19 ديسمبر، 2024 2:16 ص

المونليزا الماركسية بالزي الكردي

المونليزا الماركسية بالزي الكردي

تقع مدينة الناصرية جنوب العراق ، قريبا من أمكنة الضوء الأزلية وتلك الهالات المؤلهة بالأساطير ودمى الطين حيث مدينة أور واحة الحلم السرمدي لمن تخيلوا الخبز قبل الجنة والنواح قبل الموسيقى ، فكان للناصرية التي جاءت من أطياف مدحت باشا وإمضاء ناصر باشا السعدون أن تقف على قدميها لتكون حاضرة عولمية للأشياء الخمس الرائعة الشعر والفقراء والخبز والشهداء والغناء .

هذه المدينة تشرفت لتكون حاضنة اليسار الأول في ميزوبوتاميا عندما جاءها يوسف سلمان يوسف  ( فهد ) ليشتغل عاملا قي ماكنة ثلج طوبيا ومن ثم يؤسس أقدم الأحزاب العراقية ( الحزب الشيوعي العراقي ) . ومن يومها أنتمنى حلم هذه المدينة لتلك المشاعر الهائمة في تخيل رؤيا العدالة والسلام والحرية والاشتراكية مثلما يتخيل الأمير السومري أور ــ نمو صعود زقورته الى العلا لتحقق أحلام سومر في بلوغ مجد فقراءها في منافسة الالهة من اجل صناعة الحياة الرائعة بين سكان مدن الطين والصرائف وسوابيط القصب.

هم ذاتهم المنتمون الى ذلك الحلم الماركسي صنعوا من ذكريات المدينة تلك التفاصيل الرومانسية لحياتهم وأجملها تلك التي كانت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي عندما احتفت الناصرية بقراءات الثقافات الجميلة لماركس وسارتر وسريالية اندريه بروتون وجيفارا واراغون والبياتي وحسين مردان وفيروز وفكتور جارا ، حتى يشعرك هذا الهوس في التعلم والانتماء والموهبة إن المدينة لم تكن ولدت لتكون سلسلة الغرام في ليالي أور بل إنها عشيقة أزلية لعاطفة نيرودا وأم كلثوم وكاسترو والحلاج ومايكوفسكي وحضيري أبو عزيز وبرجيت باردو…

هؤلاء المحاربون في حروب الأحلام الميتافيزيقية بخيال الإبحار الى قارات الخبز والقيثارات ، الإناث والذكور يسجلون أسماءهم في ألواح الطين وعلى دكات المعابد وبيوت محلات السيف والشرقية والإسكان وقرية فرحان وحي المعلمين وبساتين اسديناوية والموحية وكل الأمكنة التي كانت تسجل تواريخ عطر تلبك الاجتماعات التي تصاحبها رعشة العشق والفقر والأمنية اليسارية فكانت الأيام حافلة بتلك الذكريات الى فتية ذلك الحلم السرمدي ، أولئك الذين ضحوا بأرواحهم من اجل أساطير ذلك العشق المبلل بندى صباحات لأغنيات راديو الفيلبس وهو يعطي للبلابل حرية التزاوج والغناء ومشاركة الديكة مطارح السطوح.

وبمناسبة اليوم العالمي للأنوثة ـ يوم المرأة ، العراقي والعالمي يأتي استذكار واحدة من نتاج تلك الأحلام الخالدة التي سكنة سماء الناصرية وفي محلة الإسكان .تلك المحلة ببيوتها المربعة ذات المائة متر والتي بنيت في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم ، لتولد هناك تلك الوردة الماركسية في ليلة يسكتها لهيب تموز 23 تموز 1951 . حيث نمت وترعرعت وتعلمت منذ الأول الابتدائي في مدرسة الهدى وحتى تخرجها معلمة وهي بعمر 17 سنة . حيث مارست التعليم قبل محطات المنفى ، ومع انهيار الجبهة الوطنية بدأت الشهيدة المونليزا ( أنسام أمين ) رحلة الكفاح مع شجن المقاومة لتختار جبال كوردستان ساحة لأحلامها وحافظت لبريد الحزبي السري ، لتتخذ من البغال ادات لإيصاله بدلا من الحمام الزاجل ولترفض من اجل تلك المهمة الصعبة في الجبال الشاهقة والوعرة عرضا من الحزب الشيوعي لإكمال دراسة الطب في موسكو. 

صورة الموناليزا المركسية بالزي الكردي وفي عيد المرأة العالمية ، هو صور للأطياف الخالدة في تأريخ حواء وهي تصنع لنا أطياف الرؤى الواضحة لحياتنا ، ليسجل الشرف النضالي لبنات أور تكملة لأساطير الخلق والسفر الأبدي لجلجامش وأغاني شبعاد ونواح أمهاتنا على نعوش ضحايا حروب الملوك القساة والمفخخات والتكفير ومنابر القتل اليومي لأحلام الببغاوات الملونة في ضمير القراءات الخلدونية وبطاقات التموين وبسطيات أسواق هرج.

قتلت دورية للجيش التركي في الحدود بين العراق وتركيا الشهيدة موناليزا ، في قرية زيته ولم يتمكن  أحد من إنقاذها وهي جريحة أو أن تسحب جثتها ولما هدأت أصوات الإطلاقات النارية وبعد عدة ساعات تقدمت القوات التركية الكامنة من أماكنها وسحبت جثة الشهيدة أنسام إلى إحدى القرى التركية القريبة من الحادث فقامت زوجة المختار بتغسيلها وجرى دفنها في تلك القرية القريبة من الحدود العراقية.لتسجل دموعنا استذكارا لذلك الخلود المثالي لتلك النسوة اللائي يرسمن للحقيقة ألف شمس ونافذة ومزهرية الورد ، ومع الاستذكار نرفع قبعة التحية لهن في عيدهن بشكله الوطني والاممي ، ليرينا المشهد بروعة ما فيه ، دمعة الموناليزا وهي تشتاق الى الناصرية وشوارعها ونخيلها عندما كانت مجارف عائلة المختار في القرية التركية تحفر لها لحدا في أمكنة المنفى والجبال والغربة.

الموناليزا الماركسية بالزي الكردي … يرتدي العراق وجها بالغرام السومري والبابلي والآشوري ، وكما دهشة الطور الصبي يشد الحنين إليها روعة المديح لتلك الأنثى الرائعة….!

أحدث المقالات

أحدث المقالات