تتمتع إسرائيل منذ عقود بعلاقات أكثر دفئًا مع موسكو مقارنة بالعديد من الدول الغربية ، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الجالية الكبيرة الناطقة بالروسية في الكيان الاسرائيلي والتي تضم حوالي 15 %من السكان، كما تؤكد الدراسات ان نسبة اليهود في اوكرانيا تصل الى 40% من الشعب الاوكراني ، إضافة إلى ان معظم القادة السياسين في اسرائيل ذو اوصول اوكرانية أو من المناطق المحاذية لها كبولندا و بلاروسيا . كل تلك الحقائق والعلاقات التي تربط اسرائيل بدولتي الحرب ، تجعلنا امام تساؤل حول موقف الكيان الصهيوني ” إسرائيل ” المعلن تجاه الحرب الروسية الاوكرانية ؟ وما اثر ذلك الموقف على مستقبل القضية الفلسطينية ؟
تأرجح الموقف الاسرائيلي بعد مضي أسبوع على اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية بين الجانبين،إذ تعكس تصريحات إسرائيل أفعالاً أو بالأحرى تقاعساً. وأهمها رفض الحكومة طلب إدارة بايدن بالمشاركة في رعاية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدين تصرفات روسيا. إلا أن أصدرت إسرائيل بياناً أعربت فيه عن “دعم وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها”، من دون الإشارة صراحة إلى روسيا، فيما صرح وزير الخارجية يائير لابيد صراحة بأن “الهجوم الروسي على أوكرانيا انتهاك خطير للنظام الدولي” فقد أكد رئيس الوزراء نفتالي بينيت أهمية التركيز على الجانب الإنساني واستعداد إسرائيل لمساعدة أوكرانيا في هذا الصدد.
و فيما يتعلق بموقف اسرائيل من الحرب فبالرغم من التلعثم لدى القيادة الاسرائيلية في تل أبيب من من تبني موقف واضح ، الا اننا نجد ان اسرائيل قد أعلنت موقفا مؤيدا و بشكل صريح لاوكرانيا، من خلال تاكيدها على ضرورة الدفاع الكامل عن الاراضي و السيادة الاوكرانية ، كما اكدت علنا عدم موافقتها على الاجتياح الروسي للاراضي الاوكرانية .
كما صرح احد القاعدة العسكرين في الجيش الاسرائيلي ان اسرائيل على استعداد في المشاركة في الحرب الاوكرانية ضد روسيا ، من خلال ارسال قوات اسرائيلية خاصة و جنود سابقين في الجيش الاسرائيلي ، لاسيما من الزيادة اشتراك الجماعات الارهابية في المعركة .كما اكد المتحدث باسم الحكومة الاسرائيلية ان اسرائيل تعمل على تنسيق جهودها مع الولايات المتحدة الامريكية و فرنسا و المانيا في حل الازمة الاوكرانية .
كما ان الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الاسرائيلي لروسيا و لقاءه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تؤكد جهود الكيان الصهيوني في لعب دورا في التسوية و وضع حد للنزاع الروسي ـ الاوكراني ، وجاء ذلك ردا على دعوة الرئيس الاوكراني لاسرائيل ان تلعب دورا في حل النزاع ووضع اسرائيل في معادلة الصراع الروسي ـ الاوكراني .
اما مايتعلق بانعكاسات الحرب على إسرائيل فجغرافيا سيكون هناك آثار مباشرة على تحول الحدود الشمالية لإسرائيل مصدراً لتهديد أمنها لا سيما من سوريا، ولا عجب أنه قبل أيام قليلة من الهجوم الروسي، اختار وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو زيارة دمشق، فيما أجرى سلاح البحرية الروسي خلال زيارته مناورة بحرية تهديدية في البحر المتوسط، وتضمنت التدريبات اقتراب طائرات روسية من القواعد الأمريكية شرقي سوريا وشماليها على الحدود الأردنية-العراقية.
وعلى الجانب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ، فيمكن ان نشاهد انعاكاسات الحرب الروسية الاوكرانية في صورتين ، الأولي وأخطرهم ما صرح به وزير الاسكان الاسرائيليوهو ” استعداد اسرائيل لاستقبال مايقارب 5000 لاجئ يهودي اوكراني”. مما يساعد على تقوية مستوطنات الكيان الصهيوني في الضفة الغربية. كما ان الهجرة الاوكرانية بسبب الحرب سوف تعمل على تقوية الداخل الاسرائيلي لان أغلب المهاجريين من اليهود الاوكرانيين الى اسرائيل يتمتعون بكفائة علمية و معلوماتية يمكن الاستفادة منها .
والصورة الثانية فيما يخص الداخل الفلسطيني ، فنجد ان فلسطين كحال بقية العالم سوف يتاثر امنها الغذائي نتيجية للحرب الاوكرانية ، خاصة ان الحكومة الفلسطينية تعتمد على استيراد القمح من اوكرانيا ، وقطع الامدادات الغذائية من اوكرانيا سوف يعمل على رفع الاسعار و زيادة الاستياء الشعبي من الحكومة ، مما يعمل على التدخل الاسرائلي في الاراضي الفلسطينية و يضعف الدور الحكومي فيها .
لكن في حالة تحقق السيناريو الأكثر ترجيحًا ، وهو التوصل إلى تفاهم يسمح بخفض التصعيد ويؤدي إلى حوار استراتيجي بين الروس والأمريكيين وأوروبا حول القضايا الخلافية الرئيسية، تكون رغبة روسيا فيها تغيير النظام العالمي لصالح تحالف موسكو وبكين ، خاصة في حال ضعف واشنطن في سياستها الخارجية. في هذه الحالة حتما ستتأثر القضية الفلسطينية بشكل إيجابي، في حالة ظهور هذا النظام الجديد وانحسار الأدوار الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. ومع ذلك ، فإن هذا يتطلب من القيادة الفلسطينية الرسمية إصلاح نفسها ، وتقوية موقفها الداخلي ، وإعادة النظر في خياراتها الاستراتيجية وتحالفاتها الإقليمية. هذا في حين يتخوف الإسرائيليون مما يسمونه سيناريوهات التصعيد بالمنافسة بين القوى العظمى، وأين ستكون مواقفهم، وكيف سيصيغون سياساتهم الخارجية تجاهها.
وفي نهاية الأمر؛ أياً كانت المقاربة الإسرائيلية من الحرب الروسية على أوكرانيا فإن التقدير السائد في تل أبيب أنها ستضطر في النهاية إلى اختيار موقف واضح وفاعل تجاه الحرب الدائرة، أخذة بعين الاعتبار أنها إمكانية إنشاء وضع قائم جديد وغير مريح لهم قريباً بالعلاقات بين هذه القوى العالمي.