يتصور كثير ممن يتقلد منصبا حكوميا رفيعا، أن ذلك إنجاز شخصي له؛ من ثم فهو يحاول تحقيق أكبر قدر من المكاسب الخاصة، على حساب المصلحة العامة، فترى المسؤول يستهل مشوار عمله في الدائرة التي يشغل فيها منصب الشخص الأول، بإصلاح الأمور المتعلقة بحياته الشخصية؛ وتعيين أقاربه في الدائرة التي يديرها، في الوقت الذي نرى فيه أن المجتمعات المتحضرة، تعاقب من يستغل صفته الوظيفية، لأنه يعد فسادا.
صحيح أن هذا الموظف من الشعب، وأقاربه الذين عينهم وسيعينهم في المستقبل؛ لكن ذلك يجب ألا يكون على حساب الآخرين، فكثير منهم أحق من أقارب المسؤول في التعيين، من حيث الأهلية العلمية على الأقل.
بلحاظ أن الموقع الحكومي ـ أيا كان ـ هو للخدمة العامة وليس لتحقيق منافع شخصية؛ عدا ما يتعلق براتب هذا المسؤول أو ذاك ومخصصاته الأخرى، فإن ما يقوم به خلاف ذلك، يعد تعديا على ما مطلوب منه أن يقوم به، والأدهى والأمر، أننا نرى كثير منهم تم ترشيحهم لهذه المناصب؛ لقربهم من هذا الحزب أو ذاك، ويأتي في المقدمة من هذه الأحزاب، حزب الدعوة الإسلامية؛ الذي إتبع نهج النظام السابق، عندما كان لا يتم ترشيح أي موظف لمنصب حكومي رفيع ـ مدير عام فما فوق ـ إلا بعد أن يتم تنظيمه في تنظيمات الحزب الحاكم.
عمل السيد المالكي في الدورة الأولى، على أن يتبوأ المناصب الإشرافية والقيادية في دوائر ومؤسسات الدولة؛ عناصر من حزب الدعوة الإسلامية، بغض النظر عن مدى كفاءة ونزاهة هذا الشخص أو ذاك، الأمر الذي نتج عنه فساد مالي وإداري كبيرين؛ فمن الناحية المادية، فإن المجيء بشخص لا يفقه شيئا في ما يتم تكليفه به؛ سيؤدي بالأشخاص الذين تحت مسؤوليته ـ مع إفتراض نظافة يده ـ الى إستغلال عدم معرفته ببواطن الأمور، ويعيثون فسادا في تلك المؤسسة، بما يحقق لهم تخمة مالية عن طريق الرشاوى التي يفرضونها على معاملات المواطنين الذين يراجعون تلك المؤسسة.
أما من الناحية الإدارية، فإن ذلك سيؤدي الى شعور بالغبن، لدى من هو أكفأ من المسؤول الذي جيء به وهو لا يفقه شيئا في كيفية إدارة تلك المؤسسة، وبذلك سيتولد إحباط لدى الموظف الكفوء؛ ينتج عنه خسارة خبرات تراكمية لدى هؤلاء الموظفين الذين تعبت عليهم الدولة، وصرفت الملايين من أجل أن يصلوا الى ما وصلوا إليه عن طريق تصرف خاطئ من قبل الحزب الحاكم.
من هنا فإننا نشدد على الدكتور العبادي بضرورة الحزم في هذه المسألة، وتطهير مؤسسات الدولة من تلك الآفات التي جلبت الخراب للمؤسسات العراقية، وتركتها خاوية على عروشها، بغض النظر عن أن المدير الفلاني ينتمي الى حزب الدعوة، فهو كما يقول في حديثه أمام مجلس محافظة البصرة، يعمل من أجل العراق ولكل العراق، فليجعلنا نصدق كلامه عن طريق إجتثاث تلك الآفات.