22 نوفمبر، 2024 3:44 م
Search
Close this search box.

الميتانص وعضوية أداة مؤشرات النص ( 6 )

الميتانص وعضوية أداة مؤشرات النص ( 6 )

توطئة : من الحقيقي أن نعرف أن التجربة الشعرية تحدث في نطاق تنقلاتها التي تنشطر في مجليات النص و تتكاثر لنميز من بعدها بسهولة ما يختلف ويتباين في أمكانية مؤشرات استيعاب النص وتحويره على هيئة فجوات احتمالية مضافا إليها مسافة توتر مطرد يبلغ أقصى درجات العلاقة الشعرية الخاصة التي نجدها بين الدال والمدلول أو بين المدلولات بعضها البعض . فالطابع الفردي في شعرية عوالم الشاعر طالب عبد العزيز نجدها ذات منحى خاصا إذ أنها تكتسب عمقا خاصا في تجربته الشعرية مما يجعلها تبدو للقارىء و كأنها دفقا من الحيوية الميتانصية و الخصوصية الذاتية التي من شأنها توزيع ملمحات و مؤشرات الصياغة الإيحائية في أقصى مواطن عناصر قصيدته المتماسكة بعدا متجاوزا في بنيتها الشكلية و بوظيفتها الإنزياحية التواصلية ذلك بجانب تحقق متغيراتها على صعيد الأوسع دلاليا في آفاق رؤيتها التشكيلية المنصبة في أقنعة شيفرات المنشطات الأشارية الوظائفية ذات المعنى الأكثر دقة و أتساعا .

1ــ اللغة الشعرية المزاحة في فضاء الدال المتعدد : يدخل الدال الشعري في عوالم بنية الشاعر نحو مناطق شبه غائمة و غير مكتشفة إذ نجدها أحيانا تتداول عبر صيغ متجاوزة على حدود جمالية التوصيف و شواهد الأحوال النصية الكامنة عبر فضاء التداول في شكل التحقيق الدوالي الغير مباشر و عبر المنطوق في شعرية العلاقات الزمنية و المكانية و الذواتية و الافعالية الموظفة في بنية علامات طرائق البناء القصدي المزاح قولا في خطاب النص و صياغته و دلالاته . نقرأ على سبيل المثال مثل هذا المقاطع من قصيدة الشاعر :

أمس ، و قبل أن يخلع الفجر جبته
في ثنية بيتنا الذي على النهر
جاءني ببذور أزهار الشمس ..
و البلابل لما تكد تفرد أجنحتها
قال : الوقت متأخر لزراعة الظلال
و هذه الفطيمة من النخل ، دعها لي
أسقيها يوما ، و أتركها يومين . / قصيدة : زارع الظلال

في مقاطع و جمل هذه القصيدة ثمة إقامة مزاحة توصيفا في مركب تماثلات حركية الدوال الإيحائية و هي تتلخص في ذاتها لأفق مجالية الصورة المتشكلة في معبر متعلقات ظرفية و زمنية و مكانية : ( أمس ــ العلامة الزمنية = علاقة تحقق ماضوية = استذكار = تجاوز =اللامكان ـــ و قبل أن يخلع الفجر جبته = الإحساس التوصيفي المتوالد = مظهرية جديدة ـــ بيتنا الذي على النهر = الصورة المستشعرة = المؤشر المكاني . ) فالصورة الميتانصية المزاحة في دلالات هذه المقاطع جاءتنا محورا ترتكز عليه القيمة التشكيلية في تجربة طاقات اللغة المزاحة أو المتجاوزة و أمكاناتها في تفعيل سياق الدلالة و التركيب و الحقيقة و المجاز و الترادف و التضاد و غيرها من وسائل الامتلاء الشيفري و المؤشري في آفاق حلقات الرؤية الشعرية . و قد استطاع الشاعر أن يخلق في متن نصه تلك الوحدات الانقسامية المبأرة لغرض معاينة أوهاج ما وراء أقنعة النص . و لكن السؤال الذي يبقى يراودنا : هل ألتزم الشاعر بالوحدة الإيحائية لديه التي من شأنها توكيد صحة علاقاته الربطية في موضوعة و صورة النص ؟ أم أن وحدات النص في هذة المقاطع من القصيدة أضحت لنا وجه من وجوه استنطاق ما لا يستنطق من وراء تلك الذاكرة اللامرئية ــ كالفراغ المركب من الإحساسات المجردة ــ التي تتقاطع أحيانا في محاور استجابة علاقات نصوص الشاعر و لربما هذا الأمر أجراه لغرض الكشف عن تلك الحيوات المسكوت عنها داخل مواطن موضوعة القصيدة : ( جاءني ببذور أزهار الشمس / و البلابل لما تكد تفرد أجنحتها / قال : الوقت متأخر لزراعة الظلال / و هذه الفطيمة من النخل دعها لي / اسقها يوما و أتركها يومين ) الزمن الأحوالي يطرح هنا عبر قيمة دلالية مشحونة بدال صفاتي و أفعالي شديد الأهمية . فالشاعر هنا يستخدم طرحا واحدا للزمن المتجاوز أو المزاح في هذه المقاطع وعلى حين غرى نجده يستخدم زمنا تعدديا كحال قوله الآتي : ( قال : الوقت متأخر لزراعة الظلال / اسقيها يوما / و أتركها يومين ) هذا التغاير و التباعد الزمني و الظرفي أسند للشاعر ألتماس التفصيلات البارزة في قوله الآتي : ( سأجعلها مائلة للمشرق قليلا / و لكي لا تأس على ما فاتها من الشمس ) و قد مال الشاعر هنا لاستخدام و تفعيل خلفيات النص اللامكشوفة في ظل واقعة دلالة الحادثة المضمرة : ( أمس / بيتنا / على النهر / جاءني / البلابل / الوقت المتأخر / زراعة الظلال / هذه الفطيمة / دعها لي ) لعلنا نلاحظ أن طبيعة ثنائية التقديم و التأخير أخذت في النص شكلا ميتانصيا خالصا فلو أننا دققنا النظر في محاور المؤشرات القصدية في مقاطع صور النص لتكشف لنا ثمة حركة سرانية أخرى مخبوءة تكاد أن تكون عكس تصورنا القرائي الاسقاطي للنص . فحركة الأزمنة و الأمكنة و الأحوال الفعلية و الأسمية المضارعة و الماضية وجدناها في مسار النص تنحو منحى الغوص وراء مباحث شعورية ذواتية مزاحة أخذت تتصل بالمعاني التحويلية في الفصل و الوصل من عمليات بناء الغرض الشعري المتجاوز توصيفا . و لربما هو الركض وراء ترجمان وقائع أقنعة حالات النص المتوزع دلاليا في موجهات الدال الواحد و المتعدد .

