في عام 2006 صدر عن دار نينوى للنشر في دمشق كتابي ( الميثولوجيا من نرام ــ سين الى بول بريمر ) ، وربما مصادفة وقدرية أن يقترن هاجس الكتاب بأسم دار النشر ( نينوى ) لأن عنوان الكتاب هو مقالة تتحدث عن النهب والتدمير ( كسرا بالمعاول ) الذي تعرضت له الاثار العراقية عندما ابتعدت قوات المارينز أو تعمدت ربما عن حماية المتحف الوطني الواقع في منطقة علاوي الحلة .
ولا أدري لماذا في هذا الكتاب وغيره من المقالات والقصص كنت أحمل صورة سوداوية عن موت الميثولوجيا ، وتلك القدرية والعلاقة الجدلية بين المعول والمجرفة والقطعة الاثرية ، فالمجرفة تحفر وتظهر لنا الاثر كما في تنقيبات ليوناردو وولي في مقبرة أور الملكية أو المنقب الآثاري أوستن هنري لايارد الذي اكتشف كنز النمرود . وكذلك اكتشف (مكتبة آشور بانيبال) والتي وجد فيها (قصة الخلق) مكتوبة بالبابلية القديمة وتتألف من ألف سطر تقريبا على سبعة ألواح فخارية باللغة البابلية القديمة. في كل لوح 115 إلى 170 سطرا. وبنصوص كاملة تقريبا . ويقال إن “لايارد” صرخ مذهولا أمام حفرية للرسم الشهير لجسم إنسان ورأس أسد بجناحين ونقله ليكون على بوابة قصر الملكة فيكتوريا.
هذه السوداوية التي حملتها نبؤات كتابي تحققت الآن في المشاهد المفزعة والوحشية التي شاهدت فيه بشرا ملتحين بالزي الافغاني ينزلون بمعاول كبيرة على رؤوس تماثيل ثمينة تمثل الهة وملوك ومسلات يعود تأريخها الى عهود الدولة الاشورية والحضر والموجودة في متحف الموصل .
وأظن ليس كل الذي رأيناه اثارا حقيقة ولكن الكثير منها وخصوصا تلك اللوحات الجبسية المعلقة على جدران المتحف والتي تم تحطيمها بقسوة أرت العالم وبنحيب حزين الوحشية والقدرية المرعبة المتكررة الذي يتعرض له المكان العراقي في امكنة مختلفة ، لكن معاول داعش بالنسبة اليَّ هي الاقسى والاكثر الماً عندما تحولت الاجساد الحجرية للإلهة التي كانت في يوم ما تمنحُ سنحاريب الغطرسة والفتوحات ومجد الالواح ، واليوم تنحني برؤوسها حزينة امام ايقاعات الضرب القاسي والعنيف لذئاب داعش وهم يحطمون رؤوسها.
لم انحب منذ زمن بعيد أمام شاشات التلفاز ، لقد غادرت البكاء منذ طفولة الافلام الهندية ، ولكن نحيبي الان دفع أم اولادي لتشاركني صناعة دمعة وجع القلب وانا اشاهد هذا التمرين البربري يمارسُ جنونه على تراث البلاد التي ما كانت تفكر في يوما ما أن تذلَ شواهدها والهتها وملوكها بهذا الشكل بمبررات يتلوها ملتح تعس لا علاقة لها مع الدين والانسانية والحضارة بصلة ودافع وفعل ، كانوا يفعلون هذا انتقاما من فسيفساء المكان وروعته في جمع المذاهب والبيئات والعقائد في مكان واحد ، كانوا يفعلون هذا وهم اليوم اكبر وأثرى عصابات تهريب الاثار ولكنهم الان عجزوا عن تهريب هذه النصب والتماثيل الكبيرة فحطموها حقدا وانتقاما. وليثبوا للعالم انهم بعقيدتهم القاسية والتكفيرية يريدون أن يغيروا شكل العالم من خلال ثقافة سطحية ونزوع عاطفي سكن السذج والاغبياء والمحرومين عند كل مسلمي العالم من طقشند حتى صنعاء.
والآن فقدت الحضارة العراقية شيئا من عطرها الكوني بعد أن كسروا اجنحة ثيرانها المقدسة وحولوا ابناء الملك سنطروق الى تراب من الكلس الابيض .
أسجل في نحيبي استهجان روحي ، والعن اليوم الذي ولد فيه اسامة بن لادن والظواهري وابو بكر البغدادي وغيرهم من ولاة نصبهم هولاكو الخفي الذي ربما يعيش وسط معاطفنا ونحن لا نعلم.
تكسرت دموع الآلهة بالمعاول .فأشعر بنحيب خفي اسمعه من بورخيس يقول :قتلُ الشرق الجميل بهذه الطريقة ، لا يتوقعه المبصر والاعمى ابداً………!