلولاء(من مدن محافظة ديالى)، حيث کان قائد العمليات في السعدية هادي العامري، قائد فيلق بدر و وزير النقل السابق الذي لايعتبر مرغوبا لدى العديد من الاوساط و الشرائح العراقية، بالاضافة الى مايقال عن إستعدادات جارية من أجل العمل لتحرير الموصل من بين براثن داعش، فإن کل هذه التطورات لم يکن بإمکانها أن تخفض من حالة الاحتقان الطائفي حيث الحال مازال کما هو ولايزال الشحن الطائفي مستمرا و يلعب دوره، ولايزال حيدر العبادي رئيس الوزراء، يبذل جهوده المختلفة لمسك العصا من الوسط و الاستمرار بحذر في طريق إقصاء و إبعاد المسؤولين المحسوبين على نوري المالکي من مناصبهم و التي کان آخرها إبعاد وکيل وزارة الداخلية عدنان الاسدي، وکل ذلك في سبيل أن يمتلك زمام المبادرة ولو نسبيا من أجل العمل على الحد من الاحتقان الطائفي و إستشرائه.
الاتجاه الامريکي لتسليح العشائر العراقية مع الترکيز على عشائر المکون السني، يهدف الى إعادة نوع من التوازن في الامن الاجتماعي العراقي الذي تعرض للتخلخل و الزعزعة و إنعکس ذلك سلبا على الواقع الاجتماعي العراقي، مع ملاحظة ان الامريکيون يمارسون ضغوطا على الحکومة العراقية و اوساطا سياسية عراقية عدة کي تقوم بدورها من أجل العمل على إستيعاب و إحتواء الازمة الطائفية و عدم السماح بأن تستفحل أکثر من ذلك، لکن المشکلة الاساسية في الميليشيات الشيعية التي صار لها دورا مميزا بحيث يتجاوز القانون، کما حدث في حالات سابقة کإقتحام السجون و دور و منازل العوائل و تصفية المواطنين او إختطافهم او حتى الهجوم على أماکن أخرى، ومع کل الضجة الداخلية و الاقليمية و الدولية التي تمت إثارتها عن دور الميليشيات، فإن العبادي لم يتمکن من التعرض لها کما يراد خصوصا وان عددها الضخم و الدعم الکبير الذي تحظى به إيرانيا و داخليا، تجعل من الصعب على العبادي أن يقوم بأي إجراء ضدها خصوخا وان الجيش العراقي لايتمکن لحد الان من تحقيق أي نصر او تقدم على حساب داعش من دون مساعدة و عون هذه الميليشيات التي صارت أشبه ماتکون بسيف ديموقليس على رأس العبادي، ومن هنا، فإن الميليشيات تتعدى
کونها مجرد مشکلة آنية او حتى مرحلية بل هي عقدة کأدادء خصوصا مع تمسك إيران بها و الاشراف على توجيهها(عقائديا و عسکريا)، لکن الذي يجب الانتباه إليه جيدا، هو مابعد أن تضع الحرب ضد داعش اوزارها(وهوأمر وارد)، حيث أن قضية الميليشيات الشيعية التي صارت لها دورا يتجاوز دور الجيش و الشرطة و القوات الامنية في کثير من الاحيان، ستعود لتطرح نفسها کواحدة من أهم التحديات التي ستواجه العملية السياسية العراقية برمتها لأن هذه القوات کما يظهر هي نواة اساسية لإستنساخ تجربة قوات التعبئة و الحرس الثوري الايراني في العراق، والذي يمکن حمله على أکثر من محمل سوء.