کيف يمکن بناء دولة المٶسسات المدنية التي تعتمد على ديمقراطية حقيقية وتٶمن بمبادئ حقوق الانسان، في حين تکون هناك أحزاب وميليشيات وجماعات مسلحة تعتمد على القوة والعنف في فرض الامور وإذا مادعت الحاجة فإنها تتجاوز القانون وتتصرف وفق ماتريد، وإلقاء نظرة على الاوضاع في العراق منذ سقوط النظام السابق ولحد الان، نجد إن العملية السياسية العراقية تکاد أن تکون من أفشل العمليات السياسية في المنطقة دونما إستثناء، وإن السبب الاساسي والرئيسي إنعدام مبدأ سيادة القانون في العراق عدم إستتباب الامن والاستقرار ووجود حالة فساد غير عادية.
الميليشيات والجماعات المسلحة التي إنتشرت بصورة غير غير عادية في العراق بحيث صار هناك مايقرب من 200 ألف مسلح طبقا لبعض المصادر، صارت ليس أقوى من الجيس وإنما حتى تطرح کبديل وکظل للجيش، وإن إشادة نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية بهذه الميليشيات والتغني بها وإعتبارها بمثابة النسخة العراقية للحرس الثوري، لم يأت إعتباطا خصوصا وإنها کانت ولازالت تتبع الحرس الثوري الايراني وتأخذ أوامرها منه تحديدا.
الدور الذي لعبته وتلعبه هذه الميليشيات في العراق وبشکل خاص من حيث التجاوز على القوانين وإنتهاکها بکل وقاحة بل وحتى سيطرتها على أماکن وعلى منشئات إقتصادية عامة وجعلها خاصة بها کما في أرصفة الموانئ ومراکز حدودية وغيرها، لکن المأساة إن دور هذه الميليشيات لايتوقف عند حدود إنتهاکاتها الاقتصادية بل إنها تقوم بالتدخل في أمور سياسية هي من إختصاص الدولة تحديدا، ولاسيما عندما تقوم بنشاطات وتحرکات تتناقض مع السياسة العامة للحکومة بل وحتى إنها تقوم بالادلاء بتصريحات تصادر من خلالها السيادة الوطنية العراقية عندما تعلن تبعية العراق للنظام الايراني وإن العراق عمق للنظام الايراني.
الحديث عن دولة المٶسسات المدنية وعن الديمقراطية وحقوق الانسان مع وجود هذه الميليشيات، هو حديث ليس فيه من أي معنى ذلك إنما نقيضان لبعضهما ولايمکن أبدا أن يلتقيان، وکما إن النظام الايراني وميليشيا الحرس الثوري والباسيج هما وجهان لعملة واحدة، فإن الذي يجري في العراق هو جعل الامر مشابها للحالة الايرانية”الاستبدادية”، وإن نجاح الاحزاب العميلة لإيران في فرض نسخة من الحکم الايراني الاستبدادي أي “نظام ولاية الفقيه”، فإن معنى ذلك إن الديمقراطية ستتم مصادرتها وإن الامور رويدا رويدا ستتغير سلبيا کما في ظل النظام الايراني، وإن الحل الوحيد هو حل هذه الميليشيات وإنهاء تبعية الاحزاب العميلة وذلك لايمکن أن يتم إلا بسقوط النظام الايراني أولا أو أن يبادر الشعب العراقي الى فرض إرادته ويکنس هذه الاحزاب والميليشيات رغن أنف النظام الايراني.