لا زالت أصداء الاتفاق المبدئي الحاصل بين حكومة إقليم كردستان والحكومة التركية بشأن عدد من اتفاقات النفط التي وقعّت بين الطرفين والتي ترى فيها الحكومة الاتحادية خروجا وتجاوزا على الدستور والسيادة الوطنية , تنذر بمواجهة قد تؤدي إلى ما تحمد عقباه .
فحكومة إقليم كردستان تريد بهذه الاتفاقات مع الحكومة التركية أن تستكمل انفصالها التام عن الحكومة الاتحادية في بغداد , وتهيئ الأجواء لإعلان الاستقلال عن العراق , سيّما وأنّ رئيس الإقليم مسعود البارزاني قد طالب الحكومة العراقية بأكثر من مناسبة بإقرار حق تقرير المصير للشعب الكردي , وحكومة الإقليم ترى إنّ سيطرتها على انتاج وتصدير النفط والغاز من حقول الإقليم بعيدا عن سيطرة واشراف الحكومة الاتحادية سيهيئ الأجواء المناسبة ويخلق الأرضية لإعلان الاستقلال السياسي , بعد أن يصبح الاستقلال الاقتصادي واقعا فعليا على الأرض .
والحكومة العراقية قد أعلنت موقفها الواضح والحازم من هذه الاتفاقات قبل وبعد اللقاء الذي تمّ بين نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة الدكتور حسين الشهرستاني ووزير الطاقة التركي , حيث أعلنت الحكومة العراقية إنّ أي انتاج وتصدير للنفط والغاز يجب أن يتمّ من خلال الحكومة الاتحادية حصرا , وإنّ أي اتفاق مع أي دولة خارجية يجب أن يكون بين الحكومة الاتحادية وهذه الدولة حصريا , وبالتالي رفض الحكومة لكل الاتفاقات التي ابرمتها حكومة الإقليم مع تركيا أو مع شركات النفط العالمية .
وبالرغم من كل هذا الرفض وهذا الحزم في موقف الحكومة الاتحادية , إلا أنه لا زال بعيدا عن الحسم , فالخلاف النفطي بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان يرجع أساسا للخلاف حول تفسير بعض النصوص التي وردت في الدستور العراقي , والتي تعتبرها حكومة الإقليم جوازا لها في انتاج وتصدير النفط والغاز بعيدا عن سيطرة واشراف الحكومة الاتحادية , وهذا يتطلب من من وزارة النفط الاتحادية الذهاب إلى المحكمة الاتحادية العليا لحسم هذا النزاع في تفسير هذه النصوص واستصدار حكما قضائيا ملزما لجميع الأطراف . لأنّ المحكمة الاتحادية العليا هي الجهة الوحيدة المعنية في تفسير نصوص الدستور العراقي .
وقد آن الأوان لكل الفعاليات السياسية والشعبية والإعلامية , أن تأخذ دورها الوطني بالتصدي الحازم لهذه التجاوزات اللاقانونية التي تقوم بها حكومة إقليم كردستان على السيادة والثروة , وأن تقف الموقف الوطني المنشود بعيدا عن الصراعات الجانبية والحزبية , فقضايا الوطن الكبرى كالسيادة والثروة ليست محلا للتنازع والتنافس الحزبي , والحفاظ على وحدة هذا الوطن أرضا وشعبا وحفظ ثروته وثروة أجياله القادمة , ليست مهمة الحكومة الاتحادية وحدها , بل هي مهمة الجميع
دون استثناء , وقد آن الأوان أن ينزع الجميع صراعاته وخلافاته السياسية ويركنها جانبا , وأن يقفوا صفا واحدا مع الحكومة الاتحادية في صراعها مع حكومة إقليم كردستان الخارجة عن القانون , في استعادة سيطرتها على انتاج وتصدير النفط والغاز من حقول إقليم كردستان وإيقاف سرقة نفط الشعب العراقي .
إنّ الموقف من عقود نفط إقليم كردستان بات اليوم هو العنوان العريض للوطنية العراقية , وكل ما ندّعية من حرص على وحدة هذا الوطن وثرواته هو اليوم أمام هذا الامتحان الوطني , كما إنّ السكوت على هذه التجاوزات الخطيرة لم يعد مقبولا ولا مستساغا , فالسكوت هو مشاركة في الجريمة وخيانة للوطن .