( العلاقة الكلية و الجزئية في رؤية النص )
لا تدعنا اللغة الشعرية في تجربة الشاعر طالب عبد العزيز دون أن تدفعنا نحو مظاهر تمفصلات تلك الغموضات و المفاجأت و الأنسراح في آفاق ممارسة الاتصال القرائي المحفوف بطبيعة الرسالة الإيحائية التي لا يمكننا وصولها إلا عند طريق الفاعل الأشاري المتشعب في أيقونة انعطافاته اللغوية و الشكلية و الأسلوبية المتفرقة في نماذج شفروية هي في منتهى حالات الاطلاق في مجال اللغة المتجاوزة وصفا و تحققا . فضلا عن هذا المجال نعاين بأن لغة الشاعر في مجمل عوالمه الشعرية تمتاز بخصيصة العلاقة الكلية و الجزئية الكامنة في مسارية مواقف المعطى الدوالي المكثف من مصير المقصود الذواتي الشعري : ( فالشعراء في معالجاتهم الشعرية على ثلاثة أنواع : شاعر جزئي النظرة يهتم بالوجدان و الآثار النفسية وهو الشاعر الغنائي و هناك شاعر كلي النظرة شمولي الرؤية يعنيه الاستغراق أكثر من العمق و التفصيل و الإحاطة أكثر من التفصيل وهو الشاعر الملحمي فيمكن مقارنته بالملاح إذ ينتقل مع دوال نصه من مكان إلى آخر لكنه لما كان ينظر لجميع الأشياء من وجهة نظره هو فأنه يجدها دائما تنتمي للكون نفسه بغرائبه و مفاجأته .. و على العكس من ذلك فالشاعر الدرامي ينظر من خلال الغرائبية إلى عالم من المفاجأت و الدهشة لا يعنيه أن يرى أشياء جديدة و أهتمامه لا يقع على الأشياء لذواتها بل على ما يراه فيها فهو يأخذها من حيث رموز و علامات . / القصيدة العربية المعاصرة و تحولات النمط / للباحث الدكتور علاء الدين رمضان ) فمما لا شك فيه أن مجموع هذه القواسم الجوهرية لربما تختص في البعض منها بأسلوب و تراكيب و رؤية المنطلق الشعري لدى طالب عبد العزيز في جملة عوالمه الشعرية . فالشاعر في مجموعة أدواته أخذت تنحو نحوا من العلاقة الكلية و الجزئية فهو أحيانا يحكي لنا مدار سؤاله المصيري في شكل مقاربات نفسانية جزئية و أحيانا نجده كليا في مساحة تفاعل خطابه الآنوي الأغترابي في المكان و الزمن و الذات و اللغة فيما يتجه طورا نحو ذلك الآخر الشمولي الذي يسعى مع دوال قصيدته نحو مساحة غيبانية من الحال الشعري و ذلك دون أن تختلف وجهة نظره بالاداة الخاصة المتصلة برؤيته الأولية و على الرغم من مرسومية المغايرة الكامنة في انعطافات الدليل القصدي في تمفصلات حالاته الشعرية . و انطلاقا من كل هذا نقول أن اللغة الشعرية لدى الشاعر أخذت تشكل في بنيتها الجزئية و الكلية بمعناها العلائقي و الوظائفي المتجه نحو انشاء بلاغة سرية و خفية و ضبابية و غرائبية و بقدرات أخذت تبلغ بها اللغة المتجاوزة تموجات معادلة شعرية ثرية تتوازن من خلالها مكونات الميتانص خطا بوحيا خاصا لا حدود له في فضاء بنية أقنعة مؤشرات النص المتداخلة على انتاج متواليات الدلالة و هي في أقصى حالات كفاءتها الأسلوبية المتوالدة تشعبا جماليا خاصا .

أحدث المقالات