قبل الف وأربعمائة سنة تقريباً أراد الله أن يعيد البشرية إلى منهاجه الصحيح فاختار منهم نبيه الكريم الصادق الامين كما كانو ينادوه قومه وأنزل عليه رحمته وسكينة النفس وعلمه القراءة عن طريق الإلهام الرباني ..
ولكي تكتمل رسالة هذا النبي أعطاه الله الدليل القاطع والبرهان القوي فأنزل عليه القرآن الكريم على شكل سور وآيات ينقلها أحد ملائكة السماء هو الملك جبرائيل..
لم يكن الأمر سهلاً في بداية الدعوة فالاقوام التي نزلت عليهم أوامر باتباع النبوة كانو يعيشون في قمة عصر الجاهلية وكانو يعيثون في الارض فسادا ً .وكان كبيرهم وقويهم يأخذ حق ضعيفهم .وكان زواجهم اقرب إلى الزنا والفواحش ..وكانو يعبدون الأصنام التي يصنعونها بأيديهم .كانو يومها يبيحون لأنفسهم مايشتهون ويحللون كل شيء تشتهيه رغبات أنفسهم …
واليك عزيزي القارئ أن تتصور ماكتبناه أعلاه عن قريش ويأتي من أنفسهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ويحرم اغلب محللاتهم ويمنعهم من عبادة الأصنام .ويدعوهم لعبادة إله واحد أحد لم يسمعوا عنه من قبل وكيف يكون تقبلهم لأرض الواقع والدين الجديد.
لقد حاجج المشركون في قريش نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم في كل شيء حتى اتاهم اليقين بأن تتخلصو من عبوديتكم التي ابتليتم بها .وتتوجهو الى عبادة الإله الواحد .فصفعو مرة أخرى عندما نادى الاسلام بالمساواة بين العبد وسيده وأخذتهم العزة بألإثم وظنو أن مراكزهم الاجتماعية أصبحت اقرب إلى الزوال وأن الإسلام سوف ينهي مقاماتهم في المجتمع الجديد ..
لقد عانى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم من ويلات قومه وجهلهم معاناة كثيرة وكبيرة ولكن الله منحه الحكمة والصبر لإكمال رسالته السماوية .فكان المتسامح رغم ايذاءهم له والكريم رغم بخلهم عليه والأمين رغم خيانتهم له …
انتشر الإسلام بعد أن آمنت قريش انتشارا ً سريعًا ووصل إلى مشارق الأرض ومغاربها وأصبح عدد المسلمين اليوم آلاف الملايين بعد أن كانو عشرات أو ربما مئات فقط …
واليوم وبعد أربعة عشر قرنا ً يستذكر المسلمون وهم يحتفلون بالمولد النبوي الشريف سيرة نبيهم المصطفى وهم يضعوه قدوة في كل شيء رغم اختلافاتهم المذهبية وتعدد قومياتهم ولغاتهم .
ففي كل عام تحتفل الأمة الإسلامية بهذا العيد الكبير والذي يختلف الاحتفال فيه من دولة إلى أخرى ومن مدينة الى قرية .فقسم من المسلمين يحتفلون بطريقة بسيطة بعيداً عن الغلو والمبالغات ويكتفون بالصلاة والتسبيح والقسم الآخر يذهب بعمل الولائم الخاصة والاحتفال في الشوارع وعمل تجمعات كبيرة .
إن العبرة من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ليس بطريقة العزائم والولائم ولا بالخطب الرنانة وانما بتهذيب النفس وسلوكها على المنهج المحمدي الصحيح .والابتعاد من تمجيد السلطان وزبانيته والابتعاد عن عبادة الأصنام الجديدة .واعطاء كل ذي حق حقه .وإلا فما فائدة ان نكون أكثر من مليار مسلم ولا نستطيع أن نمثل رجل واحد إسمه محمد عليه افضل الصلاة والسلام…اختاره الله لحمل رسالته السماوية…