23 ديسمبر، 2024 3:51 ص

الميزانية.. الأكذوبة الكبرى

الميزانية.. الأكذوبة الكبرى

تعج الساحة العراقية بعد عام السعد 2003 بكم هائل من الأخبار والأحداث اليومية على الأصعدة كافة، وهي بين سار ومحزن، ومضحك ومبكٍ. أما المضحك منها فهو الشغل الشاغل لفئة معينة تقيم أعراسها على مآتم العراقيين، وأما المبكي فهو حصة النسبة العظمى من المواطنين الذين ينطبق عليهم مثلنا الشعبي القائل: “جزنا من العنب انريد سلتنا”. وهم الذين لايبتغون غير العيش بسلام ووئام في عراقهم، رافعين شعار (نعم للعلاگة.. لا لباقي الحقوق) بعد أن حتم عليهم واقعهم العيش دون أدنى مستويات العيش الكريم، إلا من كان ذا حظ عظيم فيصل حد الكفاف.
ولعل من أول المبكيات هو أن حدثا سنويا أضحى يتكرر بسلبياته عاما تلو عام، وليس للمتسببين في تكراره إحساس بهول تبعات ما يقومون به، ذاك الحدث هو تأخير إقرار الموازنة. والجميع يعلم ولاسيما أصحاب المراكز القيادية في مجالس الدولة، ما لهذا التأخير من إضرار كبير بمصلحة البلاد والعباد، وهم يعلمون أيضا، أن على عاتقهم تقع مسؤولية كل مايترتب على هذا التأخير من رزايا، ليس أولها المساس بلقمة المواطن، وآخرها لايقف عند عكس دوران عجلة التقدم الى الوراء. وهم بهذا يرتكبون جريمة بحق شعبهم، ويتحملون وزر حنثهم بقسمهم وأدائهم اليمين الدستورية، حين تسنموا مقاليد الحكم في التشكيل الهرمي لمؤسسات الدولة.
وشكلت هذه السلبيات بتحصيل حاصل شرخا كبيرا بين المسؤولين والمواطن، فالأخير وصل إلى قناعة مريرة بواقع أكثر مرارة، هي أن حقوقه ومستقبله على كف عفريت. كذلك اتضح له ان ثروات بلده يتلاعب بها سراق محصنون.. مدعومون.. منزهون.. مزكون، بإمكانهم شفط الأموال بطرق خفية على الحاكم والرقيب، وكذلك غير قابلة للكشف من قبل “نزاهة” او “مساءلة” أو أية جهة رقابية أخرى.
ولو عدنا بالزمن والأحداث الى الوراء ثلاث سنوات، فإن المركز العلمي للدراسات التنموية في العاصمة البريطانية لندن، دعا حينها الحكومة العراقية إلى إعادة صياغة موازنة 2014 بشكل كامل بما يتناسب مع ظروف العراق وأوضاعه الاقتصادية الصعبة. فالعجز المالي في هذه الموازنة يشكل نصفها، وتجاوزت قيمته 75 مليار دولار ما يعني أن العراق في وضع مالي صعب جداً. يضاف إلى ذلك أعباء الحرب التي يخوضها العراق والتي تزيد تكلفتها عن إيرادات العراق المالية. فالتكلفة العالية للملف الأمني والإنفاق على القوات المسلحة بالإضافة إلى عبء إيواء النازحين الذين تجاوز عددهم 1.5 مليون شخص، شكل ضغطاً كبيراً على هذه الموازنة، ما دفع إلى مناقلة أموال من الموازنة الاستثمارية لتمويل هذه النفقات، وهذا لعمري تجسيد لمثلنا القائل؛ (يغطي الشمس بالمنخل).
يضاف إلى ذلك مبالغ عالية من السلف والقروض التي زادت من قيمة العجز، إذ تم تمويل العديد من النفقات من خلال السلف التي تجاوزت 60 مليار دولار، و8 مليار دولار سحب على المكشوف، في حين اضطرت بعض الوزارات للاقتراض من القطاع الخاص لتمويل بعض المشاريع، وهذا عين العجز والإفلاس الذي يخيب ظن المواطن بحكومته وببرلمانه الراعي لحقوقه وثرواته.
ولو عدنا الى تداعيات الإخفاق في إقرار موازنة عام 2014، فإن تقريرا صدر آنذاك، حذر فيه المركز المذكور أعلاه، من تجاوز العجز مبلغ الـ50 مليار دولار، فحينذاك سيكون العراق عرضة لخطر الإفلاس في العام 2017، وسيكون العراق عاجزاً عن دفع رواتب موظفيه.
اليوم، وقد ولجنا منذ شهرين عام 2018، أي أن عدم إقرار موازنة هذا العام بات في عداد العيوب التي تضاف الى كم هائل من عيوب مجلسي التنفيذ والتشريع، اللذين سخرا الموازنة كأكذوبة كبرى لتسيير مصالحهم الحزبية والفئوية، هل تكفي القائمين على إقرارها أعذارهم بتأخيرها؟ وهل من مسوغ مشروع يقنع الرأي العام بمسببات الإرجاء والتأخير والمماطلة والتسويف؟ وهي سرقة في وضح النهار، شم الجميع رائحتها، وعلا أمام الجميع (عطّابها) ولمس المواطن أضرارها حتى أثقلت كاهله بما لايحتمل.